الأحد، 25 يوليو 2021

ذكر تعظيم خلقهم في النار ، أعاذنا الله من النار

 

ذكر تعظيم خلقهم في النار ، أعاذنا الله من النار

قال الله تعالى . إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما [ النساء : 56 ] .

وقال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثني أبو يحيى الطويل ، عن أبي يحيى [ ص: 139 ] القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا ، وإن ضرسه مثل أحد " . كذا رواه أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وهو الصحيح . وكذا رواه البيهقي ، ثم رواه من طريق عمران بن زيد ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ، فذكر مثله ، ثم صحح البيهقي الأول كما ذكرنا . والله أعلم .

وهذا الحديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شاهد من وجوه أخرى عن أبي هريرة . فالله أعلم .

فقال الإمام أحمد : حدثنا ربعي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد ، وعرض جلده سبعون ذراعا ، وفخذه مثل ورقان ، ومقعده في النار مثل ما بيني وبين الربذة " .

ورواه البيهقي ، من طريق بشر بن المفضل ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، [ ص: 140 ] وزاد فيه : " وعضده مثل البيضاء " .

طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن عبد الله بن دينار - عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضرس الكافر مثل أحد ، وفخذه مثل البيضاء ، ومقعده من النار كما بين قديد ومكة ، وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار " .

طريق أخرى : قال البزار : حدثنا محمد بن الليث الهدادي ، وأحمد بن عثمان بن حكيم ، قالا : حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا شيبان - يعني ابن عبد الرحمن - عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ضرس الكافر مثل أحد ، وغلظ جلده أربعون ذراعا " .

طريق أخرى : قال البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا أبو عامر ، [ ص: 141 ] حدثنا محمد بن عمار ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضرس الكافر مثل أحد ، ومقعده من النار مسيرة ثلاث " .

طريق أخرى : قال الحسن بن سفيان : حدثنا يوسف بن عيسى ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن الفضيل بن غزوان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين منكبي الكافر مسيرة خمسة أيام للراكب المسرع " .

قال الحسن : وحدثنا محمد بن طريف البجلي ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة رفعه ، قال : " ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع " .

قال البيهقي : رواه البخاري ، عن معاذ بن أسد ، عن الفضل بن موسى . ورواه مسلم ، عن أبي كريب وغيره ، عن ابن فضيل ، ولم يقل : رفعه .

[ ص: 142 ] طريق أخرى : قال البزار : حدثنا الحسين بن الأسود ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضرس الكافر مثل أحد ، وفخذه مثل الورقان ، وغلظ جلده أربعون ذراعا " .

ثم قال البزار : لا يروى عن أبي هريرة بأحسن من هذا الإسناد ، ولم نسمعه إلا من الحسين بن الأسود .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، ثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن عبد الله بن قيس ، قال : سمعت الحارث بن أقيش ، يحدث أن أبا برزة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر ، وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون أحد زواياها " . ورواه أحمد أيضا ، عن محمد بن أبي عدي ، عن داود بن أبي هند ، به .

وقال أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو حيان ، حدثني يزيد بن حيان التيمي ، قال : وحدثنا زيد بن أرقم قال : " إن الرجل من أهل [ ص: 143 ] النار ليعظم للنار حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد " .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولس . فتعلوهم نار الأنيار ، يسقون من طينة الخبال ; عصارة أهل النار " .

وكذا رواه الترمذي والنسائي " ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن ابن عجلان ، وقال الترمذي : حسن . فالمراد أنهم يحشرون يوم القيامة في العرصات كذلك ، فإذا سيقوا إلى النار ودخلوها عظم خلقهم ، كما دلت على ذلك الأحاديث التي أوردناها ; ليكون ذلك أنكى وأشد في عذابهم ، وأعظم في خزيهم ، كما قال : ليذوقوا العذاب [ النساء : 56 ] . والله سبحانه أعلم

.............................................

  قوله تعالى : إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا

قد تقدم معنى الإصلاء أول السورة . وقرأ حميد بن قيس " نصليهم " بفتح النون أي نشويهم . يقال : شاة مصلية . ونصب ( نارا ) على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار .

كلما نضجت جلودهم يقال : نضج الشيء نضجا ونضجا ، وفلان نضيج الرأي محكمه . والمعنى في الآية : تبدل الجلود جلودا أخر . فإن قال من يطعن في القرآن من الزنادقة : كيف جاز أن يعذب جلدا لم يعصه ؟ قيل له : ليس الجلد بمعذب ولا معاقب ، وإنما الألم واقع على النفوس ؛ لأنها هي التي تحس وتعرف فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس . يدل عليه قوله تعالى : ليذوقوا العذاب وقوله تعالى : كلما خبت زدناهم سعيرا . فالمقصود تعذيب الأبدان وإيلام الأرواح . ولو أراد الجلود لقال : ليذقن العذاب . مقاتل : تأكله النار كل يوم سبع مرات . الحسن : سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فعادوا كما كانوا . ابن عمر : إذا احترقوا بدلت لهم جلود بيض كالقراطيس . وقيل : عنى بالجلود السرابيل ؛ كما قال تعالى : وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران سميت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة ؛ كما يقال للشيء الخاص بالإنسان : هو جلدة ما بين عينيه . وأنشد ابن عمر رضي الله عنه :



يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم

فكلما احترقت السرابيل أعيدت . قال الشاعر :

كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها     فويل لتيم من سرابيلها الخضر
[ ص: 220 ] فكنى عن الجلود بالسرابيل . وقيل : المعنى أعدنا الجلد الأول جديدا ؛ كما تقول للصائغ : صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره ؛ فيكسره ويصوغ لك منه خاتما . فالخاتم المصوغ هو الأول إلا أن الصياغة تغيرت والفضة واحدة . وهذا كالنفس إذا صارت ترابا وصارت لا شيء ثم أحياها الله تعالى . وكعهدك بأخ لك صحيح ثم تراه بعد ذلك سقيما مدنفا فتقول له : كيف أنت ؟ فيقول : أنا غير الذي عهدت . فهو هو ، ولكن حاله تغيرت . فقول القائل : أنا غير الذي عهدت ، وقوله تعالى : ( غيرها ) مجاز . ونظيره قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض وهي تلك الأرض بعينها إلا أنها تغير آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها ، ويزاد في سعتها ويسوى ذلك منها ؛ على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم " عليه السلام . ومن هذا المعنى قول الشاعر :

فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت أعرف وقال الشعبي : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة . ذمت دهرها ، وأنشدت بيتي لبيد :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب يتلذذون مجانة ومذلة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب فقالت : رحم الله لبيدا فكيف لو أدرك زماننا هذا ! فقال ابن عباس : لئن ذمت عائشة دهرها لقد ذمت " عاد " دهرها ؛ لأنه وجد في خزانة " عاد " بعدما هلكوا بزمن طويل سهم كأطول ما يكون من رماح ذلك الزمن عليه مكتوب : بلاد بها كنا ونحن بأهلها إذ الناس ناس والبلاد بلاد البلاد باقية كما هي إلا أن أحوالها وأحوال أهلها تنكرت وتغيرت . إن الله كان عزيزا أي لا يعجزه شيء ولا يفوته . حكيما في إيعاده عباده . وقوله في صفة أهل الجنة وندخلهم ظلا ظليلا يعني كثيفا لا شمس فيه . الحسن : وصف بأنه ظليل ؛ لأنه لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك . وقال الضحاك : يعني ظلال الأشجار وظلال قصورها الكلبي : ظلا ظليلا يعني دائما .

الجامع لأحكام القرآن »

سورة النساء »

قوله تعالى إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق