الأحد، 25 يوليو 2021

أحاديث أخري في طعام أهل الجنة نشأل الله الجنة

أحاديث أخر شتى : 

 

قال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير فتشتهيه ، فيخر بين يديك مشويا " . وقال : الإمام أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، عن فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما وهو يحدث ، وعنده رجل من أهل البادية : " إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه ، عز [ ص: 323 ] وجل ، في الزرع ، فقال له ربه سبحانه : ألست فيما شئت ؟ قال : بلى ، ولكني أحب أن أزرع " . قال : " فبذر ، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده ، فكان أمثال الجبال " . قال : " فيقول له ربه ، عز وجل : دونك يا بن آدم ، فإنه لا يشبعك شيء " . قال : فقال الأعرابي : والله ما تجد هذا إلا قرشيا أو أنصاريا ; فإنهم أصحاب زرع ، فأما نحن فلسنا بأصحابه . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، به .  

.........................................
عبد الله بن مسعود

( ع )

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار .

الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري ، حليف بني زهرة .

كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين ، شهد بدرا ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علما كثيرا .


حدث عنه أبو موسى ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، في طائفة من الصحابة ، وعلقمة ، [ ص: 462 ] والأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، وأبو وائلة ، وقيس بن أبي حازم ، وزر بن حبيش ، والربيع ، بن خثيم ، وطارق بن شهاب ، وزيد بن وهب ، وولداه أبو عبيدة وعبد الرحمن ، وأبو الأحوص عوف بن مالك ، وأبو عمرو الشيباني ، وخلق كثير .

وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبيد بن نضيلة ، وطائفة .

اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين ، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثا ، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا ، وله عند بقي بالمكرر ثماني مائة وأربعون حديثا .

قال قيس بن أبي حازم : رأيته آدم خفيف اللحم ، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان عبد الله رجلا نحيفا ، قصيرا ، شديد الأدمة ، وكان لا يغير شيبه . وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله لطيفا ، فطنا .

قلت : كان معدودا في أذكياء العلماء . وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين . قلت : رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين وثلاثين وكان يعرف أيضا بأمه ، فيقال له : ابن أم عبد .

قال محمد بن سعد : أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة .

وروي عن علقمة : عن عبد الله ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي . [ ص: 463 ]

وروى المسعودي : عن سليمان بن مينا ، عن نويفع مولى ابن مسعود ، قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض ، وأطيب الناس ريحا . يعقوب بن شيبة : حدثني بشر بن مهران ، حدثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : قال عبد الله : إن أول شيء علمته من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي ، نبتاع منها متاعا ، وكان في بغيتنا شراء عطر ، فأرشدونا على العباس ، فانتهينا إليه ، وهو جالس إلى زمزم ، فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده ، إذ أقبل رجل من باب الصفا ، أبيض ، تعلوه حمرة ، له وفرة جعدة ، إلى أنصاف أذنيه ، أشم ، أقنى ، أذلف ، أدعج العينين ، براق الثنايا ، دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، كث اللحية ، عليه ثوبان أبيضان ، كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه ، مراهق أو محتلم ، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها ، حتى قصد نحو الحجر ، فاستلم ، ثم استلم الغلام ، واستلمت المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعا ، وهما يطوفان معه ، ثم استقبل الركن ، فرفع يده وكبر ، وقام ثم ركع ، ثم سجد ثم قام . فرأينا شيئا أنكرناه ، لم نكن نعرفه بمكة .


فأقبلنا على العباس ، فقلنا : يا أبا الفضل ، إن هذا الدين حدث فيكم ، أو أمر لم نكن نعرفه ؟ قال : أجل والله ما تعرفون هذا ، هذا ابن أخي محمد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة . [ ص: 464 ]

قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح . محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي : عن أبيه ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا . وقال ابن إسحاق : أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا ، وعن يزيد بن رومان قال : أسلم عبد الله قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم . أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام ، إجازة ، عن عبد المنعم بن كليب ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا إسماعيل بن محمد ( ح ) وقرأت على أحمد بن إسحاق ، وعبد الحافظ بن بدران ، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد ، أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس ، في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وأنا في الخامسة ( ح ) وأنبأنا علي بن محمد ، وعمر بن عبد المنعم ، وعبد المنعم بن عساكر ، وأبو علي بن الجلال ، وابن مؤمن ، قالوا : أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي ، أنبأنا حمزة بن علي الثعلبي ( ح ) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي ، وأحمد بن عبد الرحمن قالا :

أنبأنا أبو القاسم بن صصرى ، [ ص: 465 ] أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي ، وأبو يعلى بن الحبوبي ( ح ) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي ، ومحمد بن الحسن الأرموي ، والحسن بن علي الدمشقي ، وإسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، وأحمد بن مؤمن ، وست الفخر بنت عبد الرحمن ، قالوا : أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية ، أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي ، قالوا : أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي ، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا :

أنبأنا الحسن بن عرفة العبدي ( ح ) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الشيباني ، حدثني أبي قالا : أنبأنا أبو بكر بن عياش ، حدثني عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها ، فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب ، وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا - فقلت : يا رسول الله ، علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .

هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم ابن بهدلة ، وفيه زيادة منها : فلقد أخذت من فيه - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ما نازعني فيها بشر ، ورواه [ ص: 466 ] إبراهيم بن الحجاج السامي عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم ، وفيه : قال : فأتيته بصخرة منقعرة ، فحلب فيها ، قال : فأسلمت وأتيته . 


عرض في كتاب سير أعلام النبلاء
=========

ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة بعد دخولهم الجنة

روى الإمام أحمد عن إسماعيل ابن علية ، عن حميد . وأخرجه البخاري من حديثه ، عن أنس ، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة - عن أشياء ، منها : وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ فقال : " زيادة كبد حوت " .

وفي " صحيح مسلم " من رواية أبي أسماء ، عن ثوبان ، أن يهوديا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : " زيادة كبد الحوت " . قال : فما غذاؤهم على إثرها ؟ قال : " ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل [ ص: 324 ] من أطرافها " . قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : " من عين تسمى سلسبيلا " . قال : صدقت .

وفي " الصحيحين " من حديث عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر ، نزلا لأهل الجنة " . فأتى رجل من اليهود ، فقال : بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال : " بلى " . قال : تكون الأرض خبزة واحدة يوم القيامة . ثم قال : ألا أخبرك بإدامهم ؟ قال : " بلى " . قال : إدامهم بالام ونون . قال : " وما هذا ؟ " قال : ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا .

وقال الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، في قوله تعالى : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك [ المطففين : 25 ، 26 ] . قال : الرحيق الخمر ، مختوم يجدون عاقبتها ريح المسك .

وقال سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ومزاجه من تسنيم [ المطففين : 27 ] . قال : التسنيم أشرف شراب أهل الجنة ، يشربه المقربون صرفا ، ويمزج لأصحاب اليمين .

[ ص: 325 ] قلت : وقد وصف الله خمر الجنة بصفات جميلة حسنة ليست في خمور الدنيا القذرة ، فذكر أنها أنهار جارية ، كما قال تعالى : وأنهار من خمر لذة للشاربين [ محمد : 15 ] . فهي أنهار جارية مستمدة من عيون تنبع من تحت جبال المسك ، وليست معتصرة بأرجل الرجال الأراذل في أسوأ الأحوال ، وذكر أنها لذة للشاربين ، وليست كخمر الدنيا من كراهة الطعم ، وسوء الفعل في العقل ، ومغص البطن ، وصداع الرأس ، فقد نزه الله أهل الجنة عن ذلك كله ، ونزه خمرها أن يكون فيه شيء من ذلك كما قال تعالى : يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون [ الصافات : 45 - 47 ] . " بيضاء " أي حسنة المنظر ، لذة : طيبة الطعم ، لا فيها غول الغول : وجع البطن ، ولا هم عنها ينزفون أي : لا تذهب عقولهم ، وذلك أن المقصود من الخمر إنما هو اللذة المطربة ، وهي الحالة المبهجة التي يحصل بها سرور النفس ، وهذا حاصل كامل تام في خمر الجنة ، فأما ذهاب العقل بحيث يبقى شاربها كالحيوان والمجنون ، فهذا نقص إنما ينشأ عن خمر الدنيا ، فأما خمر الجنة فلا تحدث لشاربها شيئا من هذا وإنما تحدث السرور والابتهاج ، ولهذا قال تعالى : لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون أي : تنزف عقولهم ، فتذهب بالكلية بسبب شربها .

وقال في الآية الأخرى : يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون [ الواقعة : 17 - 19 ] . أي : لا [ ص: 326 ] تورث لهم صداعا في رءوسهم ، ولا تنزف عقولهم .

وقال في الآية الأخرى : يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون [ المطففين : 25 - 28 ] .

وقد ذكرنا في " التفسير " عن عبد الله بن مسعود : إن الجماعة من أهل الجنة ليجتمعون على شرابهم كما يجتمع أهل الدنيا ، فتمر بهم السحابة ، فتقول : ما تريدون أن أمطركم فلا يشاءون شيئا إلا أمطرت عليهم ، حتى إن منهم من يقول : أمطرينا كواعب أترابا . فتمطرهم كواعب أترابا .

وتقدم أنهم يجتمعون عند شجرة طوبى ، فيذكرون لهو الدنيا ، وهو الطرب ، فيبعث الله ريحا من الجنة ، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا ، وفي بعض الآثار : إن الجماعة من أهل الجنة ليجتازون ، وهم ركبان سائرون صفا واحدا ، فلا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا تنحت عن طريقهم ، لئلا تثلم صفهم وتفرق بينهم وأتحفتهم من ثمرها . وهذا كله من فضل الله عليهم ورحمته بهم ، فله الحمد والمنة ، وذلك قوله : رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] .

[ ص: 327 ] والأكواب هي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم ، والأباريق بخلافها لها عرى وخراطيم ، والكأس هو القدح فيه الشراب ، وقال تعالى : وكأسا دهاقا [ النبأ : 34 ] . أي ملأى مترعة ، ليس فيها نقص ، لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا [ النبأ : 35 ] . أي لا يصدر منهم ، على شرابهم ، شيء من اللغو ، وهو الكلام الساقط التافه ، ولا تكذيب لبعضهم بعضا ، كما يصدر من شربة الدنيا ، كما قال تعالى : لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما [ مريم : 62 ] . وقال : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما [ الواقعة : 25 ، 26 ] . وقال تعالى : لا تسمع فيها لاغية [ الغاشية : 11 ] .

وثبت في " الصحيحين " ، عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " .




التالي السابق



تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









قوله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون

قوله تعالى : إن الأبرار أي أهل الصدق والطاعة . لفي نعيم أي نعمة ، والنعمة بالفتح : التنعيم ; يقال : نعمه الله وناعمه فتنعم وامرأة منعمة ومناعمة بمعنى . أي إن الأبرار في الجنات يتنعمون .

على الأرائك وهي الأسرة في الحجال ينظرون أي إلى ما أعد الله لهم من الكرامات ; قاله عكرمة وابن عباس ومجاهد . وقال مقاتل : ينظرون إلى أهل النار . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ينظرون إلى أعدائهم في النار " ذكره المهدوي . وقيل : على أرائك أفضاله ينظرون إلى وجهه وجلاله .

قوله تعالى : تعرف في وجوههم نضرة النعيم أي بهجته وغضارته ونوره ; يقال : نضر النبات : إذا أزهر ونور . وقراءة العامة ( تعرف ) بفتح التاء وكسر الراء نضرة نصبا ; أي تعرف يا محمد . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ويعقوب وشيبة وابن أبي إسحاق : ( تعرف ) بضم التاء وفتح الراء على الفعل المجهول ( نضرة ) رفعا .

يسقون من رحيق أي من شراب لا [ ص: 227 ] غش فيه . قاله الأخفش والزجاج . وقيل ، الرحيق الخمر الصافية . وفي الصحاح : الرحيق صفوة الخمر . والمعنى واحد . الخليل : أقصى الخمر وأجودها . وقال مقاتل وغيره : هي الخمر العتيقة البيضاء الصافية من الغش النيرة ، قال حسان :




يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل وقال آخر :




أم لا سبيل إلى الشباب وذكره أشهى إلي من الرحيق السلسل
مختوم ختامه مسك قال مجاهد : يختم به آخر جرعة . وقيل : المعنى إذا شربوا هذا الرحيق ففني ما في الكأس ، انختم ذلك بخاتم المسك . وكان ابن مسعود يقول : يجدون عاقبتها طعم المسك . ونحوه عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي قالا : ختامه آخر طعمه . وهو حسن ; لأن سبيل الأشربة أن يكون الكدر في آخرها ، فوصف شراب أهل الجنة بأن رائحة آخره رائحة المسك . وعن مسروق عن عبد الله قال : المختوم الممزوج . وقيل : مختوم أي ختمت ومنعت عن أن يمسها ماس إلى أن يفك ختامها الأبرار . وقرأ علي وعلقمة وشقيق والضحاك وطاوس والكسائي ( خاتمه ) بفتح الخاء والتاء وألف بينهما . قاله علقمة : أما رأيت المرأة تقول للعطار : اجعل خاتمه مسكا ، تريد آخره . والخاتم والختام متقاربان في المعنى ، إلا أن الخاتم الاسم ، والختام المصدر ; قاله الفراء . وفي الصحاح : والختام : الطين الذي يختم به . وكذا قال مجاهد وابن زيد : ختم إناؤه بالمسك بدلا من الطين . حكاه المهدوي . وقال الفرزدق :
وبت أفض أغلاق الختام وقال الأعشى :
وأبرزها وعليها ختم أي عليها طينة مختومة ; مثل نفض بمعنى منفوض ، وقبض بمعنى مقبوض . وذكر ابن المبارك وابن وهب ، واللفظ لابن وهب ، عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : ختامه مسك : خلطه ، ليس بخاتم يختم ، ألا ترى إلى قول المرأة من نسائكم : إن خلطه من الطيب كذا وكذا . إنما خلطه مسك ; قال : شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر أشربتهم ، لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها ، لم يبق ذو روح إلا وجد ريح طيبها . وروى [ ص: 228 ] أبي بن كعب قال : قيل يا رسول الله ما الرحيق المختوم ؟ قال : " غدران الخمر " . وقيل : مختوم في الآنية ، وهو غير الذي يجري في الأنهار . فالله أعلم .
وفي ذلك أي وفي الذي وصفناه من أمر الجنة فليتنافس المتنافسون أي فليرغب الراغبون يقال : ( نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة : أي ضننت به ، ولم أحب أن يصير إليه . وقيل : الفاء بمعنى إلى ، أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل ; نظيره : لمثل هذا فليعمل العاملون ) .
ومزاجه أي ومزاج ذلك الرحيق من تسنيم وهو شراب ينصب عليهم من علو ، وهو أشرف شراب في الجنة . وأصل التسنيم في اللغة : الارتفاع فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل ; ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه ، وكذلك تسنيم القبور . وروي عن عبد الله قال : ( تسنيم ) عين في الجنة يشرب بها المقربون صرفا ، ويمزج منها كأس أصحاب اليمين فتطيب . وقال ابن عباس في قوله - عز وجل - : ومزاجه من تسنيم قال : هذا مما قال الله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين . وقيل : التسنيم عين تجري في الهواء بقدرة الله تعالى ، فتنصب في أواني أهل الجنة على قدر مائها ، فإذا امتلأت أمسك الماء ، فلا تقع منه قطرة على الأرض ، ولا يحتاجون إلى الاستقاء ; قاله قتادة ، ابن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش . وكذا في مراسيل الحسن . وقد ذكرناه في سورة ( الإنسان ) .
عينا يشرب بها المقربون أي يشرب منها أهل جنة عدن ، وهم أفاضل أهل الجنة صرفا ، وهي لغيرهم مزاج . و ( عينا ) نصب على المدح . وقال الزجاج : نصب على الحال من تسنيم ، وتسنيم معرفة ، ليس يعرف له اشتقاق ، وإن جعلته مصدرا مشتقا من السنام ف ( عينا ) نصب ; لأنه مفعول به ; كقوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما وهذا قول الفراء إنه منصوب بتسنيم . وعند الأخفش ب " يسقون " أي يسقون عينا أو من عين . وعند المبرد بإضمار أعني على المدح .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة المطففين »
قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم
[ عرض الكتاب ]
============
============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق