الأحد، 25 يوليو 2021

ثمار الجنة و طير الجنة وحور الجنة وطعام أهل الجنة

فصل في ثمار الجنة
قال الله تعالى : فيها فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] . وقال : فيهما من كل فاكهة زوجان [ الرحمن : 52 ] . وقال : وجنى الجنتين دان [ الرحمن : 54 ] . أي : قريب من المتناول ، كما قال : وذللت قطوفها تذليلا [ الإنسان : 14 ] ، وقال : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ ص: 313 ] [ الواقعة : 27 - 33 ] . أي : لا تنقطع أبدا في زمن من الأزمان ، بل هي موجودة في كل أوان وزمان ، كما قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . أي : لا يسقط ورق أشجارها ، أي : ليست كالدنيا التي تأتي ثمارها في بعض الأزمان دون بعض ، ويسقط أوراق أشجارها في بعض الفصول ، وتفقد ثمارها في وقت آخر ، وتكتسي أشجارها الأوراق في وقت وتعرى في آخر ، بل الثمر والظل دائم مستمر ، سهل التناول ، قريب المجتنى ، كما قال : ولا ممنوعة . أي : لا تمتنع ممن أرادها كيف شاء ، وليس دونها حجاب ولا ماء ، بل من أرادها فهي موجودة سهلة قريبة ، حتى ولو كانت الثمرة في أعلى الشجرة فأرادها المؤمن ; تدلت إليه حتى يأخذها ، واقتربت منه ، وتذللت لديه .

قال أبو إسحاق ، عن البراء : وذللت قطوفها . أي : أدنيت حتى يتناولها المؤمن وهو نائم . وقال تعالى : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها [ البقرة : 25 ] . وقال تعالى : وفواكه مما يشتهون [ المرسلات : 42 ] . وقال : يدعون فيها بكل فاكهة آمنين [ الدخان : 55 ] .

وقد سبق فيما أوردناه من الأحاديث أن تربة الجنة مسك وزعفران ، وأن ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب ، فإذا كانت التربة بهذه المثابة ، [ ص: 314 ] والأصول الثابتة فيها من الذهب ، فما الظن بما يتولد بينهما من الثمار الرائقة النضيجة الأنيقة ، التي ليس فيها عجم ، وليس في الدنيا منها إلا الأسماء ، كما قال ابن عباس ، رضي الله عنه : ليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء . وإذا كان السدر الذي في الدنيا ، وهو لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة ، وهى النبق ، وفيه شوك كثير والطلح الذي لا يراد منه إلا الظل في الدنيا ، يكونان في الجنة في غاية كثرة الثمار وحسنها ، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعا من الطعوم والألوان ، التي لا يشبه بعضها بعضا - فما الظن بثمار الأشجار التي تكون في الدنيا حسنة الثمار ، طيبة الرائحة ، سهلة التناول ; كالتفاح والمشمش والدراقن والنخل والعنب وغير ذلك; بل ما الظن بأنواع الرياحين والأزاهير! وبالجملة : فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، نسأل الله من فضله .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في حديث صلاة الكسوف ، قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت . فقال : " إني رأيت - أو : أريت - الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .

[ ص: 315 ] وفي " المسند " من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، فقال : " إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض ، لا ينقصونه " .

وفي " صحيح مسلم " من رواية أبي الزبير ، عن جابر شاهد لذلك ، وتقدم في " المسند " عن عتبة بن عبد السلمي ، أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع يطير ، ولا يفتر " .

وقال الطبراني : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " . قال الحافظ الضياء : عباد تكلم فيه بعض العلماء .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا عقبة بن مكرم [ ص: 316 ] العمي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ابن علية ، حدثنا عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أهبط الله آدم من الجنة علمه صنعة كل شيء ، وزوده من ثمار الجنة ; فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أنها تغير ، وتلك لا تغير " . 


........................................
قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان

قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان أي فوارتان بالماء ؛ عن ابن عباس . والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء . وعنه أن المعنى نضاختان بالخير والبركة ، وقاله الحسن ومجاهد . ابن مسعود وابن عباس أيضا وأنس : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر . وقال سعيد بن جبير : بأنواع الفواكه والماء . الترمذي : قالوا بأنواع الفواكه والنعم والجواري المزينات والدواب المسرجات والثياب الملونات . قال الترمذي : وهذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري . وقيل : تنبعان ثم تجريان .

قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان فيه مسألتان :

الأولى : قال بعض العلماء : ليس الرمان والنخل من الفاكهة ، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره وهذا ظاهر الكلام . وقال الجمهور : هما من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وقد تقدم . وقيل : إنما كررها لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، والرمان كالثمرات ، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما ، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها ، فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن ، فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها . وقيل : أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه ، ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله ، وهي المسألة

الثانية : إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث . وخالفه صاحباه والناس . قال ابن عباس : الرمانة في الجنة مثل البعير المقتب . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر ، وكرانيفها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال [ ص: 169 ] القلال والدلاء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس فيه عجم . قال : وحدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، وإن ماءها ليجري في غير أخدود ، والعنقود اثنا عشر ذراعا .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الرحمن »
قوله تعالى فيهما عينان نضاختان 

===========

فصل في ثمار الجنة

قال الله تعالى : فيها فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن : 68 ] . وقال : فيهما من كل فاكهة زوجان [ الرحمن : 52 ] . وقال : وجنى الجنتين دان [ الرحمن : 54 ] . أي : قريب من المتناول ، كما قال : وذللت قطوفها تذليلا [ الإنسان : 14 ] ، وقال : وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ ص: 313 ] [ الواقعة : 27 - 33 ] . أي : لا تنقطع أبدا في زمن من الأزمان ، بل هي موجودة في كل أوان وزمان ، كما قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . أي : لا يسقط ورق أشجارها ، أي : ليست كالدنيا التي تأتي ثمارها في بعض الأزمان دون بعض ، ويسقط أوراق أشجارها في بعض الفصول ، وتفقد ثمارها في وقت آخر ، وتكتسي أشجارها الأوراق في وقت وتعرى في آخر ، بل الثمر والظل دائم مستمر ، سهل التناول ، قريب المجتنى ، كما قال : ولا ممنوعة . أي : لا تمتنع ممن أرادها كيف شاء ، وليس دونها حجاب ولا ماء ، بل من أرادها فهي موجودة سهلة قريبة ، حتى ولو كانت الثمرة في أعلى الشجرة فأرادها المؤمن ; تدلت إليه حتى يأخذها ، واقتربت منه ، وتذللت لديه .

قال أبو إسحاق ، عن البراء : وذللت قطوفها . أي : أدنيت حتى يتناولها المؤمن وهو نائم . وقال تعالى : وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها [ البقرة : 25 ] . وقال تعالى : وفواكه مما يشتهون [ المرسلات : 42 ] . وقال : يدعون فيها بكل فاكهة آمنين [ الدخان : 55 ] .

وقد سبق فيما أوردناه من الأحاديث أن تربة الجنة مسك وزعفران ، وأن ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب ، فإذا كانت التربة بهذه المثابة ، [ ص: 314 ] والأصول الثابتة فيها من الذهب ، فما الظن بما يتولد بينهما من الثمار الرائقة النضيجة الأنيقة ، التي ليس فيها عجم ، وليس في الدنيا منها إلا الأسماء ، كما قال ابن عباس ، رضي الله عنه : ليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء . وإذا كان السدر الذي في الدنيا ، وهو لا يثمر إلا ثمرة ضعيفة ، وهى النبق ، وفيه شوك كثير والطلح الذي لا يراد منه إلا الظل في الدنيا ، يكونان في الجنة في غاية كثرة الثمار وحسنها ، حتى إن الثمرة الواحدة منها تتفتق عن سبعين نوعا من الطعوم والألوان ، التي لا يشبه بعضها بعضا - فما الظن بثمار الأشجار التي تكون في الدنيا حسنة الثمار ، طيبة الرائحة ، سهلة التناول ; كالتفاح والمشمش والدراقن والنخل والعنب وغير ذلك; بل ما الظن بأنواع الرياحين والأزاهير! وبالجملة : فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، نسأل الله من فضله .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس في حديث صلاة الكسوف ، قالوا : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ، ثم رأيناك تكعكعت . فقال : " إني رأيت - أو : أريت - الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .

[ ص: 315 ] وفي " المسند " من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، فقال : " إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة ، فتناولت منها قطفا من عنب لآتيكم به ، فحيل بيني وبينه ، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض ، لا ينقصونه " .

وفي " صحيح مسلم " من رواية أبي الزبير ، عن جابر شاهد لذلك ، وتقدم في " المسند " عن عتبة بن عبد السلمي ، أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة : فيها عنب ؟ قال : " نعم " . قال : فما عظم العنقود ؟ قال : " مسيرة شهر للغراب الأبقع يطير ، ولا يفتر " .

وقال الطبراني : حدثنا معاذ بن المثنى ، حدثنا علي بن المديني ، حدثنا ريحان بن سعيد ، عن عباد بن منصور ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى " . قال الحافظ الضياء : عباد تكلم فيه بعض العلماء .

وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا عقبة بن مكرم [ ص: 316 ] العمي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ابن علية ، حدثنا عوف ، عن قسامة بن زهير ، عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أهبط الله آدم من الجنة علمه صنعة كل شيء ، وزوده من ثمار الجنة ; فثماركم هذه من ثمار الجنة ، غير أنها تغير ، وتلك لا تغير " . 

..................................
قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان

قوله تعالى : فيهما عينان نضاختان أي فوارتان بالماء ؛ عن ابن عباس . والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء . وعنه أن المعنى نضاختان بالخير والبركة ، وقاله الحسن ومجاهد . ابن مسعود وابن عباس أيضا وأنس : تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر . وقال سعيد بن جبير : بأنواع الفواكه والماء . الترمذي : قالوا بأنواع الفواكه والنعم والجواري المزينات والدواب المسرجات والثياب الملونات . قال الترمذي : وهذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري . وقيل : تنبعان ثم تجريان .

قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان فيه مسألتان :

الأولى : قال بعض العلماء : ليس الرمان والنخل من الفاكهة ، لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره وهذا ظاهر الكلام . وقال الجمهور : هما من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة ، كقوله تعالى : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وقد تقدم . وقيل : إنما كررها لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البر عندنا ، لأن النخل عامة قوتهم ، والرمان كالثمرات ، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما ، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها ، فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن ، فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها . وقيل : أفردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام ، والرمان فاكهة ودواء ، فلم يخلصا للتفكه ، ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله ، وهي المسألة

الثانية : إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث . وخالفه صاحباه والناس . قال ابن عباس : الرمانة في الجنة مثل البعير المقتب . وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر ، وكرانيفها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال [ ص: 169 ] القلال والدلاء ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس فيه عجم . قال : وحدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ، قال : نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها ، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى ، وإن ماءها ليجري في غير أخدود ، والعنقود اثنا عشر ذراعا .

الجامع لأحكام القرآن »
سورة الرحمن »
قوله تعالى فيهما عينان نضاختان 
===========

( في طير الجنة )

قال الله تعالى : وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون [ الواقعة : 20 ، 21 ] .

قال الحسن بن عرفة : حدثنا خلف بن خليفة ، عن حميد الأعرج ، عن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه ، فيخر بين يديك مشويا " .

وفي الترمذي ، وحسنه ، عن أنس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : " نهر أعطانيه ربي ، عز وجل ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر " . وقد تقدم . [ ص: 317 ] وفي " تفسير الثعلبي " ، عن أبي الدرداء مرفوعا : " إن في الجنة طيرا كأعناق البخت ، تصطف بين يدي ولي الله ، فيقول أحدها : يا ولي الله ، رعيت في مروج تحت العرش ، وشربت من عيون التسنيم ، فكل مني . فلا يزال يفتخر بين يديه ، حتى يخطر على قلبه أكل أحدها ، فتخر بين يديه على ألوان مختلفة ، فيأكل منها ما أراد ، فإذا شبع منها تجتمع عظام ذلك الطائر ، الذي أكله ، ثم يطير يرعى في الجنة حيث شاء " . فقال عمر : يا نبي الله ، إنها لناعمة . فقال : " آكلها أنعم منها " . غريب من رواية أبي الدرداء ، والله أعلم

..................................

قوله تعالى : يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما

قوله تعالى : يطوف عليهم ولدان مخلدون أي غلمان لا يموتون ؛ قاله مجاهد . الحسن والكلبي : لا يهرمون ولا يتغيرون ، ومنه قول امرئ القيس :


وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال وقال سعيد بن جبير : مخلدون مقرطون ، يقال للقرط : الخلدة ولجماعة الحلي : الخلدة . وقيل : مسورون ونحوه عن الفراء ، قال الشاعر :


ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان
وقيل : مقرطون يعني ممنطقون من المناطق . وقال عكرمة : مخلدون : منعمون . وقيل : على سن واحدة أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم كما شاء من غير ولادة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري : الولدان هاهنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة . وقال سلمان الفارسي : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة . قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع . والمقصود أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة ، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان .

بأكواب وأباريق أكواب جمع كوب وقد مضى في ( الزخرف ) [ ص: 185 ] وهي الآنية التي لا عرى لها ولا خراطيم ، والأباريق التي لها عرى وخراطيم واحدها إبريق ، سمي بذلك لأنه يبرق لونه من صفائه .

وكأس من معين مضى في ( والصافات ) القول فيه . والمعين : الجاري من ماء أو خمر ، غير أن المراد في هذا الموضع الخمر الجارية من العيون . وقيل : الظاهرة للعيون فيكون " معين " مفعولا من المعاينة . وقيل : هو فعيل من المعن وهو الكثرة . وبين أنها ليست كخمر الدنيا التي تستخرج بعصر وتكلف ومعالجة .

قوله تعالى : لا يصدعون عنها أي لا تنصدع رءوسهم من شربها ، أي أنها لذة بلا أذى بخلاف شراب الدنيا .

ولا ينزفون تقدم في ( والصافات ) أي لا يسكرون فتذهب عقولهم . وقرأ مجاهد : " لا يصدعون " بمعنى لا يتصدعون أي لا يتفرقون ، كقوله تعالى : يومئذ يصدعون . وقرأ أهل الكوفة " ينزفون " بكسر الزاي ، أي لا ينفد شرابهم ولا تفنى خمرهم ، ومنه قول الشاعر :


لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : في الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، وقد ذكر الله تعالى خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال .

قوله تعالى : وفاكهة مما يتخيرون أي يتخيرون ما شاءوا لكثرتها . وقيل : وفاكهة متخيرة مرضية ، والتخير الاختيار .

ولحم طير مما يشتهون روى الترمذي عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكوثر ؟ قال : ذاك نهر أعطانيه الله تعالى - يعني في الجنة - أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر قال عمر : إن هذه لناعمة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلتها أحسن منها قال : حديث حسن . وخرجه الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة طيرا مثل أعناق البخت تصطف على يد ولي الله فيقول أحدها : يا ولي الله رعيت في مروج تحت العرش وشربت من عيون التسنيم فكل مني فلا يزلن يفتخرن بين يديه حتى يخطر على قلبه أكل أحدها فتخر بين يديه على ألوان مختلفة فيأكل منها ما أراد فإذا شبع تجمع عظام الطائر فطار يرعى في الجنة حيث شاء فقال عمر : يا نبي الله إنها لناعمة . فقال : آكلها أنعم منها . وروي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 186 ] إن في الجنة لطيرا في الطائر منها سبعون ألف ريشة فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة ثم ينتفض فيخرج من كل ريشة لون طعام أبيض من الثلج وأبرد وألين من الزبد وأعذب من الشهد ليس فيه لون يشبه صاحبه فيأكل منه ما أراد ثم يذهب فيطير .

قوله تعالى : وحور عين قرئ بالرفع والنصب والجر ، فمن جر وهو حمزة والكسائي وغيرهما جاز أن يكون معطوفا على " بأكواب " وهو محمول على المعنى ، لأن المعنى يتنعمون بأكواب وفاكهة ولحم وحور ؛ قاله الزجاج . وجاز أن يكون معطوفا على " جنات " أي هم في جنات النعيم وفي حور على تقدير حذف المضاف ، كأنه قال : وفي معاشرة حور . الفراء : الجر على الإتباع في اللفظ وإن اختلفا في المعنى ، لأن الحور لا يطاف بهن ، قال الشاعر :


إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا
والعين لا تزجج وإنما تكحل . وقال آخر :


ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
وقال قطرب : هو معطوف على الأكواب والأباريق من غير حمل على المعنى . قال : ولا ينكر أن يطاف عليهم بالحور ويكون لهم في ذلك لذة . ومن نصب وهو الأشهب العقيلي والنخعي وعيسى بن عمر الثقفي وكذلك هو في مصحف أبي ، فهو على تقدير إضمار فعل ، كأنه قال : ويزوجون حورا عينا . والحمل في النصب على المعنى أيضا حسن ، لأن معنى يطاف عليهم به : يعطونه . ومن رفع وهم الجمهور - وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم - فعلى معنى : وعندهم حور عين ، لأنه لا يطاف عليهم بالحور . وقال الكسائي : ومن قال : وحور عين بالرفع وعلل بأنه لا يطاف بهن يلزمه ذلك في فاكهة ولحم ، لأن ذلك لا يطاف به وليس يطاف إلا بالخمر وحدها . وقال الأخفش : يجوز أن يكون محمولا على المعنى : لهم أكواب ولهم حور عين . وجاز أن يكون معطوفا على " ثلة " و " ثلة " ابتداء وخبره على سرر موضونة وكذلك وحور عين وابتدأ بالنكرة لتخصيصها بالصفة .

كأمثال أي مثل أمثال اللؤلؤ المكنون أي : الذي لم تمسه الأيدي ولم يقع عليه الغبار فهو أشد ما يكون صفاء وتلألؤا ، أي هن في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن كما قال الشاعر : [ ص: 187 ]


كأنما خلقت في قشر لؤلؤة فكل أكنافها وجه لمرصاد
جزاء بما كانوا يعملون أي ثوابا ونصبه على المفعول له . ويجوز أن يكون على المصدر ، لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون يجازون . وقد مضى الكلام في الحور العين في ( والطور ) وغيرها . وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : خلق الله الحور العين من الزعفران وقال خالد بن الوليد : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الرجل من أهل الجنة ليمسك التفاحة من تفاح الجنة فتنفلق في يده فتخرج منها حوراء لو نظرت للشمس لأخجلت الشمس من حسنها من غير أن ينقص من التفاحة فقال له رجل : يا أبا سليمان إن هذا لعجب ، ولا ينقص من التفاحة ؟ قال : نعم كالسراج الذي يوقد منه سراج آخر وسرج ولا ينقص ، والله على ما يشاء قدير . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : خلق الله الحور العين ؛ من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض ، عليها سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها نورا ساطعا كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر ، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها وهي تنادي : هذا ثواب الأولياء جزاء بما كانوا يعملون .

قوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما قال ابن عباس : باطلا ولا كذبا . واللغو ما يلغى من الكلام ، والتأثيم مصدر أثمته أي قلت له أثمت . محمد بن كعب : ولا تأثيما أي لا يؤثم بعضهم بعضا . مجاهد : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما شتما ولا مأثما .

إلا قيلا سلاما سلاما " قيلا " منصوب ب " يسمعون " أو استثناء منقطع أي : لكن يقولون قيلا أو يسمعون . و سلاما سلاما منصوبان بالقول ، أي إلا أنهم يقولون الخير . أو على المصدر أي إلا أن يقول بعضهم لبعض : سلاما . أو يكون وصفا ل " قيلا " ، والسلام الثاني بدل من الأول ، والمعنى : إلا قيلا يسلم فيه من اللغو . ويجوز الرفع على تقدير : سلام عليكم . قال ابن عباس : أي يحيي بعضهم بعضا . وقيل : تحييهم الملائكة أو يحييهم ربهم عز وجل .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الواقعة »
قوله تعالى يطوف عليهم ولدان مخلدون 
===========

ذكر طعام أهل الجنة ، وأكلهم فيها وشربهم نسأل الله من فضله

قال الله تعالى : كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية [ الحاقة : 24 ] . وقال : ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا [ مريم : 62 ] . وقال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . وقال : وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون [ الواقعة : 20 ، 21 ] . وقال [ ص: 318 ] تعالى : يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون [ الزخرف : 71 ] ، وقال تعالى : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا [ الإنسان : 5 ، 6 ] . وقال تعالى : ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا [ الإنسان : 15 ، 16 ] . أي : في صفاء الزجاج ، وهي من فضة ، وهذا ما لا نظير له في الدنيا ، وهي مقدرة على قدر كفاية ولي الله في مشربه لا تزيد ولا تنقص ، وهذا يدل على الاعتناء والشرف . وقال تعالى : كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها [ البقرة : 25 ] أي : كلما جاءهم الخدم بشيء من ثمر الجنة وغيره حسبوه الذي أتوا به قبل ذلك ، لمشابهته له في الظاهر ، وهو في الحقيقة خلافه ، فتشابهت الأشكال ، واختلفت الحقائق والطعوم والروائح .

قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا سكين بن عبد العزيز ، حدثنا الأشعث الضرير ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة ، إن له لسبع درجات ، وهو على السادسة ، وفوقه السابعة ، وإن له لثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح كل [ ص: 319 ] يوم بثلاثمائة صحفة - ولا أعلمه إلا قال : من ذهب - في كل صحفة لون ليس في الأخرى ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء ، وفي كل إناء لون ليس في الآخر ، وإنه ليلذ أوله ، كما يلذ آخره ، وإنه ليقول : يا رب ، لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة ، وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيئا ، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض " . تفرد به أحمد ، وهو غريب ، وفيه انقطاع ، وله شاهد عن عبادة بن الصامت .

قال الإمام أحمد : ثنا يعمر بن بشر ، ثنا عبد الله بن المبارك ، ثنا رشدين بن سعد ، حدثني أبو هانئ الخولاني ، عن عمرو بن مالك الجنبي أن فضالة بن عبيد وعبادة بن الصامت حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة وفرغ الله تعالى من القضاء بين الخلق ، فيبقى رجلان ، فيؤمر بهما إلى النار ، فيلتفت أحدهما ، فيقول الجبار تعالى : ردوه . فيردونه ، فيقول : لم التفت ؟ قال : كنت أرجو أن تدخلني الجنة " . قال : " فيؤمر به إلى الجنة . فيقول : لقد أعطاني الله ، عز وجل ، حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئا " . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه . تفرد به أحمد .

[ ص: 320 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن ثمامة بن عقبة ، عن زيد بن أرقم قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، فقال : يا أبا القاسم ، ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ؟ وقال لأصحابه : إن أقر لي بهذا خصمته . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بلى ، والذي نفسي بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع " . قال : فقال اليهودي : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ؟ ! قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك ، فإذا البطن قد ضمر " . ثم رواه أحمد ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن ثمامة ، سمعت زيد بن أرقم ، فذكره .

وقد رواه النسائي ، عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش ، به ، ورواه أبو جعفر الرازي ، عن الأعمش ، فذكره ، وعنده : قال اليهودي : فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة ، وليس في الجنة أذى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك ، فيضمر بطنه 

قال الحافظ الضياء : وهذا عندي على شرط مسلم ; لأن ثمامة ثقة ، وقد صرح بسماعه من زيد بن أرقم .

[ ص: 321 ] حديث آخر في ذلك عن جابر : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ، ولا يتغوطون ، ولا يبولون ، ولا يتمخطون ، ولا يبزقون ، طعامهم جشاء ورشح كرشح المسك " .

وقد رواه مسلم من حديث أبي سفيان طلحة بن نافع ، عن جابر ، فذكره . قالوا : فما بال الطعام ؟ قال : " جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد " .

وكذا أخرجه من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، فذكره ، وقال : " طعامهم ذلك جشاء كريح المسك ، ويلهمون التسبيح والتكبير ، كما يلهمون النفس " .

طريق ثالثة عن جابر : قال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن صفوان بن عمرو ، عن ماعز التميمي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيأكل أهل الجنة ؟ قال : " نعم ، [ ص: 322 ] ويشربون ، ولا يبولون فيها ، ولا يتغوطون ، ولا يتنخمون ، إنما يكون ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك ، ويلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس " .

طريق رابعة عن جابر : قال البزار : حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ، وهو يعرف بعبدان ، حدثنا أبو حمزة السكري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة ليأكلون ويشربون ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون ، يلهمون التسبيح والحمد ، كما يلهمون النفس ، يكون طعامهم وشرابهم جشاء كريح المسك " . ثم قال البزار : ويروى هذا عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، ولم يصح سماعه منه ، وسماعه من أبي صالح صحيح
......................................
قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول : يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين

[ ص: 248 ] قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه إعطاء الكتاب باليمين دليل على النجاة . وقال ابن عباس : أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب ، وله شعاع كشعاع الشمس . قيل له : فأين أبو بكر ؟ فقال : هيهات هيهات ! زفته الملائكة إلى الجنة . ذكره الثعلبي . وقد ذكرناه مرفوعا من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب " التذكرة " . والحمد لله .

فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه أي يقول ذلك ثقة بالإسلام وسرورا بنجاته ; لأن اليمين عند العرب من دلائل الفرح ، والشمال من دلائل الغم . قال الشاعر :


أبيني أفي يمنى يديك جعلتني فأفرح أم صيرتني في شمالك ومعنى : هاؤم تعالوا ; قاله ابن زيد . وقال مقاتل : هلم . وقيل : أي خذوا ; ومنه : الخبر في الربا " إلا هاء وهاء " أي يقول كل واحد لصاحبه : خذ . قال ابن السكيت والكسائي : العرب تقول : هاء يا رجل اقرأ ، وللاثنين هاؤما يا رجلان ، وهاؤم يا رجال ، وللمرة هاء ( بكسر الهمزة ) وهاؤما وهاؤمن . والأصل هاكم فأبدلت الهمزة من الكاف ; قال القتيبي . وقيل : إن " هاؤم " كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح . روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه أعرابي بصوت عال فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم " هاؤم " يطول صوته .

وكتابيه منصوب ب " هاؤم " عند الكوفيين . وعند البصريين ب " اقرءوا " لأنه أقرب العاملين . والأصل " كتابي " فأدخلت الهاء لتبين فتحة الياء ، وكان الهاء للوقف ، وكذلك في أخواته : حسابيه ، و ماليه ، و سلطانيه وفي القارعة ماهيه . وقراءة العامة بالهاء فيهن في الوقف والوصل معا ; لأنهن وقعن في المصحف بالهاء فلا تترك . واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط . وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد ويعقوب بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف فيهن جمع . ووافقهم حمزة في ماليه وسلطانيه ، و ماهيه في القارعة . وجملة هذه الحروف سبعة . واختار أبو حاتم قراءة يعقوب ومن معه اتباعا للغة . ومن قرأهن في الوصل بالهاء فهو على نية الوقف .

إني ظننت أي أيقنت وعلمت ، عن ابن عباس وغيره . وقيل : أي إني ظننت إن يؤاخذني الله [ ص: 249 ] بسيئاتي عذبني فقد تفضل علي بعفوه ولم يؤاخذني بها . قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين . ومن الكافر فهو شك . وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين ، وظن الدنيا شك . وقال الحسن في هذه الآية : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل .

أني ملاق حسابيه أي في الآخرة ولم أنكر البعث ; يعني أنه ما نجا إلا بخوفه من يوم الحساب ، لأنه تيقن أن الله يحاسبه فعمل للآخرة .

فهو في عيشة راضية أي في عيش يرضاه لا مكروه فيه . وقال أبو عبيدة والفراء : راضية أي مرضية ; كقولك : ماء دافق ; أي مدفوق . وقيل : ذات رضا ; أي يرضى بها صاحبها . مثل لابن وتامر ; أي صاحب اللبن والتمر . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنهم يعيشون فلا يموتون أبدا ويصحون فلا يمرضون أبدا ، وينعمون فلا يرون بؤسا أبدا ، ويشبون فلا يهرمون أبدا .

" في جنة عالية " أي عظيمة في النفوس .

" قطوفها دانية " أي قريبة التناول ، يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما يأتي بيانه في سورة " الإنسان " . والقطوف جمع قطف ( بكسر القاف ) وهو ما يقطف من الثمار . والقطف ( بالفتح ) المصدر . والقطاف ( بالفتح والكسر ) وقت القطف .

" كلوا واشربوا " أي يقال لهم ذلك .

" هنيئا " لا تكدير فيه ولا تنغيص .

" بما أسلفتم " قدمتم من الأعمال الصالحة .

" في الأيام الخالية " أي في الدنيا . وقال : كلوا بعد قوله : فهو في عيشة راضية لقوله : " فأما من أوتي " و " من " يتضمن معنى الجمع . وذكر الضحاك أن هذه الآية نزلت في أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ; وقاله مقاتل . والآية التي تليها في أخيه الأسود بن عبد الأسد ; في قول ابن عباس والضحاك أيضا ; قاله الثعلبي . ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه الآيات . ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة ; يدل عليه قوله تعالى : " كلوا واشربوا " . وقد قيل : إن المراد بذلك كل من كان متبوعا في الخير والشر . فإذا كان الرجل رأسا في الخير ، يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه ، دعي باسمه واسم أبيه ، فيتقدم حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض ، في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات فيبدأ بالسيئات فيقرأها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه سيئاتك وقد غفرت لك " فيفرح عند ذلك فرحا شديدا ، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحا ; حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه حسناتك قد [ ص: 250 ] ضوعفت لك " فيبيض وجهه ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ، ويكسى حلتين ، ويحلى كل مفصل منه ويطول ستين ذراعا وهي قامة آدم عليه السلام ; ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم وبشرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا . فإذا أدبر قال : هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه . قال الله تعالى : فهو في عيشة راضية أي مرضية قد رضيها في جنة عالية في السماء قطوفها ثمارها وعناقيدها دانية أدنيت منهم . فيقول لأصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : قد غمرتك كرامة ، من أنت ؟ فيقول : أنا فلان بن فلان أبشر كل رجل منكم بمثل هذا . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية أي قدمتم في أيام الدنيا .

وإذا كان الرجل رأسا في الشر ، يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه ، نودي باسمه واسم أبيه فيتقدم إلى حسابه ، فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات وفي ظاهره السيئات ، فيبدأ بالحسنات فيقرأها ويظن أنه سينجو ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه حسناتك وقد ردت عليك " فيسود وجهه ويعلوه الحزن ويقنط من الخير ، ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزنا ، ولا يزداد وجهه إلا سوادا ، فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه " هذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك " أي يضاعف عليه العذاب . ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل - قال - فيعظم للنار وتزرق عيناه ويسود وجهه ، ويكسى سرابيل القطران ويقال له : انطلق إلى أصحابك وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا ; فينطلق وهو يقول : يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية يتمنى الموت .

هلك عني سلطانيه تفسير ابن عباس : هلكت عني حجتي . وهو قول مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك . وقال ابن زيد : يعني سلطانيه في الدنيا الذي هو الملك . وكان هذا الرجل مطاعا في أصحابه ; قال الله تعالى : " خذوه فغلوه " قيل : يبتدره مائة ألف ملك ثم تجمع يده إلى عنقه وهو قوله عز وجل : فغلوه أي شدوه بالأغلال

" ثم الجحيم صلوه " أي اجعلوه يصلى الجحيم

ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا الله أعلم بأي ذراع ، قاله الحسن . وقال ابن عباس : سبعون ذراعا بذراع الملك . وقال نوف : كل ذراع سبعون باعا ، وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة . وكان في رحبة الكوفة . وقال مقاتل : لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص . وقال كعب : إن حلقة من السلسلة التي قال الله تعالى : ذرعها سبعون ذراعا - أن حلقة منها - مثل جميع حديد الدنيا .

فاسلكوه قال سفيان : بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه . وقاله مقاتل . والمعنى ثم اسلكوا فيه سلسلة . وقيل : تدخل عنقه فيها ثم يجر [ ص: 251 ] بها . وجاء في الخبر أنها تدخل من دبره وتخرج من منخريه . وفي خبر آخر : تدخل من فيه وتخرج من دبره ، فينادي أصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : لا ، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت ؟ فينادي أصحابه : أنا فلان بن فلان ، لكل إنسان منكم مثل هذا .

قلت : وهذا التفسير أصح ما قيل في هذه الآية ، يدل عليه قوله تعالى : يوم ندعو كل أناس بإمامهم . وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خرجه الترمذي . وقد ذكرناه في سورة " سبحان " فتأمله هناك .

إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين أي على الإطعام ، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء . قال الشاعر القطامي :


أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا
أراد بعد إعطائك . فبين أنه عذب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل ، كما عذب بسبب الكفر . والحض : التحريض والحث . وأصل طعام أن يكون منصوبا بالمصدر المقدر . والطعام عبارة عن العين ، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما . ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب . والتقدير على إطعام المطعم المسكين ; فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الحاقة »
قوله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق