ذكر بكاء أهل النار فيها
قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن
أبي خداش ، حدثنا محمد بن حميد ، عن ابن المبارك ، عن عمران بن زيد ، حدثنا يزيد
الرقاشي ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" يا أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون في
النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، حتى تنقطع الدموع ، فتسيل فتقرح
العيون ، فلو أن سفنا أرسلت فيها لجرت " . ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش ،
عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بنحوه
. وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا
حماد الجزري ، عن [ ص: 179 ] زيد بن رفيع ، رفعه ، قال : " إن أهل النار إذا
دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ، ثم بكوا القيح زمانا ، فيقول لهم الخزنة : يا
معشر الأشقياء ، تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها وتبكون في الدار التي
لا يرحم أهلها ، هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ " قال : " فيرفعون
أصواتهم : يا أهل الجنة ، يا معشر الآباء والأمهات والأولاد ، خرجنا من القبور
عطاشا ، وكنا طول الموقف عطاشا ، ونحن اليوم في النار عطاش ، فأفيضوا علينا من الماء
أو مما رزقكم الله . " قال : " فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم أحد ، ثم يجيبهم
مالك : إنكم ماكثون قال ؟ " فييأسون من كل خير " .
قوله تعالى
: تلفح وجوههم النار
وهم فيها كالحون [ المؤمنون : 104
] .
قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله
- هو ابن المبارك - أخبرنا سعيد بن يزيد أبو شجاع ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم
، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : وهم فيها كالحون قال : " تشويه النار ، فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط
رأسه ، وتسترخي شفته [ ص: 180 ] السفلى حتى تبلغ سرته " .
ورواه الترمذي ، عن سويد ، عن ابن المبارك ، به ، وقال :
حسن صحيح غريب . وقال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى القزاز ، حدثنا
الخضر بن علي بن يوسف القطان ، حدثنا عم الحارث بن الخضر القطان ، حدثنا سعيد بن
أبي سعيد المقبري ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، في قوله تعالى
: تلفح وجوههم النار قال : " تلفحهم لفحة ، فتسيل لحومهم على أعقابهم " .
أجارنا الله منها ، آمين .
...............................
قوله تعالى
: ونادوا يامالك ليقض
علينا ربك قال إنكم ماكثون
قوله تعالى
: ونادوا يامالك وهو خازن جهنم ، خلقه لغضبه ، إذا زجر النار زجرة أكل [ ص: 107
] بعضها بعضا . وقرأ علي وابن مسعود - رضي الله عنهما ( ونادوا يا مال ) وذلك
خلاف المصحف . وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم
- ونادوا يا مال باللام خاصة ، يعني رخم الاسم وحذف الكاف . والترخيم الحذف ، ومنه
ترخيم الاسم في النداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أو أكثر ، فتقول في مالك : يا مال ، وفي
حارث : يا حار ، وفي فاطمة : يا فاطم ، وفي عائشة يا عائش وفي مروان : يا مرو ،
وهكذا . قال :
يا حار لا أرمين منكم بداهية لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال امرؤ القيس :
أحار ترى برقا أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكلل
وقال أيضا
:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وقال آخر
:
يا مرو إن مطيتي محبوسة ترجو الحباء وربها لم ييأس
وفي صحيح الحديث ( أي فل هلم ) . ولك في آخر الاسم
المرخم وجهان : أحدهما : أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف . والآخر : أن تبنيه على
الضم ، مثل : يا زيد ، كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف . وذكر أبو بكر الأنباري قال
: حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن
شعبة عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال : كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة
عبد الله " بيت من ذهب " ، وكنا لا ندري ، ( ونادوا يا مالك ) أو يا ملك ( بفتح
اللام وكسرها ) حتى وجدناه في قراءة عبد الله ( ونادوا يا مال ) على الترخيم . قال
أبو بكر : لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول -
عليه السلام - ، وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه
الباطل .
[ ص: 108 ] قلت : وفي صحيح البخاري عن صفوان بن يعلى عن
أبيه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر : ونادوا يامالك ليقض
علينا ربك بإثبات الكاف . وقال محمد بن كعب
القرظي : بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى : وقال الذين في النار
لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب ، فردت عليهم : أو لم تك تأتيكم
رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال قال : فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا ، وهو عليهم وله مجلس
في وسطها ، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب ، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : يامالك ليقض علينا
ربك سألوا الموت ، قال : فسكت عنهم لا يجيبهم
ثمانين سنة ، قال : والسنة ستون وثلاثمائة يوم ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم كألف
سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال : ( إنكم ماكثون ) وذكر الحديث ،
ذكره ابن المبارك . وفي حديث أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
فيقولون ادعوا مالكا فيقولون ( يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون ) . قال الأعمش
: نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام ، خرجه الترمذي . وقال ابن عباس :
يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة ، ثم يقول إنكم ماكثون . وقال مجاهد ونوف البكالي : بين ندائهم
وإجابته إياهم مائة سنة . وقال عبد الله بن عمرو : أربعون سنة ، ذكره ابن المبارك .
............................
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة الزخرف »
قوله تعالى ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم
ماكثون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق