الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات )

أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات )

فأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات ، قبل الإنس والجن ، وهما الثقلان ; فالإنس ثقل والجن ثقل ، والدليل على حشر الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [ الأنعام : 38 ] . وقال تعالى : وإذا الوحوش حشرت [ التكوير : 5 ] .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عباس بن محمد ، وأبو يحيى البزاز ، قالا : حدثنا حجاج بن نصير ، حدثنا شعبة ، عن العوام بن مراجم ، من بني قيس بن ثعلبة ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة : سمعت العلاء يحدث عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 12 ] " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها " . وهذا إسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجوه .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن واصل ، عن يحيى بن عقيل ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقتص للخلق بعضهم من بعض ، حتى للجماء من القرناء ، وحتى للذرة من الذرة " . تفرد به أحمد .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده : حدثنا عبيد الله بن محمد ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ليث ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل بن شرحبيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا وشاتان تعتلفان ، فنطحت إحداهما الأخرى ، فأجهضتها ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " عجبت لها ، والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، [ ص: 13 ] هو الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ح ) وأبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن منذر بن يعلى ، عن أشياخه ، عن أبي ذر ، فذكر معناه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تدري فيم تنتطحان ؟ " قال : لا . قال : " لكن الله تعالى يدري ، وسيقضي بينهما " . وهذا إسناد جيد حسن . قال القرطبي : ورواه شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .

قال القرطبي : وروى ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاتين تنتطحان ، فقال : " ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجلحاء من هذه القرناء " . قال : وذكر ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة ، أن أبا سالم الجيشاني حدثه أن ثابت بن طريف استأذن على أبي ذر ، فسمعه رافعا صوته يقول : أما والله لولا يوم الخصومة لسوأتك . فدخلت ، فقلت : ما شأنك يا أبا ذر ؟ فقال : هذه . قلت : وما عليك أن تضربها ؟ فقال : أما والذي نفسي بيده - أو قال : والذي نفس محمد بيده - لتسألن الشاة فيم نطحت صاحبتها ، وليسألن الجماد فيم نكب أصبع الرجل .

[ ص: 14 ] وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم الخلق يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين [ ص: 15 ] أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك " . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث أبي حيان ، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي ، به .

وتقدم في حديث أبي هريرة : " ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها " . وذكر تمام الحديث في البقر والغنم . فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها .

وتقدم في حديث الصور : " فيقضي الله تعالى بين خلقه إلا الثقلين ; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم ، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، حتى إذا فرغ الله من ذلك ، فلم يبق لواحدة تبعة عند أخرى ، قال الله تعالى لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ ص: 16 ] [ النبأ : 40 ] .

وقد قال ابن أبي الدنيا : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار ، أنبأنا جعفر بن سليمان : سمعت أبا عمران الجوني يقول : حدثت أن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله عز وجل ; صنفا إلى الجنة ، وصنفا إلى النار ، أن البهائم تناديهم : الحمد لله يا بني آدم ، الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم ، فلا جنة نرجو ، ولا عقاب نخاف .

وذكر القرطبي ، عن أبي القاسم القشيري في " شرح الأسماء الحسنى " عند قوله : المقسط الجامع . قال : وفي خبر الوحوش والبهائم ، تحشر يوم القيامة فتسجد لله سجدة ، فتقول الملائكة : ليس هذا يوم سجود ، هذا يوم الثواب والعقاب . فتقول البهائم : هذا سجود شكر ; حيث لم يجعلنا الله ، عز وجل ، من بني آدم . قال : ويقال : إن الملائكة تقول للبهائم : إن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب ، وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم .

وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا ، ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم ، قال : وذلك قوله : ووجوه يومئذ عليها غبرة [ عبس : 40 ] . والله سبحانه أعلم ، وفيما ذكره نظر . 
............................................

قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون

قوله تعالى : وما من دابة في الأرض تقدم معنى الدابة والقول فيه في " البقرة " وأصله الصفة ; من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو . ولا طائر يطير بجناحيه بخفض طائر عطفا على اللفظ .

وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ( ولا طائر ) بالرفع عطفا على الموضع ، و ( من ) زائدة ، التقدير : وما من دابة . ( بجناحيه ) تأكيد وإزالة للإبهام ; فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر ; تقول للرجل : طر في حاجتي ; أي : أسرع ; فذكر بجناحيه ليتمحض القول في الطير ، وهو في غيره مجاز . وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ، ولو كان غير معتدل لكان يميل ; فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و ما يمسكهن إلا الله . والجناح أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء ، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي ; ومنه جنحت السفينة إذا مالت إلى ناحية الأرض لاصقة بها فوقفت . وطائر الإنسان عمله ; وفي التنزيل وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه . إلا أمم أمثالكم أي : هم جماعات مثلكم في أن الله عز وجل خلقهم ، وتكفل بأرزاقهم ، وعدل عليهم ، فلا ينبغي أن [ ص: 328 ] تظلموهم ، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به . و ( دابة ) تقع على جميع ما دب ; وخص بالذكر ما في الأرض دون السماء لأنه الذي يعرفونه ويعاينونه . وقيل : هي أمثال لنا في التسبيح والدلالة ; والمعنى : وما من دابة ولا طائر إلا وهو يسبح الله تعالى ، ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار . وقال أبو هريرة : هي أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول الله لها : كوني ترابا . وهذا اختيار الزجاج فإنه قال : إلا أمم أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص ، وقد دخل فيه معنى القول الأول أيضا . وقال سفيان بن عيينة : أي : ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ; فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس ; فهذا معنى المماثلة . واستحسن الخطابي هذا وقال : فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك . وقال مجاهد في قوله عز وجل : إلا أمم أمثالكم قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون . وقيل غير هذا مما لا يصح من أنها مثلنا في المعرفة ، وأنها تحشر وتنعم في الجنة ، وتعوض من الآلام التي حلت بها في الدنيا وأن أهل الجنة يستأنسون بصورهم ; والصحيح إلا أمم أمثالكم في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته ، كما أن رزقكم على الله . وقول سفيان أيضا حسن ; فإنه تشبيه واقع في الوجود .

قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء أي : في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث . وقيل : أي : في القرآن أي : ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ; إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من الإجماع ، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب ; قال الله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم وقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فأجمل في هذه الآية وآية ( النحل ) ما لم ينص عليه مما لم يذكره ، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره ، إما تفصيلا وإما تأصيلا ; وقال : اليوم أكملت لكم دينكم .

قوله تعالى : ثم إلى ربهم يحشرون أي : للجزاء ، كما سبق في خبر أبي هريرة ، وفي صحيح مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة [ ص: 329 ] الجلحاء من الشاة القرناء . ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة ; وهذا قول أبي ذر ، وأبي هريرة ، والحسن وغيرهم ; وروي عن ابن عباس ; قال ابن عباس في رواية : حشر الدواب والطير موتها ; وقال الضحاك ; والأول أصح لظاهر الآية والخبر الصحيح ; وفي التنزيل وإذا الوحوش حشرت وقول أبي هريرة فيما روى جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عنه : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ; فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : ( كوني ترابا ) فذلك قوله تعالى : ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا . وقال عطاء : فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع قلن : الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلكم ، فلا جنة نرجو ولا نار نخاف ; فيقول الله تعالى لهن : ( كن ترابا ) فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون ترابا . وقالت جماعة : هذا الحشر الذي في الآية يرجع إلى الكفار وما تخلل كلام معترض وإقامة حجج ; وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه أنه لا بد لكل أحد منه ، وأنه لا محيص له عنه ; وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال : حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ، وللحجر لما ركب على الحجر ، وللعود لما خدش العود ; قالوا : فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للاعتبار والتهويل ، لأن الجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها ، ولم يصر إليه أحد من العقلاء ، ومتخيله من جملة المعتوهين الأغبياء ; قالوا : ولأن القلم لا يجري عليهم فلا يجوز أن يؤاخذوا .

قلت : الصحيح القول الأول لما ذكرناه من حديث أبي هريرة ، وإن كان القلم لا يجري عليهم في الأحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به ; وروي عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر ، هل تدري فيما انتطحتا ؟ قلت : لا . قال : لكن الله تعالى يدري وسيقضي بينهما وهذا نص ، وقد زدناه بيانا في كتاب ( التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ) . والله أعلم .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

روابط مهمة من بريد مامي مم.

الرابط https://drive.google.com/file/d/1an6C1lKT__N6qnbEPA0jFXK3YbIcoEp5/view?usp=sharing       2.الرابط https://drive.google.com/file/d...