ذكر إحلال الرضوان عليهم ، وذلك أفضل ما لديهم
قال الله تعالى : ولهم فيها من كل الثمرات [ محمد : 15 ] . وقال تعالى : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز
العظيم [ التوبة : 72 ] . [ ص: 357 ] وروى مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي
سعيد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول لأهل الجنة
: يا أهل الجنة . فيقولون : لبيك ربنا وسعديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا
لا نرضى ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟
قالوا : يا ربنا ، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم
بعده أبدا " . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث مالك ، به .
وقال البزار :
حدثنا سلمة بن شبيب والفضل بن يعقوب ، قالا : حدثنا الفريابي
، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله ، عز وجل : ألا أعطيكم ؟ قال
: أحسبه قال : " أفضل من ذلك " - قالوا : يا ربنا ، هل شيء أفضل مما
أعطيتنا ؟ قال : رضواني أكبر
" . وهذا الحديث على شرط البخاري ، ولم يخرجه أحد
من أصحاب الكتب من هذا الوجه
................................
قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم
يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل
الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم .
[ ص: 217 ] قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون لما قال - عز وجل - : إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات وصف تلك الجنات ،
أي : صفة الجنة المعدة للمتقين . وقد مضى الكلام في هذا في ( الرعد ) وقرأ علي بن
أبي طالب ( مثال الجنة التي وعد المتقون )
فيها أنهار من ماء غير آسن أي غير متغير الرائحة . والآسن من
الماء مثل الآجن . وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته . وكذلك
أجن الماء يأجن ويأجن أجنا وأجونا . ويقال بالكسر فيهما : أجن وأسن يأسن ويأجن
أسنا وأجنا ، قاله اليزيدي . وأسن الرجل أيضا يأسن ( بالكسر لا غير ) إذا دخل
البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه ، قال زهير
:
قد أترك القرن مصفرا أنامله يميد في الرمح ميد المائح الأسن
ويروى ( الوسن ) وتأسن الماء تغير . أبو زيد : تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ . أبو
عمرو : تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه . وقال اللحياني : إذا نزع إليه في الشبه ،
وقراءة العامة آسن بالمد . وقرأ ابن كثير وحميد ( أسن ) بالقصر ، وهما لغتان ، مثل
حاذر وحذر . وقال الأخفش : أسن للحال ، وآسن ( مثل فاعل ) يراد به الاستقبال .
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير
ألبان الدنيا إلى الحموضة . وأنهار من خمر لذة للشاربين أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها
الأيدي كخمر الدنيا ، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون . يقال :
شراب لذ ولذيذ بمعنى . واستلذه عده لذيذا . وأنهار من عسل مصفى العسل ما يسيل من لعاب النحل . مصفى أي : من
الشمع والقذى ، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل . وفي الترمذي عن
حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن في الجنة بحر
الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد . قال : حديث حسن
صحيح . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - : سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة . وقال كعب :
نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر
سيحان نهر عسلهم . وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر . والعسل : يذكر ويؤنث
. وقال ابن عباس : من عسل مصفى أي : لم يخرج من بطون النحل .
ولهم فيها من كل الثمرات من زائدة للتأكيد . ومغفرة من ربهم أي
لذنوبهم . كمن هو خالد في النار قال الفراء : [ ص: 218 ] المعنى أفمن يخلد
في هذا النعيم كمن يخلد في النار . وقال الزجاج : أي : أفمن كان على بينة من ربه
وأعطي هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار . فقوله : كمن بدل من
قوله : أفمن زين له سوء عمله . وقال ابن كيسان : مثل هذه الجنة التي
فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم . ومثل أهل الجنة في
النعيم المقيم كمثل أهل النار في العذاب المقيم .
وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم أي حارا شديد الغليان ، إذا أدني
منهم شوى وجوههم ، ووقعت فروة رءوسهم ، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم
. والأمعاء : جمع معى ، والتثنية معيان ، وهو جميع ما في البطن من الحوايا .
قوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق