روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم : أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وبريدة بن الحصيب ، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وجندب بن عبد الله البجلي ، وحارثة بن وهب ، وحذيفة بن أسيد ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن علي ، وحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم ، وسلمان الفارسي ، وسمرة بن جندب ، وسهل بن سعد ، وسويد بن جبلة ، وعبد الله الصنابحي ، وعبد الله بن زيد بن عاصم ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعتبة بن عبد السلمي ، وعثمان بن مظعون ، والمستورد ، وعقبة بن عامر الجهني ، والنواس بن سمعان ، وأبو أمامة [ ص: 424 ] الباهلي ، وأبو برزة الأسلمي ، وأبو بكرة ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة الدوسي ، وخولة بنت قيس ، وأسماء بنت أبي بكر ، وعائشة ، وأم سلمة ، رضي الله عنهم أجمعين .
رواية أبي بن كعب الأنصاري ، رضي الله عنه : قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا محمد بن الصلت ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض ، فقالوا : يا رسول الله ، وما الحوض؟ فقال : " ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ، ومن صرف عنه لم يرو أبدا " .
ورواه أبو بكر بن أبي عاصم ، في كتاب " السنة " : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، فذكره بإسناده ، ولفظه : قيل : يا رسول الله ، وما الحوض؟ قال : " والذي نفسي بيده ، إن شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك ، وآنيته أكثر عددا من النجوم ، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ، ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا " . لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، ولا الإمام أحمد .
[ ص: 425 ] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي صلى الله عليه وسلم : قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، قال ابن شهاب : حدثني أنس بن مالك ، رضي الله عنه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء " . وكذا رواه مسلم ، عن حرملة ، عن ابن وهب به .
طريق أخرى عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد العزيز ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليردن علي ناس من أصيحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك " . ورواه مسلم ، عن محمد بن حاتم ، عن عفان ، عن وهب بن خالد ، عن عبد العزيز بن صهيب به .
طريق أخرى عن أنس : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك ، قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه متبسما ، إما قال لهم ، وإما قالوا له : لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 426 ] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] حتى ختمها ، ثم قال : " هل تدرون ما الكوثر " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم ، فأقول : يا رب ، إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . هذا ثلاثي الإسناد .
ورواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث ابن فضيل ، وعلي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، به .
ولفظ مسلم : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة " . والباقي مثله . ومعنى ذلك : أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض ، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه ، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط . كما سيرد هذا من طرق متعددة ، وجاء مصرحا به أنه في العرصات ، كما ستراه قريبا إن شاء الله . وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة .
طريق أخرى عن أنس ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، وأزهر بن القاسم ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله [ ص: 427 ] صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء ، أو مثل ما بين المدينة وعمان " .
ورواه مسلم ، عن هارون الحمال ، عن عبد الصمد . وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أنس ، بنحوه .
طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، وحسن بن موسى ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة . ورواه أحمد أيضا عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره ، وقال : ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك ، فقال : لا جرم ، والله لأفعلن . فأتاه ، فقال : ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره؟ فقال : نعم ، أكثر من كذا وكذا مرة يقول : " إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة أو بين صنعاء ومكة ، وإن آنيته أكثر من عدد نجوم السماء " انفرد به أحمد .
وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد ، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري ، عن معاذ بن معاذ العنبري ، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي ما بين كذا [ ص: 428 ] إلى كذا ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا " .
طريق أخرى : قال أبو يعلى : حدثنا عبد الرحمن ، هو ابن سلام ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال : يا أبا حمزة ، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض؟ فقال : لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد صلى الله عليه وسلم .
طريق أخرى : قال أبو يعلى أيضا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا عكرمة ، هو ابن عمار ، عن يزيد الرقاشي ، قال : قلت : يا أبا حمزة ، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك . فقال أنس : أولئك شر الخلق والخليقة . قلت : ويكذبون بالحوض . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا عرضه كما بين أيلة ، إلى الكعبة - أو قال : صنعاء - أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه آنية عدد نجوم السماء ، يمده ميزابان من الجنة ، من كذب به لم يصب منه الشرب " .
طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا المسعودي ، عن عدي بن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي من كذا إلى كذا ، فيه من الآنية [ ص: 429 ] عدد النجوم ، أطيب ريحا من المسك ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا ، ثم قال : لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد ، ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس سواه ، ولا رواه عنه إلا المسعودي . وهذا إسناد جيد ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب ، ولا أحمد بن حنبل .
طريق أخرى : قال ابن أبي الدنيا : حدثني الحسن بن الصباح ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس ، عن جده أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أريت حوضي ، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء ، فأدخلت يدي ، فإذا عنبر أذفر " .
رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي : قال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن عائذ بن نسير العجلي عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي كما بين عمان إلى اليمن ، فيه آنية عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " .
وهكذا رواه ابن صاعد ، وابن أبي الدنيا ، عن عبد الله بن الوضاح الأزدي اللؤلئي ، عن يحيى بن يمان به . ولفظه : " حوضي ما بين عمان ، واليمن ، فيه آنية [ ص: 430 ] عدد نجوم السماء ، أحلى من العسل ، وأبيض من اللبن ، وألين من الزبد ، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا " . لم يخرجوه .
رواية ثوبان : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن سالم ، عن معدان ، عن ثوبان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا بعقر حوضي يوم القيامة ، أذود عنه الناس لأهل اليمن ، وأضربهم بعصاي حتى يرفض عنهم " . قال : قيل : يا رسول الله : ما سعته ؟ قال : " من مقامي إلى عمان ، يغت فيه ميزابان يمدانه " .
ورواه أحمد أيضا عن عبد الصمد ، عن هشام ، عن قتادة . وعن عبد الوهاب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة . وعن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة به ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عرضه ، فقال : " من مقامي إلى عمان " . وقال عبد الرزاق : " ما بين بصرى وصنعاء ، أو ما بين أيلة ومكة " . أو قال : " من مقامي هذا إلى عمان " . وسئل عن شرابه ، فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يغت فيه ميزابان ، يمدانه من الجنة; أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق " .
[ ص: 431 ] وقال أبو يعلى : حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا عند عقر حوضي أذود عنه الناس لأهل اليمن ، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفض " . قال : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سعة الحوض ، قال : " مثل مقامي هذا إلى عمان ، ما بينهما شهر ، أو نحو ذلك " . فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرابه ، فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يغت فيه ميزابان ، مداده - أو مدادهما - من الجنة ، أحدهما ورق ، والآخر ذهب " .
وهكذا رواه مسلم ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، بنحوه .
طريق أخرى عن ثوبان : قال أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن عياش ، عن محمد بن المهاجر ، عن العباس بن سالم اللخمي ، قال : بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي ، فحمل إليه على البريد ، ليسأله عن الحوض ، فقدم به عليه ، فسأله فقال : سمعت ثوبان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، [ ص: 432 ] وأحلى من العسل ، وأكاويبه عدد النجوم ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين " . فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى عنه : من هم يا رسول الله؟ قال : " هم الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد " . فقال عمر بن عبد العزيز : لقد نكحت المتنعمات ، وفتحت لي السدد ، إلا أن يرحمني الله ، والله لا أدهن رأسي ، حتى يشعث ، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ . ورواه الترمذي في الزهد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن يحيى بن صالح . وابن ماجه فيه ، عن محمود بن خالد الدمشقي ، عن مروان بن محمد الطاطري ، كلاهما عن محمد بن المهاجر ، عن العباس بن سالم ، عن أبي سلام .
قال شيخنا المزي في أطرافه : ورواه الوليد بن مسلم ، عن يحيى بن الحارث ، وشيبة بن الأحنف وغيرهما ، عن أبي سلام .
وقال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة ، حدثنا زيد بن واقد ، حدثني بسر بن عبيد الله ، حدثنا أبو سلام الأسود ، عن [ ص: 433 ] ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي كما بين عدن إلى عمان ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب رائحة من المسك ، أكاويبه كنجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وأكثر الناس علي واردة فقراء المهاجرين " . قلنا : ومن هم يا رسول الله؟ قال : " الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد ، الذين يعطون الذي عليهم ، ولا يعطون الذي لهم " . وهذه طريق جيدة أيضا . ، ولله الحمد والمنة .
رواية جابر بن سمرة : قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خيثمة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني فرطكم على الحوض ، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة ، كأن الأباريق فيه النجوم " . وهكذا رواه مسلم عن أبي همام ، به وقال : ( أنا فرط لكم ) . والباقي مثله .
طريق أخرى عن جابر بن سمرة : قال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، قالا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن المهاجر بن [ ص: 434 ] مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فكتب إلي : إني سمعته يقول : ( أنا الفرط على الحوض ) .
رواية جابر بن عبيد الله : قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا على الحوض أنظر من يرد علي ) . قال : " فيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب ، مني ومن أمتي " . قال : " فيقال : وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم " . قال جابر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحوض مسيرة شهر ، وزواياه سواء - يعني عرضه مثل طوله - وكيزانه مثل نجوم السماء ، وهو أطيب ريحا من المسك ، وأشد بياضا من اللبن ، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ) . هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، ولم يروه ، وقد روى من طريق زكريا ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، ستة أحاديث ، ليس هذا منها .
طريق أخرى عن جابر : قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمر بن هياج ، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي ، حدثنا عبيدة بن الأسود ، عن مجالد ، عن عامر - هو الشعبي - عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني فرطكم على الحوض ، وإني مكاثر بكم الأمم ، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل : يا رسول الله ، ما عرضه ؟ قال : " ما [ ص: 435 ] ببن أيلة - أحسبه قال - إلى مكة ، فيه مكاكي أكثر من عدد النجوم ، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناول آخر ) . ثم قال : لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه .
ورواه ابن أبي الدنيا ، عن أبي عبد الرحمن القرشي ، عن عبيدة بن الأسود به ، رواية جندب بن عبد الله البجلي : قال البخاري : حدثنا عبدان ، أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن عبد الملك ، سمعت جندبا : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا فرطكم على الحوض ) .
ورواه مسلم من حديث شعبة ، وزائدة ، ومسعر ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، به . ورواه الإمام أحمد ، من حديث هؤلاء عنه ، وعن سفيان بن عيينة عنه ، ثم قال سفيان : الفرط الذي يسبق .
رواية حارثة بن وهب الخزاعي : قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا حرمي بن عمارة ، حدثنا شعبة ، عن معبد بن خالد ، أنه سمع حارثة بن وهب ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحوض ، فقال : ( كما بين المدينة [ ص: 436 ] وصنعاء . وزاد ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حوضه ما بين صنعاء والمدينة ) . فقال له المستورد : ألم تسمعه قال الأواني؟ قال : لا . قال المستورد : ترى فيه الآنية مثل الكواكب .
وقد رواه مسلم ، عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، عن حرمي بن عمارة ، عن شعبة - كما ساقه البخاري . ورواه عن محمد بن عبد الله بن بزيغ ، عن محمد بن عبد الله - وهو ابن أبي عدي - عن شعبة ، كما ذكره البخاري سواء .
والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري ، صحابي جليل ، علق له البخاري ، وأسند ذلك مسلم ، وروى له أهل السنن الأربعة ، وله أحاديث .
الغفاري : أنبئنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي ، رحمه الله ، أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض : أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها ، أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه ، وهو حاضر ، أنبأنا أحمد بن عبد الله - يعني أبا نعيم الأصبهاني - أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله سمويه ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا زيد بن الحسن ، حدثنا معروف بن [ ص: 437 ] خربوذ ، حدثنا أبو الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد ، رضي الله عنه ، قال : لما صدر النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع قال : " أيها الناس ، إني فرطكم على الحوض ، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه آنية عدد النجوم ) . لم يروه من أصحاب الكتب أحد ، ولا أحمد .
رواية حذيفة بن اليمان : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا ابن هبيرة ، أنه سمع أبا تميم الجيشاني ، يقول : أخبرني سعيد ، أنه سمع حذيفة يقول : غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم يخرج ، حتى ظننا أنه لن يخرج ، فلما خرج سجد سجدة ، فظننا أن نفسه قد قبضت منها ، فلما رفع رأسه قال : ( إن ربي تبارك وتعالى ، استشارني في أمتي : ماذا أفعل بهم ؟ فقلت : ما شئت ، أي رب ، هم خلقك وعبادك . فاستشارني الثانية ، فقلت له كذلك . فقال : لا أحزنك في أمتك يا محمد . وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ليس عليهم حساب ، ثم أرسل إلي ، فقال : ادع تجب ، وسل تعط . فقلت لرسوله : أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر ، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حيا صحيحا ، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ، ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر ، فهو نهر في الجنة ، يسيل في حوضي ، وأعطاني العز ، والنصر ، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا ، وأعطاني أني أول [ ص: 438 ] الأنبياء أدخل الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا من حرج ) . هذا حديث حسن الإسناد والمتن .
طريق أخرى عنه : رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة ، عن خالد بن أبي الصلت ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة ، مرفوعا : " إنها ستكون عليكم أمراء يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فهو مني وأنا منه ، وسيرد علي الحوض غدا إن شاء الله ) .
طريق أخرى : قال أبو القاسم البغوي : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن سعد بن طارق ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن ، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم ، ولهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، والذي نفسي بيده ، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ) . قال : قيل يا رسول الله ، تعرفنا يومئذ ؟ قال : " نعم تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء ، وليست لأحد غيركم " .
[ ص: 439 ] رواه مسلم ، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه ، وعلقه البخاري ، فقال : وقال حصين ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
حديث الحسن بن علي بن أبي طالب : قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وعبد الرحمن بن سلم الرازي ، قالا : حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، حدثنا علي بن عابس ، عن بدر بن الخليل أبي الخليل ، عن أبي كثير ، قال : كنت جالسا عند الحسن بن علي ، فجاءه رجل ، فقال : لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له : معاوية بن حديج . فقال : تعرفه؟ قال : نعم ، قال : إذا رأيته فأتني به . قال : فرآه عند عمرو بن حريث ، فأراه إياه ، قال : أنت معاوية بن حديج؟ فسكت ، فلم يجبه ، ثلاثا ، ثم قال : أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها ، قول الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم [ ص: 440 ] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة ، عن الحسن مرفوعا .
حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه : قال الطبراني : حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت : خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك ، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل " ، وعرصته ياقوت ، ومرجان ، وزبرجد ، ولؤلؤ " . قالت : أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك . فقال : ( هو ما بين أيلة ، وصنعاء ، فيه أباريق مثل عدد النجوم ، وأحب واردها على قومك ، يا بنت قهد الأنصاري " .
[ ص: 441 ] هذا حديث عزيز جدا ، من رواية حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم من رواية زوجته هذه ، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أسامة بن زيد منقطعة ، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده " : أن بينهما المسور بن مخرمة .
رواية زيد بن أرقم ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا شعبة ، قال : عمرو بن مرة أخبرني ، قال : سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزل منزلا ، فسمعته يقول : " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي " . قلنا لزيد : كم كنتم يومئذ؟ قال : سبعمائة أو ثمانمائة .
وكذا رواه عن هاشم ، عن شعبة . ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة . ورواه أحمد ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، كلاهما ، عن عمرو بن مرة به . ورواه أبو داود ، عن حفص بن عمر ، عن شعبة .
قلت : وأبو حمزة ، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب . والله سبحانه وتعالى أعلم .
[ ص: 442 ] رواية أخرى عن زيد بن أرقم ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حيان التيمي ، .
وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، أنبأنا جعفر بن عون ، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي ، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي ، قال : شهدت زيد بن أرقم ، وبعث إليه عبيد الله بن زياد ، فقال : ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال : حدثنا ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه . فقال : كذبت ، ولكنك شيخ قد خرفت . قال : أما إنه سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته يقول : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وستأتي روايته عن أخ له .
وأما رواية سلمان الفارسي ، رضي الله عنه : فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة ، رحمه الله ، من حديث علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان ، رضي الله عنه ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان ، فقال : " أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم مبارك . . . " وذكر تمام [ ص: 443 ] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان ، إلى أن قال : " ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة " .
رواية سمرة بن جندب الفزاري ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا إبراهيم بن المستمر ، حدثنا محمد بن بكار بن بلال ، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ) . وكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن محمد بن نيزك ، عن محمد بن بكار بن بلال ، عن سعيد بن بشير ، وقال : هذا حديث غريب قال : ورواه أشعث بن عبد الملك ، عن الحسن مرسلا ، وهو أصح .
رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم " . قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : " فأقول؟ إنهم مني . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي " . وقال ابن عباس : [ ص: 444 ] سحقا : بعدا . يقال : سحيق : بعيد ، سحقه ، وأسحقه : أبعده . تفرد به من هذا الوجه . والله أعلم .
وأما رواية سويد بن جبلة ، فذكرها القاضي عياض ، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي ، ذكرها عياض أيضا .
رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، رضي الله عنه : ثبت في " الصحيحين " عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم حنين ، فأعطى من أعطى من صناديد قريش ، والعرب ، فتغضب بعض الأنصار ، فخطبهم ، فقال لهم فيما قال : " إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " .
رواية عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه : قال أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم ، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إني آخذ بحجزكم أقول : إياكم وجهنم ، إياكم والحدود ، [ ص: 445 ] إياكم وجهنم ، إياكم والحدود " - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء ، وأنا فرطكم على الحوض ، فمن ورد أفلح ، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب - أحسبه قال : أصحابي - فيقال : ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم " . ثم قال : تفرد به ليث ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير .
وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه " : حدثنا عمرو بن محمد ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الكوثر : الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .
قلت : وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة .
طريق أخرى عن ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما : قال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي ، [ ص: 446 ] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ، زواياه سواء ، أكوابه عدد نجوم السماء ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب - يعني ريحا - من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " .
طريق أخرى عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا حسين بن محمد المروزي ، حدثنا محصن بن عقبة اليماني ، عن الزبير بن شبيب ، عن عثمان بن حاضر ، عن ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين ، هل فيه ماء؟ قال : " إي ، والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " .
رواية عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أمامكم حوض ، ما بين جرباء وأذرح " .
[ ص: 447 ] ورواه أحمد ، عن يحيى القطان ، ورواه مسلم ، من حديث عبيد الله ، وأيوب ، وموسى بن عقبة ، وغيرهم ، عن نافع .
وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء ، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا " .
طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي ، حدثني المخارق بن أبي المخارق ، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، أكوابه مثل نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين " . قال قائل : ومن هم يا رسول الله؟ قال : الشعثة رءوسهم ، الشحبة وجوههم ، الدنسة ثيابهم ، لا يفتح لهم أبواب السدد ، ولا ينكحون المتنعمات ، الذين يعطون كل الذي عليهم ، ولا يأخذون الذي لهم " . تفرد به أحمد .
[ ص: 448 ] طريق أخرى عنه : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، حدثنا عطاء بن السائب ، قال : قال لي محارب بن دثار : ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت : كان سعيد يحدث عن ابن عباس ، قال : هو الخير الكثير . قال محارب : أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب : حدثنا عبد الله بن عمر ، قال : لما نزلت : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : ا ] . قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت ، تربته أطيب ريحا من المسك ، وطعمه أحلى من العسل ، وماؤه أشد بياضا من الثلج " .
ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب بنحوه ، وأخرجه الترمذي ، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .
رواية عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قال عبد الله بن عمير : قال النبي صلى الله عليه وسلم " حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه فلا يظمأ أبدا " . ورواه مسلم ، عن داود بن عمرو ، عن نافع بن عمر ، به . [ ص: 449 ] طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا حسين المعلم ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال : كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو ، ورجلا أخر ، وكان يكذب به ، فقال أبو سبرة : أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا ، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية ، فلقيت عبد الله بن عمرو ، فحدثني بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأملى علي ، فكتبت بيدي ، فلم أزد حرفا ، ولم أنقص حرفا ، حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يحب الفحش ، أو يبغض الفاحش ، والمتفحش " . قال : ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش ، والتفاحش ، وقطيعة الرحم ، وسوء المجاورة ، وحتى يؤتمن الخائن ، ويخون الأمين " . وقال : " ألا إن موعدكم حوضي ، عرضه وطوله واحد ، وهو كما بين أيلة ومكة ، وهو مسيرة شهر ، فيه مثل النجوم أباريق ، شرابه أشد بياضا من الفضة ، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا " . فقال عبيد الله : ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا . فصدق به ، وأخذ الصحيفة ، فحبسها عنده .
طريق أخرى عنه : قال أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا [ ص: 450 ] محمود بن بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن المختار ، عن محمد بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، عن عبيد بن عمير الليثي ، عن عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا في الجنة مسيرته شهر ، وزواياه سواء ، ريحه أطيب من المسك ، ماؤه كالورق ، أقداحه كنجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " . ثم قال : لا نعلم روى عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث .
طريق أخرى أيضا : رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب ، عن عبد الله بن عمرو .
رواية عبد الله بن مسعود الهذلي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن شقيق ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض " . قال البخاري : وحدثنا عمرو بن علي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة : سمعت أبا وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ، ثم ليختلجن دوني ، فأقول : يا رب ، أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . تابعه عاصم ، عن أبي وائل ، وقال حصين : عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 451 ] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره : قال الإمام أحمد : حدثنا عارم بن الفضل ، حدثنا سعيد بن زيد ، حدثنا علي بن الحكم البناني ، عن عثمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا : إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج ، وتعطف على الولد - قال : وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية ، فقال : " أمكما في النار " . قال : فأدبرا والشر يرى في وجوههما ، فأمر بهما ، فردا ، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء ، فقال : " أمي مع أمكما " . فقال رجل من المنافقين : وما يغني هذا عن أمه شيئا ، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه - : يا رسول الله ، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال : فظن أنه من شيء قد سمعه ، فقال : ما سألته ربي ، وما أطمعني فيه ، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة " . فقال الأنصار : وما ذاك المقام المحمود؟ قال : " ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول : اكسوا خليلي . فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش ، ثم أوتى بكسوتي ، [ ص: 452 ] فألبسها ، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد ، يغبطني به الأولون والآخرون " . قال : " ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض " . فقال المنافق : إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض . فقال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له حال أو رضراض؟ قال : " حاله المسك ، ورضراضه التوم " . فقال المنافق : لم أسمع كاليوم ، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت . فقال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له نبت؟ قال : " نعم ، قضبان الذهب " . قال المنافق : لم أسمع كاليوم ، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق ، وإلا كان له ثمر . قال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له ثمر ؟ قال : " نعم ، ألوان الجوهر ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده ، ومن حرمه لم يرو بعده " . تفرد به أحمد ، وهو غريب جدا .
رواية عتبة بن عبد السلمي ، رضي الله عنه : قال الطبراني : حدثنا [ ص: 453 ] أحمد بن خليد الحلبي ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، أنه سمع أبا سلام يقول : حدثني عامر بن زيد البكالي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال : " كما بين البيضاء إلى بصرى ، يمدني الله فيه بكراع لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه " . قال أبو عبد الله القرطبي : وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا عثمان ، لا ترغب عن سنتي ، فإنه من رغب عن سنتي ، ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة " .
رواية عقبة بن عامر الجهني ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما ، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف على المنبر ، فقال : " إني فرط لكم على الحوض ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، [ ص: 454 ] ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .
ورواه مسلم ، عن قتيبة ، عن الليث ، به . ومن حديث يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، به ، وعنده : " إني فرطكم على الحوض ، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم " . قال عقبة : فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر .
ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في ذلك : أسند البيهقي من طريق علي بن المديني ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، وسيكون قوم يكذبون بالرجم ، والدجال ، والحوض ، والشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار . وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض .
ورواية النواس بن سمعان الكلابي ، رضي الله عنه : قال عمر بن محمد بن بجير البجيري : حدثنا سليمان بن سلمة ، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ ص: 455 ] إبراهيم ، حدثنا ابن جريج ، عن مجاهد ، عن النواس بن سمعان ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان ، فيه أقداح كنجوم السماء ، أول من يرده من أمتي من يسقي كل عطشان " .
أورده الضياء من هذا الوجه ، ثم قال : أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري ، والله أعلم .
رواية أبي أمامة الباهلي ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا دحيم ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا صفوان ، عن سليم بن عامر ، عن أبي اليمان الهوزني ، عن أبي أمامة ، أن يزيد بن الأخنس قال : يا رسول الله ، فما سعة حوضك ؟ قال : " كما بين عدن إلى عمان ، فأوسع ، وأوسع - يشير بيده - فيه مثعبان من ذهب وفضة " . قال : فما ماء حوضك ؟ فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب رائحة من المسك ، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ولم يسود وجهه أبدا " .
طريق أخرى عنه : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي يحيى ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قيل : يا رسول الله ، ما سعة حوضك ؟ قال : " ما بين عدن ، وعمان - وأشار بيده - وأوسع ، وأوسع ، وفيه مثعبان من ذهب وفضة " . قيل : يا [ ص: 456 ] رسول الله ، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن ، وأحلى مذاقا من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ، ولم يسود وجهه بعدها أبدا " .
رواية أبي برزة الأسلمي ، رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت ، قال : شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد ، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط ، فلما رآه عبيد الله قال : إن محمديكم هذا لدحداح . ففهمها الشيخ ، فقال : ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم . فقال له عبيد الله : إن صحبة محمد لك زين غير شين . ثم قال : إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة : نعم ، لا مرة ، ولا ثنتين ، ولا ثلاثا ، ولا أربعا ، ولا خمسا ، فمن كذب به فلا سقاه الله منه . ثم خرج مغضبا .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي ، عن أبي طالوت العبدي ، سمعت أبا برزة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحوض ، فمن كذب به فلا سقاه [ ص: 457 ] الله منه . وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن قرة بن خالد ، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار ، عن أبي برزة ، في دخوله على عبيد الله بن زياد ، بنحو ما تقدم .
طريق أخرى عن أبي برزة : قال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا شداد بن سعيد ، سمعت أبا الوازع ، وهو جابر بن عمرو ، سمع أبا برزة الأسلمي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء ، مسيرة شهر ، عرضه كطوله ، فيه ميزابان يغتان من الجنة من ورق وذهب ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه أباريق عدد نجوم السماء .
طريق أخرى : قال ابن أبي عاصم : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا محمد بن موسى الشيباني ، عن صالح ، عن سيار بن سلامة الرياحي ، عن أبيه ، عن أبي برزة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا يوم القيامة ، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " . ومن كذب به فلا سقاه الله . يعني منه .
[ ص: 458 ] رواية أبي بكرة الثقفي ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال " : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا روح ، حدثنا حماد بن زيد ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض .
رواية أبي ذر الغفاري ، رضي الله عنه : قال مسلم بن الحجاج في صحيحه " : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق : أخبرنا . وقال الآخران : حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما آنية الحوض؟ قال : " والذي نفس محمد بيده ، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ، ألا في الليلة المظلمة المصحية ، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه ، يشخب فيه ميزابان من الجنة ، من شرب منه لم يظمأ ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " . هذا لفظه إسنادا ومتنا .
رواية أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه : قال ابن أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا زكريا ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس ، أبيض مثل اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وإني لأكثر الأنبياء تبعا [ ص: 459 ] يوم القيامة " . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن سليمان الأسدي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي حوضا طوله من الكعبة إلى بيت القدس ، أشد بياضا من اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وكل نبي يدعو أمته ، ولكل نبي حوض ، فمنهم من يأتيه الفئام ، ومنهم من يأتيه العصبة ، ومنهم من يأتيه النفر ، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل ، ومنهم من لا يأتيه أحد ، فيقال : لقد بلغت . وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة " .
وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة ، عن مالك ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " . ثم قال : ورواه البخاري من وجه آخر ، عن مالك ، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر ، عن خبيب ، بدون ذكر أبي سعيد . والله أعلم .
رواية أبي هريرة الدوسي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا أنس بن عياض ، عن عبيد الله ، عن خبيب ، عن حفص بن [ ص: 460 ] عاصم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " . ورواه البخاري أيضا ، ومسلم من طرق ، عن عبيد الله بن عمر ، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك ، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن ، به .
طريق أخرى عنه : قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا محمد بن فليح ، حدثنا أبي ، حدثني هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلم . فقلت : أين؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى . فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " . انفرد به البخاري .
طريق أخرى : قال مسلم : حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي ، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل " .
[ ص: 461 ] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله .
طريق أخرى عنه : قال مسلم : حدثنا سويد بن سعيد ، وابن أبي عمر ، جميعا عن مروان الفزاري ، قال ابن أبي عمر : حدثنا مروان الفزاري ، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن حوضي أبعد من أيلة من عدن ، لهو أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل باللبن ، ولآنيته أكثر من عدد النجوم ، وإني لأصد الناس عنه ، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه " . قالوا : يا رسول الله ، أتعرفنا يومئذ قال : " نعم ، لكم سيما ليست لأحد من الأمم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء " . هذا لفظه .
طريق أخرى عنه : أخرجه مسلم ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، به .
طريق أخرى عنه : روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد ، عن جده ، عن أبي هريرة ، [ ص: 462 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنا هلكت فإني فرطكم على الحوض " . قيل : يا رسول الله ، وما الحوض ؟ قال : " عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح ، بياضه بياض اللبن ، وهو أحلى من العسل والسكر ، آنيته مثل نجوم السماء ، من ورد علي شرب ، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا ، وإياكم أن ترد على أقوام أعرفهم ويعرفوني ، فيحال بيني وبينهم ، فأقول : إنهم من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : بعدا وسحقا لمن بدل بعدي .
ثم قال الحافظ الضياء : لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث . قلت : بلى ، قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر عقدا ، فأتي بأطباق الجوز والسكر ، فنثر ، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه . الحديث بتمامه ، وهو غريب جدا .
طريق أخرى عنه : قال البخاري : وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي ، حدثنا أبي ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض ، فأقول : يا رب ، أصحابي ، فيقول : إنك [ ص: 463 ] لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .
قال : وقال شعيب ، عن الزهري : كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيجلون " . وقال عقيل : " فيحلئون " . وقال الزبيدي : عن الزهري ، عن محمد بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا كله تعليق ، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة ، إلا أن البخاري قال بعد هذا : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يرد علي الحوض رجال من أصحابي ، فيحلئون عنه ، فأقول : يا رب ، أصحابي فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني يعقوب بن عبيد ، وغيره ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى ، عن محمد بن المنكدر ، عن أبي هريرة ، قال : كأني بكم صادرين على الحوض ، يلقى الرجل الرجل ، فيقول : أشربت؟ فيقول : نعم .
[ ص: 464 ] ويلقى الرجل الرجل ، فيقول : أشربت؟ فيقول : لا ، واعطشاه !
رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن عمر ، قال : حدثني ابن أبي مليكة ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب ، مني ومن أمتي . فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم . فكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا .
ورواه مسلم ، عن داود بن عمرو ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن أسماء ، مثله .
رواية أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها : قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين ، حدثنا آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر ، فقالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في الجنة ، حافتاه در مجوف ، عليه من الآنية عدد النجوم . ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي ، عن إسرائيل ، واستشهد برواية مطرف .
[ ص: 465 ] وقال مسلم : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، أنه سمع عائشة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو بين ظهراني أصحابه : " إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم ، فوالله ليقتطعن دوني رجال ، فلأقولن : أي رب ، مني ومن أمتي . فيقول : إنك لا تدري ما عملوا بعدك؟ ما زالوا يرجعون على أعقابهم " . انفرد به مسلم .
رواية أم المؤمنين أم سلمة ، رضي الله عنها : قال مسلم : حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمر ، ، وهو ابن الحارث ، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوما من ذلك ، والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " أيها الناس " . فقلت للجارية : استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ، ولم يدع النساء . فقلت : إني من الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لكم فرط على الحوض ، فإياي لا يأتين أحدكم ، فيذب عني كما يذب البعير الضال ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقا " .
ثم رواه مسلم ، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد ، عن عبد الله بن رافع [ ص: 466 ] عنها .
رواية أخ لزيد بن أرقم : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن مطر ، عن عبد الله بن بريدة ، قال : شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض ، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه ، فقال له : سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، ولكن حدثنيه أخي .
فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم ، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر ، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، وهو في غاية الاتساع ، عرضه وطوله سواء ، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر .
وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع ، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك ، وأن رضراضه من اللؤلؤ ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب ، ويثمر ألوان الجواهر ، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .
...........................................
[ ص: 192 ] تفسير سورة الكوثر
وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل
وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر قراءة العامة . إنا أعطيناك بالعين . وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف : ( أنطيناك ) بالنون ; وروته أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهي لغة في العطاء ; أنطيته : أعطيته . والكوثر : فوعل من الكثرة ; مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرا . قال سفيان : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت بكوثر ; أي بمال كثير . والكوثر من الرجال : السيد الكثير الخير . قال الكميت :
وأنت كثير يا بن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا والكوثر : العدد الكثير من الأصحاب والأشياع . والكوثر من الغبار : الكثير . وقد تكوثر إذا كثر ; قال الشاعر :
وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا الثانية : واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ستة عشر قولا :
[ ص: 193 ] الأول : أنه نهر في الجنة ; رواه البخاري عن أنس والترمذي أيضا وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وروى الترمذي أيضا عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج . هذا حديث حسن صحيح .
الثاني : أنه حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموقف ; قاله عطاء . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي آنفا سورة - فقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر - ثم قال - أتدرون ما الكوثر ؟ . قلنا الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي - عز وجل - ، عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك .
والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة ، ذكرناها في كتاب ( التذكرة ) . وأن على أركانه الأربعة خلفاءه الأربعة ; - رضوان الله عليهم - . وأن من أبغض واحدا منهم لم يسقه الآخر ، وذكرنا هناك من يطرد عنه . فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك . ثم يجوز أن يسمى ذلك النهر أو الحوض كوثرا ، لكثرة الواردة والشاربة من أمة محمد - عليه السلام - هناك . ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير .
الثالث : أن الكوثر النبوة والكتاب ; قاله عكرمة .
الرابع : القرآن ; قاله الحسن .
الخامس : الإسلام ; حكاه المغيرة .
السادس : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع ; قاله الحسين بن الفضل .
السابع : هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع ; قاله أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب .
الثامن : أنه الإيثار ; قاله ابن كيسان .
التاسع : أنه رفعة الذكر . حكاه الماوردي .
العاشر : أنه نور في قلبك دلك علي ، وقطعك عما سواي .
وعنه : هو الشفاعة ; وهو الحادي عشر .
وقيل : معجزات الرب هدي بها أهل الإجابة لدعوتك ; حكاه الثعلبي ، وهو الثاني عشر .
الثالث عشر : قال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس ; وهما الرابع عشر والخامس عشر . وقال ابن إسحاق : هو العظيم من الأمر ; وذكر بيت لبيد :
وصاحب ملحوب فجعنا بفقده وعند الرداع بيت آخر كوثر
[ ص: 194 ] أي عظيم .
قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني ; لأنه ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص في الكوثر . وسمع أنس قوما يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض ، لقد تركت عجائز خلفي ، ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي حوضه يقول الشاعر :
يا صاحب الحوض من يدانيكا وأنت حقا حبيب باريكا
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيادة على حوضه ، - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا .
الجامع لأحكام القرآن »
قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق