صفة الكوثر ، وهو أشهر أنهار الجنة سقانا الله منه
بمنه وكرمه {نسألك يا الله الجنة ونعوذ بك من النار}
قال الله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر [ الكوثر : 1 - 3 ] .
وثبت في صحيح مسلم " من حديث محمد بن فضيل وعلي بن
مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
أنزلت عليه هذه السورة قال : " أتدرون ما الكوثر ؟ " قالوا : الله
ورسوله أعلم . قال : " هو نهر وعدنيه ربي ، عز وجل ، عليه خير كثير " .
وفي " الصحيحين " من حديث شيبان ، عن قتادة ، عن
أنس ، في حديث المعراج ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتيت على نهر حافتاه قباب
اللؤلؤ المجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ، عز
وجل " .
ورواه أحمد ، عن ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس به .
وفي رواية : " فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء ، فإذا مسك أذفر " .
[ ص:
295 ] ولهذا الحديث طرق كثيرة عن أنس وغيره من الصحابة ،
وألفاظ متعددة . فقال أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :
" الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل " .
ورواه مسلم ، عن أبي كريب ، عن ابن فضيل به .
وقال أحمد :
حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري على وجه الأرض
، حافتاه قباب اللؤلؤ ، ليس مشقوقا ، فضربت بيدي إلى تربته ، فإذا مسكة ذفرة ،
وإذا حصباؤه اللؤلؤ " .
وقال أحمد :
حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ،
حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الكوثر ، فقال : " هو نهر أعطانيه الله في الجنة ،
ترابه مسك ، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل ، ترده طير أعناقها مثل أعناق
الجزر " . قال : فقال أبو بكر :
يا رسول الله ، إنها لناعمة . فقال : [ ص: 296 ] " آكلها أنعم منها " .
وقال الحاكم :
أنبأنا الأصم ، حدثنا إبراهيم بن منقذ ، حدثنا إدريس بن
يحيى ، حدثني الفضل بن المختار ، عن عبيد الله بن موهب ، عن عصمة بن مالك الخطمي ،
عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة طيرا أمثال
البخاتي " . فقال أبو بكر :
إنها لناعمة يا رسول الله . فقال : " أنعم منها من
يأكلها ، وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر "
.
ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة مرسلا وقال الإمام
أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا ليث ، عن يزيد ، يعني ابن
الهاد ، عن عبد الوهاب بن أبي بكر ، عن عبد الله بن مسلم ، عن ابن شهاب ، عن أنس
بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر ، فقال : " نهر
أعطانيه ربي ، عز وجل ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وفيه طير كأعناق
الجزر " . فقال عمر : يا رسول الله ، إن تلك الطير ناعمة . فقال : " آكلها أنعم
منها يا عمر " .
[ ص:
297 ] وكذلك رواه الدراوردي ، عن ابن أخي ابن شهاب ، عن
أبيه ، عن أنس به .
التالي السابق
تفسير الأية
[ ص: 192 ] تفسير سورة الكوثر
وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل
وهي ثلاث آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر قراءة العامة . إنا أعطيناك بالعين . وقرأ
الحسن وطلحة بن مصرف : ( أنطيناك ) بالنون ; وروته أم سلمة عن النبي - صلى الله
عليه وسلم - ; وهي لغة في العطاء ; أنطيته : أعطيته . والكوثر : فوعل من الكثرة ;
مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد
والقدر والخطر كوثرا . قال سفيان : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟
قالت بكوثر ; أي بمال كثير . والكوثر من الرجال : السيد الكثير الخير . قال الكميت
:
وأنت كثير يا بن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
والكوثر
: العدد الكثير من الأصحاب والأشياع . والكوثر من الغبار : الكثير . وقد تكوثر إذا
كثر ; قال الشاعر :
وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا
الثانية
: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ستة
عشر قولا :
[ ص: 193 ] الأول : أنه نهر في الجنة ; رواه البخاري عن أنس والترمذي أيضا وقد
ذكرناه في كتاب التذكرة . وروى الترمذي أيضا عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر
والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج . هذا حديث
حسن صحيح .
الثاني : أنه حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموقف ; قاله عطاء . وفي صحيح
مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أغفى إغفاءة
، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي آنفا سورة -
فقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر - ثم قال
- أتدرون ما الكوثر ؟ . قلنا الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي - عز
وجل - ، عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم ،
فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك .
والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة ، ذكرناها في كتاب ( التذكرة ) . وأن على أركانه
الأربعة خلفاءه الأربعة ; - رضوان الله عليهم - . وأن من أبغض واحدا منهم لم يسقه
الآخر ، وذكرنا هناك من يطرد عنه . فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك . ثم يجوز
أن يسمى ذلك النهر أو الحوض كوثرا ، لكثرة الواردة والشاربة من أمة محمد - عليه
السلام - هناك . ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير .
الثالث : أن الكوثر النبوة والكتاب ; قاله عكرمة .
الرابع : القرآن ; قاله الحسن .
الخامس : الإسلام ; حكاه المغيرة .
السادس : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع ; قاله الحسين بن الفضل .
السابع : هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع ; قاله أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب .
الثامن : أنه الإيثار ; قاله ابن كيسان .
التاسع : أنه رفعة الذكر . حكاه الماوردي .
العاشر : أنه نور في قلبك دلك علي ، وقطعك عما سواي .
وعنه : هو الشفاعة ; وهو الحادي عشر .
وقيل : معجزات الرب هدي بها أهل الإجابة لدعوتك ; حكاه الثعلبي ، وهو الثاني عشر .
الثالث عشر : قال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس ; وهما الرابع عشر والخامس عشر .
وقال ابن إسحاق : هو العظيم من الأمر ; وذكر بيت لبيد :
وصاحب ملحوب فجعنا بفقده وعند الرداع بيت آخر كوثر
[
ص: 194 ] أي عظيم .
قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني ; لأنه ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
نص في الكوثر . وسمع أنس قوما يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى
أمثالكم يتمارون في الحوض ، لقد تركت عجائز خلفي ، ما تصلي امرأة منهن إلا سألت
الله أن يسقيها من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي حوضه يقول الشاعر :
يا صاحب الحوض من يدانيكا وأنت حقا حبيب باريكا
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيادة على حوضه ، - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا .
قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق