قال الله تعالى : تحيتهم يوم يلقونه
سلام وأعد لهم أجرا كريما [
الأحزاب : 44 ] . وقال تعالى : سلام قولا من رب
رحيم [ يس : 58 ] . وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في كتاب السنة من " سننه
" : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا أبو عاصم العباداني ،
حدثنا الفضل الرقاشي ، عن ابن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا
رءوسهم ، فإذا الرب سبحانه ، قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل
الجنة . قال : وذلك قول الله عز وجل
: سلام قولا من رب
رحيم [ يس : 58 ] . قال : فينظر إليهم وينظرون إليه ، ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم
ما داموا ينظرون إليه ، حتى يحتجب عنهم ، ويبقى نوره ، وبركته عليهم في ديارهم " .
وقد رواه البيهقي مطولا من هذا الوجه ؟ فقال : أخبرنا علي
بن أحمد بن عبدان ، حدثنا أحمد بن عبيد ، حدثنا الكديمي ، حدثنا يعقوب بن إسماعيل
أبو يوسف السلال ، حدثنا أبو عاصم العباداني ، عن الفضل بن عيسى الرقاشي ، [ ص:
359 ] عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" بينما أهل الجنة في مجلس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة ، فرفعوا رءوسهم
، فإذا الرب تعالى قد أشرف ، فقال : يا أهل الجنة ، سلوني . قالوا : نسألك الرضا
عنا . قال : رضاي أحلكم داري ، وأنالكم كرامتي ، هذا أوانها ، فسلوني . قالوا :
نسألك الزيادة . قال : فيؤتون بنجائب من ياقوت أحمر ، أزمتها زمرد أخضر ، وياقوت أحمر
، فجاءوا عليها تضع حوافرها عند منتهى طرفها ، فيأمر الله ، عز وجل ، بأشجار عليها
الثمار ، فتتحفهم من ثمارها ، فتجيء حوار من الحور العين ، وهن يقلن : نحن الناعمات
فلا نبأس ، ونحن الخالدات فلا نموت ، أزواج قوم مؤمنين كرام . ويأمر الله بكثبان من مسك أذفر أبيض ،
فتثيره عليهم ريح يقال لها : المثيرة .
حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن ، وهي قصبة الجنة ، فتقول
الملائكة : يا ربنا ، قد جاء القوم . فيقول : مرحبا بالصادقين ، مرحبا بالطائعين ،
مرحبا بالمتقين . قال : فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إلى الله ، عز وجل ، فيتمتعون بنور
الرحمن حتى لا يبصر بعضهم بعضا ، ثم يقول : أرجعوهم إلى قصورهم بالتحف . فيرجعون
وقد أبصر بعضهم بعضا . [ ص: 360 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وذلك
قول الله ، عز وجل : نزلا من غفور رحيم [ فصلت : 32 ] . ثم
قال البيهقي : وقد مضى في هذا الكتاب ، في كتاب الرؤية ، ما يؤكد ما روي في هذا
الحديث . والله أعلم .
وذكر أبو المعالي الجويني في الرد على السجزي ، أن الرب
تعالى إذا كشف الحجاب ، وتجلى لأهل الجنة تدفقت الأنهار ، واصطفقت الأشجار ،
وتجاوبت الأطيار والسرر والغرفات وما فيها بالصرير والتعظيم والتسبيحات ، والأعين المتدفقات
بالخرير ، واسترسلت الريح المثيرة ، وبثت في الدور والقصور المسك الأذفر ، والكافور
، وغردت الطيور ، وأشرفت الحور
.
والفضل بن عيسى ضعيف ، ولكن روى الضياء من حديث عبد الله
بن عبيد الله ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر مرفوعا ، مثله .
..................................
قوله تعالى
: تحيتهم يوم يلقونه
سلام وأعد لهم أجرا كريما .
اختلف في الضمير الذي في يلقونه على من يعود ، فقيل على
الله تعالى ، أي كان بالمؤمنين رحيما ، فهو يؤمنهم من عذاب الله يوم القيامة . وفي
ذلك اليوم يلقونه . و ( تحيتهم ) أي تحية بعضهم لبعض . ( سلام ) أي سلامة لنا ولكم
من عذاب الله . وقيل : هذه التحية من الله تعالى ، المعنى : فيسلمهم من الآفات ،
أو يبشرهم بالأمن من المخافات . ( يوم يلقونه ) أي يوم القيامة بعد دخول الجنة .
قال معناه الزجاج ، واستشهد بقوله جل وعز : وتحيتهم فيها سلام . وقيل : يوم
يلقونه أي يوم يلقون ملك الموت ، وقد ورد أنه لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه . روي
عن البراء بن عازب قال : تحيتهم يوم يلقونه سلام فيسلم ملك الموت على المؤمن عند
قبض روحه ، لا يقبض روحه حتى يسلم عليه
.
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة الأحزاب »
قوله تعالى تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما
[ عرض الكتاب
]
-----------------
رؤية أهل الجنة ربهم ، عز وجل ، في مثل أيام الجمع في
مجتمع لهم معد لذلك هنالك
قال الله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة
إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] . وقال تعالى : كلا إنهم عن ربهم
يومئذ لمحجوبون إلى قوله : إن الأبرار لفي نعيم
على الأرائك ينظرون [ المطففين : 15 - 23 ] . وقال تعالى : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة [ يونس : 26 ] . فذكر عن الفجار أنهم محجوبون ، وأن الأبرار إليه ينظرون .
[ ص: 361 ] وقد تقدم في حديث أبي موسى الأشعري ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من
فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء
على وجهه في جنة عدن " . أخرجاه في " الصحيحين " . وفى حديث ابن
عمر : " وأعلاهم من ينظر إلى وجه الله ، عز وجل ، في اليوم مرتين " .
وله شاهد في " الصحيحين " عن جرير بن عبد الله
مرفوعا عند ذكر رؤية المؤمنين ربهم ، عز وجل ، يوم القيامة ، كما يرون الشمس
والقمر ، قال : " فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل
غروبها فافعلوا ثم قرأ : وسبح بحمد ربك قبل
طلوع الشمس وقبل الغروب [ ق : 39 ] .
وفي " صحيح البخاري " عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " إنكم سترون ربكم عيانا " . فأرشد هذا السياق على أن رؤيته ، عز
وجل ، تقع لأهل الجنة في مثل أوقات العبادات ، فكأن المبرزين من المقربين الأخيار
يرون الله ، عز وجل ، في مثل طرفي النهار ، بكرة وعشيا ، وهذا مقام عال ، فيرونه
سبحانه وهم على أرائكهم ، وسررهم كما يرون القمر ليلة البدر ، فيرونه أيضا غير
رؤيتهم إياه في منازلهم في الجنة حيث يجتمع أهل الجنة في واد أفيح - أي متسع - من مسك
أبيض ، فيجلسون فيه على قدر منازلهم; فمنهم من يجلس على منابر من نور ، ومنهم من
يجلس على منابر من ذهب ، وغير ذلك من أنواع الجواهر وغيرها ، ثم تفاض [ ص: 362 ]
عليهم النعم والخلع ، وتوضع على رءوسهم التيجان ، وبين أيديهم الموائد مما لا عين
رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، ثم يطيبون بأنواع الطيب ، ويخصون بأنواع
الكرامات والتحف مما لم يخطر على بال أحد منهم قبل ذلك ، ثم يتجلى لهم الحق سبحانه
وتعالى ، ويخاطبهم واحدا واحدا ، كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث ، كما سيأتي
إيرادها قريبا على رغم أنوف المعتزلة وغيرهم ممن ينكر رؤيته سبحانه في الدار الآخرة .
وقد حكى بعض العلماء خلافا في النساء : هل يرين الله ،
عز وجل ، في الجنة ، كما يراه الرجال ؟ فقيل : لا يرونه ، لأنهن مقصورات في الخيام
، لا يبرزن منها . وقيل : لنقص عقولهن ودينهن ورغبتهن في الدنيا . وقيل : بل يرونه
سبحانه; لأنه لا مانع من رؤيته في الخيام والقصور وغيرها . والنساء إذا دخلن الجنة
ذهب عنهن ما كان يعتريهن من النقص في الدنيا ، وصرن أزواجا مطهرة من كل أذى وطبن
أخلاقا وخلقا ، فلا مانع لهن من رؤيتهن لربهن ، عز وجل . والله سبحانه أعلم .
وقد قال الله تعالى : إن الأبرار لفي نعيم
على الأرائك ينظرون [ المطففين : 22 - 23 ] . وقال تعالى : هم وأزواجهم في ظلال
على الأرائك متكئون [ يس : 56 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنكم سترون ربكم
، عز وجل ، كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على
صلاة قبل طلوع الشمس وقبل [ ص: 363 ] غروبها فافعلوا " . وهذا عام في الرجال
والنساء . والله أعلم .
وقال بعض العلماء قولا ثالثا ، وهو أنهن يرين الله في مثل
أوقات الأعياد; فإنه تعالى يتجلى لأهل الجنة في مثل أيام الأعياد تجليا عاما ،
فيرينه في مثل هذه الحال في جملة أهل الجنة . وهذا القول يحتاج إلى دليل خاص .
والله أعلم .
وقد قال الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة [ يونس : 26 ] . وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين تفسير هذه الزيادة بالنظر
إلى وجه الله ، عز وجل; منهم أبو بكر الصديق ، وأبي بن كعب ، وكعب بن عجرة ،
وحذيفة بن اليمان ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عباس ، رضي الله عنهم . ومن
التابعين سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد
الرحمن بن سابط ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وغيرهم من السلف والخلف .
وقد روي حديث رؤية المؤمنين لربهم ، عز وجل ، في الدار
الآخرة عن جماعة من الصحابة ; منهم أبو بكر الصديق - وقد تقدم حديثه مطولا - وعلي
بن أبي طالب ، وقد روى حديثه يعقوب بن سفيان ، فقال : حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا سويد بن
عبد العزيز ، حدثنا عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن
أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرى أهل
الجنة الرب تعالى في كل جمعة " . وذكر تمام [ ص: 364 ] الحديث ، وفيه :
" فإذا كشف الحجاب كأنهم لم يروا نعمة قبل ذلك ، وهو قوله تعالى : ولدينا مزيد . ومنهم أبي بن كعب
، وأنس بن مالك ، وبريدة بن الحصيب ، وجابر بن عبد الله ، وجرير بن عبد الله ،
وحذيفة ، وزيد بن ثابت ، وسلمان الفارسي ، وأبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري ،
وصهيب بن سنان الرومي ، وعبادة بن الصامت ، وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ،
وعبد الله بن عباس ، وابن عمر ، وعمارة بن رويبة ، وعبد الله بن عمرو ، وأبو موسى
عبد الله بن قيس ، وعبد الله بن مسعود ، وعدي بن حاتم ، وعمار بن ياسر ، وأبو رزين
العقيلي ، وأبو هريرة ، ورجل من الصحابة ، وعائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنهم
أجمعين .
وقد تقدم كثير منها ، وسيأتي بقيتها مما يليق بهذا
المقام إن شاء الله تعالى . وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، أنا حماد بن سلمة
، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم تلا هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة . فقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد :
يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه . فيقولون وما هو ؟ ألم
يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا عن النار ؟ " قال :
" فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه " قال : " فوالله ما أعطاهم
الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر [ ص: 365 ] لأعينهم " . وهكذا رواه
مسلم من حديث حماد بن سلمة .
وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا أبو بكر الهذلي ،
أخبرني أبو تميمة الهجيمي ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة
ويقول : إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة ، فيقول : يا أهل الجنة ، هل
أنجزكم الله ما وعدكم ؟ فينظرون ، فيرون الحلي والحلل والثمار والأنهار والأزواج
المطهرة ، فيقولون : نعم ، قد أنجزنا الله ما وعدنا . قالوا ذلك ثلاث مرات ، فيقول
: قد بقي شيء; إن الله يقول : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة . ألا إن الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله ، عز وجل . هكذا ذكره
موقوفا .
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم حديث أبي تميمة الهجيمي
، عن أبي موسى الأشعري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله
يبعث يوم القيامة مناديا ينادي أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم ، إن الله وعدكم الحسنى
وزيادة ، الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن " .
ورواه ابن جرير من حديث زهير عمن سمع أبا العالية ،
حدثنا أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة قال : " الحسنى الجنة ، والزيادة
النظر إلى وجه الله " .
[ ص: 366 ] ورواه ابن جرير أيضا عن ابن حميد ، عن
إبراهيم بن المختار ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن كعب بن عجرة ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : " الزيادة النظر إلى وجه الرحمن ، عز وجل " .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا سلم بن سالم ، عن نوح بن أبي
مريم ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك قال
: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة . قال : " للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى ، وهي الجنة ، والزيادة
النظر إلى وجه الله ، عز وجل " . سلم وشيخه نوح بن أبي مريم متكلم فيهما . والله أعلم .
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي في كتاب
الجمعة من " مسنده " : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني
أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، أنه سمع أنس
بن مالك يقول : أتى جبريل بمرآة بيضاء فيها وكتة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما هذه ؟ . فقال : هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك ،
فالناس لكم فيها تبع ، اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، وفيها ساعة لا يوافقها [
ص: 367 ] مؤمن يدعو الله بخير ، إلا استجيب له ، وهو عندنا يوم المزيد . قال النبي
صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، ما يوم المزيد ؟ " قال : إن ربك اتخذ في
الفردوس واديا أفيح فيه كثب مسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من
ملائكته وحوله منابر من نور ، عليها مقاعد للنبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من
ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون ، فجلسوا من ورائهم على
تلك الكثب ، فيقول الله ، عز وجل : أنا ربكم قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم . فيقولون : ربنا
نسألك رضوانك . فيقول : قد رضيت عنكم ، ولكم علي ما تمنيتم ، ولدي مزيد . فهم
يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم
على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة .
وقد رواه البزار من حديث جهضم بن عبد الله ، عن أبي طيبة
، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أتاني جبريل وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سوداء ، فقلت : ما هذه يا جبريل
؟ قال : هذه الجمعة يعرضها عليك ربك ; لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك ، تكون أنت الأول
، وتكون اليهود والنصارى من بعدك قال : " ما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها خير ،
لكم فيها ساعة ، من دعا ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه إياه ، أو ليس له بقسم
إلا ادخر له ما هو أعظم منه ، أو تعوذ فيها من شر هو عليه مكتوب إلا أعاذه من أعظم
منه " . قال : " قلت : ما هذه النكتة السوداء ؟ قال : هي الساعة تقوم
يوم الجمعة ، وهو سيد الأيام عندنا ، ونحن ندعوه في الآخرة يوم [ ص: 368 ] المزيد
. قلت : وما يوم المزيد ؟ قال : إن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ،
فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه ، ثم حف الكرسي بمنابر من نور ،
وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها ، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب ، ثم جاء الصديقون
والشهداء حتى يجلسوا عليها ، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثب ، فيتجلى لهم
ربهم ، عز وجل ، حتى ينظروا إلى وجهه ، وهو يقول : أنا الذي صدقتكم وعدي ، وأتممت عليكم
نعمتي ، هذا محل كرامتي ، فسلوني . فيسألونه الرضا فيقول : رضائي أحلكم داري
وأنالكم كرامتي ، فسلوني . فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم ، فيفتح لهم عند ذلك ما لا
عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف الناس من الجمعة ،
ثم يصعد تعالى على كرسيه ، ويصعد معه الشهداء والصديقون - أحسبه قال - ويرجع أهل
الغرف إلى غرفهم درة بيضاء لا قصم فيها ولا فصم ، أو ياقوتة حمراء ، أو زبرجدة
خضراء منها غرفها وأبوابها مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها ، فيها أزواجها
وخدمها ، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ; ليزدادوا فيه كرامة ،
ويزدادوا نظرا إلى وجهه تعالى ، ولذلك سمي يوم المزيد " .
ثم قال البزار : لا نعلم أحدا رواه عن أنس غير عثمان بن
عمير أبي اليقظان ، وعثمان بن صالح
.
[ ص: 369 ] هكذا قال ، وقد رويناه من طريق زياد بن خيثمة
، عن عثمان بن أبي مسلم ، عن أنس ، فذكر الحديث بطوله مثل هذا السياق ، أو نحوه .
وتقدم في رواية الشافعي ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير
عنه ، فقد اختلف الرواة فيه ، وكان بعضهم يدلسه ، لئلا يعلم أمره ، وذلك لما يتوهم
من ضعفه . والله أعلم .
وقد رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ، عن
شيبان بن فروخ ، عن الصعق بن حزن ، عن علي بن الحكم البناني ، عن أنس ، فذكر
الحديث ، فهذه طرق جيدة عن أنس ، وهي شاهدة لرواية عثمان بن عمير .
وقد اعتنى بهذا الحديث الدارقطني ، فأورده من طرق ، قال
الحافظ الضياء : وقد روي من طريق جيد ، وهي شاهدة لرواية عثمان بن عمير عن أنس ،
رواه الطبراني ، عن أحمد بن زهير ، عن محمد بن عثمان بن كرامة ، عن خالد بن مخلد
القطواني ، عن عبد السلام بن حفص ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس ، فذكره .
وقد رواه غير أنس من الصحابة ، قال البزار حدثنا محمد بن
معمر ، [ ص: 370 ] وأحمد بن عمر والعصفري ، قالا : حدثنا يحيى بن كثير العنبري ،
حدثنا إبراهيم بن المبارك ، عن القاسم بن مطيب ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتاني جبريل " فذكر يوم المزيد
. قال : " فيوحي الله ، عز وجل ، إلى حملة العرش أن يرفعوا الحجب فيما بينهم
وبينه ، فيكون أول ما يسمعون منه : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني ،
وصدقوا رسلي واتبعوا أمري ، سلوني فهذا يوم المزيد . فيجتمعون على كلمة واحدة ؟ أن رضينا
عنك ، فارض عنا . فيرجع في قوله : يا أهل الجنة ، إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم
جنتي ، هذا يوم المزيد ، فسلوني
. فيجتمعون على كلمة واحدة : أرنا وجهك يا رب ننظر إليه
. قال : فيكشف الحجب ، فيتجلى لهم ، فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا
يموتوا لاحترقوا ، ثم يقال لهم : ارجعوا إلى منازلكم . فيرجعون إلى منازلهم ولهم في
كل سبعة أيام يوم يتجلى لهم فيه ، وذلك يوم الجمعة " .
..........................
قوله تعالى
: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها
فاقرة
قوله تعالى
: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة الأول من النضرة التي هي الحسن والنعمة .
والثاني من النظر أي وجوه المؤمنين مشرقة حسنة ناعمة ; يقال : نضرهم الله ينضرهم
نضرة ونضارة وهو الإشراق والعيش والغنى ; ومنه الحديث نضر الله امرأ سمع مقالتي
فوعاها .
إلى ربها إلى خالقها ومالكها ناظرة أي تنظر إلى ربها ;
على هذا جمهور العلماء . وفي الباب حديث صهيب خرجه مسلم وقد مضى في ( يونس ) عند
قوله تعالى : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة . وكان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على
الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ; ثم تلا هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة وروى يزيد النحوي عن عكرمة قال : تنظر إلى ربها نظرا . وكان
الحسن يقول : نضرت وجوههم ونظروا إلى ربهم .
وقيل : إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب .
وروي عن ابن عمر ومجاهد . وقال عكرمة : تنتظر أمر ربها . حكاه الماوردي عن ابن عمر
وعكرمة أيضا . وليس معروفا إلا عن مجاهد وحده . واحتجوا بقوله تعالى : لا تدركه الأبصار
وهو يدرك الأبصار وهذا [ ص: 98 ] القول ضعيف
جدا ، خارج عن مقتضى ظاهر الآية والأخبار .
وفي الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - : إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه وخدمه وسرره
مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية ثم قرأ رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة قال هذا حديث غريب . وقد روي عن ابن
عمرو ولم يرفعه .
وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من
ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم جل وعز إلا رداء
الكبرياء على وجهه في جنة عدن .
وروى جرير بن عبد الله قال : كنا عند رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - جلوسا ، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : إنكم سترون ربكم
عيانا كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة
قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا . ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل
الغروب متفق عليه . وخرجه أيضا أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح . وخرج أبو داود
عن أبي رزين العقيلي قال : قلت : يا رسول الله ، أكلنا يرى ربه ؟ قال ابن معاذ :
مخليا به يوم القيامة ؟ قال : " نعم يا أبا رزين " قال : وما آية ذلك في خلقه ؟ قال
: " يا أبا رزين أليس كلكم يرى القمر " قال ابن معاذ : ليلة البدر مخليا
به . قلنا : بلى . قال : " فالله أعظم " قال ابن معاذ قال : " فإنما
هو خلق من خلق الله - يعني القمر - فالله أجل وأعظم " .
وفي كتاب النسائي عن صهيب قال : فيكشف الحجاب فينظرون
إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر ، ولا أقر لأعينهم .
وفي التفسير لأبي إسحاق الثعلبي عن الزبير عن جابر قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يتجلى ربنا - عز وجل - حتى
ينظروا إلى وجهه ، فيخرون له سجدا ، فيقول [ ص: 99 ] ارفعوا رؤوسكم فليس هذا بيوم
عبادة " .
قال الثعلبي : وقول مجاهد إنها بمعنى تنتظر الثواب من
ربها ولا يراه شيء من خلقه فتأويل مدخول ، لأن العرب إذا أرادت بالنظر الانتظار
قالوا نظرته ; كما قال تعالى : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا تأويله
، و ما ينظرون إلا صيحة واحدة وإذا أرادت به التفكر والتدبر قالوا : نظرت فيه ، فأما إذا كان النظر
مقرونا بذكر إلى ، وذكر الوجه فلا يكون إلا بمعنى الرؤية والعيان .
وقال الأزهري : إن قول مجاهد تنتظر ثواب ربها خطأ ; لأنه
لا يقال نظر إلى كذا بمعنى الانتظار ، وإن قول القائل : نظرت إلى فلان ليس إلا
رؤية عين ، كذلك تقوله العرب ; لأنهم يقولون نظرت إليه : إذا أرادوا نظر العين ،
فإذا أرادوا الانتظار قالوا نظرته ; قال :
فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب لما
أراد الانتظار قال تنظراني ، ولم يقل تنظران إلي ; وإذا أرادوا نظر العين قالوا : نظرت
إليه ; قال :
نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال
وقال آخر [ عمر بن أبي ربيعة ] :
نظرت إليها بالمحصب من منى ولي نظر لولا التحرج عارم
وقال آخر
:
إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلى الغني الموسر
أي إني أنظر إليك بذل ; لأن نظر الذل والخضوع أرق لقلب
المسئول ; فأما ما استدلوا به من قوله تعالى : لا تدركه الأبصار
وهو يدرك الأبصار فإنما ذلك في الدنيا . وقد
مضى القول فيه في موضعه مستوفى . وقال عطية العوفي : ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به
من عظمته ، ونظره يحيط بها ; يدل عليه
: لا تدركه الأبصار
وهو يدرك الأبصار قال القشيري أبو نصر : وقيل
: ( إلى ) واحد الآلاء ، أي : نعمه منتظرة وهذا أيضا باطل ; لأن واحد الآلاء يكتب
بالألف لا بالياء ، ثم الآلاء : نعمه الدفع ، وهم في الجنة لا ينتظرون دفع نقمه
عنهم ، والمنتظر للشيء متنغص العيش ، فلا يوصف أهل الجنة بذلك . وقيل : أضاف النظر
إلى الوجه ; وهو كقوله تعالى : تجري من تحتها
الأنهار والماء يجري في النهر لا النهر . ثم
قد يذكر الوجه بمعنى العين ; قال الله تعالى : فألقوه على وجه أبي
يأت بصيرا أي على عينيه . ثم لا يبعد قلب
العادة غدا ، حتى يخلق الرؤية والنظر في الوجه ; وهو كقوله تعالى : [ ص: 100 ] أفمن يمشي مكبا على
وجهه ، فقيل : يا رسول الله ! كيف يمشون في
النار على وجوههم ؟ قال : " الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على
وجوههم " .
ووجوه يومئذ باسرة أي وجوه الكفار يوم القيامة كالحة كاسفة عابسة . وفي الصحاح :
وبسر الفحل الناقة وابتسرها : إذا ضربها من غير ضبعة . وبسر الرجل وجهه بسورا أي
كلح ; يقال : عبس وبسر . وقال السدي : باسرة أي متغيرة والمعنى واحد .
تظن أن يفعل بها
فاقرة أي توقن وتعلم ، والفاقرة : الداهية
والأمر العظيم ; يقال : فقرته الفاقرة
: أي كسرت فقار ظهره . قال معناه مجاهد وغيره . وقال
قتادة : الفاقرة الشر . السدي : الهلاك . ابن عباس وابن زيد : دخول النار . والمعنى
متقارب وأصلها الوسم على أنف البعير بحديدة أو نار حتى يخلص إلى العظم ; قاله
الأصمعي . يقال : فقرت أنف البعير : إذا حززته بحديدة ثم جعلت على موضع الحز الجرير وعليه
وتر ملوي ، لتذلله بذلك وتروضه ; ومنه قولهم : قد عمل به الفاقرة . وقال النابغة :
أبى لي قبر لا يزال مقابلي وضربة فأس فوق رأسي فاقره
أي كاسرة
.
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة القيامة »
قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة
[ عرض الكتاب
]
----------------
ذكر سوق الجنة
قال الحافظ أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا هشام بن عمار ،
حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن
سعيد بن المسيب ، أنه لقي أبا هريرة ، فقال أبو هريرة : أسأل الله أن يجمع بيني وبينك
في سوق الجنة ، فقال سعيد : أوفيها سوق ؟ قال : نعم ، أخبرني رسول [ ص: 371 ] الله
صلى الله عليه وسلم : " إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوها بفضل أعمالهم ، فيؤذن
لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا ، فيزورون الله في روضة من رياض الجنة ،
فتوضع لهم منابر من نور ، ومنابر من لؤلؤ ، ومنابر من زبرجد ، ومنابر من ياقوت ،
ومنابر من ذهب ، ومنابر من فضة ، ويجلس أدناهم - وما فيهم دني - على كثبان المسك
والكافور ، ما يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلسا " .
قال أبو هريرة : فقلت : يا رسول الله ، هل نرى ربنا ؟
قال : " نعم ، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ " قلنا : لا
. قال : " فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم تبارك وتعالى ، فإنه لا يبقى في ذلك
المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة حتى يقول : يا فلان ابن فلان ، أتذكر يوم فعلت
كذا وكذا ؟ فيذكره بعض غدراته في الدنيا ، فيقول : بلى ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول :
بلى ، فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه . قال : فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم
، فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا شيئا مثل ريحه قط " . قال : " ثم يقول
ربنا ، عز وجل : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ، فخذوا ما اشتهيتم . قال :
فيجدون سوقا قد حفت بها الملائكة ، فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ، ولم تسمع
الآذان ، ولم يخطر على القلوب
" . قال : [ ص: 372 ] فيحمل لنا ما اشتهينا ليس
يباع ولا يشترى ، وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا . قال : فيقبل ذو البزة
المرتفعة ، فيلقى من هو دونه - وما فيهم دني - فيروعه ما يرى عليه من اللباس
والهيئة ، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه ، وذلك أنه لا ينبغي لأحد
أن يحزن فيها . قال : ثم ننصرف إلى منازلنا ، فتلقانا أزواجنا ، فيقلن : مرحبا
وأهلا بحبنا ، لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فنقول : إنا قد جالسنا
ربنا الجبار ، عز وجل ، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا " .
وهكذا رواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار . ورواه الترمذي
، عن محمد بن إسماعيل ، عن هشام بن عمار ، ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا
الوجه .
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن الحكم بن موسى ، عن
هقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، قال : نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة ، فذكره .
وقال مسلم : حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار البصري
، حدثنا [ ص: 373 ] حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة ، فتهب عليهم ريح
الشمال ، فتحثو في وجوههم وثيابهم المسك ، فيزدادون حسنا وجمالا ، فيرجعون إلى أهلهم
وقد ازدادوا حسنا وجمالا ، فيقول لهم أهلوهم : والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا
. فيقولون : وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا " .
وهكذا رواه أحمد ، عن عفان ، عن حماد ، وعنده : "
إن في الجنة لسوقا فيها كثبان المسك ، فإذا خرجوا إليها هبت الريح " . وذكر
تمامه .
وروى أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عطاء بن وراز ، عن
سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أرض
الجنة بيضاء ، عرصتها صخور الكافور ، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل ، فيها
أنهار مطردة ، فيجتمع فيها أهل الجنة فيتعارفون ، فيبعث الله تعالى ريح الرحمة ، فتهيج
عليهم ريح المسك ، فيرجع الرجل إلى زوجته ، وقد ازداد حسنا وطيبا ، فتقول : لقد
خرجت من عندي وأنا بك معجبة ، وأنا الآن بك أشد إعجابا " .
[ ص: 374 ] فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو عيسى
الترمذي قائلا : حدثنا أحمد بن منيع وهناد ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد
الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور من الرجال
والنساء ، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها " . فإنه حديث غريب ، كما ذكره
الترمذي ، ويحمل معناه على أن الرجال إنما يشتهون الدخول في مثل صور الرجال ،
وكذلك النساء ، ويكون مفسرا بالحديث المتقدم ، وهو الشكل ، والهيئة ، والبشرة ، واللباس
، كما ذكرنا في حديث أبي هريرة في سوق الجنة : " فيقبل ذو البزة المرتفعة ،
فيلقى من دونه ، فيروعه ما عليه من اللباس والهيئة ، فما ينقضي آخر حديثه حتى
يتمثل عليه أحسن منه ، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها " .
هذا إن كان قد حفظ لفظ الحديث ، والظاهر أنه لم يحفظ ،
فإنه قد تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث ، وهو أبو شيبة الواسطي ، ويقال : الكوفي . روى عن
أبيه وخاله النعمان بن سعد ، والشعبي وغيرهم ، وعنه جماعة منهم حفص بن غياث ، وعبد
الله بن إدريس ، وهشيم .
قال الإمام أحمد : ليس بشيء ، منكر الحديث . وكذبه في
روايته عن النعمان بن سعد ، عن المغيرة بن شعبة في أحاديث رفعها .
[ ص: 375 ] وكذلك ضعفه يحيى بن معين ، ومحمد بن سعد ،
ويعقوب بن سفيان ، والبخاري ، وأبو داود ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، والنسائي ،
وابن خزيمة ، وابن عدي وغيرهم ، وقد استقصيت كلامهم فيه مفصلا في " التكميل
" . ولله الحمد والمنة .
ومثل هذا الرجل لا يقبل منه ما تفرد به ، ولا سيما هذا الحديث
، فإنه منكر جدا ، وأحسن أحواله أن يكون سمع شيئا ، ولم يفهمه جيدا ، فعبر عنه
بعبارة ناقصة ، ويكون أصل الحديث كما ذكرنا في رواية ابن أبي العشرين الدمشقي ، عن
الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، في سوق الجنة .
والله أعلم .
وقد روي من وجه آخر غريب ، فقال محمد بن عبد الله
الحضرمي الحافظ ، المعروف بمطين : حدثنا أحمد بن محمد بن طريف البجلي ، حدثنا أبي
، حدثنا محمد بن كثير ، حدثني جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ، عن علي بن الحسين ، عن
جابر بن عبد الله قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون ،
فقال : " يا معشر المسلمين ، إن في الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا
الصور ، فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها " .
جابر بن يزيد الجعفي ضعيف الحديث . والله أعلم .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
سعيد بن المسيب ( ع )
ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم
بن يقظة ، الإمام العلم ، أبو محمد القرشي المخزومي ، عالم أهل المدينة ، وسيد
التابعين في زمانه . ولد [ ص: 218 ] لسنتين مضتا من خلافة عمر رضي الله عنه وقيل : لأربع مضين منها
بالمدينة .
رأى عمر ، وسمع عثمان ، وعليا ، وزيد بن ثابت ، وأبا
موسى ، وسعدا ، وعائشة وأبا هريرة ، وابن عباس ، ومحمد بن مسلمة ، وأم سلمة ،
وخلقا سواهم . وقيل : إنه سمع من عمر
.
وروى عن أبي بن كعب مرسلا ، وبلال كذلك ، وسعد بن عبادة
كذلك ، وأبي ذر وأبي الدرداء كذلك ، وروايته عن علي ، وسعد ، وعثمان ، وأبي موسى ،
وعائشة ، وأم شريك ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وحكيم بن حزام ، وعبد
الله بن عمرو ، وأبيه المسيب ، وأبي سعيد في " الصحيحين " وعن حسان بن
ثابت ، وصفوان بن أمية ، ومعمر بن عبد الله ، ومعاوية ، وأم سلمة ، في صحيح مسلم . وروايته عن جبير
بن مطعم وجابر ، وغيرهما في البخاري . وروايته عن عمر في السنن الأربعة .
وروى -أيضا- عن زيد بن ثابت ، وسراقة بن مالك ، وصهيب ،
والضحاك بن سفيان ، وعبد الرحمن بن عثمان التيمي ، وروايته عن عتاب بن أسيد في
السنن الأربعة ، وهو مرسل . وأرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر
الصديق وكان زوج بنت أبي هريرة ، وأعلم الناس بحديثه .
روى عنه خلق : منهم إدريس بن صبيح ، وأسامة بن زيد
الليثي ، وإسماعيل بن أمية ، وبشير وعبد الرحمن بن حرملة وعبد الرحمن بن حميد بن
عبد الرحمن ، وعبد الكريم الجزري ، وعبد المجيد بن سهيل ، وعبيد الله بن سليمان
العبدي ، وعثمان بن حكيم ، وعطاء الخراساني ، وعقبة بن حريث [ ص: 219 ] وعلي بن جدعان
، وعلي بن نفيل الحراني ، وعمارة بن عبد الله بن طعمة ، وعمرو بن شعيب ، وعمرو بن
دينار ، وعمرو بن مرة ، وعمرو بن مسلم الليثي ، وغيلان بن جرير ، والقاسم بن عاصم
، وابنه محمد بن سعيد ، وقتادة ، ومحمد بن صفوان ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي
لبيبة ، وأبو جعفر محمد بن علي ، ومحمد بن عمرو بن عطاء ، والزهري ، وابن المنكدر
، ومعبد بن هرمز ، ومعمر بن أبي حبيبة ، وموسى بن وردان ، وميسرة الأشجعي ، وميمون
بن مهران ، وأبو سهيل نافع بن مالك ، وأبو معشر نجيح السندي ، وهو عند الترمذي ،
وهاشم بن هاشم الوقاصي ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويزيد بن قسيط ، ويزيد بن نعيم
بن هزال ، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج ، ويونس بن سيف ، وأبو جعفر الخطمي وأبو
قرة الأسدي ، من " التهذيب
" .
وعنه : الزهري ، وقتادة ، وعمرو بن دينار ، ويحيى بن
سعيد الأنصاري ، وبكير بن الأشج ، وداود بن أبي هند ، وسعد بن إبراهيم ، وعلي بن
زيد بن جدعان ، وشريك بن أبي نمر ، وعبد الرحمن بن حرملة وبشر كثير .
وكان ممن برز في العلم والعمل ، وقع لنا جملة من عالي
حديثه .
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق القرافي ، أنبأنا
الفتح بن عبد الله الكاتب ، أنبأنا محمد بن عمر الشافعي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي
، ومحمد بن علي بن الداية ، قالوا : أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة ،
أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري سنة ثمانين وثلاث مائة ، أنبأنا جعفر بن [ ص: 220 ] محمد
الفريابي ، حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي
هند ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال : ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى ، وزعم أنه مسلم : من إذا
حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان .
هذا صحيح ، عال ، فيه دليل على أن هذه الخصال من كبار
الذنوب .
أخرجه مسلم عن أبي نصر التمار ، عن حماد بن سلمة ، فوقع
لنا بدلا عاليا مع علوه في نفسه لمسلم ولنا ; فإن أعلى أنواع الإبدال أن يكون
الحديث من أعلى حديث صاحب ذلك الكتاب ، ويقع لك بإسناد آخر أعلى بدرجة أو أكثر .
والله أعلم .
أخبرنا إسحاق الأسدي ، أنبأنا يوسف الآدمي ( ح ) وأنبأنا
أحمد بن سلامة قالا : أنبأنا أبو المكارم الأصبهاني ، قال يوسف سماعا ، وقال الآخر
إجازة : أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا
أحمد بن داود المكي ، حدثنا حبيب كاتب مالك ، حدثنا ابن أخي الزهري ، عن الزهري ،
عن سعيد بن المسيب ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
قال لي جبريل : ليبك الإسلام على موت عمر .
هذا حديث منكر ، وحبيب ليس بثقة ، مع أن سعيدا عن أبي
منقطع . عبد العزيز بن المختار ، عن علي بن زيد ، حدثني سعيد بن المسيب بن حزن أن
جده حزنا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : ما اسمك؟ قال : حزن . قال : بل
أنت سهل . قال : يا رسول الله ، اسم سماني به أبواي وعرفت به في الناس ، فسكت عنه النبي
صلى الله عليه وسلم قال سعيد : فما زلنا تعرف الحزونة فينا أهل البيت . [ ص: 221 ] هذا
حديث مرسل ، ومراسيل سعيد محتج بها ، لكن علي بن زيد ليس بالحجة ، وأما الحديث
فمروي بإسناد صحيح ، متصل ، ولفظه : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له : ما
اسمك؟ قال : حزن . قال : أنت سهل . فقال لا أغير اسما سمانيه أبي قال سعيد : فما
زالت تلك الحزونة فينا بعد . العطاف بن خالد : عن أبي حرملة ، عن ابن المسيب قال :
ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة . سفيان الثوري : عن عثمان بن حكيم ،
سمعت سعيد بن المسيب يقول : ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد .
إسناده ثابت . حماد بن زيد : حدثنا يزيد بن حازم ، أن سعيد بن المسيب كان
يسرد الصوم . مسعر عن سعيد بن إبراهيم ، سمع ابن المسيب يقول : ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أبو بكر ، ولا عمر مني . [ ص: 222 ] أسامة بن زيد :
عن نافع ، أن ابن عمر ذكر سعيد بن المسيب فقال : هو -والله- أحد المفتين .
قال أحمد بن حنبل وغير واحد : مرسلات سعيد بن المسيب
صحاح .
وقال قتادة ، ومكحول ، والزهري ، وآخرون ، واللفظ لقتادة
: ما رأيت أعلم من سعيد بن المسيب
.
قال علي بن المديني : لا أعلم في التابعين أحدا أوسع
علما من ابن المسيب ، هو عندي أجل التابعين . عبد الرحمن بن حرملة : سمعت ابن
المسيب يقول : حججت أربعين حجة . قال يحيى بن سعيد الأنصاري : كان سعيد يكثر
أن يقول في مجلسه : اللهم سلم سلم . معن : سمعت مالكا يقول : قال ابن المسيب : إن
كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد . ابن عيينة : عن إبراهيم بن طريف
، عن حميد بن يعقوب ، سمع سعيد بن المسيب يقول : سمعت من عمر كلمة ما بقي أحد
سمعها غيري . أبو إسحاق الشيباني : عن بكير بن الأخنس ، عن سعيد بن [ ص: 223 ] المسيب
، قال : سمعت عمر على المنبر وهو يقول : لا أجد أحدا جامع فلم يغتسل ، أنزل أو لم
ينزل ، إلا عاقبته .
ابن عيينة : عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال :
ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر وكانت خلافته عشر سنين وأربعة أشهر .
عرض في كتاب سير
أعلام النبلاء
الله أكبر كبيرا
قراءة المصحف كاملا بصيغة وورد ومعه
حمل المصحف بكل الصيغ /وحمل المصحف:بونط كبير
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر
/صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {...
/صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه
/تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3
................
.
الأحد، 25 يوليو 2021
ذكر نظر الرب تعالى إلى أهل الجنة وتسليمه عليهم و رؤية أهل الجنة ربهم ، عز وجل ، في مثل أيام الجمع في مجتمع لهم معد لذلك هنالك وسوق الجنة
أدعية وأذكار - الجوامع من الدعاء
أدعية وأذكار - الجوامع من الدعاء - اللهم خِرْ لي واخْتَرْ لي [يعني حديث: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا أراد أمرًا ق...
-
مجلد 2. السنن الكبرى النسائي ]{من حديث { 1090.الي ح 2190.} [ السنن الكبرى - النسائي ] الكتاب : سنن النسائي الكبرى المؤلف : أ...
-
مجلد 1. [ السنن الكبرى - النسائي ] الكتاب : سنن النسائي الكبرى المؤلف : أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي الناشر : دار الكتب ا...
-
كتب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم الاستقامة الأربعين التي رواها شيخ الإسلام بالسند كتاب الإيمان الكبير التبيان في نزول القرآن...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق