الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من سنين عديدة ومسافة بعيدة


.ذكر ريح الجنة وطيبه وانتشاره حتى إنه يشم من سنين عديدة ومسافة بعيدة

قال الله تعالى : والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم [ محمد : 4 - 6 ] . قال بعضهم : أي طيبها لهم ، من العرف; وهو الريح الطيبة .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين عاما " .
ورواه أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، وقال : " سبعين عاما " .
وقال أحمد : حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : أراد فلان أن يدعى جنادة بن أبي أمية ، فقال عبد الله بن عمرو : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاما ، أو مسيرة سبعين عاما " . قال : " ومن كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار " .
[ ص: 377 ] وقال البخاري : حدثنا قيس بن حفص ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " .
وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، عن الحسن بن عمرو ، به .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن محمد - يعني أبا إبراهيم المعقب - حدثنا مروان ، وهو ابن معاوية الفزاري ، عن الحسن بن عمرو الفقيمي ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " .
رواه النسائي عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، عن مروان بن معاوية الفزاري ، به .
[ ص: 378 ] ورواه الطبراني ، عن موسى بن خازم الأصبهاني ، عن محمد بن بكير الحضرمي ، عن مروان الفزاري ، عن الحسن ، عن مجاهد ، عن جنادة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل قتيلا من أهل الذمة ، لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام " . هذا لفظه .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا معلل بن نفيل ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن عوف الأعرابي ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام " .
وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، وقال : " سبعين خريفا " . وقال : حسن صحيح . وقال : وفي الباب عن أبي بكرة .
وقال الحافظ الضياء : هو عندي على شرط الصحيح ، يعني حديث أبي هريرة . وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن أو غيره ، عن أبي بكرة ، [ ص: 379 ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام " .
وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : " خمسمائة عام " . وكذلك رواه حماد بن سلمة ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن .
وروى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " صفة الجنة " ، من طريق الربيع بن بدر عليلة - وهو ضعيف - عن هارون بن رئاب ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة مرفوعا : " رائحة الجنة توجد من مسيرة خمسمائة سنة " .
وقال مالك ، عن مسلم بن أبي مريم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أنه قال : نساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام .
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : وقد رواه عبد الله بن نافع الصائغ ، عن مالك ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أحمد بن محمد بن طريف ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن كثير ، حدثني جابر الجعفي ، عن [ ص: 380 ] أبي جعفر محمد بن علي ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام ، والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم " .
وثبت في الصحيحين " عن أنس ، أن سعد بن معاذ ، مر بأنس بن النضر يوم أحد ، فقال : أين يا سعد ، واها لريح الجنة ، والله إني لأجد ريحها دون أحد . فقاتل يومئذ حتى قتل ، ولم يعرف من كثرة الجراح ، وما عرفه إلا أخته الربيع بنت النضر ببنانه ، ووجد به بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ، رضي الله عنه .
فقد وجد أنس ريح الجنة في الأرض وهي فوق السماوات ، اللهم إلا أن تكون قد اقتربت يومئذ من المؤمنين ، والله أعلم .
التالي السابق
تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
قوله تعالى : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم .
فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب لما ميز بين الفريقين أمر بجهاد الكفار . قال ابن عباس : الكفار المشركون عبدة الأوثان . وقيل : كل من خالف دين الإسلام من مشرك أو كتابي إذا لم يكن صاحب عهد ولا ذمة ، ذكره الماوردي . واختاره ابن العربي وقال : وهو الصحيح لعموم الآية فيه . فضرب الرقاب مصدر . قال الزجاج : أي : فاضربوا الرقاب ضربا . وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها . وقيل : نصب على الإغراء . قال أبو عبيدة : هو كقولك يا نفس صبرا . وقيل : التقدير اقصدوا ضرب الرقاب . وقال : فضرب الرقاب ولم يقل فاقتلوهم ; لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل ، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره ، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه .
الثانية : قوله تعالى : حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم القتل . وقد مضى في ( الأنفال ) عند قوله تعالى : حتى يثخن في الأرض . فشدوا الوثاق أي إذا أسرتموهم . والوثاق اسم من الإيثاق ، وقد يكون مصدرا ، يقال : أوثقته إيثاقا ووثاقا . وأما الوثاق ( بالكسر ) فهو اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط ، قاله القشيري . وقال الجوهري : وأوثقه في الوثاق أي : شده ، وقال تعالى : فشدوا الوثاق والوثاق ( بكسر الواو ) لغة فيه . وإنما أمر بشد الوثاق لئلا [ ص: 209 ] يفلتوا . فإما منا عليهم بالإطلاق من غير فدية وإما فداء ولم يذكر القتل هاهنا اكتفاء بما تقدم من القتل في صدر الكلام ، ومنا وفداء نصب بإضمار فعل . وقرئ ( فدى ) بالقصر مع فتح الفاء ، أي : فإما أن تمنوا عليهم منا ، وإما أن تفادوهم فداء .
روي عن بعضهم أنه قال : كنت واقفا على رأس الحجاج حين أتي بالأسرى من أصحاب عبد الرحمن بن الأشعث وهم أربعة آلاف وثمانمائة فقتل منهم نحو من ثلاثة آلاف حتى قدم إليه رجل من كندة فقال : يا حجاج ، لا جازاك الله عن السنة والكرم خيرا قال : ولم ذلك ؟ قال : لأن الله تعالى قال : فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء في حق الذين كفروا ، فوالله ما مننت ولا فديت ؟ وقد قال شاعركم فيما وصف به قومه من مكارم الأخلاق :
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم إذا أثقل الأعناق حمل المغارم
فقال الحجاج : أف لهذه الجيف أما كان فيهم من يحسن مثل هذا الكلام ؟ خلوا سبيل من بقي . فخلي يومئذ عن بقية الأسرى ، وهم زهاء ألفين ، بقول ذلك الرجل .
الثالثة : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية على خمسة أقوال :
الأول : أنها منسوخة ، وهي في أهل الأوثان ، لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم . والناسخ لها عندهم قوله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله : فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم وقوله : وقاتلوا المشركين كافة الآية ، قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريج والعوفي عن ابن عباس ، وقاله كثير من الكوفيين . وقال عبد الكريم الجوزي : كتب إلى أبي بكر في أسير أسر ، فذكروا أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا ، فقال اقتلوه ، لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا .
الثاني : أنها في الكفار جميعا . وهي منسوخة على قول جماعة من العلماء وأهل النظر ، منهم قتادة ومجاهد . قالوا : إذا أسر المشرك لم يجز أن يمن عليه ، ولا أن يفادى به فيرد إلى المشركين ، ولا يجوز أن يفادى عندهم إلا بالمرأة ; لأنها لا تقتل . والناسخ لها : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إذ كانت براءة آخر ما نزلت بالتوقيف ، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن يؤخذ منه الجزية . وهو المشهور [ ص: 210 ] من مذهب أبي حنيفة ، خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين . ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة فإما منا بعد وإما فداء قال : نسخها فشرد بهم من خلفهم وقال مجاهد : نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم . وهو قول الحكم .
الثالث : أنها ناسخة ، قال الضحاك وغيره روى الثوري عن جويبر عن الضحاك : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال : نسخها فإما منا بعد وإما فداء وقال ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء : فإما منا بعد وإما فداء فلا يقتل المشرك ولكن يمن عليه ويفادى ، كما قال الله عز وجل . وقال أشعث : كان الحسن يكره أن يقتل الأسير ، ويتلو فإما منا بعد وإما فداء وقال الحسن أيضا : في الآية تقديم وتأخير ، فكأنه قال : فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها . ثم قال : حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق وزعم أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يديه أن يقتله ، لكنه بالخيار في ثلاثة منازل : إما أن يمن ، أو يفادي ، أو يسترق .
الرابع : قول سعيد بن جبير : لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف ، لقوله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره .
الخامس : أن الآية محكمة ، والإمام مخير في كل حال ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وقاله كثير من العلماء منهم ابن عمر والحسن وعطاء ، وهو مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبي عبيد وغيرهم . وهو الاختيار ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين فعلوا كل ذلك ، قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث يوم بدر صبرا ، وفادى سائر أسارى بدر ، ومن على ثمامة بن أثال الحنفي وهو أسير في يده ، وأخذ من سلمة بن الأكوع جارية ففدى بها أناسا من المسلمين ، وهبط عليه - عليه السلام - قوم من أهل مكة فأخذهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن عليهم ، وقد من على سبي هوازن . وهذا كله ثابت في الصحيح ، وقد مضى جميعه في ( الأنفال ) وغيرها .
قال النحاس : وهذا على أن الآيتين محكمتان معمول بهما ، وهو قول حسن ; لأن النسخ إنما يكون لشيء قاطع ، فإذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ ، إذا كان يجوز أن يقع التعبد إذا لقينا الذين كفروا قتلناهم ، فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمفاداة والمن ، على ما فيه الصلاح للمسلمين . وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعي وأبي عبيد ، وحكاه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة ، والمشهور عنه ما قدمناه ، وبالله - عز وجل - التوفيق .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة القتال »
قوله تعالى فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب
[ عرض الكتاب ]
==================
نور الجنة وبهائها وطيب فنائها وحسن منظرها في وقت صباحها ومسائها
قال الله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . وقال تعالى : خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما [ الفرقان : 76 ] . وقال تعالى : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى [ طه : 118 ، 119 ] . وقال تعالى : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا [ الإنسان : 13 ] .
[ ص: 381 ] ، قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه الحنفي ، عن خاله الزميل بن سماك ، سمع أباه يحدث ، أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره ، فقال : يا بن عباس ، ما أرض الجنة ؟ قال : هي مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة . قلت : ما نورها ؟ قال : أما رأيت الساعة التي تكون قبل طلوع الشمس ؟ فذلك نورها ، إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير . وذكر باقي الحديث ، كما تقدم .
وتقدم في سؤال ابن صياد عن تربة الجنة أنها درمكة بيضاء ، مسك أذفر .
وقال أحمد بن منصور الرمادي : حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا هشام بن زياد أبو المقدام ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الله الجنة بيضاء ، وأحب الزي إلى الله البياض ، فليلبسه أحياؤكم ، وكفنوا فيه موتاكم " . قال : ثم أمر برعاء الشاء فجمعوا ، فقال : " من كان ذا غنم سود فليخلط بها بيضا " . فجاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني اتخذت غنما سودا ، فلا أراها تنمو . فقال : " عفري " . أي بيضي ، معناه : اخلطي فيها بيضا .
[ ص: 382 ] وقال أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن الفرج الحمصي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ، حدثنا محمد بن مهاجر ، عن الضحاك المعافري ، عن سليمان بن موسى ، حدثنا كريب أنه سمع أسامة بن زيد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها ، هي ورب الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة في مقام آبد ، في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ، في محلة عالية بهية " . قالوا : يا رسول الله ، نعم ، نحن المشمرون لها . فقال : " قولوا : إن شاء الله " . فقال القوم : إن شاء الله . ثم قال البزار : لا نعلم له طريقا إلا هذا .
وقد رواه ابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم ، عن محمد بن مهاجر ، بنحوه . ورواه أبو بكر بن أبي داود ، عن عمرو بن عثمان ، عن أبيه ، عن محمد بن مهاجر به ، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق ابن مهاجر .
وتقدم في الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عطاء بن وراز ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة مرفوعا : " أرض الجنة بيضاء ، عرصتها صخور الكافور ، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل ، فيها [ ص: 383 ] أنهار مطردة ، فيجتمع فيها أهل الجنة فيتعارفون ، فيبعث الله ريح الرحمة ، فتهيج عليهم ريح المسك ، فيرجع الرجل إلى زوجته وقد ازداد حسنا وطيبا " . وذكر الحديث .
وروى الإمام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم - " لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرف له ما بين خوافق السماوات والأرض "
.........................
[ ص: 126 ] قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا
قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون بين من الذي يطوف عليهم بالآنية ; أي ويخدمهم ولدان مخلدون ، فإنهم أخف في الخدمة . ثم قال : مخلدون أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة . وقيل : مخلدون لا يموتون . وقيل : مسورون مقرطون ; أي محلون والتخليد التحلية . وقد تقدم هذا .
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس ، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما . وعن المأمون أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل ، وهو على بساط منسوج من ذهب ، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال : لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أرض من الذهب وقيل : إنما شبههم بالمنثور ; لأنهم سراع في الخدمة ، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون ; لأنهن لا يمتهن بالخدمة .
قوله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ثم : ظرف مكان أي هناك في الجنة ، والعامل في ( ثم ) معنى رأيت أي وإذا رأيت ببصرك ثم . وقال الفراء : في الكلام ما مضمرة ; أي وإذا رأيت ما ثم ; كقوله تعالى : لقد تقطع بينكم أي ما بينكم . وقال الزجاج : ما موصولة ب " ثم " على ما ذكره الفراء ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ، ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم والمعنى : إذا رأيت ببصرك ثم ويعني ب ثم الجنة ، وقد ذكر الفراء هذا أيضا . والنعيم : سائر ما يتنعم به . والملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم ; قال السدي وغيره ، قال الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله ، فيستأذن عليه ; فذلك الملك العظيم . وقاله مقاتل بن سليمان . وقيل : الملك الكبير : هو أن يكون لأحدهم [ ص: 127 ] سبعون حاجبا ، حاجبا دون حاجب ، فبينما ولي الله فيما هو فيه من اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله ، قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط ، فيقول للحاجب الخارج : استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين . فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه : هذا رسول من رب العالمين ، معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله ; فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله فيقول له : يا ولي الله ! هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك ، معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له ؟ فيقول : نعم ! فأذنوا له . فيقول ذلك الحاجب الذي يليه : نعم فأذنوا له . فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ الحاجب الآخر . فيقول له : نعم أيها الملك ; قد أذن لك ، فيدخل فيسلم عليه ويقول : السلام يقرئك السلام ، وهذه تحفة ، وهذا كتاب من رب العالمين إليك . فإذا هو مكتوب عليه : من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي يموت . فيفتحه فإذا فيه : سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي ، يا وليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك ؟ فيستخفه الشوق فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيارة علام الغيوب ، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم ; دليله قوله تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وقيل : الملك الكبير كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رأس ملك من الملوك . وقال الترمذي الحكيم : يعني ملك التكوين ، فإذا أرادوا شيئا قالوا له كن . وقال أبو بكر الوراق : ملك لا يتعقبه هلك . وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الملك الكبير هو - أن - أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه " قال : " وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربه تعالى كل يوم مرتين " سبحان المنعم .
قوله تعالى : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق قرأ نافع وحمزة وابن محيصن عاليهم ساكنة الياء ، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما عاليتهم وبتفسير ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها . الفراء : وهو مرفوع بالابتداء وخبره ثياب سندس واسم الفاعل يراد به الجمع . ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم و ( ثياب ) مرتفعة به وسدت مسد الخبر ، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص ، وابتدئ به لأنه اختص بالإضافة . وقرأ الباقون عاليهم بالنصب . وقال الفراء : هو كقولك فوقهم ، والعرب تقول : قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف ، لأنه محل . وأنكر الزجاج هذا وقال : هو مما لا نعرفه في [ ص: 128 ] الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء . ولكنه بالنصب على الحال من شيئين : أحدهما الهاء والميم في قوله : يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان عاليا الأبرار ثياب سندس ; أي يطوف عليهم في هذه الحال ، والثاني : أن يكون حالا من الولدان ; أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم . وقال أبو علي : العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا وإما جزاهم بما صبروا قال : ويجوز أن يكون ظرفا فصرف .
المهدوي : ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا ; كقولك هو ناحية من الدار ، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجري مجراه فجعل ظرفا . وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم ( خضر ) بالجر على نعت السندس ( وإستبرق ) بالرفع نسقا على الثياب ، ومعناه عاليهم [ ثياب ] سندس وإستبرق . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب خضر رفعا نعتا للثياب ( وإستبرق ) بالخفض نعتا للسندس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه ; لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس ، والمعنى : عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق ، أي من هذين النوعين .
وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون خضر نعتا للثياب ; لأنهما جميعا بلفظ الجمع ( وإستبرق ) عطفا على الثياب . وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله : ( خضر ) نعتا للسندس ، والسندس اسم جنس ، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له ; وتقول : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ; ولكنه مستبعد في الكلام . والمعنى على هذه القراءة : عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق . وكلهم صرف الإستبرق ، إلا ابن محيصن ، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ ( وإستبرق ) نصبا في موضع الجر ، على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ; لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ; تقول الإستبرق إلا أن يزعم [ ابن محيصن ] أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب . وقرئ ( واستبرق ) بوصل الهمزة والفتح على أنه سمي باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأن أصله استبرك والسندس : ما رق من الديباج . والإستبرق : ما غلظ منه . وقد تقدم .
قوله تعالى : وحلوا عطف على ويطوف . أساور من فضة وفي سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، فقيل : حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب . وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة . وقيل : يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع لهم محاسن الجنة ; قاله سعيد بن المسيب . وقيل : أي لكل قوم ما تميل إليه [ ص: 129 ] نفوسهم .
وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تتشعث أشعارهم أبدا ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقال النخعي وأبو قلابة : هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك ، وضمرت بطونهم . وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ، تنبع من ساق شجرة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من أذى وقذر . وهذا معنى ما روي عن علي ، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر . وقد مضى بيانه في سورة ( الفرقان ) والحمد لله . وقال طيب الجمال : صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ وسقاهم ربهم شرابا طهورا وجعل يحرك شفتيه وفمه ، كأنه يمص شيئا ، فلما فرغ قيل له : أتشرب أم تقرأ ؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته .
قوله تعالى : إن هذا كان لكم جزاء أي يقال لهم : إنما هذا جزاء لكم أي ثواب . وكان سعيكم أي عملكم مشكورا أي من قبل الله ، وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه . وروى سعيد عن قتادة قال : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى . وقال مجاهد : مشكورا أي مقبولا والمعنى متقارب ; فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره ، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل ; إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم . روي عن ابن عمر : أن رجلا حبشيا قال : يا رسول الله ! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد ، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة " ، فقال الرجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لأثقله . فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف الله برحمته " .
قال : ثم نزلت هل أتى على الإنسان حين من الدهر إلى قوله : وملكا كبيرا قال الحبشي : يا رسول الله ! وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه . وقال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه في حفرته ويقول : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا قلنا : [ ص: 130 ] يا رسول الله وما هو ؟ قال : " والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لأبيضن وجهك ولأبوئنك من الجنة حيث شئت ، فنعم أجر العاملين " .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الإنسان »
قوله تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللهم تقبل

اللهم ارحم والدَّي   واغفر لهما وارض عنهما وجميع اهلي ما دامت السماوات والارض*وعافني ومحمد اخي   وكل مؤمن ومؤمنة واعفو عنا وعافنا   واشف...