الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

ذكر خيل الجنة وتزاور أهل الجنات وأول من يدخل الجنة


ذكر خيل الجنة

قال الترمذي : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا المسعودي ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل ؟ فقال : " إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت " . قال : وسأله رجل فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه ، قال : " إن يدخلك الله الجنة ، يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك " . ثم رواه عن سويد ، عن ابن [ ص: 398 ] المبارك ، عن سفيان ، عن علقمة ، عن عبد الرحمن بن سابط ، مرسلا ، قال ؟ وهذا أصح .
وقد روى أبو نعيم في " صفة الجنة " من طريق علقمة بن مرثد ، عن يحيى بن إسحاق ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والفردوس أعلاها سموا ، وأوسعها محلا ، وفيها تفجر أنهار الجنة ، وعليها يوضع العرش يوم القيامة " . فقام إليه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني حبب إلي الخيل ، فهل في الجنة خيل ؟ قال : " إي والذي نفسي بيده ، إن في الجنة لخيلا ، وإبلا هفافة ، تزف بين خلال ورق الجنة ، يتزاورون عليها حيث شاءوا " .
وقال الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، حدثنا أبو معاوية ، عن واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، عن أبي أيوب قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، إني أحب الخيل ، أفي الجنة خيل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان ، فحملت عليه ، ثم طار بك حيث شئت " . ثم ضعف الترمذي هذا الإسناد من جهة أبي سورة ابن أخي أبي أيوب ، فإنه قد ضعفه غير واحد ، واستنكر البخاري حديثه هذا . والله أعلم .
[ ص: 399 ] وقال القرطبي : وذكر ابن وهب : حدثنا ابن زيد ، قال الحسن البصري : يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف ألف من خدمه من الولدان المخلدين ، على خيل من ياقوت أحمر ، لها أجنحة من ذهب " ثم قرأ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . قلت : فيه انقطاع بين عبد الرحمن بن زيد - وهو ضعيف - وبين الحسن ، ثم هو مرسل .
وروى أبو نعيم ، عن أبي أيوب مرفوعا : " إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت ، وليس في الجنة من البهائم إلا الخيل والإبل " .
وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو قال : في الجنة عتاق الخيل وكرام النجائب ، يركبها أهلها . وهذه الصيغة لا تدل على حصر ، كما دل عليه رواية أبي نعيم في حديث أبي أيوب ، ثم هو معارض بما رواه ابن ماجه في " سننه " عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشاة من دواب الجنة " . وهذا منكر أيضا .
[ ص: 400 ] وفي " مسند البزار " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحسنوا إلى المعزى وأميطوا عنها الأذى ، فإنها من دواب الجنة " .
وقال أبو الشيخ الأصبهاني : حدثنا القاسم بن زكريا ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن الحكم بن أبي خالد ، عن الحسن البصري ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة جاءتهم خيول من ياقوت أحمر ، لها أجنحة ، لا تبول ولا تروث ، فقعدوا عليها ، ثم طارت بهم في الجنة إلى حيث شاء الله من سلطانه ، فيتجلى لهم الجبار تعالى ، فإذا رأوه خروا له سجدا ، فيقول لهم الجبار تعالى : ارفعوا رءوسكم ، فإن هذا ليس بيوم عمل ، إنما هو يوم نعيم وكرامة . فيرفعون رءوسهم ، فيمطر الله عليهم طيبا ، فيمرون بكثبان المسك ، فيبعث الله ، عز وجل ، على تلك الكثبان ريحا ، فتهيجها عليهم حتى إنهم ليرجعون إلى أهليهم ، وإنهم لشعث غبر " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني الفضل بن جعفر ، حدثنا جعفر بن جسر ، [ ص: 401 ] حدثنا أبي ، عن الحسن بن علي ، عن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل ، ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت ، لا تروث ، ولا تبول ، لها أجنحة ، خطوها مد بصرها ، فيركبها أهل الجنة ، فتطير بهم حيث شاءوا ، فيقول الذين أسفل منهم درجة : يا رب ، بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها ؟ فيقال لهم : كانوا يصلون الليل وكنتم تنامون ، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون ، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون ، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون " .
.......................
[ ص: 126 ] قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا
قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون بين من الذي يطوف عليهم بالآنية ; أي ويخدمهم ولدان مخلدون ، فإنهم أخف في الخدمة . ثم قال : مخلدون أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة . وقيل : مخلدون لا يموتون . وقيل : مسورون مقرطون ; أي محلون والتخليد التحلية . وقد تقدم هذا .
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس ، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما . وعن المأمون أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل ، وهو على بساط منسوج من ذهب ، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال : لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أرض من الذهب وقيل : إنما شبههم بالمنثور ; لأنهم سراع في الخدمة ، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون ; لأنهن لا يمتهن بالخدمة .
قوله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ثم : ظرف مكان أي هناك في الجنة ، والعامل في ( ثم ) معنى رأيت أي وإذا رأيت ببصرك ثم . وقال الفراء : في الكلام ما مضمرة ; أي وإذا رأيت ما ثم ; كقوله تعالى : لقد تقطع بينكم أي ما بينكم . وقال الزجاج : ما موصولة ب " ثم " على ما ذكره الفراء ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ، ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم والمعنى : إذا رأيت ببصرك ثم ويعني ب ثم الجنة ، وقد ذكر الفراء هذا أيضا . والنعيم : سائر ما يتنعم به . والملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم ; قال السدي وغيره ، قال الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله ، فيستأذن عليه ; فذلك الملك العظيم . وقاله مقاتل بن سليمان . وقيل : الملك الكبير : هو أن يكون لأحدهم [ ص: 127 ] سبعون حاجبا ، حاجبا دون حاجب ، فبينما ولي الله فيما هو فيه من اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله ، قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط ، فيقول للحاجب الخارج : استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين . فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه : هذا رسول من رب العالمين ، معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله ; فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله فيقول له : يا ولي الله ! هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك ، معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له ؟ فيقول : نعم ! فأذنوا له . فيقول ذلك الحاجب الذي يليه : نعم فأذنوا له . فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ الحاجب الآخر . فيقول له : نعم أيها الملك ; قد أذن لك ، فيدخل فيسلم عليه ويقول : السلام يقرئك السلام ، وهذه تحفة ، وهذا كتاب من رب العالمين إليك . فإذا هو مكتوب عليه : من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي يموت . فيفتحه فإذا فيه : سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي ، يا وليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك ؟ فيستخفه الشوق فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيارة علام الغيوب ، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم ; دليله قوله تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وقيل : الملك الكبير كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رأس ملك من الملوك . وقال الترمذي الحكيم : يعني ملك التكوين ، فإذا أرادوا شيئا قالوا له كن . وقال أبو بكر الوراق : ملك لا يتعقبه هلك . وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الملك الكبير هو - أن - أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه " قال : " وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربه تعالى كل يوم مرتين " سبحان المنعم .
قوله تعالى : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق قرأ نافع وحمزة وابن محيصن عاليهم ساكنة الياء ، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما عاليتهم وبتفسير ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها . الفراء : وهو مرفوع بالابتداء وخبره ثياب سندس واسم الفاعل يراد به الجمع . ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم و ( ثياب ) مرتفعة به وسدت مسد الخبر ، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص ، وابتدئ به لأنه اختص بالإضافة . وقرأ الباقون عاليهم بالنصب . وقال الفراء : هو كقولك فوقهم ، والعرب تقول : قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف ، لأنه محل . وأنكر الزجاج هذا وقال : هو مما لا نعرفه في [ ص: 128 ] الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء . ولكنه بالنصب على الحال من شيئين : أحدهما الهاء والميم في قوله : يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان عاليا الأبرار ثياب سندس ; أي يطوف عليهم في هذه الحال ، والثاني : أن يكون حالا من الولدان ; أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم . وقال أبو علي : العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا وإما جزاهم بما صبروا قال : ويجوز أن يكون ظرفا فصرف .
المهدوي : ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا ; كقولك هو ناحية من الدار ، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجري مجراه فجعل ظرفا . وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم ( خضر ) بالجر على نعت السندس ( وإستبرق ) بالرفع نسقا على الثياب ، ومعناه عاليهم [ ثياب ] سندس وإستبرق . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب خضر رفعا نعتا للثياب ( وإستبرق ) بالخفض نعتا للسندس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه ; لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس ، والمعنى : عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق ، أي من هذين النوعين .
وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون خضر نعتا للثياب ; لأنهما جميعا بلفظ الجمع ( وإستبرق ) عطفا على الثياب . وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله : ( خضر ) نعتا للسندس ، والسندس اسم جنس ، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له ; وتقول : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ; ولكنه مستبعد في الكلام . والمعنى على هذه القراءة : عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق . وكلهم صرف الإستبرق ، إلا ابن محيصن ، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ ( وإستبرق ) نصبا في موضع الجر ، على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ; لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ; تقول الإستبرق إلا أن يزعم [ ابن محيصن ] أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب . وقرئ ( واستبرق ) بوصل الهمزة والفتح على أنه سمي باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأن أصله استبرك والسندس : ما رق من الديباج . والإستبرق : ما غلظ منه . وقد تقدم .
قوله تعالى : وحلوا عطف على ويطوف . أساور من فضة وفي سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، فقيل : حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب . وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة . وقيل : يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع لهم محاسن الجنة ; قاله سعيد بن المسيب . وقيل : أي لكل قوم ما تميل إليه [ ص: 129 ] نفوسهم .
وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تتشعث أشعارهم أبدا ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقال النخعي وأبو قلابة : هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك ، وضمرت بطونهم . وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ، تنبع من ساق شجرة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من أذى وقذر . وهذا معنى ما روي عن علي ، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر . وقد مضى بيانه في سورة ( الفرقان ) والحمد لله . وقال طيب الجمال : صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ وسقاهم ربهم شرابا طهورا وجعل يحرك شفتيه وفمه ، كأنه يمص شيئا ، فلما فرغ قيل له : أتشرب أم تقرأ ؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته .
قوله تعالى : إن هذا كان لكم جزاء أي يقال لهم : إنما هذا جزاء لكم أي ثواب . وكان سعيكم أي عملكم مشكورا أي من قبل الله ، وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه . وروى سعيد عن قتادة قال : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى . وقال مجاهد : مشكورا أي مقبولا والمعنى متقارب ; فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره ، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل ; إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم . روي عن ابن عمر : أن رجلا حبشيا قال : يا رسول الله ! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد ، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة " ، فقال الرجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لأثقله . فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف الله برحمته " .
قال : ثم نزلت هل أتى على الإنسان حين من الدهر إلى قوله : وملكا كبيرا قال الحبشي : يا رسول الله ! وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه . وقال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه في حفرته ويقول : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا قلنا : [ ص: 130 ] يا رسول الله وما هو ؟ قال : " والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لأبيضن وجهك ولأبوئنك من الجنة حيث شئت ، فنعم أجر العاملين " .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الإنسان »
قوله تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون
[ عرض الكتاب ]
============
ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم أمورا كانت بينهم في الدنيا من طاعات وزلات
قال تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم [ الطور : 25 - 28 ] .
وقال تعالى : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين الآيات إلى قوله : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم [ الصافات : 50 - 62 ] .
[ ص: 402 ] قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا سعيد بن دينار ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض ، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا ، حتى يجتمعا جميعا ، فيقول أحدهما لصاحبه : تعلم متى غفر الله لنا ؟ فيقول صاحبه : كنا في موضع كذا وكذا ، فدعونا الله ، عز وجل ، فغفر لنا " .
وقال تعالى : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما الآيات إلى قوله : فليعمل العاملون [ الصافات : 50 - 61 ] . وهذا القرين يشمل الإنسي والجني ، يقول : كان يوسوس لي بالكفر والمعاصي واستبعاد أمر المعاد ، فبرحمة الله ونعمته نجوت منه . ثم أمر أصحابه أن يطلعوا معه على النار ، لينظر ما حال قرينه ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم . أي : في غمراتها يعذب ، فحمد الله تعالى على نجاته مما قرينه فيه من العذاب .
[ ص: 403 ] ثم قال : تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين . أي : معك فيما أنت فيه من العذاب . ثم ذكر الغبطة التي هو فيها ، وشكر الله عليها ، فقال : أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين . أي : أما قد نجونا من الموت والعذاب بدخولنا الجنة ؟ إن هذا لهو الفوز العظيم . وقوله تعالى : لمثل هذا فليعمل العاملون يحتمل أن يكون من تمام مقالة المؤمن ، ويحتمل أن يكون من كلام الله ، عز وجل ، حثا لعباده على مثل هذا الفوز ، وليتنافس المتنافسون في الفوز عنده من النار ، ودخول الجنة ، لا موت فيها . ولهذا نظائر كثيرة ، قد ذكرناها في " التفسير " .
وذكرنا في أول " شرح البخاري " في كتاب الإيمان حديث حارثة حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أصبحت يا حارثة ؟ " فقال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : " فما حقيقة إيمانك ؟ " قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل النار يعذبون فيها . فقال صلى الله عليه وسلم : " عبد نور الله قلبه " .
وقال سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل ، ولا يزور الأسفل الأعلى .
قلت : وهذا يحتمل معنيين : أحدهما : أن صاحب المرتبة السافلة لا يصلح له أن يتعداها; لأنه ليس فيه [ ص: 404 ] أهلية لذلك .
الثاني : لئلا يرى من النعيم فوق ما هو فيه ، فيحزن لذلك ، وليس في الجنة حزن ، والله أعلم .
وقد ورد ما قاله حميد بن هلال في حديث مرفوع ، وفيه زيادة على ما قال ; فقال الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك ، عن بشر بن نمير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيتزاور أهل الجنة ؟ قال : " يزور الأعلى الأسفل ، ولا يزور الأسفل الأعلى إلا الذين يتحابون في الله ، عز وجل ، فإنهم يأتون منها حيث شاءوا على النوق محتقبين الحشايا " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني حمزة بن العباس ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أنا ابن المبارك ، أنا إسماعيل بن عياش ، حدثني ثعلبة بن مسلم ، عن أيوب بن بشير العجلي ، عن شفي بن ماتع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب ، وأنهم يؤتون في الجنة [ ص: 405 ] بخيل مسرجة ملجمة ، لا تروث ولا تبول فيركبونها ، حتى ينتهوا ، حيث شاء الله عز وجل ، فتأتيهم [ 157 ] مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، فيقولون : أمطري علينا ، فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ، ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية ، فتنسف كثبانا من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم ، وفي معارفها ، وفي رءوسهم ، ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه ، فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام ، في الخيل ، وفيما سوى ذلك من الثياب ، ثم ينقلبون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله عز وجل ، فإذا المرأة تنادي بعض أولئك : يا عبد الله أما لك فينا حاجة ؟ فيقول : ما أنت ؟ ومن أنت ؟ فتقول : أنا زوجتك وحبك : فيقول : ما كنت علمت بمكانك . فتقول : أوما تعلم أن الله ، عز وجل ، قال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] . فيقول : بلى وربي . فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الوقت أربعين خريفا ، لا يلتفت ولا يعود ، ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة ، وهذا حديث مرسل غريب جدا ، والله أعلم .
وقال ابن المبارك : حدثنا رشدين بن سعد ، حدثني ابن أنعم ، عن [ ص: 406 ] أبي هريرة قال : إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس الخور ، عليها رحال الميس ، تثير مناسمها غبار المسك ، خطام أو زمام - أحدها خير من الدنيا وما فيها .
وروى ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ الزمر : 68 ] ، قال : هم الشهداء ، يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه ، فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت ، أزمتها الدر الأبيض ، برحال الذهب ، أعنتها السندس والإستبرق ، ونمارقها من الحرير ، تمتد خطاها مد أبصار الرجال ، يسيرون في الجنة [ ص: 407 ] على خيول ، يقولون عند طول النزهة : انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه ؟ يضحك الله إليهم ، وإذا ضحك الله سبحانه إلى عبد فلا حساب عليه .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي ، حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي ، حدثني أبو إلياس ، حدثني محمد بن علي بن الحسين ( ح )
وروى أبو نعيم من حديث المعافى بن عمران ، حدثني إدريس بن سنان ، عن وهب بن منبه ، عن محمد بن علي ، قال إدريس : ثم لقيته فحدثني ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة شجرة ، يقال لها : طوبى . لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار فيه مائة عام ، ورقها برود خضر ، وزهرها رياط صفر ، وأقناؤها سندس وإستبرق ، وثمرها حلل ، وصمغها زنجبيل وعسل ، وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر ، وترابها مسك ، [ ص: 408 ] وحشيشها زعفران مونع ، والألنجوج يفوح من غير وقود ، ويتفجر من أصلها السلسبيل والرحيق ، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ، ومتحدث لجميعهم ، فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجائب من الياقوت قد نفخ فيها الروح ، مزمومة بسلاسل من ذهب ، كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا ، وبرها خز أحمر ومرعزى أبيض مختلطان ، لم ينظر الناظرون إلى مثلها ، عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت ، مفضضة باللؤلؤ والمرجان ، صفائحها من الذهب الأحمر ، ملبسة بالعبقري والأرجوان ، فأناخوا لهم تلك النجب ، ثم قالوا لهم : إن ربكم عز وجل يقرئكم السلام ، ويستزيركم ; لينظر إليكم وتنظروا إليه ، وتحيونه ، ويحييكم ، ويكلمكم وتكلمونه ، ويزيدكم من فضله ، إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم . فيتحول كل رجل منهم على راحلته ، ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا ، لا يفوت شيء منه شيئا ، ولا تفوت أذن ناقة أذن صاحبتها ، ولا [ ص: 409 ] يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم من ثمرها ، ورحلت لهم عن طريقهم كراهة أن تثلم صفهم ، أو تفرق بين الرجل ورفيقه ، فلما رفعوا إلى الجبار تعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم ، وتجلى لهم في عظمته العظيم ، فحياهم بالسلام ، فقالوا : ربنا أنت السلام ، ومنك السلام ، ولك حق الجلال والإكرام . فقال لهم ربهم عز وجل : إني أنا السلام ومني السلام ، ولي حق الجلال والإكرام ، مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ، ورعوا حقي ، وخافوا بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين . قالوا : وعزتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ، أدينا إليك كل حقك فأذن لنا في السجود لك . فقال لهم ربهم : إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة ، وأرحت لكم أبدانكم ، فطالما أنصبتم لي الأبدان ، وأعنيتم لي الوجوه ، فالآن أفضيتم إلي روحي ورحمتي وكرامتي ، فسلوني ما شئتم ، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم ، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ، ولكن بقدر رحمتي وفضلي وطولي وكرامتي وعلو مكاني وعظمة شأني فما يزالون في المسألة والأماني والعطايا والمواهب ، حتى إن المقصر في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم أفناها ، فقال لهم ربهم : لقد قصرتم في أمانيكم ، ورضيتم بدون ما يحق لكم ، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم ، وألحقت بكم ذريتكم ، [ ص: 410 ] وزدتكم أضعاف ما قصرت عنه أمانيكم " . وهذا مرسل ضعيف غريب جدا ، وفيه ألفاظ منكرة وأحسن أحواله أن يكون من بعض كلام التابعين ، أو من كلام بعض السلف ، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا ، وليس كذلك . والله أعلم .
التالي السابق
تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
قوله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم
قوله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال ابن عباس : إذا بعثوا من قبورهم سأل بعضهم بعضا . وقيل : في الجنة يتساءلون أي يتذاكرون ما كانوا فيه في الدنيا من التعب والخوف من العاقبة ، ويحمدون الله تعالى على زوال الخوف عنهم . وقيل : يقول بعضهم لبعض بم صرت في هذه المنزلة الرفيعة ؟ قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين أي قال كل مسئول منهم لسائله : إنا كنا قبل أي في الدنيا خائفين وجلين من عذاب الله .
فمن الله علينا بالجنة والمغفرة . وقيل : بالتوفيق والهداية .
ووقانا عذاب السموم قال الحسن : السموم اسم من أسماء النار وطبقة من طباق جهنم . وقيل : هو النار كما تقول جهنم . وقيل : نار عذاب السموم . والسموم الريح الحارة تؤنث ; يقال منه : سم يومنا فهو [ ص: 66 ] مسموم والجمع سمائم قال أبو عبيدة : السموم بالنهار وقد تكون بالليل ، والحرور بالليل وقد تكون بالنهار ; وقد تستعمل السموم في لفح البرد وهو في لفح الحر والشمس أكثر ; قال الراجز :
اليوم يوم بارد سمومه من جزع اليوم فلا ألومه قوله تعالى : إنا كنا من قبل ندعوه أي في الدنيا بأن يمن علينا بالمغفرة عن تقصيرنا . وقيل : ندعوه أي نعبده .
إنه هو البر الرحيم وقرأ نافع والكسائي " أنه " بفتح الهمزة ; أي لأنه . الباقون بالكسر على الابتداء . والبر : اللطيف ; قاله ابن عباس . وعنه أيضا : أنه الصادق فيما وعد . وقاله ابن جريج .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الطور »
قوله تعالى وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون
[ عرض الكتاب ]
=============
ذكر أول من يدخل الجنة
[ 581 و ] ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأنبياء كلهم ثم أمته قبل الأمم ، كما ثبت ذلك في " صحيحمسلم " عن أنس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يقرع باب الجنة " . وعنده أيضا عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني آتي باب الجنة فأستفتح ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد . فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن السائب بن مالك ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء " .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأ هشام [ ص: 411 ] الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر العقيلي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي أول ثلاثة من أمتي يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة ; فالشهيد ، وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه ، وفقير متعفف ذو عيال ، وأما أول ثلاثة يدخلون النار ; فأمير مسلط ، وذو ثروة من المال لا يؤدي حق الله من ماله ، وفقير فخور " .
وكذا رواه أحمد ، عن إسماعيل ابن علية ، عن هشام ، وأخرجه الترمذي ، من حديث علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، وقال : هذا حديث حسن .
وفي حديث غالب القطان ، عن الحسن ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما ، فازدحموا على باب الجنة ، فقيل : من هؤلاء ؟ قالوا : الشهداء ، كانوا أحياء يرزقون . ثم نادى مناد : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة . ثم نادى الثانية : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة . قالوا : ومن الذي أجره [ ص: 412 ] على الله ؟ قال : العافون عن الناس . ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة . فقام كذا وكذا ألفا ، فدخلوا بغير حساب " .
وفي حديث حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . وثبت في " الصحيحين و " سنن النسائي " ، واللفظ له ، من طريق عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة " . الحديث بطوله .
وفي " صحيح مسلم " عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة " .
وروى الحافظ الضياء ، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 413 ] " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخل أمتي " .
" سنن أبي داود " من حديث أبي خالد الدالاني ، عن أبي خالد مولى آل جعدة ، عن أبي هريرة ، قال : " أتاني جبريل ، فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي " . فقال أبو بكر : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي " . وتقدم في الصحيح : " أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس في سائر الأبواب . وقد تقدم في الحديث الصحيح : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي ( . من أبواب الجنة وللجنة . ثمانية أبواب ) الحديث بطوله . وفي " الصحيحين " من حديث سهل بن سعد قال : " للجنة [ ص: 414 ] ثمانية أبواب ، منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا منه أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم ) " .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
[ ص: 358 ] يزيد بن هارون ( ع )
ابن زاذي الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي الحافظ .
مولده في سنة ثمان عشرة ومائة .
وسمع من : عاصم الأحول ، ويحيى بن سعيد الأنصاري القاضي ، وسليمان التيمي ، وسعيد الجريري ، وحميد الطويل ، وداود بن أبي هند ، وبهز بن حكيم ، ومحمد بن عمرو بن علقمة ، وعبد الله بن عون ، وحريز بن عثمان ، وأبي الأشهب جعفر بن الحارث ، وسالم بن عبيد ، وشيبان النحوي ، وشعبة بن الحجاج ، ومبارك ، وعاصم بن محمد العمري ، وعبد الملك بن أبي سليمان ، وسعيد بن أبي عروبة ، ومحمد بن إسحاق ، وفضيل بن مرزوق ، وسفيان بن حسين ، وجويبر بن سعيد ، وشريك بن عبد الله ، وإسماعيل بن عياش ، وقيس بن الربيع ، وخلق كثير .
وكان رأسا في العلم والعمل ، ثقة حجة ، كبير الشأن .
حدث عنه بقية بن الوليد مع تقدمه ، وعلي بن المديني ، وأحمد بن [ ص: 359 ] حنبل ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، والحسن بن عرفة ، وأبو إسحاق الجوزجاني ، وأحمد بن عبيد الله النرسي ، وأحمد بن عبيد بن ناصح ، وأحمد بن الوليد الفحام ، وإسحاق الكوسج ، والحسن بن علي الخلال ، والزعفراني ، وسلمة بن شبيب ، وسليمان بن سيف الحراني ، وعباس الدوري ، وعبد الله بن منير ، ومحمد بن أحمد بن أبي العوام ، وعبد بن حميد ، وعبد الله الدارمي ، وأحمد بن الفرات ، وأحمد بن سنان ، وأحمد بن سليمان الرهاوي ، وأبو قلابة الرقاشي ، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي ، ويعقوب الدورقي ، والحسن بن مكرم ، والحارث بن أبي أسامة ، ومحمد بن مسلمة الواسطي ، ومحمد بن ربح البزاز ، وإدريس بن جعفر العطار ، وأحمد بن عبد الرحمن السقطي ، وهو خاتمة من روى عنه .
يقال : إن أصله من بخارى .
قال علي بن المديني : ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون .
وقال يحيى بن يحيى التميمي : هو أحفظ من وكيع .
وقال أحمد بن حنبل : كان يزيد حافظا متقنا .
وقال زياد بن أيوب : ما رأيت ليزيد كتابا قط ، ولا حدثنا إلا حفظا .
وقال علي بن شعيب : سمعت يزيد بن هارون يقول : أحفظ أربعة وعشرين ألف حديث بالإسناد ولا فخر ، وأحفظ للشاميين عشرين ألف [ ص: 360 ] حديث لا أسأل عنها .
قلت : لأنه أكثر إلى الغاية عن محدثي الشام : ابن عياش وبقية ، وكان ذاك نازلا عنده ، وإنما حسن سماع ذلك من أصحابهما في أيام أحمد بن حنبل ونحوه .
قال الفضيل بن زياد : سمعت أبا عبد الله وقيل له : يزيد بن هارون له فقه ؟ قال : نعم ، ما كان أذكاه وأفهمه وأفطنه .
قال أحمد بن سنان القطان : ما رأينا عالما قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون ، لم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار .
قال أبو حاتم الرازي : يزيد ثقة إمام ، لا يسأل عن مثله .
وروى عمرو بن عون ، عن هشيم ، قال : ما بالمصرين مثل يزيد بن هارون .
وقال مؤمل بن يهاب : سمعت يزيد بن هارون يقول : ما دلست حديثا قط إلا حديثا واحدا عن عوف الأعرابي ، فما بورك لي فيه .
عن عاصم بن علي قال : كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع ، فأما يزيد ، فكان إذا صلى العتمة ، لا يزال قائما حتى يصلي الغداة [ ص: 361 ] بذلك الوضوء نيفا وأربعين سنة .
وقال محمد بن إسماعيل الصائغ نزيل مكة : قال رجل ليزيد بن هارون : كم جزؤك ؟ قال : وأنام من الليل شيئا ؟ إذا لا أنام الله عيني .
وقال يحيى بن أبي طالب : سمعت من يزيد ببغداد ، وكان يقال : إن في مجلسه سبعين ألفا .
قلت : احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم يزيد ، وازدحموا عليه لجلالته وعلو إسناده .
قال أحمد بن عبد الله العجلي : يزيد بن هارون ثقة ثبت متعبد حسن الصلاة جدا ، يصلي الضحى ست عشرة ركعة ، بها من الجودة غير قليل ، قال : وكان قد عمي .
قال أبو بكر بن أبي شيبة : ما رأيت أحدا أتقن حفظا من يزيد بن هارون .
قال أحمد بن سنان : كان يزيد وهشيم معروفين بطول صلاة الليل والنهار .
وقال يعقوب بن شيبة : كان يزيد يعد من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . [ ص: 362 ]
أنبأنا المسلم بن محمد وجماعة قالوا : أخبرنا زيد بن الحسن ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر الحيري ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا يحيى بن أبي طالب ، أخبرني الحسن بن شاذان الحافظ ، حدثني ابن عرعرة ، حدثني يحيى بن أكثم قال : قال لنا المأمون : لولا مكان يزيد بن هارون ، لأظهرت : القرآن مخلوق ، فقيل : ومن يزيد حتى يتقى ؟ فقال : ويحك إني لأرتضيه لا أن له سلطنة ، ولكن أخاف إن أظهرته ، فيرد علي ، فيختلف الناس ، وتكون فتنة . العباس بن عبد العظيم ، وأحمد بن سنان ، عن شاذ بن يحيى ، سمع يزيد بن هارون يقول : من قال : القرآن مخلوق ، فهو زنديق .
وقد كان يزيد رأسا في السنة معاديا للجهمية ، منكرا تأويلهم في مسألة الاستواء .
وروى حمدويه بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال : أصل يزيد بن هارون من بخارى .
وقال محمد بن عبد الرحيم صاعقة : كان يزيد يخضب خضابا قانيا .
قال يحيى بن معين : يزيد بن هارون مثل هشيم وابن علية .
وقال أحمد بن حنبل : سماع يزيد من ابن أبي عروبة ضعيف ، أخطأ في أحاديث . [ ص: 363 ]
قلت : إنما الضعف فيها من قبل سعيد بن أبي عروبة ; لأنه سمع منه بعد التغير .
وروى أحمد بن أبي خيثمة ، عن يحيى قال : يزيد بن هارون لا يميز ، ولا يبالي عمن روى . وأحمد بن أبي خيثمة عن أبيه قال : كان يعاب على يزيد حيث ذهب بصره ، ربما سئل عن حديث لا يعرفه ، فيأمر جارية له تحفظه إياه من كتابه .
قلت : ما بهذا الفعل بأس مع أمانة من يلقنه ، ويزيد حجة بلا مثنوية .
قال محمد بن رافع : سمعت يحيى بن يحيى يقول : كان بالعراق أربعة من الحفاظ : شيخان : يزيد بن زريع ، وهشيم ، وكهلان : وكيع ، ويزيد بن هارون ، ويزيد أحفظهما . الأبار : سمعت أحمد بن خالد يقول : سمعت يزيد بن هارون يقول : سمعت حديث الصور مرة ، فحفظته ، وأحفظ عشرين ألفا ، فمن شاء ، فليدخل فيها حرفا . [ ص: 364 ] وفي حكاية المأمون المذكورة زيادة ، قال : فخرج رجل - يعني من ناحية المأمون إلى واسط - قال : فجاء إلى يزيد ، فقال : أمير المؤمنين يقرئك السلام ، ويقول لك : أريد أن أظهر : القرآن مخلوق ، قال : كذبت على أمير المؤمنين ، فإنه لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه . وفي كتاب " ذم الكلام " أخبرنا محمد بن المنتصر الباهلي ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحسيني ، حدثنا محمد بن إبراهيم الصرام ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الغسيلي حدثنا عبد الوهاب بن الحكم قال : كان المأمون يسأل عن يزيد بن هارون يقول : ما مات ، وما امتحن الناس حتى مات يزيد . [ ص: 365 ]
قال أبو نافع سبط يزيد بن هارون : كنت عند أحمد بن حنبل - وعنده رجلان - فقال أحدهما : رأيت يزيد بن هارون في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، وشفعني ، وعاتبني ، وقال : أتحدث عن حريز بن عثمان ؟ فقلت : يا رب ما علمت إلا خيرا ، قال : إنه يبغض عليا - رضي الله عنه - . وقال الرجل الآخر : رأيته في المنام ، فقلت له : هل أتاك منكر ونكير ؟ قال : إي والله ، وسألاني : من ربك ؟ وما دينك ؟ فقلت : ألمثلي يقال هذا ، وأنا كنت أعلم الناس بهذا في دار الدنيا ؟ فقالا لي : صدقت .
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الهمذاني بمصر ، أخبرنا أبو هريرة محمد بن الليث بن شجاع الوسطاني ، وزيد بن هبة الله البيع ببغداد قالا : أخبرنا أبو القاسم أحمد بن المبارك ، أخبرنا قفرجل ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد ، حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي إملاء ، حدثنا محمد بن يزيد أخو كرخويه ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا زكريا ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض . [ ص: 366 ]
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه ، أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن الحسين البزاز ، أخبرنا أبو علي بن شاذان ، أخبرنا أبو سهل بن زياد ، حدثنا علي بن إبراهيم الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا جعفر ، عن القاسم ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا حسن إسلام العبد تمم الله له عمله بسبعمائة ضعف .
قرأت على عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أخبرنا يحيى بن أبي السعود ، أخبرتنا شهدة الكاتبة ، أخبرنا الحسين بن أحمد ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ، حدثنا جدي ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا العوام بن حوشب ، عن [ ص: 367 ] سلمة بن كهيل ، عن علقمة ، عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار شيء فانطلق يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل لا يزيده إلا غلظا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساكت ، فبكى عمار ، وقال : يا رسول الله ، ألا تراه ؟ فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : من أبغض عمارا ، أبغضه الله ، ومن عادى عمارا ، عاداه الله . قال خالد : فخرجت ، وليس شيء أحب إلي من رضى عمار ، فلقيته ، فرضي .
وبه إلى يعقوب : حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن الأسود ، قال : كان بين خالد وعمار كلام ، فشكاه خالد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من يعاد عمارا ، يعاده الله ، ومن يبغض عمارا يبغضه الله ، ومن يسب عمارا يسبه الله .
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد ، وعبد الرحمن بن إبراهيم قالا : أخبرتنا شهدة ، أخبرنا أبو عبد الله النعالي ، أخبرنا علي بن محمد ، أخبرنا محمد بن عمرو الرزاز ، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي ، حدثنا يزيد ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كانت له أرض وأراد بيعها ، فليعرضها على جاره . [ ص: 368 ]
أخبرنا يحيى بن أبي منصور ، وعبد الرحمن بن محمد كتابة قالا : أخبرنا عمر بن محمد المعلم ، أخبرنا هبة الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن محمد بن غيلان ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا أحمد بن عبيد الله ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى .
معناه : لا تشد الرحال إلى مسجد ؛ ابتغاء الأجر سوى المساجد الثلاثة ، فإن لها فضلا خاصا ، فمن قال : لم يدخل في النهي شد الرحل إلى زيارة قبر نبي أو ولي ، وقف مع ظاهر النص ، وأن الأمر بذلك والنهي خاص بالمساجد ، ومن قال بقياس الأولى ، قال : إذا كان أفضل بقاع الأرض مساجدها ، والنهي ورد فيها ، فما دونها في الفضل كقبور الأنبياء والصالحين أولى بالنهي ، أما من سار إلى زيارة قبر فاضل من غير شد رحل ، فقربة بالإجماع بلا تردد ، سوى ما شذ به الشعبي ونحوه ، فكان بلغهم النهي عن زيارة القبور ، وما علموا بأنه نسخ ذلك ، والله أعلم . [ ص: 369 ]
قال يعقوب بن شيبة : توفي يزيد بواسط في شهر ربيع الآخر سنة ست ومائتين .
قلت : يقع حديثه عاليا في " الغيلانيات " ومن ذلك حديث الأعمال بالنية وحديثه كثير جدا في مسند أحمد ، وفي الكتب الستة ، وفي أجزاء كثيرة .
قال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود : سمعت أحمد بن سنان يقول : كان يزيد يكره قراءة حمزة كراهة شديدة .
قال المزي : يزيد بن هارون بن زاذي ، ويقال : زاذان بن ثابت ، كان جده مولى لأم عاصم امرأة عتبة بن فرقد ، فأعتقته ، قيل : أصله من بخارى ، روى عن أبان بن أبي عياش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وإسماعيل بن مسلم المكي ، وأشعث بن سوار ، وأصبغ بن زيد ، وحجاج بن أرطاة ، وحجاج بن أبي زينب ، وحسين المعلم ، وعوف [ ص: 370 ] الأعرابي ، والعوام بن حوشب ، والعلاء بن زيدل وفائد أبي الورقاء ، وهشام بن حسان ، وأبي مالك الأشجعي ، وذكر خلقا قد مضوا ، وينزل إلى الرواية عن بقية بن الوليد ونحوه وسمى من الرواة عنه مائة وأربعة عشر نفسا .
روى أبو طالب ، عن أحمد قال : كان يزيد حافظا متقنا للحديث ، صحيح الحديث عن حجاح بن أرطاة ، قاهرا لها حافظا .
وقال ابن معين : ثقة .
وقال أبو زرعة : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول : ما رأيت أتقن حفظا من يزيد بن هارون . قال أبو زرعة : والإتقان أكبر من حفظ السرد .
وقال أبو حاتم : ثقة إمام صدوق ، لا يسأل عن مثله .
وقال أحمد بن سنان ، عن عفان : أخذ يزيد عن حماد بن سلمة حفظا ، وهي صحاح ، بها من الاستواء غير قليل ، ومدحها .
وقال أحمد بن سنان : ما رأيت عالما قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون ، يقوم كأنه أسطوانة .
قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث . ولد سنة ثمان عشرة ومائة وقال : طلبت الحديث ، وحصين حي ، كان ابن المبارك يقرأ عليه ، وكان قد نسي . [ ص: 371 ]
قال ابن سعد : وتوفي في خلافة المأمون ، وهو ابن تسع أو ثمان وثمانين سنة وأشهر - يعني سنة ست ومائتين .
وروى المروذي عن جعفر بن ميمون حكاية تدل على أن يزيد بن هارون كان صاحب مزاح ، وكان يتأدب بحضور الإمام ، ولا يمازحه .
وقد اعتل أحمد مرة ، فعاده يزيد ، ووصله بخمس مائة درهم ، فردها أحمد ، واعتذر .
قرأت على أحمد بن محمد الحافظ ، أخبركم ابن خليل ، أخبرنا مسعود الخياط ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو الفتح علي بن محمد التاني ، حدثنا ابن المقرئ ، سمعت أحمد بن عمرو بن جابر الرملي ، سمعت الحارث بن أبي أسامة يقول : كان يزيد بن هارون إذا جاءه من فاته المجلس ، قال : يا غلام ، ناوله المنديل .
وبه : قال ابن المقرئ ، سمعت ابن قتيبة ، سمعت مؤمل بن يهاب ، سمعت يزيد بن هارون يقول : اللهم لا تجعلنا من الثقلاء . الطبراني : حدثنا المعمري ، سمعت خلف بن سالم يقول : كنا في مجلس يزيد بن هارون ، فمزح مع مستمليه ، فتنحنح أحمد بن حنبل ، فقال يزيد : من المتنحنح ؟ فقيل له : أحمد بن حنبل ، فضرب يزيد على جبينه ، وقال : ألا أعلمتموني أن أحمد هاهنا حتى لا أمزح .
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللهم تقبل

اللهم ارحم والدَّي   واغفر لهما وارض عنهما وجميع اهلي ما دامت السماوات والارض*وعافني ومحمد اخي   وكل مؤمن ومؤمنة واعفو عنا وعافنا   واشف...