الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

صفة الحور العين ، وبنات آدم وشرفهن وفضلهن عليهن ، وكم لكل واحد منهن

 

   صفة الحور العين ، وبنات آدم وشرفهن وفضلهن عليهن ، وكم لكل واحد منهن 

قال الله تعالى : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ الرحمن : 56 - 57 ] . وقال تعالى : فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام [ الرحمن : 70 - 72 ] . وقال تعالى : ولهم فيها أزوج مطهرة [ البقرة : 25 ] . أي من الحيض والنفاس ، والبول والغائط ، والبزاق والمخاط ، فلا يصدر منهن أذى أبدا ، وكذلك طهرت أخلاقهن وألفاظهن وقلوبهن .
وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " فيها أزواج مطهرة " . قال : " من الحيض والنفاس ، والنجاسة ، والبزاق " .
[ ص: 336 ] وقال أبو الأحوص عند قوله : حور مقصورات في الخيام . قال : بلغنا في الرواية أن سحابة مطرت من العرش ، فخلقن من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة منهن خيمة على شاطئ الأنهار ، وسعة الخيمة أربعون ميلا ، وليس لها باب حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تنظر إليها ، فهن مقصورات عن إبصار المخلوقين .
وقال تعالى : وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون [ الواقعة : 22 - 24 ] . وقال في الآية الأخرى : كأنهن بيض مكنون [ الصافات : 49 ] . قيل : إنه بيض النعام المكنون في الرمل ، وهو عند العرب أحسن أنواع البيض . وقيل : المراد بالبيض : اللؤلؤ قبل أن يبرز من صدفه . وقال تعالى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا : [ الواقعة : 35 - 38 ] . أي : إنا أنشأناهن بعد الكبر والعجز والضعف في الدنيا ، فصرن في الجنة شبابا أبكارا . عربا : أي متحببات إلى أزواجهن . وقيل : المراد به الغنجة . وقيل : الشكلة . والآية تعم هذا كله وأضعافه . أترابا أي في عمر واحد ، لا يزدن ولا ينقصن بل هن في سن واحدة .
وقال الطبراني : حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ، حدثنا سليمان بن أبي كريمة ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن أمه ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله تعالى : [ ص: 337 ] وحور عين . قال : " حور : بيض . عين : ضخام العيون ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأمثال اللؤلؤ المكنون . قال : " صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : فيهن خيرات حسان . قال ؟ " خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : كأنهن بيض مكنون قال : " رقتهن كرقة الجلد الذي يكون في داخل البيضة مما يلي القشرة ، وهو الغرقئ " . قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قوله : عربا أترابا . قال : " هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمضا شمطا ، خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى ، عربا : متعشقات محببات إلى أزواجهن ، أترابا : على ميلاد واحد " . قلت : يا رسول الله ، نساء الدنيا أفضل ، أم الحور العين ؟ قال : " بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين ، كفضل الظهارة على البطانة " . قلت : يا رسول الله ، بماذا ؟ قال : " بصلاتهن وصيامهن ، وعبادتهن الله ، ألبس الله وجوههن النور ، وأجسادهن الحرير ، بيض الألوان ، خضر الثياب ، صفر الحلي ، مجامرهن الدر ، وأمشاطهن الذهب ، يقلن : نحن الخالدات ، فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا ، طوبى لمن كنا له ، وكان لنا " . قلت : يا رسول الله ، المرأة منا تتزوج الزوجين ، والثلاثة ، والأربعة ، ثم تموت ، فتدخل الجنة . ويدخلون معها ، من يكون زوجها ؟ قال : " يا أم سلمة ، إنها تخير [ ص: 338 ] فتختار أحسنهم خلقا فتقول : يا رب ، إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا ، فزوجنيه . يا أم سلمة ، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " .
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : حدثنا أحمد بن طارق ، حدثنا مسعدة بن اليسع ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتته عجوز من الأنصار ، فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يدخلني الجنة . فقال : " إن الجنة لا يدخلها عجوز " فذهب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فصلى ، ثم رجع إلى عائشة ، فقالت : لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة ، فقال : " إن ذلك كذلك ، إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا " .
وتقدم في حديث الصور في صفة دخول المؤمنين الجنة ، قال : " فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ; سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين من ولد آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب ، مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبده لها مرآة ، وكبدها له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ، ولا [ ص: 339 ] يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ، ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك وما في الجنة شيء أحب إلي منك " . ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .

وتقدم الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث أشعث الضرير ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض "  وقال حرملة ، عن ابن وهب ، حدثنا عمرو ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ، واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، كما بين الجابية وصنعاء " .
وأسنده أحمد عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن دراج به . ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن رشدين ، عن عمرو بن الحارث ، فذكر بإسناده نحوه . [ ص: 340 ] وقال محمد بن جعفر الفريابي : حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوج ثنتين وسبعين زوجة; ثنتين من الحور العين ، وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا ، ليس فيهن امرأة إلا ولها قبل شهي ، وله ذكر لا ينثني " . وهذا حديث غريب جدا ، والمحفوظ ما تقدم خلافه ، وهو اثنتان من بنات آدم ، وسبعون من الحور العين . فالله أعلم .
وخالد بن يزيد بن أبي مالك هذا تكلم فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما ، وضعفوه ، ومثله قد يغلط ولا يتقن .
وروى أحمد والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، من حديث بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن المقداد بن معديكرب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للشهيد عند الله لست خصال ; يغفر له عند أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع [ ص: 341 ] الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " .
فأما الحديث الذي رواه مسلم في " صحيحه " : حدثني عمرو الناقد ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي جميعا ، عن ابن علية ، واللفظ ليعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب ، عن محمد قال : إما تفاخروا ، وإما تذاكروا : الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة : أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء ، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " .
وفي " الصحيحين " من رواية همام ، عن أبي هريرة نحوه ، فالمراد من هذا أن هاتين من بنات آدم ، وله غيرهما من الحور العين ما شاء الله ، عز وجل ، كما تقدم تفصيل ذلك آنفا . والله أعلم .
وهذه الأحاديث لا تعارض ما ثبت في " الصحيحين " : " واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " إذ قد يكن أكثر أهل الجنة ، وأكثر أهل النار ، أو قد يكن أكثر أهل النار ثم يخرج من يخرج منهن من النار بالشفاعات ، فيصرن إلى الجنة ، حتى يكن أكثر أهلها . والله أعلم .

[ ص: 342 ] وتقدم ما رواه أحمد ، من طريق خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " للمؤمن زوجتان ، يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما " .
وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد مرفوعا : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ويسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى ، فينفذها بصره ، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك " . ورواه أحمد في " المسند " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن حميد ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم ، أو موضع قده - يعني سوطه - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولطاب ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .
[ ص: 343 ] ورواه البخاري من حديث إسماعيل بن جعفر ، وأبي إسحاق ، كلاهما عن حميد ، عن أنس ، بمثله . وقد تقدم بتمامه في أول صفة الجنة ، وعند البخاري : " ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا بشر بن الوليد ، حدثنا سعيد بن زربي ، عن عبد الملك الجوني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لو أن حوراء أخرجت كفها بين السماء والأرض لافتتن الخلائق بحسنها ، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة في الشمس لا ضوء لها ، ولو أخرجت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض .
وذكر ابن وهب ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه قال : والله الذي لا إله إلا هو لو أن امرأة من الحور العين أطلعت سوارها من العرش لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسورة ؟ وإن أخلق ثوب تلبسه لخير من الدنيا وما فيها ، وإن زوجها عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي . وقال أبو هريرة : إن في الجنة حوراء يقال لها : العيناء . إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف ، وهي تقول : أين الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر . أوردهما القرطبي .
[ ص: 344 ] وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن رشدين ، حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري ، حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم ، حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلق الحور العين من الزعفران " . وهذا حديث غريب .
وقد روي مثل هذا عن ابن عباس وغيره من الصحابة والتابعين من قولهم . وفي مراسيل عكرمة : إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا ، يقلن : اللهم أعنه على دينك ، وأقبل بقلبه على طاعتك ، وبلغه إلينا بعزتك ، يا أرحم الراحمين " .
وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث كثير بن مرة عن معاذ مرفوعا : " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا " .
[ ص: 345 ] ورواه ابن أبي الدنيا ، عن داود بن عمرو الضبي ، عن إسماعيل بن عياش ، عن بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث . وفي " معجم الطبراني " من طريق موسى الصغير عن عبد الرحمن بن سابط ، عن سعيد بن عامر بن حذيم أنه تصدق بعشرة آلاف درهم في يوم ، فعاتبته امرأته في ذلك ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أن حوراء أطلعت أصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي ريح " . ثم قال : فأنا أدعهن لكن ؟ ! لا والله ، لأنتن أحق أن أدعكن لهن .
ومن حديث مالك بن دينار ، عن شهر ، عن سعيد بن عامر ، مرفوعا : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت على أهل الأرض لملأت الأرض روح مسك ، ولأذهبت ضوء الشمس والقمر " .  

......................................

  قوله تعالى : فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان

فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : فيهن قاصرات الطرف قيل : في الجنتين المذكورتين . قال الزجاج : وإنما قال : فيهن ولم يقل فيهما ، لأنه عنى الجنتين وما أعد لصاحبهما من [ ص: 164 ] النعيم . وقيل : فيهن يعود على الفرش التي بطائنها من إستبرق ، أي في هذه الفرش قاصرات الطرف أي نساء قاصرات الطرف ، قصرن أعينهن على أزواجهن فلا يرين غيرهم . وقد مضى في ( والصافات ) ووحد الطرف مع الإضافة إلى الجمع لأنه في معنى المصدر ، من طرفت عينه تطرف طرفا ، ثم سميت العين بذلك فأدى عن الواحد والجمع ، كقولهم : قوم عدل وصوم .
الثانية : قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان أي لم يصبهن بالجماع قبل أزواجهن هؤلاء أحد . الفراء : والطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية ، طمثها يطمثها ويطمثها طمثا إذا افتضها . ومنه قيل : امرأة طامث أي حائض . وغير الفراء يخالفه في هذا ويقول : طمثها بمعنى وطئها على أي الوجوه كان . إلا أن قول الفراء أعرف وأشهر . وقرأ الكسائي " لم يطمثهن " بضم الميم ، يقال : طمثت المرأة تطمث بالضم : حاضت . وطمثت بالكسر - لغة - فهي طامث ، وقال الفرزدق :

وقعن إلي لم يطمثن قبلي وهن أصح من بيض النعام

وقيل : لم يطمثهن لم يمسسهن ، قال أبو عمرو : والطمث المس وذلك في كل شيء يمس ويقال للمرتع : ما طمث ذلك المرتع قبلنا أحد ، وما طمث هذه الناقة حبل ، أي ما مسها عقال . وقال المبرد : أي لم يذللهن إنس قبلهم ولا جان ، والطمث التذليل . وقرأ الحسن " جأن " بالهمزة .

الثالثة : في هذه الآية دليل على أن الجن تغشى كالإنس ، وتدخل الجنة ويكون لهم فيها جنيات . قال ضمرة : للمؤمنين منهم أزواج من الحور العين ، فالإنسيات للإنس ، والجنيات للجن . وقيل : أي لم يطمث ما وهب الله للمؤمنين من الجن في الجنة من الحور العين من الجنيات جن ، ولم يطمث ما وهب الله للمؤمنين من الإنس في الجنة من الحور العين من الإنسيات إنس ، وذلك لأن الجن لا تطأ بنات آدم في الدنيا . ذكره القشيري .

قلت : قد مضى في ( النمل ) القول في هذا وفي ( الإسراء ) أيضا ، وأنه جائز أن تطأ بنات آدم . وقد قال مجاهد : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وذلك بأن الله تبارك وتعالى وصف الحور العين بأنه لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان . يعلمك أن نساء الآدميات قد يطمثهن الجان ، وأن [ ص: 165 ] الحور العين قد برئن من هذا العيب ونزهن ، والطمث الجماع . ذكره بكماله الترمذي الحكيم ، وذكره المهدوي أيضا والثعلبي وغيرهما والله أعلم .

الجامع لأحكام القرآن »

سورة الرحمن »

قوله تعالى فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اللهم تقبل

اللهم ارحم والدَّي   واغفر لهما وارض عنهما وجميع اهلي ما دامت السماوات والارض*وعافني ومحمد اخي   وكل مؤمن ومؤمنة واعفو عنا وعافنا   واشف...