ذكر أن البحر يسجر يوم القيامة ويكون من جملة جهنم
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عبد الله بن
أمية ، حدثنا محمد بن حيي ، حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية ، عن أبيه ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " البحر هو جهنم "
. قالوا ليعلى . فقال : ألا ترون أن الله تعالى يقول : نارا أحاط بهم سرادقها [ الكهف : 29 ] ؟ قال : لا ، والذي نفس يعلى
بيده ، لا أدخلها أبدا حتى أعرض على الله ، ولا يصيبني منها قطرة حتى ألقى الله عز
وجل .
وقد رواه البيهقي ، من طريق يعقوب بن سفيان ، حدثنا أبو
عاصم ، حدثنا محمد بن حيي ، عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " البحر هو جهنم "
. ثم تلا
: نارا أحاط بهم سرادقها . وهكذا رأيته بخط الحافظ ابن عساكر ; حدثنا أبو عاصم
، حدثني محمد بن حيي .
[ ص:
145 ] وفى " المسند " - كما تقدم - بينهما عبد
الله بن أمية . وكذلك رواه أبو مسلم الكجي ، عن أبي عاصم ، عن عبد الله بن
أمية ، حدثني رجل ، عن صفوان بن يعلى ، عن يعلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " البحر هو جهنم "
.
وقال أبو داود : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا إسماعيل
بن زكريا ، عن مطرف ، عن بشر أبى عبد الله ، عن بشير بن مسلم ، عن عبد الله بن
عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يركب البحر إلا حاج أو
معتمر ، أو غاز في سبيل الله ; فإن تحت البحر نارا ، وتحت النار بحرا " .
[ ص:
146 ]
………………
قوله : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا
أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت
مرتفقا
قوله تعالى : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الحق رفع على
خبر الابتداء المضمر ; أي قل هو الحق . وقيل : هو رفع على الابتداء ، وخبره في
قوله من ربكم . ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا :
أيها الناس من ربكم الحق فإليه التوفيق والخذلان ، وبيده الهدى والضلال ، يهدي من
يشاء فيؤمن ، ويضل من يشاء فيكفر ; ليس إلي من ذلك شيء ، فالله يؤتي الحق من يشاء
وإن كان ضعيفا ، ويحرمه من يشاء وإن كان قويا غنيا ، ولست بطارد المؤمنين لهواكم ;
فإن شئتم فآمنوا ، وإن شئتم [ ص: 352 ] فاكفروا . وليس هذا بترخيص وتخيير بين
الإيمان والكفر ، وإنما هو وعيد وتهديد . أي إن كفرتم فقد أعد لكم النار ، وإن
آمنتم فلكم الجنة .
إنا أعتدنا أي أعددنا .
للظالمين أي للكافرين الجاحدين .
نارا أحاط بهم سرادقها قال الجوهري : السرادق واحد السرادقات
التي تمد فوق صحن الدار . وكل بيت من كرسف فهو سرادق . قال رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن الجارود سرادق المجد عليك ممدود
يقال : بيت مسردق . وقال سلامة بن جندل يذكر أبرويز وقتله النعمان بن المنذر تحت
أرجل الفيلة :
هو المدخل النعمان بيتا سماؤه صدور الفيول بعد بيت مسردق
وقال ابن الأعرابي : سرادقها سورها . وعن ابن عباس : حائط من نار . الكلبي : وقال
ابن الأعرابي : سرادقها سورها . وعن ابن عباس : حائط من نار . الكلبي : عنق تخرج
من النار فتحيط بالكفار كالحظيرة . القتبي : السرادق الحجزة التي تكون حول الفسطاط
. وقاله ابن عزيز . وقيل : هو دخان يحيط بالكفار يوم القيامة ، وهو الذي ذكره الله
- تعالى - في سورة ( والمرسلات ) . حيث يقول : انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب وقوله : وظل من يحموم قاله قتادة . وقيل : إنه البحر المحيط بالدنيا .
وروى يعلى بن أمية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : البحر هو جهنم -
ثم تلا - نارا أحاط بهم سرادقها - ثم قال - والله لا أدخلها أبدا ما دمت حيا ولا
يصيبني منها قطرة ذكره الماوردي . وخرج ابن المبارك من حديث أبي سعيد الخدري عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لسرادق النار أربع جدر كثف كل جدار مسيرة
أربعين سنة . وخرجه أبو عيسى الترمذي ، وقال فيه : حديث حسن صحيح غريب .
قلت : وهذا يدل على أن السرادق ما يعلو الكفار من دخان أو نار ، وجدره ما وصف .
قوله تعالى : وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه قال ابن عباس :
المهل ماء [ ص: 353 ] غليظ مثل دردي الزيت . مجاهد : القيح والدم . الضحاك : ماء
أسود ، وإن جهنم لسوداء ، وماؤها أسود وشجرها أسود وأهلها سود . وقال أبو عبيدة :
هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس وقزدير ، فتموج بالغليان ، فذلك
المهل . ونحوه عن ابن مسعود قال سعيد بن جبير : هو الذي قد انتهى حره . وقال :
المهل ضرب من القطران ; يقال : مهلت البعير فهو ممهول . وقيل : هو السم . والمعنى
في هذه الأقوال متقارب . وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله
كالمهل قال : كعكر الزيت فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه قال أبو عيسى : هذا
حديث إنما نعرفه من حديث رشدين بن سعد ورشدين قد تكلم فيه من قبل حفظه . وخرج عن
أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ويسقى من ماء صديد يتجرعه قال : يقرب إلى فيه فكرهه فإذا أدني
منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره . يقول الله
- تعالى - وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا قال
: حديث غريب .
قلت : وهذا يدل على صحة تلك الأقوال ، وأنها مرادة ، والله أعلم . وكذلك نص عليها
أهل اللغة . في الصحاح " المهل " النحاس المذاب . ابن الأعرابي : المهل
المذاب من الرصاص . وقال أبو عمرو . المهل دردي الزيت . والمهل أيضا القيح والصديد
. وفي حديث أبي بكر : ادفنوني في ثوبي هذين فإنهما للمهل والتراب .
بئس الشراب وساءت مرتفقا قال مجاهد : معناه مجتمعا ، كأنه ذهب
إلى معنى المرافقة . ابن عباس : منزلا . عطاء : مقرا . وقيل مهادا . وقال القتبي :
مجلسا ، والمعنى متقارب ; وأصله من المتكأ ، يقال منه : ارتفقت أي اتكأت على
المرفق . قال الشاعر :
قالت له وارتفقت ألا فتى يسوق بالقوم غزالات الضحى
ويقال : ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه لا يأتيه نوم . قال أبو ذؤيب الهذلي :
نام الخلي وبت الليل مرتفقا كأن عيني فيها الصاب مدبوح
الصاب : عصارة شجر مر .
قوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق