الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

ذكر حياتها وعقاربها ، أعاذنا الله منها برحمته

 

ذكر حياتها وعقاربها ، أعاذنا الله منها برحمته

قال تعالى : سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة [ آل عمران : 180 ] . وثبت في " صحيح البخاري " من طريق عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، [ ص: 170 ] عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يأخذ بلهزمتيه فيقول : أنا مالك ، أنا كنزك " . وفي رواية : " يفر منه ، وهو يتبعه ، ويتقي منه ، فيلقمه يده ، ثم يطوقه " . وقرأ هذه الآية . وقد روي مثله عن ابن مسعود مرفوعا .

وقال الأعمش : عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله تعالى : الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون [ النحل : 88 ] . قال : زيدوا عقارب ، لها أذناب كالنخل الطوال .

[ ص: 171 ] وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن محمد بن إسحاق ، عن أصبغ بن الفرج ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن في النار لحيات أمثال أعناق البخت ، يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفا ، وإن فيها لعقارب كالبغال المؤكفة ، يلسعن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفا .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني محمد بن إدريس الحنظلي ، حدثنا محمد بن عثمان ، أبو الجماهر ، عن إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، حدثني الحجاج بن عبد الله الثمالي - وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحج معه حجة الوداع - أن نفير بن مجيب - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقدمائهم - قال : إن في جهنم سبعين ألف واد ، في كل واد سبعون ألف شعب ، في كل شعب سبعون ألف دار ، في كل دار سبعون ألف بيت ، في كل بيت سبعون ألف شق ، في كل شق سبعون ألف ثعبان ، في شدق كل [ ص: 172 ] ثعبان سبعون ألف عقرب ، لا ينتهي الكافر والمنافق حتى يواقع ذلك كله ، وهذا موقوف ، وغريب جدا ، بل منكر نكارة شديدة ، وسعيد بن يوسف هذا - الذي حدث عنه به إسماعيل بن عياش - مجهول ، والله أعلم ، وبتقدير رواية إسماعيل بن عياش له ، عن يحيى بن أبي كثير ; وهو حجازي ، وإسماعيل في غير الشاميين غير مقبول ، وقد ذكر هذا الأثر البخاري في " تاريخه الكبير " ، بنحو من هذا السياق ، فالله أعلم .

وقد ذكر بعض المفسرين في تفسير : " غي " و " أثام " ، أنهما واديان من أودية جهنم ، أجارنا الله تعالى منها . وقال بعضهم في قوله تعالى : وجعلنا بينهم موبقا [ الكهف : 52 ] . قال : هو نهر من قيح ودم . وقال عبد الله بن عمرو ، ومجاهد : هو واد من أودية جهنم . زاد عبد الله بن عمرو : عميق ، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى ، وأهل الضلالة .

وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن الأصم ، عن عباس الدوري ، عن ابن معين ، عن هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن عبد الجبار [ ص: 173 ] الخولاني ، قال : قدم علينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دمشق ، فرأى ما فيه الناس - يعني من الدنيا - فقال : وما يغني عنهم ، أليس من ورائهم الفلق ؟ وقد تقدم هذا الأثر .

وروى البيهقي ، عن الحاكم وغيره ، عن الأصم ، عن إبراهيم بن مرزوق بمصر ، عن سعيد بن عامر ، عن شعبة ، قال : كتب إلي منصور وقرأته عليه ، عن مجاهد ، عن يزيد بن شجرة ، وكان يزيد بن شجرة رجلا من الزهاد ، وكان معاوية يستعمله على الجيوش ، فخطبنا يوما ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، اذكروا نعمة الله عليكم ، ما أحسن أثر نعمة الله عليكم لو ترون ما أرى من بين أحمر وأصفر ومن كل لون ، وفي الرحال ما فيها ، إنه إذا أقيمت الصلاة فتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار ، وإذا التقى الصفان فتحت أبواب الجنة وأبواب النار وزين الحور العين فيطلعن ، فإذا أقبل أحدكم بوجهه إلى القتال ، قلن : اللهم ثبته ، اللهم انصره . وإذا أدبر احتجبن عنه ، وقلن : اللهم اغفر له ، فانهكوا وجوه القوم ، فداكم أبي وأمي ، فإن أول [ ص: 174 ] قطرة تقطر من دم أحدكم يحط الله بها عنه خطاياه ، كما يحط الغصن من ورق الشجر ، وتبتدره اثنتان من الحور العين ويمسحان التراب عن وجهه ، وتقولان : فدانا لك . ويقول : فدانا لكما . فيكسى مائة حلة لو وضعت بين إصبعي هاتين لوسعتاهن ، ليست من نسج بني آدم ، ولكنها من ثياب الجنة ، إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم ونجواكم وحلاكم ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة قيل : يا فلان ، هذا نورك ، يا فلان ، لا نور لك ، وإن لجهنم جبابا من ساحل كساحل البحر ، فيه هوام وحيات كالبخاتي ، وعقارب كالبغال الدلم ، أو كالدلم البغال ، فإذا سأل أهل النار التخفيف قيل : اخرجوا إلى الساحل . فتأخذهم تلك الهوام بشفاههم وجنوبهم ، وبما شاء الله من ذلك ، فتكشطها فيرجعون ، فيبادرون إلى معظم النار ، ويسلط عليهم الجرب ، حتى إن أحدهم ليحك جلده حتى يبدو العظم ، فيقال له : يا [ ص: 175 ] فلان ، هل يؤذيك هذا ؟ فيقول : نعم ، فيقال له : ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين .

وروى الترمذي ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة : اللهم أدخله الجنة . ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار : اللهم أجره من النار " .

وروى البيهقي ، عن أبي سعيد ، أو عن ابن حجيرة الأكبر ، عن أبي هريرة ، أن أحدهما حدثه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا كان يوم حار ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل السماء وأهل الأرض ، فإذا قال العبد : لا إله إلا الله ، ما أشد حر هذا اليوم ، اللهم أجرني من حر نار جهنم . قال الله عز وجل لجهنم : إن عبدا من عبادي قد استجار بي منك ، وإني أشهدك أني قد أجرته . وإذا كان يوم شديد البرد ألقى الله سبحانه سمعه وبصره إلى أهل السماء وأهل الأرض ، فإذا قال العبد : لا إله إلا الله ، ما أشد برد هذا اليوم ، اللهم أجرني من زمهرير جهنم . قال الله تعالى لجهنم : إن عبدا من عبادي قد استجار بي من زمهريرك ، وإني أشهدك أني قد أجرته " . قالوا : وما زمهرير جهنم ؟ قال : " جب يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة البرد بعضه من بعض " .

التالي السابق


تفسير الأية

ترجمة العلم

عناوين الشجرة

تخريج الحديث

تَشكيِل النص

  •  

  ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير

فيه أربع مسائل :

الأولى : قوله تعالى : ولا يحسبن الذين الذين في موضع رفع ، والمفعول الأول محذوف . قال الخليل وسيبويه والفراء المعنى البخل خيرا لهم ، أي لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم . وإنما حذف لدلالة يبخلون على البخل ; وهو كقوله : من صدق كان خيرا له . أي كان له الصدق خيرا له . ومن هذا قول الشاعر :

إذا نهي السفيه جرى إليه وخالف والسفيه إلى خلاف

فالمعنى : جرى : إلى السفه ; فالسفيه دل على السفه . وأما قراءة حمزة بالتاء فبعيدة جدا ; قاله النحاس . وجوازها أن يكون التقدير : لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم . قال الزجاج : وهي مثل واسأل القرية . و " هو " في قوله هو خيرا لهم فاصلة عند البصريين . وهي العماد عند الكوفيين . قال النحاس : ويجوز في العربية " هو خير لهم " ابتداء وخبر .

الثانية : قوله تعالى : بل هو شر لهم ابتداء وخبر ، أي البخل شر لهم . والسين في سيطوقون سين الوعيد ، أي سوف يطوقون ; قاله المبرد . وهذه الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله ، وأداء الزكاة المفروضة . وهذه كقوله : ولا ينفقونها في سبيل الله الآية . ذهب إلى هذا جماعة من المتأولين ، منهم ابن مسعود وابن عباس وأبو وائل وأبو مالك والسدي والشعبي قالوا : ومعنى سيطوقون ما بخلوا به هو الذي ورد في الحديث عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك - ثم تلا هذه الآية - [ ص: 273 ] ولا يحسبن الذين يبخلون الآية ) . أخرجه النسائي . وخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع حتى يطوق به في عنقه ثم قرأ علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - مصداقه من كتاب الله تعالى : ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية . وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا أخرج له يوم القيامة شجاع من النار يتلمظ حتى يطوقه . وقال ابن عباس أيضا : إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علموه من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل العلم . ومعنى سيطوقون على هذا التأويل سيحملون عقاب ما بخلوا به ; فهو من الطاقة كما قال تعالى : وعلى الذين يطيقونه وليس من التطويق .

وقال إبراهيم النخعي : معنى سيطوقون سيجعل لهم يوم القيامة طوق من النار . وهذا يجري مع التأويل الأول أي قول السدي . وقيل : يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق ; يقال : طوق فلان عمله طوق الحمامة ، أي ألزم عمله . وقد قال تعالى وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه . ومن هذا المعنى قول عبد الله بن جحش لأبي سفيان :

أبلغ أبا سفيان عن     أمر عواقبه ندامه
دار ابن عمك بعتها     تقضي بها عنك الغرامه
وحليفكم بالله رب     الناس مجتهد القسامه
اذهب بها اذهب بها     طوقتها طوق الحمامه

وهذا يجري مع التأويل الثاني . والبخل والبخل في اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه . فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل ; لأنه لا يذم بذلك . وأهل الحجاز يقولون : يبخلون وقد بخلوا . وسائر العرب يقولون : بخلوا يبخلون ; حكاه النحاس . وبخل يبخل بخلا وبخلا ; عن ابن فارس .

الثالثة : في ثمرة البخل وفائدته . وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار : ( من سيدكم ؟ ) قالوا الجد بن قيس على بخل فيه . فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( وأي داء أدوى من البخل ) قالوا : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال : ( إن قوما نزلوا بساحل البحر فكرهوا لبخلهم نزول الأضياف بهم فقالوا : ليبعد الرجال منا عن النساء حتى يعتذر الرجال إلى الأضياف ببعد النساء ; وتعتذر النساء ببعد [ ص: 274 ] الرجال ; ففعلوا وطال ذلك بهم فاشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء ) ذكره الماوردي في كتاب " أدب الدنيا والدين " ، والله أعلم .

الرابعة : واختلف في البخل والشح ; هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين . فقيل : البخل الامتناع من إخراج ما حصل عندك . والشح : الحرص على تحصيل ما ليس عندك . وقيل : إن الشح هو البخل مع حرص . وهو الصحيح لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم . وهذا يرد قول من قال : إن البخل منع الواجب ، والشح منع المستحب . إذ لو كان الشح منع المستحب لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم ، والذم الشديد الذي فيه هلاك الدنيا والآخرة . ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدا ولا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم أبدا . وهذا يدل على أن الشح أشد في الذم من البخل ; إلا أنه قد جاء ما يدل على مساواتهما وهو قوله - وقد سئل ; أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال : ( لا ) وذكر الماوردي في كتاب " أدب الدنيا والدين " أن [ ص: 275 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار : ( من سيدكم ) قالوا : الجد بن قيس على بخل فيه ; الحديث . وقد تقدم .

قوله تعالى : ولله ميراث السماوات والأرض أخبر تعالى ببقائه ودوام ملكه . وأنه في الأبد كهو في الأزل غني عن العالمين ، فيرث الأرض بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم ; فتبقى الأملاك والأموال لا مدعى فيها . فجرى هذا مجرى الوراثة في عادة الخلق ، وليس هذا بميراث في الحقيقة ; لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئا لم يكن ملكه من قبل ، والله سبحانه وتعالى مالك السماوات والأرض وما بينهما ، وكانت السماوات وما فيها ، والأرض وما فيها له ، وإن الأموال كانت عارية عند أربابها ; فإذا ماتوا ردت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل . ونظير هذه الآية قوله تعالى : إنا نحن نرث الأرض ومن عليها الآية . والمعنى في الآيتين أن الله تعالى أمر عباده بأن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثا لله تعالى ، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا .

الجامع لأحكام القرآن »

سورة آل عمران »

قوله تعالى ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

روابط مهمة من بريد مامي مم.

الرابط https://drive.google.com/file/d/1an6C1lKT__N6qnbEPA0jFXK3YbIcoEp5/view?usp=sharing       2.الرابط https://drive.google.com/file/d...