الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

ذكر لباس أهل الجنة فيها وحليتهم وصفات ثيابهم نسأل الله تعالى من فضله



ذكر لباس أهل الجنة فيها وحليتهم وصفات ثيابهم نسأل الله تعالى من فضله

قال الله تعالى عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة [ الإنسان : 21 ] وقال تعالى : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ فاطر : 33 ] وقال تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق [ الكهف : 31 ] [ ص: 328 ] وثبت في " الصحيحين " ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

وقال الحسن البصري : الحلي في الجنة على الرجال أحسن منه على النساء .

وقال ابن وهب : حدثني ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أن أبا أمامة حدثه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حدثهم ، وذكر حلي أهل الجنة قال : " مسورون بالذهب ، والفضة ، مكللون بالدر ، عليهم أكاليل من در وياقوت متواصلة ، وعليهم تاج كتاج الملوك ، شباب جرد مكحلون " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع ، فبدا سواره لطمس ضوء الشمس ، كما تطمس الشمس ضوء النجوم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا حماد بن سلمة ، عن [ ص: 329 ] ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من يدخل الجنة ينعم ، لا يبأس ولا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .

وأخرجه مسلم من حديث زهير بن حرب ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن سلمة إلى قوله : " لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه " .

وقال أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " للمؤمن زوجتان - يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما " .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، والحسن بن علي الفسوي قالا : حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر ، والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء ، لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء " . قال الضياء : هذا عندي على شرط الصحيح .

[ ص: 330 ] وقال أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا الخزرج بن عثمان السعدي ، حدثنا أبو أيوب ، مولى لعثمان بن عفان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ، ومثلها معها ، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ، ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ، ومثلها معها " . قال : قلت : يا أبا هريرة ، وما النصيف ؟ قال : الخمار .

قلت : الخزرج بن عثمان البصري تكلموا فيه ، ولكن له شاهد في " الصحيح " ، كما تقدم في " صحيح البخاري " ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه : " ولنصيفها - يعني خمارها - خير من الدنيا وما فيها " .

وقال حرملة ، عن ابن وهب ، أخبرنا عمرو أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل في الجنة ليتكئ سبعين سنة قبل أن يتحول ، ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب ، فتسلم عليه ، فيرد السلام ويسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى ، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليهم التيجان ، وإن أدنى لؤلؤة [ ص: 331 ] عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " .

ورواه أحمد عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن دراج به بطوله .

وقال ابن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله : جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب [ فاطر : 33 ] . فقال : " إن عليهم التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " .

وقد روى الترمذي منه ذكر التيجان من حديث عمرو بن الحارث .

وقد روى الإمام أحمد ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن محمد بن أبي الوضاح ، عن العلاء بن عبد الله بن رافع ، عن حنان بن خارجة السلمي ، عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أخبرنا عن ثياب أهل الجنة; خلقا تخلق أم نسجا تنسج ؟ فضحك بعض القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مم تضحكون ؟ من جاهل يسأل عالما " ؟ ! ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " أين السائل ؟ " قال : ها هو ذا أنا يا رسول الله . قال : " لا ، بل تشقق عنها ثمر الجنة " . ثلاث مرات .

ورواه أحمد أيضا : عن أبي كامل ، عن زياد بن عبد الله بن علاثة القاص [ ص: 332 ] أبي سهل ، عن العلاء بن رافع ، عن الفرزدق بن حنان ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فذكر نحوه .

وفي حديث دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، وما طوبى ؟ قال : " شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني محمد بن إدريس الحنظلي ، حدثنا أبو عتبة ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن سعيد بن يوسف ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام الأسود ، سمعت أبا أمامة ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى ، فتفتح له أكمامها عن ألوان الثياب يأخذ من أي ذلك شاء إن شاء أبيض وإن شاء أحمر ، وإن شاء أخضر ، وإن شاء أصفر ، وأن شاء أسود ، مثل شقائق النعمان ، وأرق ، وأحسن " . غريب حسن .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي ، عن خاله الزميل ، أنه سمع أباه قال : قلت لابن عباس : ما حلل أهل الجنة ؟ قال : فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان ، فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها ، فانفلقت عن سبعين حلة ، ألوانا بعد ألوان ، ثم تنطبق فترجع [ ص: 333 ] كما كانت . وتقدم عن الثوري ، عن حماد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر ، وكربها من ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم .




[ ص: 126 ] قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا

قوله تعالى : ويطوف عليهم ولدان مخلدون بين من الذي يطوف عليهم بالآنية ; أي ويخدمهم ولدان مخلدون ، فإنهم أخف في الخدمة . ثم قال : مخلدون أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة . وقيل : مخلدون لا يموتون . وقيل : مسورون مقرطون ; أي محلون والتخليد التحلية . وقد تقدم هذا .

إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس ، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما . وعن المأمون أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل ، وهو على بساط منسوج من ذهب ، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال : لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :




كأن صغرى وكبرى من فقاقعها حصباء در على أرض من الذهب وقيل : إنما شبههم بالمنثور ; لأنهم سراع في الخدمة ، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون ; لأنهن لا يمتهن بالخدمة .

قوله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ثم : ظرف مكان أي هناك في الجنة ، والعامل في ( ثم ) معنى رأيت أي وإذا رأيت ببصرك ثم . وقال الفراء : في الكلام ما مضمرة ; أي وإذا رأيت ما ثم ; كقوله تعالى : لقد تقطع بينكم أي ما بينكم . وقال الزجاج : ما موصولة ب " ثم " على ما ذكره الفراء ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ، ولكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم والمعنى : إذا رأيت ببصرك ثم ويعني ب ثم الجنة ، وقد ذكر الفراء هذا أيضا . والنعيم : سائر ما يتنعم به . والملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم ; قال السدي وغيره ، قال الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله ، فيستأذن عليه ; فذلك الملك العظيم . وقاله مقاتل بن سليمان . وقيل : الملك الكبير : هو أن يكون لأحدهم [ ص: 127 ] سبعون حاجبا ، حاجبا دون حاجب ، فبينما ولي الله فيما هو فيه من اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله ، قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط ، فيقول للحاجب الخارج : استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين . فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه : هذا رسول من رب العالمين ، معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله ; فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله فيقول له : يا ولي الله ! هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك ، معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له ؟ فيقول : نعم ! فأذنوا له . فيقول ذلك الحاجب الذي يليه : نعم فأذنوا له . فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ الحاجب الآخر . فيقول له : نعم أيها الملك ; قد أذن لك ، فيدخل فيسلم عليه ويقول : السلام يقرئك السلام ، وهذه تحفة ، وهذا كتاب من رب العالمين إليك . فإذا هو مكتوب عليه : من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي يموت . فيفتحه فإذا فيه : سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي ، يا وليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك ؟ فيستخفه الشوق فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيارة علام الغيوب ، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم ; دليله قوله تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار وقيل : الملك الكبير كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رأس ملك من الملوك . وقال الترمذي الحكيم : يعني ملك التكوين ، فإذا أرادوا شيئا قالوا له كن . وقال أبو بكر الوراق : ملك لا يتعقبه هلك . وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الملك الكبير هو - أن - أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه " قال : " وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربه تعالى كل يوم مرتين " سبحان المنعم .

قوله تعالى : عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق قرأ نافع وحمزة وابن محيصن عاليهم ساكنة الياء ، واختاره أبو عبيد اعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما عاليتهم وبتفسير ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها . الفراء : وهو مرفوع بالابتداء وخبره ثياب سندس واسم الفاعل يراد به الجمع . ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم و ( ثياب ) مرتفعة به وسدت مسد الخبر ، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص ، وابتدئ به لأنه اختص بالإضافة . وقرأ الباقون عاليهم بالنصب . وقال الفراء : هو كقولك فوقهم ، والعرب تقول : قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف ، لأنه محل . وأنكر الزجاج هذا وقال : هو مما لا نعرفه في [ ص: 128 ] الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء . ولكنه بالنصب على الحال من شيئين : أحدهما الهاء والميم في قوله : يطوف عليهم أي على الأبرار ولدان عاليا الأبرار ثياب سندس ; أي يطوف عليهم في هذه الحال ، والثاني : أن يكون حالا من الولدان ; أي إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب أبدانهم . وقال أبو علي : العامل في الحال إما لقاهم نضرة وسرورا وإما جزاهم بما صبروا قال : ويجوز أن يكون ظرفا فصرف .

المهدوي : ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا ; كقولك هو ناحية من الدار ، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجري مجراه فجعل ظرفا . وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم ( خضر ) بالجر على نعت السندس ( وإستبرق ) بالرفع نسقا على الثياب ، ومعناه عاليهم [ ثياب ] سندس وإستبرق . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب خضر رفعا نعتا للثياب ( وإستبرق ) بالخفض نعتا للسندس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه ; لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس ، والمعنى : عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق ، أي من هذين النوعين .

وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون خضر نعتا للثياب ; لأنهما جميعا بلفظ الجمع ( وإستبرق ) عطفا على الثياب . وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله : ( خضر ) نعتا للسندس ، والسندس اسم جنس ، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له ; وتقول : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ; ولكنه مستبعد في الكلام . والمعنى على هذه القراءة : عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق . وكلهم صرف الإستبرق ، إلا ابن محيصن ، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ ( وإستبرق ) نصبا في موضع الجر ، على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ; لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ; تقول الإستبرق إلا أن يزعم [ ابن محيصن ] أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب . وقرئ ( واستبرق ) بوصل الهمزة والفتح على أنه سمي باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأن أصله استبرك والسندس : ما رق من الديباج . والإستبرق : ما غلظ منه . وقد تقدم .

قوله تعالى : وحلوا عطف على ويطوف . أساور من فضة وفي سورة فاطر يحلون فيها من أساور من ذهب وفي سورة الحج يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، فقيل : حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب . وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة . وقيل : يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع لهم محاسن الجنة ; قاله سعيد بن المسيب . وقيل : أي لكل قوم ما تميل إليه [ ص: 129 ] نفوسهم .

وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال علي - رضي الله عنه - في قوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تتشعث أشعارهم أبدا ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين . وقال النخعي وأبو قلابة : هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك ، وضمرت بطونهم . وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ، تنبع من ساق شجرة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من أذى وقذر . وهذا معنى ما روي عن علي ، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر . وقد مضى بيانه في سورة ( الفرقان ) والحمد لله . وقال طيب الجمال : صليت خلف سهل بن عبد الله العتمة فقرأ وسقاهم ربهم شرابا طهورا وجعل يحرك شفتيه وفمه ، كأنه يمص شيئا ، فلما فرغ قيل له : أتشرب أم تقرأ ؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته .

قوله تعالى : إن هذا كان لكم جزاء أي يقال لهم : إنما هذا جزاء لكم أي ثواب . وكان سعيكم أي عملكم مشكورا أي من قبل الله ، وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه . وروى سعيد عن قتادة قال : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى . وقال مجاهد : مشكورا أي مقبولا والمعنى متقارب ; فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره ، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل ; إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم . روي عن ابن عمر : أن رجلا حبشيا قال : يا رسول الله ! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام " ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد ، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة " ، فقال الرجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال : " إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لأثقله . فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف الله برحمته " .

قال : ثم نزلت هل أتى على الإنسان حين من الدهر إلى قوله : وملكا كبيرا قال الحبشي : يا رسول الله ! وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه . وقال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدليه في حفرته ويقول : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا قلنا : [ ص: 130 ] يا رسول الله وما هو ؟ قال : " والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لأبيضن وجهك ولأبوئنك من الجنة حيث شئت ، فنعم أجر العاملين " .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الإنسان »
قوله تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

روابط مهمة من بريد مامي مم.

الرابط https://drive.google.com/file/d/1an6C1lKT__N6qnbEPA0jFXK3YbIcoEp5/view?usp=sharing       2.الرابط https://drive.google.com/file/d...