فصل ( الله يقبض يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه )
وقد قال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ الزمر : 67 ] . وقال تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين . وقال تعالى : لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ ص: 337 ] [ غافر : 15 ، 16 ] .
وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقبض الله تعالى الأرض ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الجبار ، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون " .
وفيهما عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين ، وتكون السماوات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك " .
قال في حديث الصور : " ويبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ، ويسطحها ، ويمدها مد الأديم العكاظي ، إلى آخر الكلام ، كما تقدم ، قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [ إبراهيم : 48 ] " الآية .
وفي " صحيح مسلم " عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات؟ فقال : " هم في الظلمة دون الجسر " .
وقد يكون المراد بذلك تبديلا آخر غير هذا المذكور في هذا الحديث ، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين; نفخة الصعق ، ونفخة البعث ، فتسير الجبال وتمد الأرض ، ويبقى الجميع صعيدا واحدا ، لا اعوجاج فيه ولا روابي ولا أودية ، كما قال تعالى : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [ طه : 105 - 107 ] . أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع . وقال تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون [ النمل : 88 ] وقال تعالى : وسيرت الجبال فكانت سرابا [ النبإ : 20 ] . وقال تعالى : وتكون الجبال كالعهن المنفوش [ القارعة : 5 ] . وقال تعالى : [ ص: 339 ] وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [ الحاقة : 14 ] . وقال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [ الكهف : 47 ] الآيات .
......................................
قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره قال المبرد : ما عظموه حق عظمته . من قولك : فلان عظيم القدر . قال النحاس : والمعنى على هذا : وما عظموه حق عظمته إذا عبدوا معه غيره ، وهو خالق الأشياء ومالكها . ثم أخبر عن قدرته وعظمته قال : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال : [ ص: 248 ] سبحانه وتعالى عما يشركون وفي الترمذي عن عبد الله قال : جاء يهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك . فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ثم قال : وما قدروا الله حق قدره . قال : هذا حديث حسن صحيح .
وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ . وفي الترمذي عن عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قالت : قلت : فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على جسر جهنم . في رواية : على الصراط يا عائشة قال : حديث حسن صحيح . وقوله : والأرض جميعا قبضته ( ويقبض الله الأرض ) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته ، يقال : ما فلان إلا في قبضتي ، بمعنى ما فلان إلا في قدرتي ، والناس يقولون : الأشياء في قبضته ، يريدون في ملكه وقدرته . وقد يكون معنى القبض والطي إفناء الشيء وإذهابه ، فقوله - جل وعز - : والأرض جميعا قبضته يحتمل أن يكون المراد به : والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة ، والمراد بالأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك شاهدان : قوله : والأرض جميعا ولأن الموضع موضع تفخيم وهو مقتض للمبالغة . وقوله : والسماوات مطويات بيمينه ليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب ، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب ، يقال : قد انطوى عنا ما كنا فيه وجاءنا غيره . وانطوى عنا دهر بمعنى المضي والذهاب . واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك ، ومنه قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم يريد به الملك ، وقال : لأخذنا منه باليمين أي : بالقوة والقدرة أي : لأخذنا قوته وقدرته . قال الفراء والمبرد : اليمين القوة والقدرة . وأنشدا :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
[ ص: 249 ] وقال آخر :
ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيمين قتلت شنيفا ثم فاران بعده وكان على الآيات غير أمين
وإنما خص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لكل شيء أيضا ; لأن الدعاوى تنقطع ذلك اليوم ، كما قال : والأمر يومئذ لله وقال : مالك يوم الدين حسب ما تقدم في [ الفاتحة ] ولذلك قال في الحديث : ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ وقد زدنا هذا الباب في التذكرة بيانا ، وتكلمنا على ذكر الشمال في حديث ابن عمر قوله : ( ثم يطوي الأرض بشماله ) .
قوله تعالى : فإذا هم قيام ينظرون أي فإذا الأموات من أهل الأرض والسماء أحياء بعثوا من قبورهم ، وأعيدت إليهم أبدانهم وأرواحهم ، فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون . وقيل : قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به . وقيل : هذا النظر بمعنى الانتظار ، أي : ينتظرون ما يفعل بهم . وأجاز الكسائي قياما بالنصب ، كما تقول : خرجت فإذا زيد جالسا .
سورة الزمر »
قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق