أنواع المسرات والنعيم في جنات الخلد
حديث علي رضي الله
عنه
حديث أبي هريرة
حديث أبي سعيد
حديث أنس
حديث ابن أبي أوفى
حديث ابن عمر
حديث أبي أمامة
نوع آخر من السماع
أعلى من الذي قبله
نوع آخر أعلى مما
عداه
( أنواع المسرات والنعيم في جنات الخلد )
النار حفت بالشهوات ، وداخلها كله مضرات وعقوبات وحسرات
، والجنة حفت وحجبت بالمكاره ، وداخلها أنواع المسرات مما لا عين رأت ، ولا أذن
سمعت ، ولا خطر على قلب بشر من أصناف اللذات ، كما أوردناه في الآيات المحكمات ، والأحاديث
الثابتات .
فمن نعيمهم المقيم ، ولذتهم المستمرة الطرب الذي لم تسمع
الآذان بمثله ، كما قال تعالى :
فأما الذين آمنوا
وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون [ الروم : 15 ] . قال الأوزاعي ، عن يحيى
بن أبي كثير : هو السماع في الجنة
.
[ ص: 390 ] وقد ذكرنا ما رواه الترمذي من حديث عبد
الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إن في الجنة لمجتمعا للحور العين ، يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق
بمثلها " . وذكر الحديث . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة ، وأبي
سعيد ، وأنس .
قلت : وكذا روي من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، وابن عمر
، وأبي أمامة .
..................................
قوله تعالى
: ويوم تقوم الساعة
يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون .
قوله تعالى
: ويوم تقوم الساعة
يومئذ يتفرقون يعني المؤمنين من الكافرين . فأما الذين آمنوا قال النحاس : سمعت الزجاج يقول : معنى ( أما ) دع ما كنا فيه
وخذ في غيره . وكذا قال سيبويه : إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما
كنا فيه .
[ ص: 12
] فهم في روضة قال الضحاك : الروضة الجنة ، والرياض الجنان . وقال أبو عبيد :
الروضة ما كان في تسفل ، فإذا كانت مرتفعة فهي ترعة . وقال غيره : أحسن ما تكون
الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ ; كما قال الأعشى :
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل
يضاحك الشمس منها كوكب شرق
مؤزر بعميم النبت مكتهل يوما بأطيب منها نشر رائحة
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل
إلا أنه لا يقال لها روضة إلا إذا كان فيها نبت ، فإن لم
يكن فيها نبت وكانت مرتفعة فهي ترعة . وقد قيل في الترعة غير هذا . وقال القشيري : والروضة عند
العرب ما ينبت حول الغدير من البقول ; ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه . الجوهري :
والجمع روض ورياض ، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها . والروض : نحو من نصف القربة ماء . وفي
الحوض روضة من ماء إذا غطى أسفله
. وأنشد أبو عمرو :
وروضة سقيت منها نضوتي
يحبرون قال الضحاك وابن عباس : يكرمون . وقيل ينعمون ; وقاله مجاهد
وقتادة . وقيل يسرون . السدي : يفرحون . والحبرة عند العرب : السرور والفرح ; ذكره
الماوردي . وقال الجوهري : الحبر : الحبور ؛ وهو السرور ، ويقال : حبره يحبره (
بالضم ) حبرا وحبرة ; قال تعالى
: فهم في روضة يحبرون أي ينعمون ويكرمون ويسرون . ورجل يحبور يفعول من الحبور .
النحاس : وحكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته . وسمعت علي بن سليمان يقول : هو
مشتق من قولهم : على أسنانه حبرة أي أثر ; ف ( يحبرون ) يتبين عليهم أثر النعيم . والحبر مشتق من
هذا . قال الشاعر :
لا تملأ الدلو وعرق فيها أما ترى حبار من يسقيها
وقيل : أصله من التحبير ؛ وهو التحسين ، ف ( يحبرون )
يحسنون . يقال : فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة . ويقال أيضا
: فلان حسن الحبر والسبر ( بالفتح ) ; وهذا كأنه مصدر قولك : حبرته حبرا إذا حسنته . والأول اسم ;
ومنه الحديث : ( يخرج رجل من [ ص: 13 ] النار ذهب حبره وسبره ) وقال يحيى بن أبي كثير في روضة يحبرون قال : السماع في الجنة ; وقاله الأوزاعي ، قال : إذا أخذ أهل الجنة
في السماع لم تبق شجرة في الجنة إلا رددت الغناء بالتسبيح والتقديس . وقال
الأوزاعي : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل
سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم . زاد غير الأوزاعي : ولم تبق شجرة في الجنة إلا رددت
، ولم يبق ستر ولا باب إلا ارتج وانفتح ، ولم تبق حلقة إلا طنت بألوان طنينها ،
ولم تبق أجمة من آجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب
بفنون الزمر ، ولم تبق جارية من جواري الحور العين إلا غنت بأغانيها ، والطير
بألحانها ، ويوحي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم وأسمعوا عبادي الذين
نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان ، فيجاوبون بألحان وأصوات روحانيين ، فتختلط هذه
الأصوات ، فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله جل ذكره : يا داود قم عند ساق عرشي
فمجدني ; فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويجليها وتتضاعف اللذة ; فذلك
قوله تعالى : فهم في روضة يحبرون . ذكره الترمذي
الحكيم رحمه الله . وذكر الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يذكر الناس ; فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ; وفي أخريات القوم
أعرابي فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من سماع ؟ فقال : نعم يا أعرابي ، إن في
الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خمصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق
بمثلها قط ، فذلك أفضل نعيم الجنة فسأل رجل أبا الدرداء : بماذا يتغنين ؟ فقال :
بالتسبيح . والخمصانية : المرهفة الأعلى ، الخمصانة البطن ، الضخمة الأسفل .
قلت : وهذا كله من النعيم والسرور والإكرام ; فلا تعارض
بين تلك الأقوال . وأين هذا من قول الحق : فلا تعلم نفس ما
أخفي لهم من قرة أعين على ما يأتي . وقوله
عليه السلام : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وقد روي :
إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله
ريحا من تحت العرش [ ص: 14 ] فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو
سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا . ذكره الزمخشري .
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة الروم »
قوله تعالى ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون
[ عرض الكتاب
]
=====
=======
أنواع المسرات
والنعيم في جنات الخلد »
حديث ابن أبي أوفى
[ ص: 392 ] حديث ابن أبي أوفى وهو حديث غريب : قال أبو
نعيم : حدثنا محمد بن جعفر - من أصله - حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا حامد بن يحيى
البلخي ، حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، حدثنا الوليد بن أبي ثور ، حدثني سعد الطائي
، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن ابن أبي أوفى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " يزوج إلى كل رجل من أهل الجنة أربعة آلاف بكر ، وثمانية آلاف أيم ،
ومائة حوراء ، فيجتمعن في كل سبعة أيام ، فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق
بمثلها . نحن الخالدات فلا نبيد ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا
نسخط ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، طوبى لمن كان لنا وكنا له " .
..................................
صفة الجنة ونعيمها
صفة نساء أهل الجنة
============================
أنواع المسرات
والنعيم في جنات الخلد »
حديث ابن عمر
حديث ابن عمر : قال الطبراني : حدثنا أبو رفاعة عمارة بن
وثيمة بن موسى بن الفرات المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن
أبي كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أزواج
أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط ، إن مما يغنين به : نحن
الخيرات الحسان ، أزواج قوم كرام ، ينظرن بقوة أعيان . وإن مما يغنين به : نحن
الخالدات فلا نمتنه ، نحن الآمنات فلا نخفنه ، نحن المقيمات فلا نظعنه " .
.................................
الطبراني
هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام علم
المعمرين أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني ،
صاحب المعاجم الثلاثة .
مولده بمدينة عكا في شهر صفر سنة ستين ومائتين وكانت أمه
عكاوية .
وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ، وارتحل به أبوه ، وحرص
عليه ، فإنه كان صاحب حديث ، من أصحاب دحيم ، فأول ارتحاله كان في سنة خمس وسبعين
، فبقي في الارتحال ولقي الرجال ستة عشر عاما ، وكتب عمن أقبل وأدبر ، وبرع في هذا
الشأن ، وجمع وصنف ، وعمر دهرا طويلا ، [ ص: 120 ] وازدحم عليه المحدثون ، ورحلوا
إليه من الأقطار .
لقي أصحاب يزيد بن هارون ، وروح بن عبادة ، وأبي عاصم ،
وحجاج بن محمد ، وعبد الرزاق ، ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه .
سمع من هاشم بن مرثد الطبراني ، وأحمد بن مسعود الخياط ،
حدثه ببيت المقدس في سنة أربع وسبعين ، عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، وسمع بطبرية
من أحمد بن عبد الله اللحياني صاحب آدم ، وبقيسارية من عمرو بن ثور ، وإبراهيم بن أبي
سفيان صاحبي الفريابي ، وسمع من نحو ألف شيخ أو يزيدون .
وروى عن أبي زرعة الدمشقي ، وإسحاق بن إبراهيم الدبري ،
وإدريس بن جعفر العطار ، وبشر بن موسى ، وحفص بن عمر سنجة ، وعلي بن عبد العزيز
البغوي المجاور ، ومقدام بن داود الرعيني ، ويحيى بن أيوب العلاف ، وعبد الله بن
محمد بن سعيد بن أبي مريم ، وأحمد بن عبد الوهاب الحوطي ، وأحمد بن إبراهيم بن فيل
البالسي ، وأحمد بن إبراهيم البسري ، وأحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط الأشجعي
صاحب تلك النسخة الموضوعة ، وأحمد بن إسحاق الخشاب ، وأحمد بن داود البصري ثم
المكي . وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة البتلهي ، وأحمد بن خليد الحلبي ، لقيه بها
في سنة ثمان وسبعين ومائتين ، ومن أحمد بن زياد الرقي الحذاء صاحب حجاج الأعور ،
وإبراهيم بن سويد الشبامي ، وإبراهيم بن محمد بن بزة الصنعاني ، والحسن بن عبد
الأعلى البوسي أصحاب عبد الرزاق ، وبكر بن سهل الدمياطي ، وحبوش بن رزق الله
المصري ، وأبي الزنباع روح بن الفرج القطان ، والعباس بن الفضل الأسفاطي . وعبد
الله بن أحمد بن حنبل ، وعبد الله بن الحسين المصيصي وعبد الرحيم بن عبد الله
البرقي ، سمع منه السيرة لكنه وهم ، وسماه أحمد [ ص: 121 ] باسم أخيه ، وعلي بن
عبد الصمد ماغمه ، وأبي مسلم الكجي ، وإسحاق بن إبراهيم المصري القطان ، وإدريس بن
عبد الكريم الحداد ، وجعفر بن محمد الرملي القلانسي ، والحسن بن سهل المجوز ،
وزكريا بن حمدويه الصفار ، وعثمان بن عمر الضبي ، ومحمد بن محمد التمار ، ومحمد بن
يحيى بن المنذر القزاز صاحب سعيد بن عامر الضبعي ، ومحمد بن زكريا الغلابي . ومحمد بن علي
الصائغ ، وأبي علاثة محمد بن عمرو بن خالد الحراني ، ومحمد بن أسد بن يزيد
الأصبهاني ، حدثه عن أبي داود الطيالسي ، ومحمد بن معاذ دران ، وأبي عبد الرحمن
النسائي ، وعبيد الله بن رماحس ، وهارون بن ملول . وسمع بالحرمين ، واليمن ، ومدائن
الشام ومصر ، وبغداد ، والكوفة ، والبصرة ، وأصبهان ، وخوزستان ، وغير ذلك ، ثم
استوطن أصبهان ، وأقام بها نحوا من ستين سنة ينشر العلم ويؤلفه ، وإنما وصل إلى
العراق بعد فراغه من مصر والشام والحجاز واليمن ، وإلا فلو قصد العراق أولا لأدرك
إسنادا عظيما .
حدث عنه : أبو خليفة الجمحي ، والحافظ ابن عقدة وهما من
شيوخه ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الصحاف ، وابن منده ، وأبو بكر بن مردويه ، وأبو
عمر محمد بن الحسين البسطامي ، وأبو نعيم الأصبهاني ، وأبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي
، وأبو سعيد النقاش ، وأبو بكر بن أبي علي الذكواني ، وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي
، والحسين بن أحمد بن المرزبان ، وأبو الحسين بن فاذشاه . وأبو سعد عبد الرحمن بن أحمد الصفار ،
ومعمر بن أحمد بن زياد ، وأبو بكر محمد بن عبد الله الرباطي ، والفضل بن عبيد الله
بن شهريار ، وعبد الواحد بن أحمد الباطرقاني ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني
، وعلي بن يحيى بن عبدكويه ، ومحمد بن عبد الله بن شمة ، وبشر بن محمد الميهني ،
وخلق كثير ، آخرهم موتا أبو [ ص: 122 ] بكر محمد بن عبد الله بن ريذة التاجر ، ثم عاش
بعده أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني يروي عن الطبراني بالإجازة ، فمات
سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وأربعمائة ومات ابن ريذة عام أربعين .
ومن تواليفه " المعجم الصغير " في مجلد ، عن
كل شيخ حديث و " المعجم الكبير " وهو معجم أسماء الصحابة وتراجمهم وما
رووه ، لكن ليس فيه مسند أبي هريرة ، ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين , في ثمان
مجلدات ، " والمعجم الأوسط " على مشايخه المكثرين ، وغرائب ما عنده
عن كل واحد ، يكون خمس مجلدات . وكان الطبراني - فيما بلغنا - يقول عن "
الأوسط " : هذا الكتاب روحي
.
وقال أبو بكر بن أبي علي : سأل أبي أبا القاسم الطبراني
عن كثرة حديثه ، فقال : كنت أنام على البواري ثلاثين سنة .
قال أبو نعيم : قدم الطبراني أصبهان سنة تسعين ومائتين ،
ثم خرج ، ثم قدمها فأقام بها محدثا ستين سنة .
قال سليمان بن إبراهيم الحافظ : قال أبو أحمد العسال
القاضي : إذا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث ، وسمع منه أبو إسحاق بن حمزة
ثلاثين ألفا ، وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا ، كملنا .
قلت : هؤلاء كانوا شيوخ أصبهان مع الطبراني .
قال أبو نعيم الحافظ : سمعت أحمد بن بندار يقول : دخلت
العسكر سنة ثمان وثمانين ومائتين ، فحضرت مجلس عبدان ، وخرج ليملي ، فجعل [ ص: 123 ] المستملي يقول
له : إن رأيت أن تملي ؟ فيقول : حتى يحضر الطبراني .
قال : فأقبل أبو القاسم بعد ساعة متزرا بإزار مرتديا
بآخر ، ومعه أجزاء ، وقد تبعه نحو من عشرين نفسا من الغرباء من بلدان شتى حتى
يفيدهم الحديث .
قال أبو بكر بن مردويه في " تاريخه " : لما
قدم الطبراني قدمته الثانية سنة عشر وثلاثمائة إلى أصبهان قبله أبو علي أحمد بن
محمد بن رستم العامل ، وضمه إليه ، وأنزله المدينة ، وأحسن معونته ، وجعل له
معلوما من دار الخراج فكان يقبضه إلى أن مات . وقد كنى ولده محمدا أبا ذر ، وهي
كنية والده أحمد .
قال أبو زكريا يحيى بن منده : سمعت مشايخنا ممن يعتمد
عليهم يقولون : أملى أبو القاسم الطبراني حديث عكرمة في الرؤية فأنكر عليه ابن
طباطبا العلوي ، ورماه بدواة كانت بين يديه ، فلما رأى الطبراني ذلك واجهه بكلام اختصرته
، وقال في أثناء كلامه : ما تسكتون وتشتغلون بما أنتم فيه حتى لا يذكر ما جرى يوم
الحرة . فلما سمع ذلك ابن طباطبا ، قام واعتذر إليه وندم ، ثم قال ابن منده :
وبلغني أن الطبراني كان حسن المشاهدة ، طيب المحاضرة ، قرأ عليه يوما أبو طاهر بن
لوقا حديث : " كان يغسل حصى جماره " فصحفه وقال : خصى حماره ، فقال : ما أراد بذلك يا
أبا طاهر قال : التواضع ، وكان هذا كالمغفل . قال له الطبراني يوما : أنت ولدي ،
قال : [ ص: 124 ] وإياك يا أبا القاسم ، يعني : وأنت .
قال ابن منده : ووجدت عن أحمد بن جعفر الفقيه ، أخبرنا
أبو عمر بن عبد الوهاب السلمي قال : سمعت الطبراني يقول : لما قدم أبو علي بن رستم بن فارس ،
دخلت عليه ، فدخل عليه بعض الكتاب ، فصب على رجله خمسمائة درهم ، فلما خرج الكاتب
أعطانيها ، فلما دخلت بنته أم عدنان ، صبت على رجله خمسمائة ، فقمت ، فقال : إلى
أين ؟ قلت : قمت لئلا يقول : جلست لهذا ، فقال : ارفع هذه أيضا ، فلما كان آخر
أمره تكلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض الشيء ، فخرجت ولم أعد إليه بعد .
قال أحمد بن جعفر الفقيه : سمعت أبا عبد الله بن حمدان ،
وأبا الحسن المديني ، وغيرهما ، يقولون : سمعنا الطبراني يقول : هذا الكتاب روحي
يعني : " المعجم الأوسط
" .
قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي : سمعت الأستاذ ابن العميد
يقول : ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها ،
حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي ، فكان الطبراني يغلب
أبا بكر بكثرة حفظه ، وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما ، ولا
يكاد أحدهما يغلب صاحبه ، فقال الجعابي
: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي ، فقال : هات ، فقال
: حدثنا أبو خليفة الجمحي ، حدثنا سليمان بن أيوب ، وحدث بحديث ، فقال الطبراني :
أخبرنا سليمان بن أيوب ، ومني سمعه أبو خليفة ، فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك ، فخجل
الجعابي ، فوددت أن الوزارة لم تكن ، وكنت أنا الطبراني ، وفرحت كفرحه ، أو كما
قال . [ ص: 125 ] أنبئونا عن أبي المكارم اللبان ، عن غانم البرجي ، أنه سمع عمر
بن محمد بن الهيثم يقول : سمعت أبا جعفر بن أبي السري قال : لقيت ابن عقدة بالكوفة
، فسألته يوما أن يعيد لي فوتا فامتنع ، فشددت عليه ، فقال : من أي بلد أنت ؟ قلت
: من أصبهان ، فقال : ناصبة ينصبون العداوة لأهل البيت ، فقلت : لا تقل هذا فإن
فيهم متفقهة وفضلاء ومتشيعة ، فقال : شيعة معاوية ؟ قلت : لا والله ، بل شيعة علي
، وما فيهم أحد إلا وعلي أعز عليه من عينه وأهله ، فأعاد علي ما فاتني . ثم قال لي : سمعت من سليمان
بن أحمد اللخمي ؟ فقلت : لا ، لا أعرفه ، فقال : يا سبحان الله ! ! أبو القاسم
ببلدكم وأنت لا تسمع منه ، وتؤذيني هذا الأذى ، بالكوفة ما أعرف لأبي القاسم نظيرا
، قد سمعت منه ، وسمع مني . ثم قال
: أسمعت " مسند " أبي داود الطيالسي ؟ فقلت :
لا ، قال : ضيعت الحزم ؛ لأن منبعه من أصبهان . وقال : أتعرف إبراهيم بن محمد بن
حمزة ؟ قلت : نعم . قال : قل ما رأيت مثله في الحفظ .
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : أبو القاسم الطبراني
أحد الحفاظ المذكورين ، حدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي ، ولم يحتمل سنه لقيه ،
توفي أحمد بمصر سنة ست وستين ومائتين . قلت : قد مر أن الطبرانى وهم في اسم شيخه
عبد الرحيم فسماه أحمد ، واستمر . وقد أرخ الحافظ أبو سعيد بن يونس وفاة أحمد بن
البرقي هكذا في موضع ، وأرخها في موضع آخر سنة سبعين في شهر رمضان منها ، وعلى
الحالين فما لقيه ولا قارب ، وإنما وهم في الاسم ، وحمل عنه السيرة النبوية بسماعه
من عبد الملك بن هشام السدوسي ، وقد كان أحمد بن البرقي يروي عن عمرو بن أبي سلمة
[ ص: 126 ] التنيسي والكبار الذين لم يدركهم أخوه عبد الرحيم ، ثم إننا رأينا
الطبراني لم يذكر عبد الرحيم باسمه هذا في " معجمه " ، بل تمادى على
الوهم ، وسماه بأحمد في حرف الألف ، ولهذين أخ ثالث وهو محمد بن البرقي الحافظ ،
له مؤلف في الضعفاء ، وهو أسن الثلاثة ، توفي سنة تسع وأربعين ومائتين ، ومات عبد الرحيم
بن عبد الله بن البرقي الذي لقيه الطبراني وزل في تسميته بأحمد في سنة ست وثمانين
ومائتين . وقد سمعنا السيرة من طريقه ، وقد سئل الحافظ أبو العباس أحمد بن منصور
الشيرازي عن الطبراني ، فقال : كتبت عنه ثلاث مائة ألف حديث ، ثم قال : وهو ثقة ،
إلا أنه كتب عن شيخ بمصر ، وكانا أخوين ، وغلط في اسمه ، يعني : ابني البرقي .
قال أبو عبد الله الحاكم : وجدت أبا علي النيسابوري
الحافظ سيئ الرأي في أبي القاسم اللخمي ، فسألته عن السبب ، فقال : اجتمعنا على
باب أبي خليفة ، فذكرت له طرق حديث : أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء فقلت له : يحفظ
شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؟ قال : بلى رواه غندر ، وابن
أبي عدي ، قلت : من عنهما ؟ قال :
حدثناه عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، عنهما ، فاتهمته إذ
ذاك ، فإنه ما حدث به غير عثمان بن عمر عن شعبة . قلت : هذا تعنت على حافظ حجة .
قال الحافظ ضياء الدين المقدسي : هذا وهم فيه الطبراني
في المذاكرة ، فأما في جمعه حديث شعبة فلم يروه إلا من حديث عثمان بن عمر ، [ ص:
127 ] ولو كان كل من وهم في حديث واحد اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد .
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه : دخلت بغداد ، وتطلبت
حديث إدريس بن جعفر العطار ، عن يزيد بن هارون ، وروح ، فلم أجد إلا أحاديث معدودة
، وقد روى الطبراني ، عن إدريس ، عن يزيد كثيرا . قلت : هذا لا يدل على شيء ، فإن
البغاددة كاثروا عن إدريس للينه ، وظفر به الطبراني فاغتنم علو إسناده ، وأكثر عنه
، واعتنى بأمره .
وقال أحمد الباطرقاني : دخل ابن مردويه بيت الطبراني
وأنا معه - وذلك بعد وفاة ابنه أبي ذر - لبيع كتب الطبراني ، فرأى أجزاء الأوائل بها
فاغتم لذلك ، وسب الطبراني ، وكان سيئ الرأي فيه .
وقال سليمان بن إبراهيم الحافظ : كان ابن مردويه في قلبه
شيء على الطبراني ، فتلفظ بكلام ، فقال له أبو نعيم : كم كتبت يا أبا بكر عنه ؟
فأشار إلى حزم ، فقال : ومن رأيت مثله ؟ فلم يقل شيئا .
قال الحافظ الضياء : ذكر ابن مردويه في تأريخه لأصبهان
جماعة ، وضعفهم ، وذكر الطبراني فلم يضعفه ، فلو كان عنده ضعيفا لضعفه . قال أبو
بكر بن أبي علي المعدل : الطبراني أشهر من أن يدل على فضله وعلمه ، كان واسع العلم
كثير التصانيف ، وقيل : ذهبت عيناه في آخر أيامه ، فكان يقول : الزنادقة سحرتني .
فقال له يوما حسن العطار - تلميذه يمتحن بصره : كم عدد الجذوع التي في السقف ؟ فقال : لا
أدري ، لكن نقش خاتمي سليمان بن أحمد
.
قلت : هذا قاله على سبيل الدعابة . قال : وقال له مرة :
من هذا الآتي - يعني : ابنه - ؟ فقال : أبو ذر ، وليس بالغفاري . [ ص: 128 ] ولأبي
القاسم من التصانيف : كتاب " السنة " مجلد ، كتاب " الدعاء "
مجلد ، كتاب " الطوالات " مجيليد ، كتاب " مسند شعبة " كبير ،
" مسند سفيان " ، كتاب " مسانيد الشاميين " ، كتاب "
التفسير " كبير جدا ، كتاب " الأوائل " ، كتاب " الرمي "
، كتاب " المناسك " ، كتاب
" النوادر " ، كتاب " دلائل النبوة
" مجلد ، كتاب " عشرة النساء " وأشياء سوى ذلك لم نقف عليها ، منها
" مسند عائشة " ، " مسند أبي هريرة " ، " مسند أبي ذر
" ، " معرفة الصحابة " ، " العلم " ، " الرؤية
" ، " فضل العرب
" ، " الجود
" ، " الفرائض " ، " مناقب أحمد " ، " كتاب الأشربة
" ، " كتاب الألوية في خلافة أبي بكر وعمر " ، وغير ذلك ، وقد
سماها على الولاء الحافظ يحيى بن منده . وأكثرها مسانيد حفاظ وأعيان ، ولم نرها .
ولم يزل حديث الطبراني رائجا ، نافقا ، مرغوبا فيه ، ولا
سيما في زمان صاحبه ابن زيدة ، فقد سمع منه خلائق ، وكتب السلفي عن نحو مائة نفس
منهم ومن أصحاب ابن فاذشاه ، وكتب أبو موسى المديني ، وأبو العلاء الهمذاني عن عدة
من بقاياهم . وازدحم الخلق على خاتمتهم فاطمة الجوزدانية الميتة في سنة أربع وعشرين
وخمسمائة ، وارتحل ابن خليل والضياء ، وأولاد الحافظ عبد الغني وعدة من المحدثين
في طلب حديث الطبراني ، واستجازوا من بقايا المشيخة لأقاربهم وصغارهم ، وجلبوه إلى
الشام ، ورووه ، ونشروه ، ثم سمعه بالإجازة العالية ابن جعوان ، والحارثي ، والمزي
، وابن سامة ، والبرزالي ، وأقرانهم ، ورووه في هذا العصر ، وأعلى ما بقي من ذلك
بالاتصال " معجمه الصغير " ، فلا تفوتوه رحمكم الله .
وقد عاش الطبراني مائة عام وعشرة أشهر .
قال أبو نعيم الحافظ : توفي الطبراني لليلتين بقيتا من
ذي القعدة سنة [ ص: 129 ] ستين وثلاثمائة بأصبهان ، ومات ابنه أبو ذر في سنة تسع وتسعين
وثلاثمائة عن نيف وستين سنة .
أخبرنا عبد الملك بن عبد الرحمن العطار ، أخبرنا يوسف بن
خليل ، أخبرنا علي بن سعيد بن فاذشاه ، ومحمد بن أبي زيد قالا : أخبرنا محمود بن
إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن محمد بن فاذشاه ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أبو مسلم
الكشي ، حدثنا أبو عاصم ، عن ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : كنا مع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرة ، ومعه رجل ، إذ لعن ناقته ، فقال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - : " أين اللاعن ناقته ؟ قال : ها أنذا ، قال :
أخرها فقد أجبت فيها .
أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا
مسعود بن أبي منصور ، أخبرنا الحسن بن أحمد ، أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن مهرة
سنة خمس وعشرين وأربعمائة ، أخبرنا سليمان الطبراني ، حدثنا محمد بن حيان المازني
، وأبو خليفة قالا : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن علي ابن بذيمة ، عن أبي عبيدة
عن أبيه عبد الله قال : " من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز " . [ ص: 130
] قرأت على سليمان بن قدامة القاضي ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد الحافظ ، أخبرنا
محمد بن أحمد ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، أخبرنا ابن ريذة ، أخبرنا الطبراني ،
حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا هشيم ، حدثنا عبد الحميد
بن جعفر ، عن أبيه ، أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك ، فقال :
اطلبوها ، فلم يجدوها ، فقال : اطلبوها ، فوجدوها ، فإذا هي قلنسوة خلقة ، فقال
خالد : اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلق رأسه ، فابتدر الناس جوانب
شعره فسبقتهم إلى ناصيته ، فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا
رزقت النصر .
ومات في سنة ستين الآجري وسيأتي ، والمعمر أبو علي عيسى
بن محمد بن أحمد الجريجي الطوماري عن تسع وتسعين سنة ، وإمام جامع همذان أبو
العباس الفضل بن الفضل الكندي ، ومسند بغداد أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن
الهيثم الأنباري ، والبندار ، وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة المؤدب ، والمحدث
القدوة أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري ، والوزير أبو الفضل محمد
بن الحسين بن محمد بن العميد صاحب الترسل الفائق ، والمعمر أبو طاهر محمد بن
سليمان بن ذكوان البعلبكي المقرئ ، وشيخ الزهاد أبو بكر محمد بن داود الدقي
الدينوري ، والذي تملك دمشق أبو القاسم بن أبي يعلى الهاشمي ثم أسر وبعث إلى مصر .
عرض في كتاب سير
أعلام النبلاء
=======
أنواع المسرات
والنعيم في جنات الخلد »
حديث أبي أمامة
البداية والنهاية
20 جزء التالي صفحة
السابق
حديث أبي أمامة : قال جعفر الفريابي : حدثنا سليمان بن
عبد الرحمن ، [ ص: 393 ] حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك ، عن أبيه ، عن خالد بن معدان
، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من عبد يدخل
الجنة إلا ويجلس عند رأسه ورجليه ثنتان من الحور العين يغنيانه بأحسن صوت سمعه الإنس
والجن ، وليس بمزامير الشيطان
" .
وقال ابن وهب : حدثني سعيد بن أبي أيوب ، قال : قال رجل
من قريش لابن شهاب : هل في الجنة سماع ; فإنه حبب إلي السماع ؟ فقال : إي والذي
نفس ابن شهاب بيده ، إن في الجنة لشجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد ، تحته جوار ناهدات
يتغنين بالقرآن ، ويقلن : نحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الخالدات فلا نموت . فإذا
سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا ، فأجبن " الجواري " فلا يدرى أصوات
الجواري أحسن أم أصوات الشجر .
قال ابن وهب : وحدثنا الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد :
أن الحور يغنين أزواجهن ، يقلن : نحن الخيرات الحسان ، أزواج شباب كرام ، ونحن
الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نبأس ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، ونحن المقيمات
فلا نظعن . في صدر إحداهن مكتوب : أنت حبي وأنا حبك ، انتهت نفسي عندك ، لم تر
عيناي مثلك .
وقال ابن المبارك : حدثنا الأوزاعي ، حدثنا يحيى بن أبي
كثير : أن الحور العين يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة ، فيقلن : طالما انتظرناكم
، نحن [ ص: 394 ] الراضيات فلا نسخط . فذكره كما تقدم ، وفيه : وتقول : أنت حبي
وأنا حبك ، ليس دونك مقصد ، ولا وراءك معدل .
وهذه الآثار كلها رواها ابن أبي الدنيا وغيره ، وفيها
نظر .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا
علي بن عاصم ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد الحارثي ، قال : حدثت أن في الجنة آجاما من
قصب من ذهب ، حملها اللؤلؤ ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يسمعوا صوتا حسنا بعث الله
على تلك الآجام ريحا ، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه .
وقد تقدم هذا عن أبي سعيد الخدري ، وهو وهم . والله أعلم .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
[ ص: 96 ] الفريابي
جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض . الإمام الحافظ
الثبت ، شيخ الوقت أبو بكر الفريابي القاضي .
ولد سنة سبع ومائتين وقال : أول ما كتبت الحديث سنة أربع
وعشرين ومائتين .
أرخ مولده القاضي أبو الطاهر الذهلي .
قلت : ارتحل من فيرياب -وهي مدينة من بلاد الترك- إلى
بلاد ما [ ص: 97 ] وراء النهر ، وخراسان ، والعراق ، والحجاز ، والشام ، ومصر ،
والجزيرة ، ولقي الأعلام ، وتميز في العلم ، وولي قضاء الدينور .
حدث عن : شيبان بن فروخ ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ،
وهدبة بن خالد ، وقتيبة بن سعيد ، وأبي مصعب الزهري ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي
جعفر النفيلي ، وسليمان بن بنت شرحبيل ، ومحمد بن عائذ ، وهشام بن عمار ، وصفوان
بن صالح ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وإبراهيم بن الحجاج السامي ، وعلي بن المديني ،
وعبد الأعلى بن حماد ، وعثمان بن أبي شيبة ، وأبي قدامة السرخسي . ويزيد بن موهب
الرملي ، وهدية بن عبد الوهاب المروزي ، وإسحاق بن موسى الخطمي ، ومحمد بن عثمان
بن خالد العثماني ، وعمرو بن علي الفلاس ، وعبد الله بن جعفر البرمكي ، والهيثم بن
أيوب الطالقاني ، وأبي كامل الجحدري ، وأحمد بن عيسى التستري ، ومحمد بن عبيد بن
حساب ، وعبيد الله بن معاذ ، وأبي كريب محمد بن العلاء ، وتميم بن المنتصر ، وأبي
الأصبغ عبد العزيز بن يحيى ، ومنجاب بن الحارث ، ومحمد بن مصفى ، وخلق كثير .
وصنف التصانيف النافعة .
حدث عنه
: أبو بكر النجاد ، وأبو بكر الشافعي ، وأبو علي بن
الصواف ، وأبو القاسم الطبراني ، وأبو الطاهر الذهلي ، وأبو بكر القطيعي ، وأبو
أحمد بن عدي ، وأبو بكر الإسماعيلي ، وأبو بكر الجعابي ، وأبو القاسم علي بن أبي
العقب ، وأبو علي بن هارون ، وأبو حفص عمر بن الزيات ، وأبو بكر الآجري ، وعبد الباقي
بن قانع ، وأبو الحسين محمد بن عبد الله والد تمام الرازي ، والحسن بن عبد الرحمن
الرامهرمزي ، وأبو الفضل عبيد الله بن عبد [ ص: 98 ] الرحمن الزهري ، وهو خاتمة
أصحابه ، وقع لنا من طريقه " صفة المنافق " عاليا .
قال الخطيب جعفر الفريابي قاضي الدينور كان ثقة حجة ، من
أوعية العلم ، ومن أهل المعرفة والفهم ، طوف شرقا وغربا ، ولقي الأعلام . وعن أبي
حفص الزيات قال : لما ورد الفريابي إلى بغداد استقبل بالطيارات والزبازب ، ووعد له
الناس إلى شارع المنار ليسمعوا منه
.
قال : فحضر من حزروا ، فقيل : كانوا نحو ثلاثين ألفا ، وكان
المستملون ثلاثمائة وستة عشر نفسا . . وقال أبو علي بن الصواف : سمعت الفريابي يقول
: كل من لقيته لم أسمع منه إلا من لفظه ، إلا ما كان من شيخين : أبي مصعب ; فإنه
ثقل لسانه ، والمعلى بن مهدي ، بالموصل . وكتبت من سنة أربع وعشرين ومائتين . قال
أبو الفضل الزهري : لما سمعت من الفريابي كان في مجلسه من أصحاب المحابر من يكتب
حدود عشرة آلاف إنسان ، ما بقي منهم غيري ، هذا سوى من لا يكتب . ثم جعل يبكي .
قلت : سماعه منه كان في سنة ثمان وتسعين ومائتين . وقال
أبو أحمد بن عدي : كنا نشهد مجلس جعفر الفريابي ، وفيه عشرة آلاف أو أكثر . [ ص:
99 ] قال أبو بكر الخطيب الفريابي قاضي الدينور من أوعية العلم . وقال الدارقطني :
قطع الفريابي الحديث في شوال ، سنة ثلاثمائة . وقال الحافظ أبو علي النيسابوري : دخلت بغداد
والفريابي حي ، وقد أمسك عن الحديث ، ودخلنا عليه غير مرة ، ونكتب بين يديه ، كنا
نراه حسرة .
قلت : نعم ما صنع ; فإنه أنس من نفسه تغيرا ، فتورع وترك
الرواية .
وقد حدث عنه من شيوخه محمد بن يحيى الأزدي البصري .
فأنبأنا المسلم بن محمد ، وطائفة ، عن القاسم بن علي :
أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، وأبو منصور بن خيرون ، قالا : أخبرنا أبو
بكر الخطيب ، أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقرئ ، حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي
، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا جعفر بن
محمد الخراساني ، حدثنا عمرو بن زرارة ، حدثنا أبو جنادة ، عن الأعمش ، عن خيثمة ،
عن عدي بن حاتم ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يؤتى يوم القيامة
بناس من النار إلى الجنة ، حتى إذا دنوا منها واستنشقوا ريحها . . . وذكر الحديث .
[ ص: 100 ] ثم قال الشافعي حدثناه جعفر الفريابي : حدثنا عمرو مثله . قال القاضي
أبو الطاهر السدوسي : سمعت الفريابي يقول : كل من لقيته بخراسان والعراق والأمصار لم
أسمع منه إلا من لفظه ، إلا أبا مصعب وسمى آخر -يعني معلى بن مهدي - فإنهما كانا
قد كبرا وضعفا . قال الحافظ عبد الله بن عدي : رأيت مجلس الفريابي يحزر فيه خمسة
عشر ألف محبرة ، وكان [ الواحد ] يحتاج أن يبيت في المجلس ليجد مع الغد موضعا .
قال أحمد بن كامل : كان الفريابي مأمونا موثوقا به . وقال القاضي أبو الوليد
الباجي : جعفر الفريابي ثقة متقن . قال الدارقطني : مات الفريابي في المحرم ، سنة
إحدى وثلاثمائة .
وقال أبو حفص بن شاهين : توفي ليلة الأربعاء في محرم ،
وهو ابن أربع وتسعين سنة .
قال : وكان قد حفر لنفسه قبرا في مقابر أبي أيوب ، قبل
موته بخمس سنين ، ولم يقض أن يدفن فيه
.
قال إسماعيل الخطبي : مات لخمس خلون من المحرم .
وأما عيسى الرخجي فقال : مات لأربع بقين من المحرم . ثم
قال أبو بكر الخطيب : قول عيسى هو الصحيح . كذلك ذكر غير واحد . [ ص: 101 ] وفيها
مات أحمد بن الجعد الوشاء البغدادي
.
والحافظ أبو بكر أحمد بن هارون البرديجي .
والحافظ إبراهيم بن يوسف الهسنجاني . والحافظ بكر بن
أحمد بن مقبل البصري .
ومقرئ بغداد الحسن بن الحباب .
والمحدث أبو معشر الحسن بن سليمان الدارمي .
والحافظ أبو علي الحسين بن إدريس الهروي .
والحافظ عبد الله بن محمد بن ناجية البربري ببغداد .
وشيخ الحرم عمرو بن عثمان المكي الزاهد .
وزاهد دمشق أبو بكر محمد بن أحمد بن سيد حمدويه . ومسند
العراق أبو بكر محمد بن حبان -بضم الحاء- الباهلي .
مشيخة على المعجم للفريابي ، التقطهم شيخنا المزي
إبراهيم بن الحجاج السامي ، إبراهيم بن سعيد الجوهري ، إبراهيم بن عبد الله الهروي
، إبراهيم بن عبد الله المروزي الخلال ، إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ،
إبراهيم بن عبد الرحيم بن دنوقا ، إبراهيم بن العلاء الزبيدي ، إبراهيم بن محمد بن
يوسف الفريابي ، إبراهيم بن المنذر الحزامي ، إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني ،
أحمد بن إبراهيم الدورقي ، أحمد بن أبي بكر : أبو مصعب ، أحمد بن أبي الحواري
الزاهد ، أحمد بن خالد الخلال : بغدادي ، أحمد بن عبدة الضبي ، أحمد بن أبي العتكي
[ ص: 102 ] السمرقندي ، أحمد بن عيسى المصري ، أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي ،
أحمد بن الفرات الرازي ، أحمد بن منصور الرمادي ، أحمد بن منيع البغوي ، أحمد بن
الهيثم ، إسحاق بن إبراهيم بن حبيب ، إسحاق بن بهلول الأنباري ، إسحاق بن راهويه
الحافظ ، إسحاق بن الحسن الحربي ، إسحاق بن سيار النصيبي ، إسحاق بن منصور الكوسج
، إسحاق بن موسى الخطمي ، إسماعيل بن سيف الرياحي ، إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة
، أمية بن بسطام العيشي . بشر بن هلال ، بكر بن خلف أبو بشر . تميم بن المنتصر .
حبان بن موسى المروزي ، حجاج بن الشاعر ، الحسن بن سهل الخياط ، الحسن بن الصباح البزار
، الحسن بن علي الحلواني ، الحسين بن عبد الرحمن أبو علي ، الحسين بن عيسى القومسي
، الحكم بن موسى البغدادي ، حكيم بن سيف ، حميد بن مسعدة السامي ، حنبل بن إسحاق .
خلف بن محمد الواسطي . داود بن مخراق الفريابي . رجاء بن محمد السقطي ، روح بن الفرج
أبو الزنباع ، رياح بن الفرج الدمشقي
. زكريا بن يحيى البلخي ، زيد بن أخزم ، أبو خيثمة زهير
بن حرب ، زياد بن يحيى الحساني . سريج بن يونس العابد ، سعيد بن يعقوب الطالقاني ،
سلام بن محمد المقدسي ، سلمة بن شبيب ، سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب ، سويد بن [ ص: 103 ] سعيد
الحدثاني ، سليمان بن معبد السنجي . شيبان بن فروخ الأبلي . صفوان بن صالح المؤذن . طاهر بن خالد
بن نزار الأيلي . عاصم بن النضر الأحول ، العباس بن عبد العظيم العنبري ، العباس
بن محمد الدوري ، العباس بن الوليد بن مزيد ، العباس بن الوليد النرسي ، عبد الله
بن جعفر البرمكي ، عبد الله بن أبي زياد القطواني ، عبد الله بن عبد الجبار الحمصي
، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ، عبد الله بن
عمرو بن أبي سعد الوراق ، عبد الله بن أبي شيبة أبو بكر ، عبد الله بن محمد النفيلي
أبو جعفر عبد الله بن محمد بن خلاد ، عبد الله بن محمد بن وهب ، عبد الأعلى بن
حماد النرسي ، عبد الحميد بن بيان ، عبد الحميد بن حبيب الفريابي ، عبد الرحمن بن
إبراهيم دحيم ، عبد الرحمن بن صالح الأزدي . عبد السلام بن عبد الحميد بحران ، عبد
العزيز بن أبي يحيى الحراني ، عبد الملك بن حبيب المصيصي ، عبد الواحد بن غياث .
عبيد الله بن سعيد أبو قدامة ، عبيد الله بن عمر القواريري ، عبيد الله بن معاذ ،
عبيد بن هشام أبو نعيم ، عثمان بن أبي شيبة ، عصام بن الحسين الجوزجاني ، عقبة بن
مكرم العمي ، عقبة بن مكرم الضبي . علي بن حكيم الأودي ، علي بن حكيم السمرقندي ،
علي بن سهل بن المغيرة ، علي بن عبد الله بن المديني ، علي بن ميمون الرقي ، علي بن
نصر الجهضمي ، عمرو بن شبة ، عمرو بن زرارة النيسابوري ، عمرو بن عبدوس الإسكندراني
، عمرو بن عثمان الحمصي ، عمرو بن علي الفلاس ، عمرو بن محمد الناقد ، عمرو بن [
ص: 104 ] هشام الحراني ، عنبسة بن سعيد الشاشي أبو المنذر ، عيسى بن محمد أبو عمير
الرملي . الفضل بن سهل ، الفضل بن مقاتل البلخي ، فضيل أبو كامل الجحدري . القاسم
بن محمد بن أبي شيبة ، قتيبة بن سعيد . محمد بن آدم المصيصي ، محمد بن أحمد بن
الجنيد ، محمد بن إدريس أبو حاتم ، محمد بن إسحاق أبو بكر الصغاني ، محمد بن إسحاق
الرافعي ، محمد بن إسماعيل الترمذي ، محمد بن بشار بندار ، محمد بن بكار العيشي ،
محمد بن أبي بكر المقدمي ، محمد بن حاتم بطرسوس ، محمد بن حرب النشائي ، محمد بن
الحسن البلخي ، محمد بن حميد الرازي ، محمد بن خلاد الباهلي ، محمد بن أبي السري العسقلاني
، محمد بن سلام الجمحي ، محمد بن سماعة الرملي ، محمد بن صالح كعب الذارع . محمد
بن الصباح الجرجرائي ، محمد بن عباد المكي ، محمد بن عبادة الواسطي ، محمد بن عبد
الله بن بكار البسري ، محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، محمد بن عائذ الدمشقي ،
محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، محمد بن عبد الملك
بن أبي الشوارب . محمد بن عبيد بن حساب ، محمد بن أبي عتاب الأعين ، محمد بن عثمان
العثماني ، محمد بن عزيز الأيلي ، محمد بن العلاء أبو كريب ، محمد بن عوف الطائي ،
محمد بن فرقد الجزري ، محمد بن ماهان المصيصي ، محمد بن المثنى الزمن ، محمد بن مجاهد
، محمد بن مصفى الحمصي ، محمد بن مهدي الأيلي ، محمد بن وزير الواسطي ، محمد بن
يحيى العدني ، محمود بن غيلان ، مزاحم بن سعيد المروزي ، المسيب بن واضح ، مطلب [
ص: 105 ] بن شعبة المصري ، معلى بن مهدي الموصلي ، المغيرة بن معمر ، منجاب بن
الحارث التميمي ، موسى بن عبد الرحمن القلاء ، موسى بن السندي ، موسى بن حيان ،
ميمون بن أصبغ . نافع بن خالد الطاحي ، نصر بن عاصم ، نصر بن علي الجهضمي . هارون
بن إسحاق ، هارون بن عبد الله الحمال ، هدبة بن خالد القيسي ، هدية بن عبد الوهاب
، هريم بن مسعر الترمذي ، هشام بن خالد الأزرق ، هشام بن عبد الملك أبو تقي ، هشام
بن عمار ، هناد بن السري ، الهيثم بن أيوب الطالقاني . الوليد بن شجاع أبو همام ،
الوليد بن عتبة الدمشقي ، الوليد بن عبد الملك بن مسرح ، وهب بن بقية . أبو سلمة يحيى
بن خلف ، يحيى بن أيوب المقابري ، يحيى بن عمار المصيصي ، يزيد بن خالد بن موهب ،
يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، يعقوب بن حميد بن كاسب ، يوسف بن الفرح الكشي ، يونس
بن حبيب الأصبهاني ، أبو بكر بن أبي النضر ، الفريابي : هو عبد الله بن محمد بن
يوسف .
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق الهمذاني : أخبركم
الفتح بن عبد الله بن محمد الكاتب ببغداد ، أخبرنا القاضي محمد بن عمر الأرموي ،
وأبو غالب محمد بن علي ، ومحمد بن أحمد الطرائفي ، قالوا : أخبرنا أبو جعفر محمد
بن أحمد بن المسلمة ، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري [ ص: 106 ] سنة ثمانين
وثلاثمائة ، حدثنا جعفر بن محمد سنة ثمان وتسعين ومائتين ، حدثنا هدبة بن خالد ،
حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس ، عن أبي موسى : أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة أخرجه البخاري ومسلم ، عن
هدبة بتمامه .
فصل
وفي العلماء جماعة اسمهم جعفر بن محمد ، وقد مر جماعة
منهم ، وأجلهم : جعفر الصادق : كان كبير الشأن . وجعفر بن محمد بن عمران الثعلبي :
كوفي صدوق ، خرج له الترمذي ، من طبقة أبي كريب . وجعفر بن محمد بن فضيل الرسعني ،
شيخ ثقة ، من مشيخة الترمذي . وجعفر بن محمد بن الهذيل الكوفي القناد ، من شيوخ
النسائي . وجعفر بن محمد الباهلي : نزيل حران ، يروي عن أبي نعيم وطبقته . [ ص:
107 ] وجعفر بن محمد الواسطي الوراق ، يروي عن يعلى بن عبيد ، وعدة ، ثقة مجود ،
أخذ عنه إسماعيل الصفار ، والمحاملي . وجعفر بن محمد بن ربال : يروي عن سعيد بن
عامر الضبعي ، ثقة . وجعفر بن محمد القومسي : يروي عن عبيد الله بن موسى ، وعدة .
وجعفر بن محمد بن نوح : يروي عن محمد بن عيسى بن الطباع ، ثقة كبير ، نزل مرابطا
بأذنة ، حدث عنه البرديجي ، والأصم . وجعفر بن محمد السامري البزار : حدث عن أبي نعيم
، وقبيصة ، حدث عنه : ابن أبي حاتم ، وإسماعيل الصفار ، صدوق . وجعفر بن محمد بن
عروة النيسابوري : سمع حفص بن عبد الرحمن ، والجارود بن يزيد ، قديم الموت ، محله
الصدق . وجعفر بن محمد بن القعقاع ببغداد ، عن سعيد بن منصور ، وطبقته . وجعفر بن
محمد بن عبيد الله بن المنادي : عن عاصم بن علي وأقرانه ، روى عنه ولده أبو الحسين
أحمد بن جعفر بن المنادي ، وغيره
. وجعفر بن محمد بن شاكر البغدادي الصائغ ، العبد الصالح
: سمع أبا نعيم ، وعفان . ثقة متقن شهير ، عواليه في الغيلانيات . [ ص: 108 ]
وجعفر بن محمد بن الحسن ، أبو يحيى الزعفراني ، الرازي : حدث عن إبراهيم بن موسى
الفراء وطبقته ، ثقة مفسر ، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين . وجعفر بن محمد بن الحجاج
الرقي القطان : عن عبد الله بن جعفر ، وثق . وجعفر بن محمد بن حماد ، أبو الفضل
الرملي القلانسي ، عن عفان وآدم . لقيه الطبراني وخيثمة . صدوق عابد ، كبير القدر
. وجعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي : حافظ نبيل ، يكنى أبا الفضل ،
عن عفان ، وعارم ، وطبقتهما ، روى عنه أبو بكر الشافعي . وجعفر بن محمد الخندقي
الخباز : يروي عن خالد بن خداش ، وطبقته . وجعفر بن محمد بن حرب العباداني : عن
سليمان بن حرب وطبقته ، حدث عنه جعفر الخلدي ، والطبراني . وجعفر بن محمد بن كزال
السمسار : عن عفان ، وسعدويه ، روى عنه أبو بكر الشافعي ، والطستي ، ليس بمتقن ،
يكتب حديثه . وجعفر بن محمد بن بكر البالسي : سمع النفيلي ، والحكم بن موسى .
وجعفر بن محمد بن هاشم المؤدب ، عن عفان ، لحقه الطستي . وجعفر بن محمد البلخي
المؤدب الوراق : عن سهل بن عثمان ، وابن حميد . [ ص: 109 ] وجعفر بن محمد
المصري بن الحمار : يروي عن يحيى بن بكير ، وغيره . وجعفر بن محمد بن عرفة المعدل : بغدادي ، من
مشيخة عبد الصمد الطستي . وجعفر بن محمد بن شريك : أصبهاني ، عن لوين . وعنه : أبو
الشيخ ، والعسال . وجعفر بن محمد بن عمران بن بريق المخرمي : عن خلف البزار ، وعنه
: الطبراني ، وغيره . وجعفر بن محمد بن يمان المؤدب : عن أبي الوليد الطيالسي .
وعنه الشافعي . وجعفر بن محمد الخياط : صاحب أبي ثور ، روي عنه عثمان بن السماك .
وجعفر بن محمد بن ماجد : بغدادي ، من شيوخ الطبراني ، لا أعرفه . وجعفر بن محمد بن
الفرات الكاتب : أخو الوزير الشهير . وجعفر بن محمد بن الأزهر : بغدادي ، عن
وهب بن بقية . وعنه : الإسماعيلي . وجعفر بن محمد بن يزدين ، أبو الفضل
السوسي : عن علي بن بحر القطان ، وسهل بن عثمان . وعنه : الحسن بن رشيق ،
والمصريون ، صدوق . [ ص: 110 ] وجعفر بن محمد بن الليث الزيادي : بصري ، عن مسلم بن
إبراهيم وطبقته ، تأخر حتى لقيه ابن عدي وأقرانه . وجعفر بن محمد بن عيسى القبوري : بغدادي ثقة ،
سمع سويد بن سعيد ، وعنه : الشافعي وأبو علي بن الصواف . وجعفر بن محمد بن علي ، أبو الفضل
الحميري الزاهد ، قاضي نسف . روى عن إسحاق بن راهويه وطائفة . ليس بمشهور . وجعفر
بن محمد بن عتيب ، أبو القاسم البغدادي السكري : حدث عن محمد بن معمر القيسي
وطبقته ، روى عنه ابن المظفر . وجعفر بن محمد بن يعقوب الأصبهاني ، التاجر الأعور
: عن ابن عرفة ، والزعفراني . وجعفر بن محمد بن سعيد البغدادي : سمع محمود بن خداش
. صدوق . وجعفر بن محمد بن العباس الكرخي : عن جبارة بن المغلس ، وطائفة ، حدث عنه ابن
عدي ، وعلي بن عمر الحربي ، وابن شاهين . وجعفر بن محمد بن أبي هريرة : مصري ، سمع
حرملة وغيره . وجعفر بن محمد بن بشار بن أبي العجوز : عن محمود بن خداش ، حدث عنه
: أبو الفضل الزهري ، وابن شاهين . وجعفر بن محمد بن يعقوب الصندلي الزاهد : عن
الزعفراني ، وعلي بن حرب . [ ص: 111 ] وجعفر بن محمد بن المغلس البغدادي ، عن :
حوثرة المنقري .
وخلق سوى هؤلاء من المتأخرين بهذا الاسم . ولكن جعفر بن
محمد الخراساني الذي هو الفريابي يشتبه بهؤلاء الثلاثة : جعفر بن محمد بن حسين بن
طغان ، أبو الفضل النيسابوري ، المعروف بالترك ثقة حافظ ثبت ، سمع من يحيى بن يحيى
، وابن راهويه ، والناس . وعنه : ابن الشرقي ، وأبو الفضل محمد بن إبراهيم ، مات سنة
خمس وتسعين ومائتين وجعفر بن محمد بن سوار النيسابوري الحافظ رحل وكتب عن قتيبة ،
وعمرو بن زرارة ، وأقرانهما ، كبير القدر ، فيجوز أن كل واحد من هذين الرجلين يكون
هو الذي روى عنه محمد بن يحيى الأزدي المذكور ، فإنهما وجعفر بن محمد الفريابي
طبقة واحدة .
ولنا : جعفر بن محمد بن موسى الحافظ ، أبو محمد ،
النيسابوري الأعرج ويقال له : جعفرك المفيد ، هو أصغر من الثلاثة ، يروي عن الحسن
بن عرفة ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، مات بحلب ، وروي عنه أبو بكر بن المقرئ .
عرض في كتاب سير
أعلام النبلاء
===================
أنواع المسرات
والنعيم في جنات الخلد »
نوع آخر من السماع أعلى من الذي قبله
.......
نوع آخر من السماع أعلى من الذي قبله
ذكر حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، وحجاج الأسود ، عن
شهر بن حوشب قال : إن الله ، عز وجل ، يقول لملائكته : إن عبادي كانوا يحبون
الصوت الحسن في الدنيا ، ويدعونه من أجلي ، فأسمعوا عبادي ، فيأخذون [ ص: 395 ]
بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثلها قط .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني داود بن عمرو الضبي ، حدثنا عبد
الله بن المبارك ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن المنكدر قال : إذا كان يوم القيامة
نادى مناد : أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ، ومزامير
الشيطان ، أسكنوهم رياض المسك . ثم يقول للملائكة : أسمعوهم تمجيدي وتحميدي ،
وأخبروهم أن لا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثني دهثم بن الفضل القرشي ،
حدثنا رواد بن الجراح ، عن الأوزاعي قال : بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من
إسرافيل ، فيأمره الله فيأخذ في السماع ، فما يبقى ملك مقرب في السماوات إلا قطع
عليه صلاته ، فيمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ، فيقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي
، لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري .
وحدثني محمد بن الحسين ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر ،
حدثنا جعفر بن سليمان ، عن مالك بن دينار في قوله تعالى : وإن له عندنا لزلفى
وحسن مآب [ ص : 25 ] . قال : إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع ، فوضع
في الجنة ، [ ص: 396 ] ثم نودي : يا داود ، مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني
به في دار الدنيا . قال : فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة ، فذلك قوله تعالى : وإن له عندنا لزلفى
وحسن مآب .
......................
قوله تعالى
: وهل أتاك نبأ الخصم
إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على
بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون
نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى
نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات
وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن
له عندنا لزلفى وحسن مآب .
[ ص: 149 ] فيه أربع وعشرون مسألة .
الأولى : قوله تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم
إذ تسوروا المحراب الخصم يقع على الواحد
والاثنين والجماعة ; لأن أصله المصدر . قال الشاعر :
وخصم غضاب ينفضون لحاهم كنفض البراذين العراب المخاليا
النحاس :
ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به هاهنا ملكان .
وقيل : تسوروا ، وإن كان اثنين حملا على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعا له ،
مثل الركب والصحب . تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصم . ومعنى : تسوروا المحراب
أتوه من أعلى سوره . يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة ، وهو بغير
همز ، وكذلك السور جمع سورة ، مثل بسرة وبسر ، وهي كل منزلة من البناء . ومنه سورة
القرآن ; لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى . وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان
هذا . وقول النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب
يريد شرفا ومنزلة . فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام
في الإناء . ابن العربي : والسؤر الوليمة بالفارسي . وفي الحديث : أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب : إن جابرا قد صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم .
والمحراب هنا الغرفة ; لأنهم تسوروا عليه فيها ، قال يحيى بن سلام . وقال أبو
عبيدة : إنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد . وقد مضى القول فيه في غير موضع .
إذ دخلوا على داود جاءت إذ مرتين ، لأنهما فعلان . وزعم
الفراء : أن إحداهما بمعنى لما . وقول آخر : أن تكون الثانية مع ما بعدها تبيينا
لما قبلها . قيل : إنهما كانا إنسيين ، قاله النقاش . وقيل : ملكين ، قاله جماعة .
وعينهما جماعة فقالوا : إنهما جبريل وميكائيل . وقيل : ملكين في صورة إنسيين
بعثهما الله إليه في يوم عبادته . فمنعهما الحرس الدخول ، فتسوروا المحراب عليه ،
فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين ، وهو قوله تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم
إذ تسوروا المحراب أي : علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب ،
قاله سفيان الثوري وغيره . وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود - عليه السلام - حدث
نفسه إن ابتلي أن يعتصم . فقيل له : إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه ، فخذ حذرك .
فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر [ ص: 150 ] كأحسن
ما يكون من الطير ، فجعل يدرج بين يديه . فهم أن يتناوله بيده ، فاستدرج حتى وقع
في كوة المحراب ، فدنا منه ليأخذه فطار ، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل ،
فلما رأته غطت جسدها بشعرها . قال السدي : فوقعت في قلبه . قال ابن عباس : وكان
زوجها غازيا في سبيل الله وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل
زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا ،
فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود ، واشترطت عليه إن ولدت غلاما أن
يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتابا ، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بني إسرائيل
، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب ، وتسور الملكان ، وكان من شأنهما ما قص الله
في كتابه . ذكره الماوردي وغيره . ولا يصح . قال ابن العربي : وهو أمثل ما روي في
ذلك .
قلت : ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي الحكيم في نوادر
الأصول عن يزيد الرقاشي ، سمع أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يقول : إن داود النبي - عليه السلام - حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على
بني إسرائيل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال : إذا حضر العدو قرب فلانا وسماه ، قال
فقربه بين يدي التابوت - قال - وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به ، فمن
قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله ، فقدم فقتل
زوج المرأة ، ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة . وقال سعيد عن قتادة : كتب
إلى زوجها وذلك في حصار عمان مدينة بلقاء أن يأخذوا بحلقة الباب ، وفيه الموت
الأحمر ، فتقدم فقتل . وقال الثعلبي قال قوم من العلماء : إنما امتحن الله داود بالخطيئة
; لأنه تمنى يوما على ربه منزلة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأله أن يمتحنه نحو ما
امتحنهم ، ويعطيه نحو ما أعطاهم . وكان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام ، يوم يقضي
فيه بين الناس ، ويوم يخلو فيه بعبادة ربه ، ويوم يخلو فيه بنسائه وأشغاله . وكان
يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب . فقال : يا رب إن الخير كله قد
ذهب به آبائي ، فأوحى الله تعالى إليه : إنهم ابتلوا ببلايا لم يبتلى بها غيرهم
فصبروا عليها ، ابتلي إبراهيم بنمروذ وبالنار وبذبح ابنه ، وابتلي إسحاق بالذبح ،
وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف وذهاب بصره ، ولم تبتل أنت بشيء من [ ص: 151 ] ذلك .
فقال داود - عليه السلام - : فابتلني بمثل ما ابتليتهم ، وأعطني مثل ما أعطيتهم ، فأوحى
الله تعالى إليه : إنك مبتلى في شهر كذا في يوم الجمعة . فلما كان ذلك اليوم دخل
محرابه وأغلق بابه ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور . فبينا هو كذلك إذ مثل له الشيطان في
صورة حمامة من ذهب ، فيها من كل لون حسن ، فوقف بين رجليه ، فمد يده ليأخذها
فيدفعها لابن له صغير ، فطارت غير بعيد ولم تؤيسه من نفسها ، فامتد إليها ليأخذها
فتنحت ، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت ، ونظر داود يرتفع في
إثرها ليبعث إليها من يأخذها ، فنظر امرأة في بستان على شط بركة تغتسل ، قاله
الكلبي . وقال السدي : تغتسل عريانة على سطح لها ، فرأى أجمل النساء خلقا ، فأبصرت
ظله فنفضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده إعجابا بها . وكان زوجها أوريا بن حنان ، في
غزوة مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود ، فكتب داود إلى أيوب أن ابعث بأوريا إلى مكان
كذا وكذا ، وقدمه قبل التابوت ، وكان من قدم قبل التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه
حتى يفتح الله عليه أو يستشهد . فقدمه ففتح له ، فكتب إلى داود يخبره بذلك . قال
الكلبي : وكان أوريا سيف الله في أرضه في زمان داود ، وكان إذا ضرب ضربة وكبر كبر
جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، وكبرت ملائكة السماء بتكبيره حتى ينتهي ذلك
إلى العرش ، فتكبر ملائكة العرش بتكبيره . قال : وكان سيوف الله ثلاثة ، كالب بن
يوفنا في زمن موسى ، وأوريا في زمن داود ، وحمزة بن عبد المطلب في زمن رسول الله
صلى الله عليه وسلم . فلما كتب أيوب إلى داود يخبره أن الله قد فتح على أوريا كتب
داود إليه : أن ابعثه في بعث كذا وقدمه قبل التابوت ، ففتح الله عليه ، فقتل في الثالث
شهيدا . فتزوج داود تلك المرأة حين انقضت عدتها . فهي أم سليمان بن داود . وقيل :
سبب امتحان داود - عليه السلام - أن نفسه حدثته أنه يطيق قطع يوم بغير مقارفة شيء
. قال الحسن : إن داود جزأ الدهر أربعة أجزاء ، جزءا لنسائه ، وجزءا للعبادة ،
وجزءا لبني إسرائيل يذاكرونه ويذاكرهم ويبكونه ويبكيهم ، ويوما للقضاء . فتذاكروا
هل يمر على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر داود أنه يطيق ذلك ، فأغلق الباب
على نفسه يوم عبادته ، وأمر ألا يدخل عليه أحد ، وأكب على قراءة الزبور ، فوقعت
حمامة من ذهب بين يديه . وذكر نحو ما تقدم . قال علماؤنا : وفي هذا دليل وهي : الثانية
: على أنه ليس على الحاكم أن ينتصب للناس كل يوم ، وأنه ليس للإنسان أن يترك وطء نسائه
وإن كان مشغولا بالعبادة . وقد مضى هذا المعنى في [ النساء ] . وحكم كعب بذلك في
زمن عمر بمحضره - رضي الله عنهما . وقد قال - عليه السلام - لعبد الله بن عمرو : إن لزوجك [ ص:
152 ] عليك حقا . . . الحديث . وقال الحسن أيضا ومجاهد : إن داود - عليه السلام -
قال لبني إسرائيل حين استخلف : والله لأعدلن بينكم ، ولم يستثن فابتلي بهذا . وقال أبو بكر الوراق
: كان داود كثير العبادة ، فأعجب بعمله وقال : هل في الأرض أحد يعمل كعملي . فأرسل الله إليه
جبريل ، فقال : إن الله تعالى يقول لك : أعجبت بعبادتك ، والعجب يأكل العبادة كما
تأكل النار الحطب ، فإن أعجبت ثانية وكلتك إلى نفسك . قال : يا رب كلني إلى نفسي
سنة . قال : إن ذلك لكثير . قال : فشهرا . قال : إن ذلك لكثير . قال : فيوما .
قال : إن ذلك لكثير . قال : يا رب فكلني إلى نفسي ساعة . قال : فشأنك بها . فوكل
الأحراس ، ولبس الصوف ، ودخل المحراب ، ووضع الزبور بين يديه ، فبينما هو في
عبادته إذ وقع الطائر بين يديه ، فكان من أمر المرأة ما كان . وقال سفيان الثوري :
قال داود ذات يوم : يا رب ما من يوم إلا ومن آل داود لك فيه صائم ، وما من ليلة
إلا ومن آل داود لك فيها قائم . فأوحى الله إليه : يا داود منك ذلك أو مني ؟ وعزتي
لأكلنك إلى نفسك . قال : يا رب اعف عني . قال : أكلك إلى نفسك سنة . قال : لا بعزتك . قال
: فشهرا . قال : لا بعزتك . قال : فأسبوعا . قال : لا بعزتك . قال : فيوما . قال : لا بعزتك . قال :
فساعة . قال : لا بعزتك . قال :
فلحظة . فقال له الشيطان : وما قدر لحظة . قال : كلني
إلى نفسي لحظة . فوكله الله إلى نفسه لحظة . وقيل : له : هي في يوم كذا في وقت
كذا . فلما جاء ذلك اليوم جعله للعبادة ، ووكل الأحراس حول مكانه . قيل : أربعة
آلاف ، وقيل : ثلاثين ألفا أو ثلاثة وثلاثين ألفا . وخلا بعبادة ربه ، ونشر الزبور
بين يديه ، فجاءت الحمامة فوقعت له ، فكان من أمره في لحظته مع المرأة ما كان .
وأرسل الله - عز وجل - إليه الملكين بعد ولادة سليمان ، وضربا له المثل بالنعاج ،
فلما سمع المثل ذكر خطيئته فخر ساجدا أربعين ليلة على ما يأتي .
الثالثة : قوله تعالى : ففزع منهم لأنهما أتياه ليلا في غير وقت دخول الخصوم . وقيل : لدخولهم
عليه بغير إذنه . وقيل : لأنهم تسوروا عليه المحراب ولم يأتوه من الباب . قال
ابن العربي : وكان محراب داود - عليه السلام - من الامتناع بالارتفاع ، بحيث لا يرتقي إليه
آدمي بحيلة إلا أن يقيم إليه أياما أو أشهرا بحسب طاقته ، مع أعوان يكثر عددهم ،
وآلات جمة مختلفة الأنواع . ولو قلنا : إنه يوصل إليه من باب المحراب لما قال الله
تعالى مخبرا عن [ ص: 153 ] ذلك : تسوروا المحراب إذ لا يقال تسور المحراب والغرفة
لمن طلع إليها من درجها ، وجاءها من أسفلها إلا أن يكون ذلك مجازا ، وإذا شاهدت
الكوة التي يقال إنه دخل منها الخصمان علمت قطعا أنهما ملكان ; لأنها من العلو
بحيث لا ينالها إلا علوي . قال الثعلبي : وقد قيل : كان المتسوران أخوين من بني
إسرائيل لأب وأم . فلما قضى داود بينهما بقضية قال له ملك من الملائكة : فهلا قضيت
بذلك على نفسك يا داود . قال الثعلبي : والأول أحسن أنهما كانا ملكين نبها داود
على ما فعل .
قلت : وعلى هذا أكثر أهل التأويل . فإن قيل : كيف يجوز
أن يقول الملكان خصمان بغى بعضنا على بعض وذلك كذب ، والملائكة عن مثله منزهون . فالجواب عنه : أنه لا بد في
الكلام من تقدير ، فكأنهما قالا : قدرنا كأننا خصمان بغى بعضنا على بعض ، فاحكم
بيننا بالحق ، وعلى ذلك يحمل قولهما : إن هذا أخي له تسع
وتسعون نعجة لأن ذلك وإن كان بصورة الخبر
فالمراد إيراده على طريق التقدير لينبه داود على ما فعل ، والله أعلم .
الرابعة : إن قيل : لم فزع داود وهو نبي ، وقد قويت نفسه
بالنبوة ، واطمأنت بالوحي ، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات
، وكان من الشجاعة في غاية المكانة ؟ قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمنوا
القتل والأذية ، ومنهما كان يخاف . ألا ترى إلى موسى وهارون عليهما السلام كيف
قالا : إننا نخاف أن يفرط
علينا أو أن يطغى فقال الله - عز وجل - : لا
تخافا . وقالت الرسل للوط : لا تخف إنا رسل ربك لن يصلوا إليك وكذا قال الملكان هنا : لا تخف . قال محمد بن إسحاق : بعث الله إليه
ملكين يختصمان إليه وهو في محرابه - مثلا ضربه الله له ولأوريا ، فرآهما واقفين على
رأسه ، فقال : ما أدخلكما علي ؟ قالا : لا تخف خصمان بغى
بعضنا على بعض فجئناك لتقضي بيننا .
الخامسة : قال ابن العربي : فإن قيل كيف لم يأمر
بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما ، وهلا أدبهما وقد دخلا عليه بغير إذن ؟ فالجواب عليه
من أربعة أوجه : الأول : أنا لم نعلم كيفية شرعه في الحجاب والإذن ، فيكون الجواب بحسب
تلك الأحكام ، وقد كان ذلك في ابتداء شرعنا مهملا في هذه الأحكام ، حتى أوضحها
الله تعالى بالبيان . الثاني : أنا لو نزلنا الجواب على أحكام الحجاب ، لاحتمل أن
يكون الفزع الطارئ عليه أذهله عما كان يجب في ذلك [ ص: 154 ] له . الثالث : أنه أراد أن
يستوفي كلامهما الذي دخلا له حتى يعلم آخر الأمر منه ، ويرى هل يحتمل التقحم فيه
بغير إذن أم لا ؟ وهل يقترن بذلك عذر لهما أم لا يكون لهما عذر فيه ؟ فكان من آخر
الحال ما انكشف أنه بلاء ومحنة ، ومثل ضربه الله في القصة ، وأدب وقع على دعوى
العصمة . الرابع : أنه يحتمل أن يكون في مسجد ، ولا إذن في المسجد لأحد إذ لا حجر
فيه على أحد .
قلت : وقول خامس ذكره القشيري ، وهو أنهما قالا : لما لم
يأذن لنا الموكلون بالحجاب ، توصلنا إلى الدخول بالتسور ، وخفنا أن يتفاقم الأمر بيننا
. فقبل داود عذرهم ، وأصغى إلى قولهم .
السادسة : قوله تعالى : خصمان إن قيل : كيف قال : خصمان
وقبل هذا : إذ تسوروا المحراب فقيل : لأن الاثنين جمع ، قال الخليل : كما تقول نحن فعلنا إذا كنتما
اثنين . وقال الكسائي : جمع لما كان خبرا ، فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة ، خبر
الاثنان عن أنفسهما فقالا خصمان . وقال الزجاج : المعنى نحن خصمان . وقال غيره :
القول محذوف ، أي : يقول : خصمان بغى بعضنا على
بعض قال الكسائي : ولو كان بغى بعضهما على
بعض ، لجاز . الماوردي : وكانا ملكين ، ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يتأتى
منهما كذب ، وتقدير كلامهما ما تقول : إن أتاك خصمان قالا بغى بعضنا على بعض .
وقيل : أي : نحن فريقان من الخصوم بغى بعضنا على بعض . وعلى هذا يحتمل أن تكون
الخصومة بين اثنين ومع كل واحد جمع . ويحتمل أن يكون لكل واحد من هذا الفريق خصومة
مع كل واحد من الفريق الآخر ، فحضروا الخصومات ولكن ابتدأ منهم اثنان ، فعرف داود
بذكر النكاح القصة . وأغنى ذلك عن التعرض للخصومات الأخر . والبغي التعدي والخروج
عن الواجب . يقال : بغى الجرح إذا أفرط وجعه وترامى ، إلى ما يفحش ، ومنه بغت
المرأة إذا أتت الفاحشة .
السابعة : قوله تعالى : فاحكم بيننا بالحق
ولا تشطط أي لا تجر ، قاله السدي . وحكى أبو
عبيد : شططت عليه وأشططت أي : جرت . وفي حديث تميم الداري : ( إنك لشاطي ) أي :
جائر علي في الحكم . وقال قتادة
: لا تمل . الأخفش : لا تسرف . وقيل : لا تفرط . والمعنى
متقارب . والأصل فيه البعد ، من شطت الدار أي : بعدت ، شطت الدار تشط وتشط شطا
وشطوطا بعدت . وأشط في القضية أي : جار ، وأشط في السوم واشتط أي : أبعد ،
وأشطوا في طلبي أي : أمعنوا . قال أبو عمرو : الشطط مجاوزة القدر في كل شيء . وفي
[ ص: 155 ] الحديث : لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط أي : لا نقصان ولا زيادة . وفي التنزيل : لقد قلنا إذا شططا أي جورا من القول وبعدا عن الحق .
واهدنا إلى سواء
الصراط أي أرشدنا إلى قصد السبيل .
الثامنة : قوله تعالى : إن هذا أخي له تسع
وتسعون نعجة أي قال الملك الذي تكلم عن أوريا
إن هذا أخي أي : على ديني ، وأشار إلى المدعى عليه . وقيل : أخي أي : صاحبي . له تسع وتسعون نعجة وقرأ الحسن : " تسع وتسعون نعجة " بفتح التاء فيهما
، وهي لغة شاذة ، وهي الصحيحة من قراءة الحسن ، قال النحاس . والعرب تكني عن
المرأة بالنعجة والشاة ، لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب . وقد يكنى
عنها بالبقرة والحجرة والناقة ; لأن الكل مركوب . قال ابن عون :
أنا أبوهن ثلاث هنه رابعة في البيت صغراهنه
ونعجتي خمسا توفيهنه ألا فتى سمح يغذيهنه
طي النقا في الجوع يطويهنه ويل الرغيف ويله منهنه
وقال عنترة
:
يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرم
فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي فتجسسي أخبارها لي واعلمي
قالت رأيت من الأعادي غرة والشاة ممكنة لمن هو مرتم
فكأنما التفتت بجيد جداية رشأ من الغزلان حر أرثم
وقال آخر
:
فرميت غفلة عينه عن شاته فأصبت حبة قلبها وطحالها
وهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء . قال
الحسين بن الفضل : هذا من الملكين تعريض وتنبيه ، كقولهم : ضرب زيد عمرا ، وما
كان ضرب ولا نعاج على التحقيق ، كأنه قال : نحن خصمان هذه حالنا . قال أبو جعفر
النحاس : وأحسن ما قيل في هذا أن [ ص: 156 ] المعنى : يقول : خصمان بغى بعضنا على بعض
على جهة المسألة ، كما تقول : رجل يقول لامرأته كذا ، ما يجب عليه ؟ .
قلت : وقد تأول المزني صاحب الشافعي هذه الآية ، وقوله -
صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن شهاب الذي خرجه الموطأ وغيره : هو لك يا عبد بن
زمعة على نحو هذا ، قال المزني : يحتمل هذا الحديث عندي - والله أعلم - أن يكون النبي
- صلى الله عليه وسلم - أجاب عن المسألة فأعلمهم بالحكم أن هذا يكون إذا ادعى صاحب
فراش وصاحب زنى ، لا أنه قبل على عتبة قول أخيه سعد ، ولا على زمعة قول ابنه : إنه
ولد زنى ، لأن كل واحد منهما أخبر عن غيره . وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار
أحد على غيره . وقد ذكر الله سبحانه في كتابه مثل ذلك في قصة داود والملائكة ، إذ
دخلوا عليه ففزع منهم ، قالوا :
لا تخف خصمان ولم يكونوا خصمين ، ولا كان لواحد منهم تسع
وتسعون نعجة ، ولكنهم كلموه على المسألة ليعرف بها ما أرادوا تعريفه . فيحتمل أن
يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم في هذه القصة على المسألة ، وإن لم يكن أحد
يؤنسني على هذا التأويل في الحديث ، فإنه عندي صحيح . والله أعلم .
التاسعة : قال النحاس : وفي قراءة ابن مسعود " إن
هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى " و " كان " هنا مثل قوله -
عز وجل - : وكان الله غفورا رحيما فأما قوله : " أنثى " فهو تأكيد ، كما
يقال : هو رجل ذكر وهو تأكيد . وقيل : لما كان يقال هذه مائة نعجة ، وإن كان فيها من الذكور
شيء يسير ، جاز أن يقال : أنثى ليعلم أنه لا ذكر فيها . وفي التفسير : له تسع
وتسعون امرأة . قال ابن العربي : إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه ، وإن كن إماء فذلك
شرعنا . والظاهر أن شرع من تقدم قبلنا لم يكن محصورا بعدد ، وإنما الحصر في شريعة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لضعف الأبدان وقلة الأعمار . وقال القشيري : ويجوز أن يقال : لم
يكن له هذا العدد بعينه ، ولكن المقصود ضرب مثل ، كما تقول : لو جئتني مائة مرة لم
أقض حاجتك ، أي : مرارا كثيرة .
قال ابن العربي : قال بعض المفسرين : لم يكن لداود مائة
امرأة ، وإنما ذكر [ ص: 157 ] التسعة والتسعين مثلا ، المعنى : هذا غني عن الزوجة
وأنا مفتقر إليها . وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : أن العدول عن الظاهر بغير دليل
، لا معنى له ، ولا دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في
شرعنا . الثاني : أنه روى البخاري وغيره أن سليمان قال : لأطوفن الليلة على مائة
امرأة تلد كل أمرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ، ونسي أن يقول إن شاء الله وهذا نص
العاشرة : قوله تعالى : ولي نعجة واحدة أي امرأة واحدة
فقال أكفلنيها أي انزل لي عنها حتى أكفلها . وقال ابن عباس : أعطنيها . وعنه
: تحول لي عنها . وقال ابن مسعود . وقال أبو العالية : ضمها إلي حتى أكفلها .
وقال ابن كيسان : اجعلها كفلي ونصيبي
.
وعزني في الخطاب أي غلبني . قال الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان
أبطش مني . يقال : عزه يعزه بضم العين في المستقبل عزا غلبه . وفي المثل : من عز بز ،
أي : من غلب سلب . والاسم العزة وهي القوة والغلبة . قال الشاعر :
قطاة عزها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
وقرأ عبد الله بن مسعود وعبيد بن عمير : " وعازني
في الخطاب " أي : غالبني ، من المعازة وهي المغالبة ، عازه أي : غالبه . قال
ابن العربي : واختلف في سبب الغلبة ، فقيل : معناه غلبني ببيانه . وقيل : غلبني
بسلطانه ; لأنه لما سأله لم يستطع خلافه . كان ببلادنا أمير يقال له : سير بن أبي
بكر فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان للحاجة
غصب لها . فقلت : أما إذا كان عدلا فلا . فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به وفطنته
، كما عجب من جوابي له واستغربه
.
الحادية عشرة : قوله تعالى : قال لقد ظلمك بسؤال
نعجتك إلى نعاجه قال [ ص: 158 ] النحاس : فيقال إن هذه كانت
خطيئة داود عليه السلام ; لأنه قال :
" لقد ظلمك " من غير تثبت ببينة ، ولا إقرار
من الخصم ، هل كان هذا كذا أو لم يكن . فهذا قول .
وسيأتي بيانه في المسألة بعد هذا ، وهو حسن إن شاء الله
تعالى . وقال أبو جعفر النحاس : فأما قول العلماء الذين لا يدفع قولهم ، منهم عبد
الله بن مسعود وابن عباس ، فإنهم قالوا : ما زاد داود صلى الله على نبينا وعليه
على أن قال للرجل انزل لي عن امرأتك . قال أبو جعفر : فعاتبه الله - عز وجل - على ذلك ونبهه
عليه ، وليس هذا بكبير من المعاصي ، ومن تخطى إلى غير هذا فإنما يأتي بما لا يصح
عن عالم ، ويلحقه فيه إثم عظيم . كذا قال : في كتاب إعراب القرآن . وقال : في كتاب
معاني القرآن له بمثله . قال - رضي الله عنه - : قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود -
عليه السلام - وأوريا ، وأكثرها لا يصح ولا يتصل إسناده ، ولا ينبغي أن يجترأ على
مثلها إلا بعد المعرفة بصحتها . وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد الله بن
مسعود قال : ما زاد داود - عليه السلام - على أن قال : أكفلنيها أي : انزل لي عنها . وروى
المنهال عن سعيد بن جبير قال : ما زاد داود - صلى الله عليه وسلم - على أن قال :
أكفلنيها أي : تحول لي عنها وضمها إلي . قال أبو جعفر : فهذا أجل ما روي في هذا ،
والمعنى عليه أن داود - عليه السلام - سأل أوريا أن يطلق امرأته ، كما يسأل الرجل
الرجل أن يبيعه جاريته ، فنبهه الله - عز وجل - على ذلك ، وعاتبه لما كان نبيا
وكان له تسع وتسعون ، أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا بالتزيد منها ، فأما غير هذا فلا
ينبغي الاجتراء عليه . قال ابن العربي : وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم
زوجها للقتل في سبيل الله فهذا باطل قطعا ، فإن داود - صلى الله عليه وسلم - لم
يكن ليريق دمه في غرض نفسه ، وإنما كان من الأمر أن داود قال لبعض أصحابه : انزل
لي عن أهلك ، وعزم عليه في ذلك ، كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة برغبة صادقة ،
كانت في الأهل أو في المال . وقد قال سعد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف حين آخى
رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- بينهما : إن لي زوجتين أنزل لك عن أحسنهما ، فقال له :
بارك الله لك في أهلك . وما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبه ، وليس في القرآن أن ذلك
كان ، ولا أنه تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها ، ولا ولادتها لسليمان ، فعمن يروى
هذا ويسند ؟ ! وعلى من في نقله يعتمد ، وليس يأثره عن الثقات الأثبات أحد . أما أن في سورة
[ الأحزاب ] نكتة تدل على أن داود قد صارت له المرأة زوجة ، وذلك [ ص: 159 ] قوله : ما كان على النبي من
حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل يعني في أحد الأقوال : تزويج داود المرأة التي نظر إليها ، كما تزوج النبي - صلى الله عليه
وسلم - زينب بنت جحش ، إلا أن تزويج زينب كان من غير سؤال الزوج في فراق ، بل أمره
بالتمسك بزوجته ، وكان تزويج داود للمرأة بسؤال زوجها فراقها . فكانت هذه المنقبة
لمحمد - صلى الله عليه وسلم - على داود مضافة إلى مناقبه العلية صلى الله عليه
وسلم . ولكن قد قيل : إن معنى سنة الله في الذين خلوا من
قبل تزويج الأنبياء بغير صداق من وهبت نفسها لهم من
النساء بغير صداق . وقيل : أراد بقوله : سنة الله في الذين
خلوا من قبل أن الأنبياء صلوات الله عليهم
فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره . وهذا أصح الأقوال . وقد روى المفسرون أن
داود - عليه السلام - نكح مائة امرأة ، وهذا نص القرآن . وروي أن سليمان كانت له
ثلاثمائة امرأة وسبعمائة جارية ، وربك أعلم . وذكر الكيا الطبري في أحكامه في قول
الله - عز وجل - : وهل أتاك نبأ الخصم
إذ تسوروا المحراب الآية : ذكر المحققون
الذين يرون تنزيه الأنبياء عليهم السلام عن الكبائر ، أن داود - عليه السلام - كان
قد أقدم على خطبة امرأة قد خطبها غيره ، يقال : هو أوريا ، فمال القوم إلى تزويجها من
داود راغبين فيه ، وزاهدين في الخاطب الأول ، ولم يكن بذلك داود عارفا ، وقد كان
يمكنه أن يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة ، وعن الخطبة بها ، فلم يفعل ذلك ، من حيث
أعجب بها إما وصفا أو مشاهدة على غير تعمد ، وقد كان لداود - عليه السلام - من
النساء العدد الكثير ، وذلك الخاطب لا امرأة له ، فنبهه الله تعالى على ما فعل بما
كان من تسور الملكين ، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض ، لكي يفهم من ذلك
موقع العتب فيعدل عن هذه الطريقة ، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة .
الثانية عشرة : قوله تعالى : قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك
إلى نعاجه فيه الفتوى في النازلة بعد السماع
من أحد الخصمين ، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر هذا القول . قال ابن العربي : وهذا
مما لا يجوز عند أحد ، ولا في ملة من الملل ، ولا يمكن ذلك للبشر . وإنما تقدير
الكلام : أن أحد الخصمين ادعى والآخر سلم في الدعوى ، فوقعت بعد ذلك الفتوى . وقد
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى
تسمع من الآخر وقيل : إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك . وقيل : تقديره : لقد ظلمك إن كان
كذلك . والله أعلم بتعيين ما يمكن من هذه الوجوه .
[ ص: 160 ] قلت : ذكر هذين الوجهين القشيري والماوردي
وغيرهما . قال القشيري : وقوله
: لقد ظلمك بسؤال
نعجتك من غير أن يسمع كلام الخصم مشكل ،
فيمكن أن يقال : إنما قال هذا بعد مراجعة الخصم الآخر وبعد اعترافه . وقد روي هذا
وإن لم تثبت روايته ، فهذا معلوم من قرائن الحال ، أو أراد لقد ظلمك إن كان الأمر
على ما تقول ، فسكته بهذا وصبره إلى أن يسأل خصمه . قال ويحتمل أن يقال : كان من
شرعهم التعويل على قول المدعي عند سكوت المدعى عليه ، إذا لم يظهر منه إنكار
بالقول . وقال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : ومما جاء في شكر
النعمة المنتظرة إذا حضرت ، أو كانت خافية فظهرت : السجود لله عز وجل . قال : والأصل في ذلك
قوله - عز وجل - : وهل أتاك نبأ الخصم إلى قوله : وحسن مآب . أخبر الله - عز
وجل - عن داود - عليه السلام - : أنه سمع قول المتظلم من الخصمين ، ولم يخبر عنه
أنه سأل الآخر ، إنما حكى أنه ظلمه ، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل
الضعف والهضيمة ، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول ، ودعاه ذلك إلى ألا يسأل
الخصم ، فقال له مستعجلا : لقد ظلمك مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول : كانت لي
مائة نعجة ولا شيء لهذا ، فسرق مني هذه النعجة ، فلما وجدتها عنده قلت له ارددها ،
وما قلت له أكفلنيها ، وعلم أني مرافعه إليك ، فجرني قبل أن أجره ، وجاءك متظلما
من قبل أن أحضره ، لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم . ولما تكلم داود بما حملته
العجلة عليه ، علم أن الله - عز وجل - خلاه ونفسه في ذلك الوقت ، وهو الفتنة التي ذكرناها
، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه ، فاستغفر ربه وخر راكعا لله تعالى شكرا على أن
عصمه ، بأن اقتصر على تظليم المشكو ، ولم يزده على ذلك شيئا من انتهار أو ضرب أو
غيرهما ، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم ، فغفر الله له ثم أقبل عليه يعاتبه
، فقال : ياداود إنا جعلناك
خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله فبان بما قصه الله تعالى من هذه الموعظة ، التي توخاه بها بعد
المغفرة ، أن خطيئته إنما كانت التقصير في الحكم ، والمبادرة إلى تظليم من لم يثبت
عنده ظلمه . ثم جاء عن ابن عباس أنه قال : سجدها داود شكرا ، وسجدها النبي - صلى الله
عليه وسلم - اتباعا ، فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن الأنبياء صلوات الله
عليهم . بسؤال نعجتك أي : بسؤاله نعجتك ، فأضاف المصدر إلى المفعول ، وألقى الهاء
من السؤال ، وهو كقوله تعالى : لا يسأم الإنسان من
دعاء الخير أي من دعائه الخير .
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة ص »
قوله تعالى وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ
دخلوا على داود ففزع منهم
===========
نوع آخر أعلى مما عداه
وهو سماعهم كلام الرب ، عز وجل ، إذا خاطبهم في المجامع
التي يجتمعون فيها بين يديه سبحانه ، فيخاطب كل واحد منهم ، ويذكرهم بأعماله التي
سلفت منه في الدنيا ، وكذلك إذا تجلى لهم جهرة ، فسلم عليهم ، وقد ذكرنا ذلك عند قوله
تعالى : سلام قولا من رب
رحيم [ يس : 58 ] . وقد سبق حديث جابر في ذلك ، وهو في " سنن ابن ماجه
" ، وغيره .
وقد ذكر أبو الشيخ الأصبهاني ، من طريق صالح بن حيان ،
عن عبد الله بن بريدة قال : إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار ، جل جلاله ،
فيقرأ عليهم القرآن ، وقد جلس كل امرئ مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت
والزبرجد والذهب والزمرد ، فلم تقر أعينهم بشيء ، ولم يسمعوا شيئا قط أعظم ولا
أحسن منه ، ثم ينصرفون إلى رحالهم بأعين قريرة ، وأعينهم [ ص: 397 ] إلى مثلها من الغد متطلعة .
وروى أبو نعيم ، من حديث شبان بن جسر بن فرقد السبخي ،
عن أبيه ، عن الحسن ، عن أبي برزة الأسلمي مرفوعا : إن أهل الجنة ليغدون في حلة ، ويروحون
في حلة أخرى كغدو أحدكم ورواحه إلى ملك من ملوك الدنيا ، كذلك يغدون ويروحون إلى
ربهم ، عز وجل ، وذلك لهم بمقادير ، ومعالم يعلمون تلك الساعة التي يأتون فيها
ربهم ، عز وجل .
.....................
قوله تعالى
: إن أصحاب الجنة
اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال
على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم
ما يدعون سلام قولا من رب
رحيم وامتازوا اليوم أيها
المجرمون
قوله تعالى
: إن أصحاب الجنة
اليوم في شغل فاكهون قال ابن مسعود وابن عباس
وقتادة ومجاهد : شغلهم افتضاض العذارى . وذكر الترمذي الحكيم في كتاب مشكل القرآن
له : حدثنا محمد بن حميد الرازي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن
عطية ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : إن أصحاب الجنة
اليوم في شغل فاكهون قال : شغلهم افتضاض
العذارى . حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا هارون بن المغيرة ، عن نهشل ، عن الضحاك ،
عن ابن عباس بمثله . وقال أبو قلابة : بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له
: تحول إلى أهلك ، فيقول : أنا مع أهلي مشغول ، فيقال : تحول أيضا إلى أهلك . وقيل
: أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الاهتمام بأهل المعاصي
ومصيرهم إلى النار ، وما هم فيه من أليم العذاب ، وإن كان فيهم أقرباؤهم وأهلوهم ،
قاله سعيد بن المسيب وغيره . وقال وكيع : يعني في السماع . وقال ابن كيسان :
" في شغل " أي : في زيارة بعضهم بعضا . وقيل : في ضيافة الله تعالى . وروي
أنه إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب
؟ فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدري ، ركبانا على نجب من نور ، أزمتها من
الياقوت ، تطير بهم على رءوس الخلائق ، حتى يقوموا بين يدي العرش ، فيقول الله -
جل وعز - لهم : السلام على عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ، أنا اصطفيتكم
وأنا أجتبيتكم وأنا اخترتكم ، اذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب ف لا خوف عليكم
اليوم ولا أنتم تحزنون . فيمرون على الصراط [ ص: 42 ] كالبرق الخاطف فتفتح لهم
أبوابها . ثم إن الخلق في المحشر موقوفون فيقول بعضهم لبعض : يا قوم أين فلان
وفلان ؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضا فينادي مناد إن أصحاب الجنة اليوم في شغل
فاكهون . و " شغل " و " شغل " لغتان قرئ بهما ، مثل
الرعب والرعب ، والسحت والسحت ، وقد تقدم . " فاكهون " قال الحسن :
مسرورون . وقال ابن عباس : فرحون
. مجاهد والضحاك : معجبون . السدي : ناعمون . والمعنى
متقارب . والفكاهة المزاح والكلام الطيب . وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج : "
فكهون " بغير ألف ، وهما لغتان كالفاره والفره ، والحاذر والحذر ، قاله
الفراء . وقال الكسائي وأبو عبيدة : الفاكه ذو الفاكهة ، مثل شاحم ولاحم وتامر
ولابن ، والفكه : المتفكه والمتنعم . و " فكهون " بغير ألف في قول
قتادة : معجبون . وقال أبو زيد : يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا . وقرأ
طلحة بن مصرف : " فاكهين " نصبه على الحال .
هم وأزواجهم في ظلال
على الأرائك متكئون مبتدأ وخبره . ويجوز أن
يكون " هم " توكيدا " وأزواجهم " عطف على المضمر ، و " متكئون
" نعت لقوله فاكهون . وقراءة العامة : " في ظلال " بكسر الظاء والألف
. وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير والأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : " في ظلل
" بضم الظاء من غير ألف ، فالظلال جمع ظل ، وظلل جمع ظلة . " على الأرائك
" يعني السرر في الحجال واحدها أريكة ، مثل سفينة وسفائن ، قال الشاعر :
كأن احمرار الورد فوق غصونه بوقت الضحى في روضة المتضاحك
خدود عذارى قد خجلن من الحيا
تهادين بالريحان فوق الأرائك
وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري قال النبي - صلى الله عليه
وسلم - : إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكارا . وقال ابن عباس : إن الرجل
من أهل الجنة ليعانق الحوراء سبعين سنة ، لا يملها ولا تمله ، كلما أتاها وجدها بكرا
، وكلما رجع إليها عادت إليه شهوته ، فيجامعها بقوة سبعين رجلا ، لا يكون بينهما
مني ، يأتي من غير مني منه ولا منها
.
الجامع لأحكام
القرآن »
سورة يس »
قوله تعالى إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون