حمل واقرأ

قراءة المصحف كاملا بصيغة وورد ومعه حمل المصحف بكل الصيغ  حمل المصحف:بونط كبير

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

السبت، 24 يوليو 2021

حديث الصور بطوله البداية والنهاية

حديث الصور بطوله
البداية والنهاية

  حديث الصور بطوله

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده " : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في طائفة من أصحابه ، قال : " إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ . قال : قلت : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن " . قلت : كيف هو؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض ، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع . فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ ص : 15 ] . فتسير [ ص: 311 ] الجبال سير السحاب فتكون سرابا ، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، ألا وهو الذي يقول تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة [ النازعات : 6 - 9 ] .

فتميد بالناس على وجهها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : يوم التناد [ غافر : 32 ] . فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين ، من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها ، وخسفت شمسها وقمرها " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ النمل : 87 ] قال : " أولئك الشهداء ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى : [ ص: 312 ] يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ الحج : 1 ، 2 ] .

فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه ، إلا أنه يطول ، ثم يأمر الله إسرافيل ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله ، فإذا هم خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى ، فيقول : يا رب ، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله سبحانه له ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا . فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق سبحانه العرش ، فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش : اسكت ، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل . فيقول ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : فليمت حملة عرشي . فيموتون ، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، وإسرافيل من جملة حملة العرش ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك . فيقول تبارك وتعالى ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي [ ص: 313 ] لا يموت ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا : ثنا محمد بن الحسين ، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة ، ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القرظي قال : بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت ، يقال له : يا ملك الموت ، مت موتا لا تحيا بعده أبدا . قال : فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا ، ثم يموت ، ثم يقول تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ غافر : 16 ] .

وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن عيينة ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بهذا .

ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ، وفيه : " يا ملك ، أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، ثم لا تحيا أبدا " . قال أبو موسى : لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة ، [ ص: 314 ] ولم يقلها أكثر الرواة - قال : " فإذا مات ملك الموت ، ولم يبق إلا الله الواحد ، الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم تلقفهما ثلاث مرات ، وقال : أنا الجبار . ثلاثا ، ثم يهتف بصوته : لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه تعالى : لله الواحد القهار . ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث ، أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، فكانت كما كانت قبل الموت ، قال الله تعالى : لتحيا حملة عرشي . فيحيون ، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل . فيحييان ، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها ، تتوهج أرواح المسلمين نورا ، والأخرى ظلمة ، فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ ص: 315 ] البعث ، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل ، قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [ القمر : 8 ] . حفاة عراة غلفا غرلا ، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ، ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم ، أو يبلغ الأذقان ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا . فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم ، فيطلبون ذلك إليه ، فيأتي ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حتى يأتوني ، فأنطلق ، حتى آتي الفحص ، فأخر ساجدا " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الفحص؟ قال : " قدام العرش ، حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول لي : يا محمد . فأقول : نعم ، لبيك يا رب . فيقول : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول صلى الله عليه وسلم : شفعتك ، أنا [ ص: 316 ] آتيكم فأقضي بينكم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأرجع ، فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم قلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت . ثم ينزل أهل السماء الثانية ، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، ومثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار ، تبارك وتعالى ، في ظلل من الغمام ، والملائكة ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى ، والسماوات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم ، لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته ، فيقول تعالى : يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت [ ص: 317 ] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا لي اليوم ، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله سبحانه جهنم ، فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [ يس : 60 - 63 ] . أو : بها تكذبون . شك أبو عاصم . وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 59 ] . فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم ، يقول الله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ الجاثية : 28 ] . فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ الله من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ النبإ : 40 ] . ثم يقضي الله تعالى بين العباد ، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله ، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه ، تشخب أوداجه دما . فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله تعالى : صدقت . فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات ، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة ، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ ص: 318 ] ذلك ، فيأمر من قتل ، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لي . فيقول له : تعست . ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه .

ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء . فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله . فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم ، فيتبع هذا اليهود ، ويتبع هذا النصارى ، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار ، فهذا الذي يقول الله تعالى : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ الأنبياء : 99 ] . فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، ما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ ص: 319 ] يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فيكشف عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون له سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر ، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم .

ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف ، وحسك كحسك السعدان ، دونه جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف البصر ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكدوس على وجهه في جهنم .

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا . فيأتون آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله . فيؤتى [ ص: 320 ] نوح ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بموسى . فيأتون موسى ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم . فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيأتوني ، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، ثم أستفتح فيفتح لي ، فأحيا ، ويرحب لي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول الله لي : ارفع رأسك يا محمد ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فإذا رفعت رأسي قال الله ، وهو أعلم : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة . فيقول الله ، عز وجل : قد شفعتك ، وأذنت لهم في دخول الجنة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم . فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين آدميتين من بنات آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة ، كبده لها مرآة ، وكبدها [ ص: 321 ] له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، ولا يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية . فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك " .

قال : " وإذا وقع أهل النار في النار ، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه ، وحرم الله صورته على النار " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأقول : يا رب ، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من عرفتم . يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يأذن الله لي في الشفاعة ، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول : أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار ، ونصف دينار ، وثلث دينار ، وربع دينار ، ثم يقول : وسدس دينار ، ثم يقول : وقيراطا . ثم يقول : حبة من خردل . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه ، رجاء أن يشفع له . ثم يقول الله ، عز وجل : بقيت أنا ، وأنا أرحم الراحمين . فيدخل الله سبحانه يده في جهنم ، فيخرج منها ما [ ص: 322 ] لا يحصيه غيره ، كأنهم خشب محترق ، فيبثهم الله على نهر يقال له : نهر الحيوان . فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فما يلي الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون نبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الدر ، مكتوب في رقابهم : الجهنميون ، عتقاء الرحمن عز وجل . يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا قط ، فيبقون في الجنة " .

فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى . هذا حديث مشهور ، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم ، كابن جرير في تفسيره ، والطبراني في الطوالات وغيرها ، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور " ، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة ، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد تكلم فيه بسببه . وفي [ ص: 323 ] بعض سياقاته نكارة واختلاف ، وقد بينت طرقه في جزء مفرد .

قلت : وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين ، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة ، وساقه سياقة واحدة ، فكان يقص به على أهل المدينة ، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل ، والوليد بن مسلم ، ومكي بن إبراهيم ، ومحمد بن شعيب بن شابور ، وعبدة بن سليمان ، وغيرهم ، واختلف عليه فيه قتادة ، يقول : عن محمد بن يزيد ، عن محمد بن كعب ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتارة يسقط الرجل .

وقد رواه إسحاق بن راهويه ، عن عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومنهم من أسقط الرجل الأول ، قال شيخنا الحافظ المزي : وهذا أقرب ، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم ، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة . وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه : وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه ، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة . ثم تكلم على غريبه .

[ ص: 324 ] قلت : ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا ، وبالله المستعان . 
.........................................
قوله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب .

قوله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ينظر بمعنى ينتظر ، ومنه قوله تعالى : انظرونا نقتبس من نوركم هؤلاء يعني كفار مكة . إلا صيحة واحدة أي : نفخة القيامة . أي : ما ينتظرون بعد ما أصيبوا ببدر إلا صيحة القيامة . وقيل : ما ينتظر أحياؤهم الآن إلا الصيحة التي هي النفخة في الصور ، كما قال تعالى : ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهو يخصمون فلا يستطيعون توصية وهذا إخبار عن قرب القيامة والموت . وقيل : أي : ما ينتظر كفار آخر هذه الأمة المتدينين بدين أولئك إلا صيحة واحدة وهي النفخة . وقال عبد الله بن عمرو : لم تكن صيحة في السماء إلا بغضب من الله - عز وجل - على أهل الأرض .

ما لها من فواق أي من ترداد ، عن ابن عباس . مجاهد : ما لها رجوع . قتادة : ما لها من مثنوية . السدي : ما لها من إفاقة . وقرأ حمزة والكسائي : " ما لها من فواق " بضم الفاء . الباقون بالفتح . الجوهري : والفواق والفواق ما بين الحلبتين من الوقت ; لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب . يقال : ما أقام عنده إلا فواقا ، وفي الحديث : ( العيادة قدر فواق الناقة ) . وقوله تعالى : ما لها من فواق يقرأ بالفتح والضم أي : ما لها من نظرة وراحة وإفاقة . والفيقة بالكسر اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين : صارت الواو ياء لكسر ما قبلها ، قال الأعشى يصف بقرة :

[ ص: 141 ]


حتى إذا فيقة في ضرعها اجتمعت جاءت لترضع شق النفس لو رضعا

والجمع فيق ثم أفواق ، مثل : شبر وأشبار ، ثم أفاويق . قال ابن همام السلولي :




وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعل


والأفاويق أيضا ما اجتمع في السحاب من ماء ، فهو يمطر ساعة بعد ساعة . وأفاقت الناقة إفاقة أي : اجتمعت الفيقة في ضرعها ، فهي مفيق ومفيقة - عن أبي عمرو - والجمع مفاويق . وقال الفراء وأبو عبيدة وغيرهما : من فواق بفتح الفاء أي : راحة لا يفيقون فيها ، كما يفيق المريض والمغشي عليه . و " من فواق " بضم الفاء : من انتظار . وقد تقدم أنهما بمعنى وهو ما بين الحلبتين .

قلت : والمعنى المراد أنها ممتدة لا تقطيع فيها . وروى أبو هريرة قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في طائفة من أصحابه . . . الحديث . وفيه : يأمر الله - عز وجل - إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيمدها ويديمها ويطولها . يقول الله - عز وجل - : ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق . . . وذكر الحديث ، خرجه علي بن معبد وغيره كما ذكرناه في كتاب التذكرة .

قوله تعالى : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب قال مجاهد : عذابنا . وكذا قال قتادة : نصيبنا من العذاب . الحسن : نصيبنا من الجنة لنتنعم به في الدنيا . وقال سعيد بن جبير . ومعروف في اللغة أن يقال للنصيب قط ، وللكتاب المكتوب بالجائزة قط . قال الفراء : القط في كلام العرب الحظ والنصيب . ومنه قيل للصك قط . وقال أبو عبيدة والكسائي : القط الكتاب بالجوائز ، والجمع القطوط ، قال الأعشى :




ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته يعطي القطوط ويأفق


يعني كتب الجوائز . ويروى : بأمته بدل بغبطته ، أي : بنعمته وحاله الجليلة ، ويأفق : يصلح . ويقال : في جمع قط أيضا قططة ، وفي القليل أقط وأقطاط . ذكره النحاس . وقال السدي : سألوا أن يمثل لهم منازلهم من الجنة ليعلموا حقيقة ما يوعدون به . وقال إسماعيل بن أبي خالد : المعنى عجل لنا أرزاقنا . وقيل : معناه عجل لنا ما يكفينا ، من قولهم : قطني ، أي : يكفيني . وقيل : إنهم قالوا ذلك استعجالا لكتبهم التي يعطونها بأيمانهم وشمائلهم حين تلي [ ص: 142 ] عليهم بذلك القرآن . وهو قوله تعالى : فأما من أوتي كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه وراء ظهره وأصل القط القط وهو القطع ، ومنه قط القلم ، فالقط اسم للقطعة من الشيء كالقسم والقسم ، فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لقطعه عن غيره ، إلا أنه في الكتاب أكثر استعمالا وأقوى حقيقة . قال أمية بن أبي الصلت :




قوم لهم ساحة العراق وما يجبى إليه والقط والقلم




قبل يوم الحساب أي قبل يوم القيامة في الدنيا إن كان الأمر كما يقول محمد . وكل هذا استهزاء منهم .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة ص »
قوله تعالى وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق 

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة البداية والنهاية

ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة
البداية والنهاية
  ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة

أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع ; وذلك أن الله سبحانه يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع ، فيطولها ، فلا يبقى أحد من أهل الأرض ولا السماوات إلا فزع ، إلا من شاء الله ، ولا يسمعها أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا - أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى - [ ص: 304 ] يستمع هذا الأمر العظيم الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا ، وشغلهم بها ، ووقوع هذا الأمر العظيم .

قال تعالى : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما يفعلون [ النمل : 87 ، 88 ] .

وقال تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ ص : 15 ] . وقال تعالى : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [ المدثر : 8 - 10 ] . وقال تعالى : قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور [ الأنعام : 73 ] .

ثم بعد ذلك بمدة يأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم يأمره فينفخ فيه أخرى فيقوم الناس لرب العالمين; كما قال الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [ الزمر : 68 ، 69 ] الآيات إلى آخر السورة . وقال تعالى : ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون [ ص: 305 ] [ يس : 48 ، 49 ] الآيات إلى قوله تعالى : فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون [ يس : 67 ] .

وقال تعالى : فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [ النازعات : 13 ، 14 ] . وقال تعالى : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [ الكهف : 99 ] . وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [ المؤمنون : 101 ] .

وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة . إلى قوله : لا يأكله إلا الخاطئون [ الحاقة : 13 - 37 ] .

وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [ النبإ : 18 ] الآيات .

وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [ طه : 102 ] . الآيات .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا سليمان التيمي ، عن أسلم العجلي ، عن بشر بن شغاف ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال أعرابي : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن ينفخ فيه " . ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سليمان بن طرخان التيمي ، به .

وأخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سليمان التيمي ، عن [ ص: 306 ] أسلم العجلي ، به . وقال الترمذي : حسن ، ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا مطرف ، عن عطية ، عن ابن عباس في قوله : فإذا نقر في الناقور [ المدثر : 8 ] . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ " . فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، كيف نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " . انفرد به أحمد . وقد رواه أبو كدينة يحيى بن المهلب ، عن مطرف ، به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن مطرف ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر؟ " قال المسلمون : يا رسول الله ، فما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " . وأخرجه [ ص: 307 ] الترمذي ، عن ابن أبي عمر ، عن سفيان بن عيينة ، وقال : حسن . ثم رواه من حديث خالد بن طهمان ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، به ، وحسنه أيضا .

وقال شيخنا أبو الحجاج المزي في " الأطراف " : ورواه إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد . كذا قال رحمه الله ، وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، في كتاب " الأهوال " ، فقال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور ، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ " . قلنا : يا رسول الله ، ما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل " .

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة ( أبو صالح ، عن أبي هريرة ) : حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ، حدثني موسى بن أعين الحراني ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - وعن عمران ، عن عطية ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنعم - أو : [ ص: 308 ] " كيف أنتم " . شك أبو طالب - " وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه ، وأصغى سمعه ، وحنى جبينه ، ينتظر متى يؤمر فينفخ " . قالوا : يا رسول الله ، ما نقول؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعد الطائي ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الصور ، فقال : " عن يمينه جبريل ، وعن يساره ميكائيل ، عليهم السلام " .

وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عباد بن العوام ، عن حجاج ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن صاحبي الصور بأيديهما - أو : في أيديهما - قرنان ، يلاحظان النظر متى يؤمران " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن التيمي ، عن أسلم ، عن أبي مرية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - أو عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " النفاخان في السماء الثانية ، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب - أو قال : رأس أحدهما بالمغرب ، ورجلاه بالمشرق - ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور ، فينفخان " . تفرد به أحمد . وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو [ ص: 309 ] العجلي ، وليس بالمشهور ، ولعل هذين الملكين أحدهما إسرافيل ، وهو الذي ينفخ في الصور ، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله ، والآخر هو الذي ينقر في الناقور ، وقد يكون الصور والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرة ، أو الألف واللام فيهما للعهد ، ويكون لكل واحد منهما أتباع يفعلون كفعله . والله أعلم بالصواب .

وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا عبيد الله بن جرير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن يزيد بن الأصم ، قال : قال ابن عباس : إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به ، كأن عينيه كوكبان دريان ، ينظر تجاه العرش; مخافة أن يؤمر أن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه .

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر مشكدانة ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطرف صاحب الصور منذ وكل به ، مستعد ، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه ، كأن عينيه كوكبان دريان " . 
...............................

قوله تعالى : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون .

قوله تعالى : ويوم ينفخ في الصور أي واذكر يوم ، أو ذكرهم يوم ينفخ في الصور . ومذهب الفراء أن المعنى : وذلكم يوم ينفخ في الصور ; وأجاز فيه الحذف والصحيح في الصور أنه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل قال مجاهد : كهيئة البوق . وقيل : هو البوق بلغة أهل اليمن وقد مضى في ( الأنعام ) بيانه وما للعلماء في ذلك . ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله لما فرغ من خلق السماوات خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخة . قلت : يا رسول الله ما الصور ؟ قال : قرن - والله - عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض فينفخ فيه ثلاث نفخات : النفخة الأولى نفخة الفزع والثانية [ ص: 222 ] نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث والقيام لرب العالمين وذكر الحديث . ذكره علي بن معبد والطبري والثعلبي وغيرهم ، وصححه ابن العربي . وقد ذكرته في كتاب ( التذكرة ) وتكلمنا عليه هنالك ، وأن الصحيح في النفخ في الصور أنهما نفختان لا ثلاث ، وأن نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لا زمان لهما ; أي فزعوا فزعا ماتوا منه ; أو إلى نفخة البعث . وهو اختيار القشيري وغيره ; فإنه قال في كلامه على هذه الآية : والمراد النفخة الثانية أي يحيون فزعين يقولون : من بعثنا من مرقدنا ; ويعاينون من الأمور ما يهولهم ويفزعهم ; وهذا النفخ كصوت البوق لتجتمع الخلق في أرض الجزاء . قاله قتادة وقال الماوردي : ويوم ينفخ في الصور هو يوم النشور من القبور ، قال : وفي هذا الفزع قولان : أحدهما أنه الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم : فزعت إليك في كذا : إذا أسرعت إلى ندائك في معونتك . والقول الثاني : إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحزن ; لأنهم أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا . وهذا أشبه القولين .

قلت : والسنة الثابتة من حديث أبى هريرة وحديث عبد الله بن عمرو يدل على أنهما نفختان لا ثلاث ; خرجهما مسلم وقد ذكرناهما في كتاب ( التذكرة ) وهو الصحيح إن شاء الله تعالى أنهما نفختان ; قال الله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة . وقد روى ابن المبارك عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بين النفختين أربعون سنة ، الأولى يميت الله بها كل حي والأخرى يحيي الله بها كل ميت فإن قيل : فإن قوله تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة إلى أن قال : فإنما هي زجرة واحدة وهذا يقتضي بظاهره أنها ثلاث . قيل له : ليس كذلك ، وإنما المراد بالزجرة : النفخة الثانية التي يكون عنها خروج الخلق من قبورهم ; كذلك قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وابن زيد وغيرهم . قال مجاهد : هما صيحتان أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله ، وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله . وقال عطاء : ( الراجفة ) : القيامة و ( الرادفة ) : البعث . وقال ابن زيد : ( الراجفة ) : الموت و ( الرادفة ) : الساعة . والله أعلم . إلا من شاء الله اختلف في هذا المستثنى من هم . [ ص: 223 ] ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون . إنما يصل الفزع إلى الأحياء ; وهو قول سعيد بن جبير أنهم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش وقال القشيري : الأنبياء داخلون في جملتهم ; لأن لهم الشهادة مع النبوة . وقيل : الملائكة . قال الحسن : استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين . قال مقاتل : يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت . وقيل : الحور العين . وقيل : هم المؤمنون ، لأن الله تعالى قال عقب هذا : من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون وقال بعض علمائنا : والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل .

قلت : خفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي فليعول عليه ، لأنه نص في التعيين ، وغيره اجتهاد . والله أعلم . وقيل غير هذا على ما يأتي في ( الزمر ) وقوله ففزع من في السماوات ماض و ( ينفخ ) مستقبل فيقال : كيف عطف ماض على مستقبل ؟ فزعم الفراء أن هذا محمول على المعنى ; لأن المعنى : إذا نفخ في الصور ففزع . إلا من شاء الله نصب على الاستثناء . وكل أتوه داخرين قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي ونافع وابن عامر وابن كثير : ( آتوه ) جعلوه فعلا مستقبلا . وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة وحفص عن عاصم : ( وكل أتوه ) مقصورا ، على الفعل الماضي ، وكذلك قرأه ابن مسعود وعن قتادة ( وكل أتاه داخرين ) قال النحاس : وفي كتابي عن أبي إسحاق في القراءات من قرأ : ( وكل أتوه ) وحده على لفظ ( كل ) ومن قرأ : ( أتوه ) جمع على معناها ، وهذا القول غلط قبيح ; لأنه إذا قال : ( وكل أتوه ) فلم يوحد وإنما جمع ، ولو وحد لقال : ( أتاه ) ولكن من قال : ( أتوه ) جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنه رده إلى ( ففزع ) ومن قرأ ( وكل آتوه ) حمله على المعنى أيضا وقال : ( آتوه ) لأنها جملة منقطعة من الأول قال ابن نصر : قد حكي عن أبي إسحاق رحمه الله ما لم يقله ، ونص أبي إسحاق : وكل أتوه داخرين ويقرأ : ( آتوه ) فمن وحد فللفظ ( كل ) ومن جمع فلمعناها . يريد ما أتى في القرآن أو غيره من توحيد خبر ( كل ) فعلى اللفظ أو جمع فعلى المعنى ; فلم يأخذ أبو جعفر هذا المعنى قال المهدوي : ومن قرأ وكل أتوه داخرين فهو فعل من الإتيان وحمل على معنى ( كل ) دون لفظها ، ومن قرأ ( وكل آتوه داخرين ) فهو اسم الفاعل من أتى . يدلك على ذلك قوله تعالى : وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ومن قرأ ( وكل أتاه ) حمله على لفظ ( كل ) دون معناها وحمل ( داخرين ) على المعنى ، ومعناه صاغرين ، عن ابن عباس وقتادة . وقد مضى في ( النحل ) .

[ ص: 224 ] قوله تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب قال ابن عباس : أي قائمة وهي تسير سيرا حثيثا . قال القتبي : وذلك أن الجبال تجمع وتسير ، فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير ; وكذلك كل شي عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر ، لكثرته وبعد ما بين أطرافه ، وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير . قال النابغة في وصف جيش :

بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج

قال القشيري : وهذا يوم القيامة ; أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب - والسحاب المتراكم - يظن أنها واقفة وهي تسير ، أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء ، فقال الله تعالى : وسيرت الجبال فكانت سرابا ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها ، وإبراز ما كانت تواريه ، فأول الصفات الاندكاك وذلك قبل الزلزلة ; ثم تصير كالعهن المنفوش ; وذلك إذا صارت السماء كالمهل ، وقد جمع الله بينهما فقال : يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن . والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن . والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز ، فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها . والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار ، فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة ، وهي بالحقيقة مارة ، إلا إن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة . والحالة السادسة أن تكون سرابا . فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب قال مقاتل : تقع على الأرض فتسوى بها . ثم قيل هذا مثل ، قال الماوردي : وفيهما ضرب له ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال ، وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ; قاله سهل بن عبد الله .

الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتا في القلب وعمله صاعد إلى السماء .

الثالث : أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش . و ( ترى ) من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين . والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذفت الهمزة ، وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن ، إلا أن التخفيف لازم ل ( ترى ) . وأهل الكوفة يقرءون : ( تحسبها ) بفتح السين وهو القياس ; لأنه من : حسب يحسب ، إلا أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل ، [ ص: 225 ] فتكون على : فعل يفعل ، مثل : نعم ينعم وبئس يبئس . وحكي : يئس ييئس ، من السالم ، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف .

وهي تمر مر السحاب تقديره : مرا مثل مر السحاب ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف والمضاف مقام المضاف إليه ; فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض وتجمع وتسير كما تسير السحاب ، ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قال : وبست الجبال بسا صنع الله عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر ; لأنه لما قال عز وجل : وهي تمر مر السحاب دل على أنه قد صنع ذلك صنعا . ويجوز النصب على الإغراء ; أي انظروا صنع الله . فيوقف على هذا على ( السحاب ) ولا يوقف عليه على التقدير الأول . ويجوز رفعه على تقدير : ذلك صنع الله . الذي أتقن كل شيء أي أحكمه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : رحم الله من عمل عملا فأتقنه . وقال قتادة : معناه : أحسن كل شيء . والإتقان : الإحكام ; يقال : رجل تقن ، أي حاذق بالأشياء وقال الزهري : أصله من ابن تقن ، وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل ; يقال : أرمى من ابن تقن . ثم يقال لكل حاذق بالأشياء : تقن . ( إنه خبير بما يفعلون ) والباقون ( تفعلون ) بالتاء على الخطاب قراءة الجمهور وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء .

قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما : الحسنة : لا إله إلا الله . وقال أبو معشر : كان إبراهيم يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ولا يستثني أن الحسنة : لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو في أرض الروم في أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له : والذي نفسي بيده إنها الكلمة التي قال الله تعالي : من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها قال : قلت : يا رسول الله أمن الحسنات : لا إله إلا الله ؟ قال : من أفضل الحسنات وفي رواية قال : نعم هي أحسن [ ص: 226 ] الحسنات . ذكره البيهقي ، وقال قتادة : من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد . وقيل : أداء الفرائض كلها .

قلت : إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه في سورة ( إبراهيم ) فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض . فله خير منها قال ابن عباس : أي وصل إليه الخير منها ; وقاله مجاهد وقيل : فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس ( خير ) للتفضيل . قال عكرمة وابن جريج : أما أن يكون له خير منها يعني من الإيمان فلا ، فإنه ليس شيء خيرا ممن قال : لا إله إلا الله ، ولكن له منها خير . وقيل : فله خير منها للتفضيل ، أي ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره ، وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد ، قاله ابن عباس وقيل : يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا ; وبالإيمان في مدة يسيرة الثواب الأبدي . قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد وهم من فزع يومئذ آمنون قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( فزع يومئذ ) بالإضافة . قال أبو عبيد : وهذا أعجب إلي لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم ، وإذا قال : من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع . قال القشيري : وقرئ : ( من فزع ) بالتنوين ثم قيل يعني به فزعا واحدا كما قال : لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل : عنى الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة .

قلت : فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى . قال المهدوي : ومن قرأ : ( من فزع يومئذ ) بالتنوين ، انتصب ( يومئذ ) بالمصدر الذي هو ( فزع ) ويجوز أن يكون صفة ل ( فزع ) ويكون متعلقا بمحذوف ; لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها ، ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذي هو ( آمنون ) . والإضافة على الاتساع في الظروف ، ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان ، وليس الإعراب في ظرف الزمان متمكنا ، فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني . وأنشد سيبويه :




على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب


قوله تعالى : ومن جاء بالسيئة أي بالشرك ، قاله ابن عباس والنخعي وأبو هريرة ومجاهد وقيس بن سعد والحسن ، وهو إجماع من أهل التأويل في أن الحسنة لا إله إلا الله ، وأن السيئة الشرك في هذه الآية . فكبت وجوههم في النار قال ابن عباس : ألقيت . وقال الضحاك : طرحت ، ويقال كببت الإناء أي قلبته على وجهه ، واللازم منه : أكب ، وقلما يأتي هذا [ ص: 227 ] في كلام العرب ( هل تجزون ) أي يقال لهم : هل تجزون . ثم يجوز أن يكون من قول الله ، ويجوز أن يكون من قول الملائكة إلا ما كنتم تعملون أي إلا جزاء أعمالكم .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة النمل »
قوله تعالى ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله 

دنو الساعة واقترابها

ذكر دنو الساعة واقترابها
---------


  ذكر دنو الساعة واقترابها وأنها آتية لا ريب فيها ، وأنها لا تأتي إلا بغتة ، ولا يعلم وقتها على التعيين إلا الله سبحانه

قال الله تعالى : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [ الأنبياء : 1 ] . وقال تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ النحل :1] . وقال : يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [ الأحزاب : 63 ] . وقال تعالى : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج . إلى قوله : يبصرونهم [ المعارج : 1 - 11 ] . وقال تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] . وقال تعالى : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [ يونس : 45 ] . وقال تعالى : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [ النازعات : 46 ] . وقال تعالى : [ ص: 298 ] الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد [ الشورى : 17 ، 18 ] . وقال تعالى : يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [ طه : 102 ] الآيات . وقال تعالى : قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [ المؤمنون : 112 - 114 ] . وقال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ الأعراف : 187 ] . وقال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [ النازعات : 42 - 44 ] . وقال تعالى : إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى [ طه : 15 ، 16 ] . وقال تعالى : بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون [ النمل : 66 ] . وقال تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [ لقمان : 34 ] .

ولهذا لما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، قال له : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . يعني قد استوى فيها علم كل مسئول وسائل بطريق الأولى والأحرى " لأنه إن كانت الألف واللام في المسئول والسائل للعهد [ ص: 299 ] عائدة عليه وعلى جبريل ، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأحرى ، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ . والله أعلم .

ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم له شيئا من أشراط الساعة ، ثم قال : " في خمس لا يعلمهن إلا الله . ثم قرأ : إن الله عنده علم الساعة الآية .
فهذه ثلاث آيات أمر الله سبحانه رسوله أن يقسم به فيهن على إتيان المعاد ، وإعادة الخلق ، وجمعهم ليوم لا ريب فيه ، وليس لهن رابعة مثلهن ، ولكن في معناهن كثير; قال تعالى : [ ص: 300 ] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ النحل : 38 - 40 ] .

وقال تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [ لقمان : 28 ] . وقال تعالى : إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [ غافر : 59 ] . وقال تعالى : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها [ النازعات : 27 ] . إلى آخر السورة . وقال تعالى : قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا [ الإسراء : 50 - 52 ] . وقال تعالى : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا [ الإسراء : 97 - 99 ] . وقال تعالى : أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [ يس : 77 ] . إلى آخر السورة .

وقال تعالى : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير [ الأحقاف : 33 ] وقال تعالى : ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون . الآيات الثلاث إلى [ ص: 301 ] وهو العزيز الحكيم [ الروم : 25 - 27 ] .

وقال تعالى : ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [ الحج : 6 - 7 ] . وقال تعالى : ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [ فصلت : 39 ] .

وقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله : ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين [ المؤمنون : 12 - 17 ] . فيستدل تعالى بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد موتها وفنائها وتمزقها ، وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا ، وكذلك يستدل ببدأة الخلق على إعادة النشأة الآخرة ، كما قال تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [ الروم : 127 ] وقال تعالى : قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير [ العنكبوت : 20 ] . وقال تعالى : والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [ الزخرف : 11 ] . وقال تعالى : والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [ فاطر : 9 ] . وفي " الأعراف " : كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ الأعراف : 57 ] . وقال تعالى : [ ص: 302 ] فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر [ الطارق : 5 - 9 ] . وكذلك سورة " ق " من أولها إلى آخرها فيها ذكر بعث ونشور ، وكذلك سورة " الواقعة " ، والقرآن كله طافح بهذا ، ولا تبديل لكلمات الله .

وقد ذكر الله سبحانه إحياء الموتى ، وأنه أحيا قوما بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا في سورة " البقرة " ; في خمسة مواضع منها؟ في قصة بني إسرائيل حين قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل ، في أول السورة ، فقال تعالى : ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [ البقرة : 56 ] . وفى قصة البقرة : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [ البقرة : 73 ] . فإنه أحيا ذلك الميت لما ضربوه ببعضها . وفى قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ ص: 303 ] [ البقرة : 243 ] . وفى قصة الذي : مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ثم أحيا حماره ، والقصة معروفة ، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير [ البقرة : 259 ] . والخامسة قصة إبراهيم ، عليه السلام ، والطير : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [ البقرة : 260 ] .

وذكر تعالى قصة أصحاب الكهف ، وكيف أبقاهم في نومهم ثلاثمائة سنة شمسية ، وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية ، وقال فيها : وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [ الكهف : 21 ] . فجعل سبحانه ذلك دلالة على إحياء الموتى ، وإتيان الساعة لا ريب فيها . والله سبحانه أعلم ................................
قال : قوله تعالى : اقترب للناس حسابهم قال عبد الله بن مسعود : الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول ، وهن من تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التلاد . وروي أن رجلا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة ، فقال الذي كان يبني الجدار : ماذا نزل اليوم من القرآن ؟ فقال الآخر : نزل اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون فنفض يده من البنيان ، وقال : والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب ، اقترب أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم . للناس قال ابن عباس : المراد بالناس هنا المشركون بدليل قوله تعالى : إلا استمعوه وهم يلعبون إلى قوله : أفتأتون السحر وأنتم تبصرون . وقيل : الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش ؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات ؛ ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله ، وطابت نفسه بالتوبة ، ولم يركن إلى الدنيا ، فكأن ما كان لم يكن إذا ذهب ، وكل آت قريب ، والموت لا محالة آت ؛ وموت كل إنسان قيام ساعته ؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان ، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى . وقال الضحاك : معنى [ ص: 178 ] اقترب للناس حسابهم أي عذابهم يعني أهل مكة ؛ لأنهم استبطئوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا ، وكان قتلهم يوم بدر . النحاس : ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس ؛ لئلا يتقدم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير . وهم في غفلة معرضون ابتداء وخبر . ويجوز النصب في غير القرآن على الحال . وفيه وجهان : أحدهما : وهم في غفلة معرضون يعني بالدنيا عن الآخرة . الثاني : عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - . وهذه الواو عند سيبويه بمعنى ( إذ ) وهي التي يسميها النحويون واو الحال ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم .

قوله تعالى : ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث محدث نعت ل ( ذكر ) . وأجاز الكسائي والفراء ( محدثا ) بمعنى ما يأتيهم محدثا ؛ نصب على الحال . وأجاز الفراء أيضا رفع محدث على النعت للذكر ؛ لأنك لو حذفت ( من ) رفعت ذكرا ؛ أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث ؛ يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت ؛ لا أن القرآن مخلوق . وقيل : الذكر ما يذكرهم به النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعظهم به . وقال : من ربهم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق إلا بالوحي ، فوعظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وتحذيره ذكر ، وهو محدث ؛ قال الله تعالى : فذكر إنما أنت مذكر . ويقال : فلان في مجلس الذكر . وقيل : الذكر الرسول نفسه ؛ قاله الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية هل هذا إلا بشر مثلكم ولو أراد بالذكر القرآن لقال : هل هذا إلا أساطير الأولين ؛ ودليل هذا التأويل قوله تعالى : ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - . وقال : قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا . إلا استمعوه يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، أو القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من أمته . وهم يلعبون الواو واو الحال ، يدل عليه قوله تعالى : لاهية قلوبهم ومعنى يلعبون أي يلهون . وقيل : يشتغلون ؛ فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين : أحدهما : بلذاتهم . الثاني : بسماع ما يتلى عليهم . وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين : أحدهما : بالدنيا لأنها لعب ؛ كما قال الله تعالى : إنما الحياة الدنيا لعب ولهو . الثاني : يتشاغلون بالقدح فيه ، والاعتراض عليه . قال الحسن : كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل . وقيل : يستمعون القرآن مستهزئين .

[ ص: 179 ] لاهية قلوبهم أي ساهية قلوبهم ، معرضة عن ذكر الله ، متشاغلة عن التأمل والتفهم ؛ من قول العرب : لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا . و لاهية نعت تقدم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب ، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله : خاشعة أبصارهم و ودانية عليهم ظلالها و لاهية قلوبهم قال الشاعر [ كثير عزة ] : لعزة موحشا طلل يلوح كأنه خلل

أراد : طلل موحش . وأجاز الكسائي والفراء لاهية قلوبهم بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية . وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ . وقال الكسائي : ويجوز أن يكون المعنى ؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم . وأسروا النجوى الذين ظلموا أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب ، ثم بين من هم فقال : الذين ظلموا أي الذين أشركوا ؛ ف الذين ظلموا بدل من الواو في أسروا وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم ؛ ولا يوقف على هذا القول على النجوى . قال المبرد وهو كقولك : إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا . وقيل : هو رفع على الذم ، أي هم الذين ظلموا . وقيل : على حذف القول ؛ التقدير : يقول الذين ظلموا وحذف القول ؛ مثل والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم . واختار هذا القول النحاس ؛ قال : والدليل على صحة هذا الجواب أن بعده هل هذا إلا بشر مثلكم . وقول رابع : يكون منصوبا بمعنى أعني الذين ظلموا . وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم ؛ ولا يوقف على هذا الوجه على النجوى ويوقف على الوجوه المتقدمة الثلاثة قبله ؛ فهذه خمسة أقوال . وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال : أكلوني البراغيث ؛ وهو حسن ؛ قال الله تعالى : ثم عموا وصموا كثير منهم . وقال الشاعر :




بل نال النضال دون المساعي فاهتدين النبال للأغراض


وقال آخر [ الفرزدق ] :




ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه


[ ص: 180 ] وقال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ؛ مجازه : والذين ظلموا أسروا النجوى أبو عبيدة : أسروا هنا من الأضداد ؛ فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم ، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه .

قوله تعالى : هل هذا إلا بشر مثلكم أي تناجوا بينهم وقالوا : هل هذا الذكر الذي هو الرسول ، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم ، لا يتميز عنكم بشيء ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق كما تفعلون . وما علموا أن الله - عز وجل - أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشرا ليتفهموا ويعلمهم . أفتأتون السحر أي إن الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - سحر ، فكيف تجيئون إليه وتتبعونه ؟ فأطلع الله نبيه - عليه السلام - على ما تناجوا به . و السحر في اللغة كل مموه لا حقيقة له ولا صحة . وأنتم تبصرون أنه إنسان مثلكم مثل : كنتم تعقلون لأن العقل البصر بالأشياء . وقيل : المعنى ؛ أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر . وقيل : المعنى ؛ أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق ؛ ومعنى الكلام التوبيخ .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنبياء »
قوله تعالى اقترب للناس حسابهم

الجمعة، 23 يوليو 2021

حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة

حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة 

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر ، يقول : " إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها ، حتى إذا انتصف النهار عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس ، فأعطيتم قيراطين قيراطين ، فقال أهل [ ص: 291 ] التوراة والإنجيل : ربنا ، هؤلاء أقل عملا ، وأكثر أجرا ! فقال : هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا : لا . فقال : فذاك فضلي أوتيه من أشاء " . وهكذا رواه البخاري ، عن أبي اليمان .

وللبخاري من حديث سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى . . . . " . فذكر الحديث بتمامه وطوله .

طريق أخرى عن ابن عمر ، رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا شريك ، سمعت سلمة بن كهيل ، يحدث عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، والشمس على قعيقعان ، بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى ، إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه " . تفرد به أحمد . وهذا إسناد حسن ، لا بأس به . طريق أخرى عنه : قال أحمد : حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثني كثير بن [ ص: 292 ] زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان واقفا بعرفات ، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى واشتد بكاؤه ، فقال له رجل عنده : يا أبا عبد الرحمن ، قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟! فقال : ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : " أيها الناس ، إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها ، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " . تفرد به أحمد .


طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد ، يعني ابن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس " . ورواه البخاري ، عن سليمان بن حرب ، من حماد بن زيد ، به ، نحوه ، بأبسط منه .


وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني ، من حديث عطية العوفي ، ووهب بن كيسان ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحو ذلك .

وهذا كله يدل على أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء [ ص: 293 ] يسير ، لكن لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله تعالى ، ولا ما بقي إلا الله تعالى ، ولكن لها أشراط إذا وجدت كانت قريبة ، والله أعلم ، ولم يجئ في حديث تحديد يصح سنده عن المعصوم ، حتى يصار إليه ، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه ، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي ، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح ، بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به ، دون خلقه ، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان .

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، رحمه الله ، في " مسنده " قائلا : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن أبي حثمة ، أن عبد الله بن عمر قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام ، فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " . قال عبد الله : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك ، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " . يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن . وهكذا رواه [ ص: 294 ] البخاري ، عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء ، ورواه مسلم ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع ، عن شعيب ، به . فقد فسر الصحابي المراد من هذا الحديث بما فهمه ، وهو أولى بالفهم من كل أحد من أنه يريد بذلك أن ينخرم قرنه ذلك ، فلا يبقى أحد ممن هو كائن على وجه الأرض من أهل ذلك الزمان من حين قال هذه المقالة إلى مائة سنة ، وقد اختلف العلماء; هل ذلك خاص بذلك القرن؟ أو عام في كل قرن أنه لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة؟ على قولين ، والتخصيص بذلك القرن المعين الأول أولى; فإنه قد شوهد أن بعض الناس قد جاوز المائة سنة ، وذلك طائفة كثيرة من الناس ، كما قد ذكرنا هذا في كتابنا هذا في وفيات الأعيان ، فالله أعلم .

ولهذا الحديث طرق أخرى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

رواية جابر بن عبد الله : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المبارك ، حدثنا الحسن ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر ، فقال : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، فوالذي نفسي بيده ، ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة " . تفرد به أحمد ، وهو إسناد جيد حسن رجاله ثقات; أبو النضر هاشم بن القاسم من رجال [ ص: 295 ] الصحيحين ، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن ، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار ، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها .

طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة " .

وكذا رواه مسلم ، عن هارون بن عبد الله ، وحجاج بن الشاعر ، عن حجاج بن محمد الأعور ، وعن محمد بن حاتم ، عن محمد بن بكر ، كلاهما عن ابن جريج ، به .

وقال مسلم في " الصحيح " ، باب تقريب قيام الساعة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة : متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم ، فقال : " إن يعش هذا لم يدركه الهرم ، قامت عليكم ساعتكم " . تفرد به الإمام مسلم ، رحمه الله .


ثم قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى تقوم [ ص: 296 ] الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له : محمد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يعش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . تفرد به مسلم من هذا الوجه .

ثم قال مسلم : وحدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، يعني ابن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنزي ، عن أنس بن مالك ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : متى تقوم الساعة؟ قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال : " إن عمر هذا ، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . قال أنس : ذاك الغلام من أترابي يومئذ . تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه .

ثم قال مسلم : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : مر غلام للمغيرة بن شعبة ، وكان من أقراني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . ورواه البخاري ، عن عمرو بن عاصم ، عن همام ، به .

وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال وهذا الجواب ، وليس المراد بذلك تحديد وقت الساعة العظمى إلى وقت هرم هذا الغلام المشار إليه ، وإنما المراد ساعتهم ، وهو انقراض قرنهم وعصرهم ، وأن قصاراه تتناهى في مدة عمر ذلك الغلام ، كما تقدم في الحديث : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند [ ص: 297 ] الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة " . ويؤيد ذلك رواية عائشة ، رضي الله عنها : " قامت عليكم ساعتكم " . وذلك أنه من مات فقد دخل في حكم القيامة ، فإن عالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة ، وفيه شبه من الدنيا أيضا ، ولكن هو أشبه بالآخرة ، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا أمر الله بقيام الساعة ، فجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم ، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة ، وبالله المستعان . 

.............................................

سالم بن عبد الله ( ع )

ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الإمام الزاهد ، الحافظ ، مفتي المدينة ، [ ص: 458 ] أبو عمر ، وأبو عبد الله ، القرشي ، العدوي ، المدني ، وأمه أم ولد . مولده في خلافة عثمان .

أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أنبأنا أبو روح الهروي ، أنبأنا تميم الجرجاني ، أنبأنا أبو سعد الأديب ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء - وسألت يحيى بن معين عنه فوثقه - عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح ، ثم استقبل مطلع الشمس ، فقال : ألا إن الفتن من هاهنا - ثلاث مرات - ومن ثم يطلع قرن الشيطان .

إسناده حسن عال ، ولا يقع لنا حديث سالم أعلى من هذا .

حدث عن أبيه فجود وأكثر ، وعن عائشة - وذلك في سنن النسائي - وأبي هريرة - وذلك في البخاري ومسلم - وعن زيد بن الخطاب العدوي ، وأبي لبابة بن عبد المنذر - وذلك مرسل - وعن رافع بن خديج ، وسفينة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعيد بن المسيب ، وامرأة أبيه صفية .

وعنه : ابنه أبو بكر ، وسالم بن أبي الجعد ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن دينار القهرمان ، ومحمد بن واسع ، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ، وأبو بكر بن حزم ، والزهري ، ومحمد بن أبي حرملة ، وكثير بن زيد ، وفضيل بن غزوان ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وصالح بن كيسان ، وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد ، وعاصم بن عبد الله ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، وعبيد الله بن عمر ، وعكرمة بن عمار ، وابن أخيه عمر بن حمزة ، وابن ابن أخيه عمر بن محمد بن زيد ، [ ص: 459 ] وابن ابن أخيه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله ، وابن أخيه القاسم بن عبيد الله ، وخلق سواهم .


روى علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : قال لي ابن عمر : أتدري لم سميت ابني سالما ؟ قلت : لا . قال : باسم سالم مولى أبي حذيفة - يعني أحد السابقين . يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به ، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به .

روى سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق قال : رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف ، وكان علج الخلق ، يعالج بيديه ويعمل .

قال يحيى بن بكير : قدم جماعة من المصريين المدينة ، فأتوا باب سالم بن عبد الله ، فسمعوا رغاء بعير ، فبينا هم كذلك خرج عليهم رجل شديد الأدمة ، متزر بكساء صوف إلى ثندوته ، فقالوا له : مولاك داخل ؟ قال : من تريدون ؟ قالوا : سالم . قال : فلما كلمهم جاء شيء غير المنظر ، قال : من أردتم ؟ قالوا : سالم . قال : ها أنا ذا فما جاء بكم ؟ قالوا : أردنا أن نسائلك . قال : سلوا عما شئتم . وجلس ويده ملطخة بالدم والقيح الذي أصابه من البعير ، فسألوه .

قال أشهب ، عن مالك ، قال : لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين ، في الزهد والفضل والعيش منه ; كان يلبس الثوب [ ص: 460 ] بدرهمين ، ويشتري الشمال ليحملها . قال : فقال سليمان بن عبد الملك لسالم - ورآه حسن السحنة - : أي شيء تأكل ؟ قال : الخبز والزيت ، وإذا وجدت اللحم أكلته . فقال له عمر : أوتشتهيه ؟ قال : إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه . وروى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : دخلت على ابن عمر ، فقومت كل شيء في بيته ، فما وجدته يسوى مائة درهم ، ثم دخلت مرة أخرى ، فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان ، ودخلت على سالم من بعده ، فوجدته على مثل حال أبيه .

روى زيد بن محمد بن زيد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يقبل سالما ويقول : شيخ يقبل شيخا . ابن سعد ، عن محمد بن حرب المكي : سمع خالد بن أبي بكر يقول : بلغني أن ابن عمر كان يلام في حب سالم ، فكان يقول : يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم

قال ابن أبي الزناد : كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة : علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا ، فرغب الناس حينئذ في السراري . [ ص: 461 ]

قال ابن المبارك : كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة : ابن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وسالم ، والقاسم ، وعروة ، وعبيد الله بن عبد الله ، وخارجة بن زيد . وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم ، فينظرون فيها فيصدرون . ابن وهب : حدثنا مالك ، عن يزيد بن رومان ، عن سالم بن عبد الله : أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه . واشترى شملة ، فانتهى بها إلى المسجد ، فرمى بها إلى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فحبسها عنده ساعة ، ثم قال : ألا تبعث من يحملها لك ؟ فقال : بل أنا أحملها .

وحدثني مالك ، قال : كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيشتري ، وكان سالم دهره يشتري في الأسواق ، وكان من أفضل أهل زمانه .

وروى أبو سعيد الحارثي ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : دخل سالم على سليمان بن عبد الملك ، وعلى سالم ثياب غليظة رثة ، فلم يزل سليمان يرحب به ، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره ، وعمر بن عبد العزيز في المجلس ، فقال له رجل من أخريات الناس : ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه ، يدخل فيها على أمير المؤمنين ؟ ! قال : وعلى المتكلم ثياب سرية ، لها قيمة ، فقال له عمر : ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك ، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك . [ ص: 462 ]

قال أحمد بن عبد الله العجلي : سالم بن عبد الله تابعي ثقة .

وقال أحمد وابن راهويه : أصح الأسانيد ; الزهري ، عن سالم ، عن أبيه .

وروى عباس ، عن يحيى بن معين ، قال : سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء ، وسعيد بن المسيب - أيضا - قريب منهما ، وإبراهيم أعجب إلي مرسلات منهم . قال عباس : قلت ليحيى : فسالم أعلم بابن عمر أو نافع ؟ قال : يقولون : إن نافعا لم يحدث حتى مات سالم .

وقال البخاري : لم يسمع سالم من عائشة .

وقال النسائي في حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا " فيما سقت السماء العشر . . " الحديث : ورواه نافع عن ابن عمر قوله ، قال : واختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ; هذا أحدها .

والثاني : " من باع عبدا له مال " فقال : سالم عن أبيه مرفوعا . وقال : نافع عن ابن عمر قوله . [ ص: 463 ]

وقال : سالم عن أبيه مرفوعا : " يخرج نار من قبل اليمن . . " ورواه نافع عن ابن عمر ، عن كعب قوله . قال : وسالم أجل من نافع ، وأحاديث نافع أولى بالصواب .

وقال ابن سعد كان سالم ثقة ، كثير الحديث ، عاليا من الرجال ورعا .

قال أبو ضمرة الليثي : حج هشام بن عبد الملك في سالم بن عبد الله ، فأعجبته سحنته ، فقال : أي شيء تأكل ؟ فقال : الخبز والزيت . قال : فإذا لم تشتهه ؟ قال : أخمره حتى أشتهيه . فعانه هشام ، فمرض ومات ، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال : إن أهل المدينة لكثير . فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم ، فلم يرجع منه أحد ، فتشاءم به أهل المدينة ، فقالوا : عان فقيهنا ، وعان أهل بلدنا . قال جويرية بن أسماء : حدثني أشعب الطمع ، قال : قال لي سالم : لا تسأل أحدا غير الله تعالى .

وقال فطر بن خليفة : رأيت سالم بن عبد الله أبيض الرأس واللحية . [ ص: 464 ]

وقال معن بن عيسى : حدثني خالد بن أبي بكر ، قال : رأيت على سالم قلنسوة بيضاء ، وعمامة بيضاء يسدل منها خلفه أكثر من شبر .

قال أيوب السختياني : أتينا سالم بن عبد الله وهو في قميص وجبة قد اتزر فوقها .

قال نافع : كان سالم يركب في عهد ابن عمر بالقطيفة الأرجوان .

قال ابن سعد أخبرت عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن ابن المسيب ، قال : أشبه ولد ابن عمر به سالم .

وقيل : كان سالم يركب حمارا عتيقا زريا ، فعمد أولاده فقطعوا ذنبه حتى لا يعود يركبه سالم ، فركب وهو أقطش الذنب ، فعمدوا فقطعوا أذنه ، فركبه ولم يغيره ذلك ، ثم جدعوا أذنه الأخرى ; وهو مع ذلك يركبه تواضعا واطراحا للتكلف . الأصمعي ، عن أشعب ، قال : دخلت على سالم بن عبد الله فقال : حمل إلينا هريسة وأنا صائم ، فاقعد كل . قال : فأمعنت ، فقال : ارفق فما بقي يحمل معك . قال : فرجعت ، فقالت المرأة : يا مشئوم بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، وقلت : إنك مريض ! قال : أحسنت ، فدخل حماما وتمرج بدهن وصفرة ، قال : وعصبت رأسي ، وأخذت قصبة أتوكأ عليها وأتيته ، فقال : أشعب ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، ما قمت منذ شهرين . قال : وعنده سالم ولم أشعر ، فقال : ويحك يا أشعب ، وغضب وخرج ، فقال عبد الله : [ ص: 465 ] ما غضب خالي سالم إلا من شيء ، فاعترفت له ، فضحك هو وجلساؤه . ووهب لي ، فخرجت فإذا أشعب قد لقي سالما فقال : ويحك ، ألم تأكل عندي الهريسة ؟ قلت : بلى ، فقال : والله لقد شككتني .

وحكى الأصمعي ، أن أشعب مر في طريق ، فعبث به الصبيان ، فقال : ويحكم ، سالم يقسم جوزا أو تمرا ، فمروا يعدون ، فغدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله حق .

مات سالم في سنة ست ومائة . قاله ابن شوذب ، وعطاف بن خالد ، وضمرة ، وأبو نعيم ، وعدة . زاد بعضهم : في ذي القعدة ، وقال بعضهم : في ذي الحجة . فصلى عليه هشام بن عبد الملك بعد انصرافه من الحج .

وقال خليفة ، وأبو أمية بن يعلى : سنة سبع ومائة .


وقال الهيثم بن عدي ، وأبو عمر الضرير : سنة ثمان . والأول أصح .

قال الحافظ ابن عساكر : قدم سالم الشام وافدا على عبد الملك ببيعة والده له ، ثم قدم على الوليد ، ثم على عمر بن عبد العزيز .

قال يحيى بن سعيد : قلت لسالم في حديث : أسمعته من ابن عمر ؟ فقال : مرة واحدة ! أكثر من مائة مرة . [ ص: 466 ]

قال همام ، عن عطاء بن السائب : دفع الحجاج رجلا إلى سالم بن عبد الله ليقتله ، فقال للرجل : أمسلم أنت ؟ قال : نعم : قال : فصليت اليوم الصبح ؟ قال : نعم ، فرد إلى الحجاج ، فرمى بالسيف ، وقال : ذكر أنه مسلم ، وأنه صلى الصبح ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " فقال : لسنا نقتله على صلاة ، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان ، فقال : هاهنا من هو أولى بعثمان مني . فبلغ ذلك ابن عمر فقال : مكيس مكيس .

قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة ، فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سلني حاجة . قال : إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره . فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ، فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها . وكان سالم حسن الخلق ، فروي عن إبراهيم بن عقبة ، قال : كان سالم إذا خلا حدثنا حديث الفتيان .

وعن أبي سعد قال : كان سالم غليظا كأنه حمال . وقيل : كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية . حماد بن عيسى الجهني ، حدثنا حنظلة ، عن سالم ، عن أبيه ، عن [ ص: 467 ] عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مد يديه في الدعاء ، لم يرسلهما حتى يمسح بهما وجهه .

تفرد به حماد ، وفيه لين . 
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

ذكر طرق حديث بعثت أنا والساعة كهاتين

ذكر طرق حديث بعثت أنا والساعة كهاتين 

.

ذكر طرق الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كل طرفة عين ، أنه قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " .

رواية أنس بن مالك : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله - يعني ابن أبي المهاجر الدمشقي - قال : قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك ، فسأله : ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنتم والساعة كتين " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، وقتادة ، وحمزة ، وهو ابن عمرو الضبي ، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة هكذا " . وأشار بالسبابة والوسطى . وكان قتادة يقول : كفضل إحداهما على الأخرى . وأخرجه مسلم من حديث شعبة ، عن حمزة الضبي هذا ، وأبي التياح ، كلاهما عن أنس ، به .

[ ص: 287 ] طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وأشار بالسبابة والوسطى . وأخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي من حديث شعبة به - وفي رواية لمسلم : عن شعبة ، عن قتادة ، وأبي التياح ، كلاهما عن أنس ، به - وقال الترمذي : حسن صحيح .

طريق أخرى عنه : روى الإمام أحمد ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن زياد بن أبي زياد المدني ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت والساعة كهاتين " . ومد إصبعيه ، السبابة والوسطى . تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به .


طريق أخرى عنه : قال مسلم في " صحيحه " : حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن معبد بن هلال العنزي ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . تفرد به مسلم .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا [ ص: 288 ] شعبة ، عن أبي التياح ، سمعت أنس بن مالك يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وبسط إصبعيه ، السبابة والوسطى . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن أبي التياح يزيد بن حميد - وزاد مسلم : وحمزة الضبي - عن أنس ، به .

رواية جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن سلام ، حدثنا جعفر ، هو ابن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وإن أفضل الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة " . ثم يرفع صوته وتحمر وجنتاه ، ويشتد غضبه إذا ذكر الساعة كأنه منذر جيش ، ثم يقول : " أتتكم الساعة ، بعثت أنا والساعة هكذا - وأشار بإصبعيه؟ السبابة والوسطى - صبحتكم الساعة ومستكم ، من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي " . الضياع : ولده المساكين . وقد رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ، من طرق عن جعفر بن محمد ، به ، وعند مسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " .

رواية سهل بن سعد : قال مسلم : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : وحدثنا [ ص: 289 ] قتيبة بن سعيد ، واللفظ له ، حدثنا يعقوب ، هو ابن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، أنه سمع سهلا يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه التي تلي الإبهام والوسطى ، وهو يقول : " بعثت أنا والساعة هكذا " . تفرد به مسلم .

رواية أبي هريرة : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو هشام ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو حصين ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وضم إصبعيه .

وقد رواه البخاري ، عن يحيى بن يوسف ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين عثمان بن عاصم ، عن أبي صالح ذكوان " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . ثم قال البخاري : وتابعه إسرائيل . ورواه ابن ماجه ، عن هناد بن السري ، وأبي هشام الرفاعي ، عن أبي بكر بن عياش به ، وقال : وجمع بين إصبعيه .


وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي جبيرة بن الضحاك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعثت في [ ص: 290 ] نسم الساعة " . يقول : حين بدت في أول وقتها . وهذا إسناد جيد ، وليس هو في شيء من الكتب ، ولا رواه أحمد بن حنبل ، وإنما روى لأبي جبيرة حديثا آخر في النهي عن التنابز بالألقاب .  

..............................
الوليد

الخليفة ، أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي ، الدمشقي الذي أنشأ جامع بني أمية .

بويع بعهد من أبيه ، وكان مترفا ، دميما ، سائل الأنف ، طويلا أسمر ، بوجهه أثر جدري ، في عنفقته شيب ، يتبختر في مشيه ، وكان قليل العلم ، نهمته في البناء .

أنشأ - أيضا - مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزخرفه ، ورزق في دولته سعادة .

ففتح بوابة الأندلس ، وبلاد الترك ، وكان لحنة ، وحرص على النحو أشهرا ، فما نفع . وغزا الروم مرات في دولة أبيه . وحج .

وقيل : كان يختم في كل ثلاث ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمة .

وكان يقول : لولا أن الله ذكر قوم لوط ما شعرت أن أحدا يفعل ذلك . [ ص: 348 ] قال ابن أبي عبلة : رحم الله الوليد ، وأين مثل الوليد ! افتتح الهند والأندلس ، وكان يعطيني قصاع الفضة أقسمها على القراء .

وقيل : إنه قرأ على المنبر " يا ليتها " بالضم . وكان فيه عسف وجبروت ، وقيام بأمر الخلافة ، وقد فرض للفقهاء والأيتام والزمنى والضعفاء ، وضبط الأمور ، فالله يسامحه .

وقد ساق ابن عساكر أخباره .


مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين . وله إحدى وخمسون سنة .

وكان في الخلافة عشر سنين سوى أربعة أشهر ، وقبره بباب الصغير .

وقام بعده أخوه سليمان بعهد له من أبيهما عبد الملك .

وقد كان عزم على خلع سليمان من ولاية العهد لولده عبد العزيز ، فامتنع عليه عمر بن عبد العزيز وقال : لسليمان بيعة في أعناقنا . فأخذه الوليد وطين عليه ، ثم فتح عليه بعد ثلاث وقد مالت عنقه ، وقيل : خنقه بمنديل حتى صاحت أخته أم البنين . فشكر سليمان لعمر ذلك ، وعهد إليه بالخلافة .

وله ترجمة طويلة في تاريخ دمشق ، وغير ذلك . 
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...