حديث في تقريب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر ، يقول : " إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم ، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ، أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها ، حتى إذا انتصف النهار عجزوا ، فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس ، فأعطيتم قيراطين قيراطين ، فقال أهل [ ص: 291 ] التوراة والإنجيل : ربنا ، هؤلاء أقل عملا ، وأكثر أجرا ! فقال : هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا : لا . فقال : فذاك فضلي أوتيه من أشاء " . وهكذا رواه البخاري ، عن أبي اليمان .
وللبخاري من حديث سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى . . . . " . فذكر الحديث بتمامه وطوله .
طريق أخرى عن ابن عمر ، رضي الله عنهما : قال الإمام أحمد : حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا شريك ، سمعت سلمة بن كهيل ، يحدث عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، والشمس على قعيقعان ، بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى ، إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه " . تفرد به أحمد . وهذا إسناد حسن ، لا بأس به . طريق أخرى عنه : قال أحمد : حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثني كثير بن [ ص: 292 ] زيد ، عن المطلب بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان واقفا بعرفات ، فنظر إلى الشمس حين تدلت مثل الترس للغروب ، فبكى واشتد بكاؤه ، فقال له رجل عنده : يا أبا عبد الرحمن ، قد وقفت معي مرارا فلم تصنع هذا؟! فقال : ذكرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بمكاني هذا ، فقال : " أيها الناس ، إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها ، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " . تفرد به أحمد .
طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حماد ، يعني ابن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم ، كما بين صلاة العصر إلى مغيربان الشمس " . ورواه البخاري ، عن سليمان بن حرب ، من حماد بن زيد ، به ، نحوه ، بأبسط منه .
وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني ، من حديث عطية العوفي ، ووهب بن كيسان ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحو ذلك .
وهذا كله يدل على أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء [ ص: 293 ] يسير ، لكن لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله تعالى ، ولا ما بقي إلا الله تعالى ، ولكن لها أشراط إذا وجدت كانت قريبة ، والله أعلم ، ولم يجئ في حديث تحديد يصح سنده عن المعصوم ، حتى يصار إليه ، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه ، ولكنه قليل جدا بالنسبة إلى الماضي ، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح ، بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به ، دون خلقه ، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة ، وعليه التكلان .
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، رحمه الله ، في " مسنده " قائلا : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، حدثني سالم بن عبد الله ، وأبو بكر بن أبي حثمة ، أن عبد الله بن عمر قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام ، فقال : " أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " . قال عبد الله : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك ، إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة ، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " . يريد بذلك أنه ينخرم ذلك القرن . وهكذا رواه [ ص: 294 ] البخاري ، عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء ، ورواه مسلم ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع ، عن شعيب ، به . فقد فسر الصحابي المراد من هذا الحديث بما فهمه ، وهو أولى بالفهم من كل أحد من أنه يريد بذلك أن ينخرم قرنه ذلك ، فلا يبقى أحد ممن هو كائن على وجه الأرض من أهل ذلك الزمان من حين قال هذه المقالة إلى مائة سنة ، وقد اختلف العلماء; هل ذلك خاص بذلك القرن؟ أو عام في كل قرن أنه لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة؟ على قولين ، والتخصيص بذلك القرن المعين الأول أولى; فإنه قد شوهد أن بعض الناس قد جاوز المائة سنة ، وذلك طائفة كثيرة من الناس ، كما قد ذكرنا هذا في كتابنا هذا في وفيات الأعيان ، فالله أعلم .
ولهذا الحديث طرق أخرى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
رواية جابر بن عبد الله : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المبارك ، حدثنا الحسن ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر ، فقال : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، فوالذي نفسي بيده ، ما أعلم اليوم نفسا يأتي عليها مائة سنة " . تفرد به أحمد ، وهو إسناد جيد حسن رجاله ثقات; أبو النضر هاشم بن القاسم من رجال [ ص: 295 ] الصحيحين ، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن ، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار ، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها .
طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، قال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة " .
وكذا رواه مسلم ، عن هارون بن عبد الله ، وحجاج بن الشاعر ، عن حجاج بن محمد الأعور ، وعن محمد بن حاتم ، عن محمد بن بكر ، كلاهما عن ابن جريج ، به .
وقال مسلم في " الصحيح " ، باب تقريب قيام الساعة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ، قالا : حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة : متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم ، فقال : " إن يعش هذا لم يدركه الهرم ، قامت عليكم ساعتكم " . تفرد به الإمام مسلم ، رحمه الله .
ثم قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى تقوم [ ص: 296 ] الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له : محمد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يعش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . تفرد به مسلم من هذا الوجه .
ثم قال مسلم : وحدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد ، يعني ابن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنزي ، عن أنس بن مالك ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : متى تقوم الساعة؟ قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال : " إن عمر هذا ، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . قال أنس : ذاك الغلام من أترابي يومئذ . تفرد به مسلم أيضا من هذا الوجه .
ثم قال مسلم : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أنس قال : مر غلام للمغيرة بن شعبة ، وكان من أقراني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " . ورواه البخاري ، عن عمرو بن عاصم ، عن همام ، به .
وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال وهذا الجواب ، وليس المراد بذلك تحديد وقت الساعة العظمى إلى وقت هرم هذا الغلام المشار إليه ، وإنما المراد ساعتهم ، وهو انقراض قرنهم وعصرهم ، وأن قصاراه تتناهى في مدة عمر ذلك الغلام ، كما تقدم في الحديث : " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند [ ص: 297 ] الله ، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة " . ويؤيد ذلك رواية عائشة ، رضي الله عنها : " قامت عليكم ساعتكم " . وذلك أنه من مات فقد دخل في حكم القيامة ، فإن عالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة ، وفيه شبه من الدنيا أيضا ، ولكن هو أشبه بالآخرة ، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا أمر الله بقيام الساعة ، فجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم ، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنة ، وبالله المستعان .
.............................................
سالم بن عبد الله ( ع )
ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الإمام الزاهد ، الحافظ ، مفتي المدينة ، [ ص: 458 ] أبو عمر ، وأبو عبد الله ، القرشي ، العدوي ، المدني ، وأمه أم ولد . مولده في خلافة عثمان .
أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أنبأنا أبو روح الهروي ، أنبأنا تميم الجرجاني ، أنبأنا أبو سعد الأديب ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء - وسألت يحيى بن معين عنه فوثقه - عن سالم ، عن أبيه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح ، ثم استقبل مطلع الشمس ، فقال : ألا إن الفتن من هاهنا - ثلاث مرات - ومن ثم يطلع قرن الشيطان .
إسناده حسن عال ، ولا يقع لنا حديث سالم أعلى من هذا .
حدث عن أبيه فجود وأكثر ، وعن عائشة - وذلك في سنن النسائي - وأبي هريرة - وذلك في البخاري ومسلم - وعن زيد بن الخطاب العدوي ، وأبي لبابة بن عبد المنذر - وذلك مرسل - وعن رافع بن خديج ، وسفينة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسعيد بن المسيب ، وامرأة أبيه صفية .
وعنه : ابنه أبو بكر ، وسالم بن أبي الجعد ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن دينار القهرمان ، ومحمد بن واسع ، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ، وأبو بكر بن حزم ، والزهري ، ومحمد بن أبي حرملة ، وكثير بن زيد ، وفضيل بن غزوان ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وصالح بن كيسان ، وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد ، وعاصم بن عبد الله ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، وعبيد الله بن عمر ، وعكرمة بن عمار ، وابن أخيه عمر بن حمزة ، وابن ابن أخيه عمر بن محمد بن زيد ، [ ص: 459 ] وابن ابن أخيه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله ، وابن أخيه القاسم بن عبيد الله ، وخلق سواهم .
روى علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : قال لي ابن عمر : أتدري لم سميت ابني سالما ؟ قلت : لا . قال : باسم سالم مولى أبي حذيفة - يعني أحد السابقين . يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به ، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به .
روى سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق قال : رأيت سالم بن عبد الله يلبس الصوف ، وكان علج الخلق ، يعالج بيديه ويعمل .
قال يحيى بن بكير : قدم جماعة من المصريين المدينة ، فأتوا باب سالم بن عبد الله ، فسمعوا رغاء بعير ، فبينا هم كذلك خرج عليهم رجل شديد الأدمة ، متزر بكساء صوف إلى ثندوته ، فقالوا له : مولاك داخل ؟ قال : من تريدون ؟ قالوا : سالم . قال : فلما كلمهم جاء شيء غير المنظر ، قال : من أردتم ؟ قالوا : سالم . قال : ها أنا ذا فما جاء بكم ؟ قالوا : أردنا أن نسائلك . قال : سلوا عما شئتم . وجلس ويده ملطخة بالدم والقيح الذي أصابه من البعير ، فسألوه .
قال أشهب ، عن مالك ، قال : لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين ، في الزهد والفضل والعيش منه ; كان يلبس الثوب [ ص: 460 ] بدرهمين ، ويشتري الشمال ليحملها . قال : فقال سليمان بن عبد الملك لسالم - ورآه حسن السحنة - : أي شيء تأكل ؟ قال : الخبز والزيت ، وإذا وجدت اللحم أكلته . فقال له عمر : أوتشتهيه ؟ قال : إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه . وروى أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران قال : دخلت على ابن عمر ، فقومت كل شيء في بيته ، فما وجدته يسوى مائة درهم ، ثم دخلت مرة أخرى ، فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان ، ودخلت على سالم من بعده ، فوجدته على مثل حال أبيه .
روى زيد بن محمد بن زيد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يقبل سالما ويقول : شيخ يقبل شيخا . ابن سعد ، عن محمد بن حرب المكي : سمع خالد بن أبي بكر يقول : بلغني أن ابن عمر كان يلام في حب سالم ، فكان يقول : يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم
قال ابن أبي الزناد : كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة : علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا ، فرغب الناس حينئذ في السراري . [ ص: 461 ]
قال ابن المبارك : كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة : ابن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وسالم ، والقاسم ، وعروة ، وعبيد الله بن عبد الله ، وخارجة بن زيد . وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم ، فينظرون فيها فيصدرون . ابن وهب : حدثنا مالك ، عن يزيد بن رومان ، عن سالم بن عبد الله : أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه . واشترى شملة ، فانتهى بها إلى المسجد ، فرمى بها إلى عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فحبسها عنده ساعة ، ثم قال : ألا تبعث من يحملها لك ؟ فقال : بل أنا أحملها .
وحدثني مالك ، قال : كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيشتري ، وكان سالم دهره يشتري في الأسواق ، وكان من أفضل أهل زمانه .
وروى أبو سعيد الحارثي ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : دخل سالم على سليمان بن عبد الملك ، وعلى سالم ثياب غليظة رثة ، فلم يزل سليمان يرحب به ، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره ، وعمر بن عبد العزيز في المجلس ، فقال له رجل من أخريات الناس : ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه ، يدخل فيها على أمير المؤمنين ؟ ! قال : وعلى المتكلم ثياب سرية ، لها قيمة ، فقال له عمر : ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك ، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك . [ ص: 462 ]
قال أحمد بن عبد الله العجلي : سالم بن عبد الله تابعي ثقة .
وقال أحمد وابن راهويه : أصح الأسانيد ; الزهري ، عن سالم ، عن أبيه .
وروى عباس ، عن يحيى بن معين ، قال : سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء ، وسعيد بن المسيب - أيضا - قريب منهما ، وإبراهيم أعجب إلي مرسلات منهم . قال عباس : قلت ليحيى : فسالم أعلم بابن عمر أو نافع ؟ قال : يقولون : إن نافعا لم يحدث حتى مات سالم .
وقال البخاري : لم يسمع سالم من عائشة .
وقال النسائي في حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا " فيما سقت السماء العشر . . " الحديث : ورواه نافع عن ابن عمر قوله ، قال : واختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ; هذا أحدها .
والثاني : " من باع عبدا له مال " فقال : سالم عن أبيه مرفوعا . وقال : نافع عن ابن عمر قوله . [ ص: 463 ]
وقال : سالم عن أبيه مرفوعا : " يخرج نار من قبل اليمن . . " ورواه نافع عن ابن عمر ، عن كعب قوله . قال : وسالم أجل من نافع ، وأحاديث نافع أولى بالصواب .
وقال ابن سعد كان سالم ثقة ، كثير الحديث ، عاليا من الرجال ورعا .
قال أبو ضمرة الليثي : حج هشام بن عبد الملك في سالم بن عبد الله ، فأعجبته سحنته ، فقال : أي شيء تأكل ؟ فقال : الخبز والزيت . قال : فإذا لم تشتهه ؟ قال : أخمره حتى أشتهيه . فعانه هشام ، فمرض ومات ، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال : إن أهل المدينة لكثير . فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم ، فلم يرجع منه أحد ، فتشاءم به أهل المدينة ، فقالوا : عان فقيهنا ، وعان أهل بلدنا . قال جويرية بن أسماء : حدثني أشعب الطمع ، قال : قال لي سالم : لا تسأل أحدا غير الله تعالى .
وقال فطر بن خليفة : رأيت سالم بن عبد الله أبيض الرأس واللحية . [ ص: 464 ]
وقال معن بن عيسى : حدثني خالد بن أبي بكر ، قال : رأيت على سالم قلنسوة بيضاء ، وعمامة بيضاء يسدل منها خلفه أكثر من شبر .
قال أيوب السختياني : أتينا سالم بن عبد الله وهو في قميص وجبة قد اتزر فوقها .
قال نافع : كان سالم يركب في عهد ابن عمر بالقطيفة الأرجوان .
قال ابن سعد أخبرت عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن ابن المسيب ، قال : أشبه ولد ابن عمر به سالم .
وقيل : كان سالم يركب حمارا عتيقا زريا ، فعمد أولاده فقطعوا ذنبه حتى لا يعود يركبه سالم ، فركب وهو أقطش الذنب ، فعمدوا فقطعوا أذنه ، فركبه ولم يغيره ذلك ، ثم جدعوا أذنه الأخرى ; وهو مع ذلك يركبه تواضعا واطراحا للتكلف . الأصمعي ، عن أشعب ، قال : دخلت على سالم بن عبد الله فقال : حمل إلينا هريسة وأنا صائم ، فاقعد كل . قال : فأمعنت ، فقال : ارفق فما بقي يحمل معك . قال : فرجعت ، فقالت المرأة : يا مشئوم بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، وقلت : إنك مريض ! قال : أحسنت ، فدخل حماما وتمرج بدهن وصفرة ، قال : وعصبت رأسي ، وأخذت قصبة أتوكأ عليها وأتيته ، فقال : أشعب ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، ما قمت منذ شهرين . قال : وعنده سالم ولم أشعر ، فقال : ويحك يا أشعب ، وغضب وخرج ، فقال عبد الله : [ ص: 465 ] ما غضب خالي سالم إلا من شيء ، فاعترفت له ، فضحك هو وجلساؤه . ووهب لي ، فخرجت فإذا أشعب قد لقي سالما فقال : ويحك ، ألم تأكل عندي الهريسة ؟ قلت : بلى ، فقال : والله لقد شككتني .
وحكى الأصمعي ، أن أشعب مر في طريق ، فعبث به الصبيان ، فقال : ويحكم ، سالم يقسم جوزا أو تمرا ، فمروا يعدون ، فغدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله حق .
مات سالم في سنة ست ومائة . قاله ابن شوذب ، وعطاف بن خالد ، وضمرة ، وأبو نعيم ، وعدة . زاد بعضهم : في ذي القعدة ، وقال بعضهم : في ذي الحجة . فصلى عليه هشام بن عبد الملك بعد انصرافه من الحج .
وقال خليفة ، وأبو أمية بن يعلى : سنة سبع ومائة .
وقال الهيثم بن عدي ، وأبو عمر الضرير : سنة ثمان . والأول أصح .
قال الحافظ ابن عساكر : قدم سالم الشام وافدا على عبد الملك ببيعة والده له ، ثم قدم على الوليد ، ثم على عمر بن عبد العزيز .
قال يحيى بن سعيد : قلت لسالم في حديث : أسمعته من ابن عمر ؟ فقال : مرة واحدة ! أكثر من مائة مرة . [ ص: 466 ]
قال همام ، عن عطاء بن السائب : دفع الحجاج رجلا إلى سالم بن عبد الله ليقتله ، فقال للرجل : أمسلم أنت ؟ قال : نعم : قال : فصليت اليوم الصبح ؟ قال : نعم ، فرد إلى الحجاج ، فرمى بالسيف ، وقال : ذكر أنه مسلم ، وأنه صلى الصبح ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " فقال : لسنا نقتله على صلاة ، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان ، فقال : هاهنا من هو أولى بعثمان مني . فبلغ ذلك ابن عمر فقال : مكيس مكيس .
قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة ، فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سلني حاجة . قال : إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره . فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ، فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها . وكان سالم حسن الخلق ، فروي عن إبراهيم بن عقبة ، قال : كان سالم إذا خلا حدثنا حديث الفتيان .
وعن أبي سعد قال : كان سالم غليظا كأنه حمال . وقيل : كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية . حماد بن عيسى الجهني ، حدثنا حنظلة ، عن سالم ، عن أبيه ، عن [ ص: 467 ] عمر ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مد يديه في الدعاء ، لم يرسلهما حتى يمسح بهما وجهه .
تفرد به حماد ، وفيه لين .
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء