حمل واقرأ

قراءة المصحف كاملا بصيغة وورد ومعه حمل المصحف بكل الصيغ  حمل المصحف:بونط كبير

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الأحد، 25 يوليو 2021

ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي ، سقانا الله منه يوم القيامة

ذكر ما ورد في الحوض النبوي المحمدي ، سقانا الله منه يوم القيامة ، من الأحاديث المتواترة المتعددة من الطرق الكثيرة المتضافرة ، وإن رغمت أنوف كثير من المبتدعة النافرة المكابرة القائلين بجحوده ، المنكرين لوجوده ، وأخلق بهم أن يحال بينهم وبين وروده ، كما قال بعض السلف : من كذب بكرامة لم ينلها . ولو اطلع المنكر للحوض على ما سنورده من الأحاديث قبل مقالته لم يقلها

روى أحاديث الحوض جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم : أبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، وبريدة بن الحصيب ، وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجابر بن سمرة ، وجابر بن عبد الله ، وجندب بن عبد الله البجلي ، وحارثة بن وهب ، وحذيفة بن أسيد ، وحذيفة بن اليمان ، والحسن بن علي ، وحمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن أرقم ، وسلمان الفارسي ، وسمرة بن جندب ، وسهل بن سعد ، وسويد بن جبلة ، وعبد الله الصنابحي ، وعبد الله بن زيد بن عاصم ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعتبة بن عبد السلمي ، وعثمان بن مظعون ، والمستورد ، وعقبة بن عامر الجهني ، والنواس بن سمعان ، وأبو أمامة [ ص: 424 ] الباهلي ، وأبو برزة الأسلمي ، وأبو بكرة ، وأبو ذر الغفاري ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة الدوسي ، وخولة بنت قيس ، وأسماء بنت أبي بكر ، وعائشة ، وأم سلمة ، رضي الله عنهم أجمعين .

رواية أبي بن كعب الأنصاري ، رضي الله عنه : قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو زرعة الدمشقي ، حدثنا محمد بن الصلت ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحوض ، فقالوا : يا رسول الله ، وما الحوض؟ فقال : " ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ، ومن صرف عنه لم يرو أبدا " .

ورواه أبو بكر بن أبي عاصم ، في كتاب " السنة " : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا عبد الغفار بن القاسم ، فذكره بإسناده ، ولفظه : قيل : يا رسول الله ، وما الحوض؟ قال : " والذي نفسي بيده ، إن شرابه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك ، وآنيته أكثر عددا من النجوم ، لا يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ، ولا يصرف عنه إنسان فيروى أبدا " . لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، ولا الإمام أحمد .

[ ص: 425 ] رواية أنس بن مالك الأنصاري خادم النبي صلى الله عليه وسلم : قال البخاري؟ حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، قال ابن شهاب : حدثني أنس بن مالك ، رضي الله عنه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء " . وكذا رواه مسلم ، عن حرملة ، عن ابن وهب به .

طريق أخرى عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا وهيب ، حدثنا عبد العزيز ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليردن علي ناس من أصيحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك " . ورواه مسلم ، عن محمد بن حاتم ، عن عفان ، عن وهب بن خالد ، عن عبد العزيز بن صهيب به .

طريق أخرى عن أنس : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس بن مالك ، قال : أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، فرفع رأسه متبسما ، إما قال لهم ، وإما قالوا له : لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 426 ] إنه أنزلت علي آنفا سورة " فقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : 1 ] حتى ختمها ، ثم قال : " هل تدرون ما الكوثر " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة ، عليه خير كثير ، ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد الكواكب ، يختلج العبد منهم ، فأقول : يا رب ، إنه من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . هذا ثلاثي الإسناد .

ورواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث ابن فضيل ، وعلي بن مسهر ، كلاهما عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، به .

ولفظ مسلم : " فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة " . والباقي مثله . ومعنى ذلك : أنه يشخب من الكوثر وهو في الجنة ميزابان إلى الحوض ، والحوض في موقف القيامة قبل الصراط; لأنه يختلج عنه ، ويمنع منه أقوام قد ارتدوا على أعقابهم ، ومثل هؤلاء لا يجاوزون الصراط . كما سيرد هذا من طرق متعددة ، وجاء مصرحا به أنه في العرصات ، كما ستراه قريبا إن شاء الله . وأما الكوثر فإنه نهر في الجنة .

طريق أخرى عن أنس ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، وأزهر بن القاسم ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله [ ص: 427 ] صلى الله عليه وسلم قال : " مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء ، أو مثل ما بين المدينة وعمان " .

ورواه مسلم ، عن هارون الحمال ، عن عبد الصمد . وأخرجه مسلم أيضا عن عاصم بن النضر الأحول ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن أنس ، بنحوه .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، وحسن بن موسى ، قالا : حدثنا حماد بن سلمة . ورواه أحمد أيضا عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن أنس; أن قوما ذكروا عند عبيد الله بن زياد الحوض فأنكره ، وقال : ما الحوض ؟ فبلغ ذلك أنس بن مالك ، فقال : لا جرم ، والله لأفعلن . فأتاه ، فقال : ذكرتم الحوض؟ فقال عبيد الله : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره؟ فقال : نعم ، أكثر من كذا وكذا مرة يقول : " إن ما بين طرفيه كما بين أيلة إلى مكة أو بين صنعاء ومكة ، وإن آنيته أكثر من عدد نجوم السماء " انفرد به أحمد .

وقد رواه يحيى بن محمد بن صاعد ، عن سوار بن عبد الله القاضي العنبري ، عن معاذ بن معاذ العنبري ، عن أشعث بن عبد الملك الحمراني ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي ما بين كذا [ ص: 428 ] إلى كذا ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، أحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا " .

طريق أخرى : قال أبو يعلى : حدثنا عبد الرحمن ، هو ابن سلام ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس; أن عبيد الله بن زياد قال : يا أبا حمزة ، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض؟ فقال : لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد صلى الله عليه وسلم .

طريق أخرى : قال أبو يعلى أيضا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عمر بن يونس الحنفي ، حدثنا عكرمة ، هو ابن عمار ، عن يزيد الرقاشي ، قال : قلت : يا أبا حمزة ، إن قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك . فقال أنس : أولئك شر الخلق والخليقة . قلت : ويكذبون بالحوض . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا عرضه كما بين أيلة ، إلى الكعبة - أو قال : صنعاء - أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه آنية عدد نجوم السماء ، يمده ميزابان من الجنة ، من كذب به لم يصب منه الشرب " .

طريق أخرى : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الخالق البزار في مسنده : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا المسعودي ، عن عدي بن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي من كذا إلى كذا ، فيه من الآنية [ ص: 429 ] عدد النجوم ، أطيب ريحا من المسك ، وأحلى من العسل ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا ، ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا ، ثم قال : لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أنس بهذا الإسناد ، ولم يرو عدي بن ثابت عن أنس سواه ، ولا رواه عنه إلا المسعودي . وهذا إسناد جيد ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب ، ولا أحمد بن حنبل .

طريق أخرى : قال ابن أبي الدنيا : حدثني الحسن بن الصباح ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس ، عن جده أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أريت حوضي ، فإذا على حافتيه آنية مثل نجوم السماء ، فأدخلت يدي ، فإذا عنبر أذفر " .

رواية بريدة بن الحصيب الأسلمي : قال أبو يعلى : حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن عائذ بن نسير العجلي عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي كما بين عمان إلى اليمن ، فيه آنية عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " .

وهكذا رواه ابن صاعد ، وابن أبي الدنيا ، عن عبد الله بن الوضاح الأزدي اللؤلئي ، عن يحيى بن يمان به . ولفظه : " حوضي ما بين عمان ، واليمن ، فيه آنية [ ص: 430 ] عدد نجوم السماء ، أحلى من العسل ، وأبيض من اللبن ، وألين من الزبد ، من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا " . لم يخرجوه .

رواية ثوبان : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن سالم ، عن معدان ، عن ثوبان ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا بعقر حوضي يوم القيامة ، أذود عنه الناس لأهل اليمن ، وأضربهم بعصاي حتى يرفض عنهم " . قال : قيل : يا رسول الله : ما سعته ؟ قال : " من مقامي إلى عمان ، يغت فيه ميزابان يمدانه " .

ورواه أحمد أيضا عن عبد الصمد ، عن هشام ، عن قتادة . وعن عبد الوهاب ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة . وعن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة به ، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عرضه ، فقال : " من مقامي إلى عمان " . وقال عبد الرزاق : " ما بين بصرى وصنعاء ، أو ما بين أيلة ومكة " . أو قال : " من مقامي هذا إلى عمان " . وسئل عن شرابه ، فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يغت فيه ميزابان ، يمدانه من الجنة; أحدهما من ذهب ، والآخر من ورق " .

[ ص: 431 ] وقال أبو يعلى : حدثنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - حدثنا محمد بن بشر العبدي ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن ثوبان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا عند عقر حوضي أذود عنه الناس لأهل اليمن ، إني لأضربهم بعصاي حتى يرفض " . قال : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سعة الحوض ، قال : " مثل مقامي هذا إلى عمان ، ما بينهما شهر ، أو نحو ذلك " . فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرابه ، فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يغت فيه ميزابان ، مداده - أو مدادهما - من الجنة ، أحدهما ورق ، والآخر ذهب " .

وهكذا رواه مسلم ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، ثلاثتهم عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، بنحوه .

طريق أخرى عن ثوبان : قال أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا ابن عياش ، عن محمد بن المهاجر ، عن العباس بن سالم اللخمي ، قال : بعث عمر بن عبد العزيز إلى أبي سلام الحبشي ، فحمل إليه على البريد ، ليسأله عن الحوض ، فقدم به عليه ، فسأله فقال : سمعت ثوبان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، [ ص: 432 ] وأحلى من العسل ، وأكاويبه عدد النجوم ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين " . فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى عنه : من هم يا رسول الله؟ قال : " هم الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد " . فقال عمر بن عبد العزيز : لقد نكحت المتنعمات ، وفتحت لي السدد ، إلا أن يرحمني الله ، والله لا أدهن رأسي ، حتى يشعث ، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ . ورواه الترمذي في الزهد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن يحيى بن صالح . وابن ماجه فيه ، عن محمود بن خالد الدمشقي ، عن مروان بن محمد الطاطري ، كلاهما عن محمد بن المهاجر ، عن العباس بن سالم ، عن أبي سلام .

قال شيخنا المزي في أطرافه : ورواه الوليد بن مسلم ، عن يحيى بن الحارث ، وشيبة بن الأحنف وغيرهما ، عن أبي سلام .

وقال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا صدقة ، حدثنا زيد بن واقد ، حدثني بسر بن عبيد الله ، حدثنا أبو سلام الأسود ، عن [ ص: 433 ] ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي كما بين عدن إلى عمان ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب رائحة من المسك ، أكاويبه كنجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وأكثر الناس علي واردة فقراء المهاجرين " . قلنا : ومن هم يا رسول الله؟ قال : " الشعث رءوسا ، الدنس ثيابا ، الذين لا ينكحون المتنعمات ، ولا تفتح لهم أبواب السدد ، الذين يعطون الذي عليهم ، ولا يعطون الذي لهم " . وهذه طريق جيدة أيضا . ، ولله الحمد والمنة .

رواية جابر بن سمرة : قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خيثمة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني فرطكم على الحوض ، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة ، كأن الأباريق فيه النجوم " . وهكذا رواه مسلم عن أبي همام ، به وقال : ( أنا فرط لكم ) . والباقي مثله .

طريق أخرى عن جابر بن سمرة : قال مسلم : حدثنا قتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، قالا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن المهاجر بن [ ص: 434 ] مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فكتب إلي : إني سمعته يقول : ( أنا الفرط على الحوض ) .

رواية جابر بن عبيد الله : قال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا زكريا بن إسحاق ، حدثنا أبو الزبير; أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا على الحوض أنظر من يرد علي ) . قال : " فيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب ، مني ومن أمتي " . قال : " فيقال : وما يدريك ما عملوا بعدك؟ ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم " . قال جابر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحوض مسيرة شهر ، وزواياه سواء - يعني عرضه مثل طوله - وكيزانه مثل نجوم السماء ، وهو أطيب ريحا من المسك ، وأشد بياضا من اللبن ، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ) . هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، ولم يروه ، وقد روى من طريق زكريا ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، ستة أحاديث ، ليس هذا منها .

طريق أخرى عن جابر : قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمر بن هياج ، حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي ، حدثنا عبيدة بن الأسود ، عن مجالد ، عن عامر - هو الشعبي - عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني فرطكم على الحوض ، وإني مكاثر بكم الأمم ، فلا ترجعوا بعدي كفارا يقتل بعضكم بعضا ) فقال رجل : يا رسول الله ، ما عرضه ؟ قال : " ما [ ص: 435 ] ببن أيلة - أحسبه قال - إلى مكة ، فيه مكاكي أكثر من عدد النجوم ، لا يتناول مؤمن منها واحدا فيضعه من يده حتى يتناول آخر ) . ثم قال : لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه .

ورواه ابن أبي الدنيا ، عن أبي عبد الرحمن القرشي ، عن عبيدة بن الأسود به ، رواية جندب بن عبد الله البجلي : قال البخاري : حدثنا عبدان ، أخبرني أبي ، عن شعبة ، عن عبد الملك ، سمعت جندبا : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا فرطكم على الحوض ) .

ورواه مسلم من حديث شعبة ، وزائدة ، ومسعر ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، به . ورواه الإمام أحمد ، من حديث هؤلاء عنه ، وعن سفيان بن عيينة عنه ، ثم قال سفيان : الفرط الذي يسبق .

رواية حارثة بن وهب الخزاعي : قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا حرمي بن عمارة ، حدثنا شعبة ، عن معبد بن خالد ، أنه سمع حارثة بن وهب ، يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر الحوض ، فقال : ( كما بين المدينة [ ص: 436 ] وصنعاء . وزاد ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال : " حوضه ما بين صنعاء والمدينة ) . فقال له المستورد : ألم تسمعه قال الأواني؟ قال : لا . قال المستورد : ترى فيه الآنية مثل الكواكب .

وقد رواه مسلم ، عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، عن حرمي بن عمارة ، عن شعبة - كما ساقه البخاري . ورواه عن محمد بن عبد الله بن بزيغ ، عن محمد بن عبد الله - وهو ابن أبي عدي - عن شعبة ، كما ذكره البخاري سواء .

والمستورد هذا هو ابن شداد بن عمرو الفهري ، صحابي جليل ، علق له البخاري ، وأسند ذلك مسلم ، وروى له أهل السنن الأربعة ، وله أحاديث .

الغفاري : أنبئنا عن الحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي ، رحمه الله ، أنه قال في الجزء الذي جمعه في أحاديث الحوض : أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني بها ، أن الحسن بن أحمد الحداد أخبرهم قراءة عليه ، وهو حاضر ، أنبأنا أحمد بن عبد الله - يعني أبا نعيم الأصبهاني - أخبرنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله سمويه ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا زيد بن الحسن ، حدثنا معروف بن [ ص: 437 ] خربوذ ، حدثنا أبو الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد ، رضي الله عنه ، قال : لما صدر النبي صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع قال : " أيها الناس ، إني فرطكم على الحوض ، وإنكم واردون على حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه آنية عدد النجوم ) . لم يروه من أصحاب الكتب أحد ، ولا أحمد .

رواية حذيفة بن اليمان : قال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا ابن هبيرة ، أنه سمع أبا تميم الجيشاني ، يقول : أخبرني سعيد ، أنه سمع حذيفة يقول : غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم يخرج ، حتى ظننا أنه لن يخرج ، فلما خرج سجد سجدة ، فظننا أن نفسه قد قبضت منها ، فلما رفع رأسه قال : ( إن ربي تبارك وتعالى ، استشارني في أمتي : ماذا أفعل بهم ؟ فقلت : ما شئت ، أي رب ، هم خلقك وعبادك . فاستشارني الثانية ، فقلت له كذلك . فقال : لا أحزنك في أمتك يا محمد . وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ليس عليهم حساب ، ثم أرسل إلي ، فقال : ادع تجب ، وسل تعط . فقلت لرسوله : أو معطي ربي سؤلي ؟ فقال : ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر ، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حيا صحيحا ، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ، ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر ، فهو نهر في الجنة ، يسيل في حوضي ، وأعطاني العز ، والنصر ، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا ، وأعطاني أني أول [ ص: 438 ] الأنبياء أدخل الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا من حرج ) . هذا حديث حسن الإسناد والمتن .

طريق أخرى عنه : رواه الطبراني من حديث مبارك بن فضالة ، عن خالد بن أبي الصلت ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، عن حذيفة ، مرفوعا : " إنها ستكون عليكم أمراء يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فهو مني وأنا منه ، وسيرد علي الحوض غدا إن شاء الله ) .

طريق أخرى : قال أبو القاسم البغوي : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن سعد بن طارق ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن حوضي لأبعد من أيلة وعدن ، والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد النجوم ، ولهو أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، والذي نفسي بيده ، إني لأذود عنه الرجال كما يذود الراعي الإبل الغريبة عن حوضه ) . قال : قيل يا رسول الله ، تعرفنا يومئذ ؟ قال : " نعم تردون علي غرا محجلين من آثار الوضوء ، وليست لأحد غيركم " .

[ ص: 439 ] رواه مسلم ، عن عثمان بن أبي شيبة بنحوه ، وعلقه البخاري ، فقال : وقال حصين ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

حديث الحسن بن علي بن أبي طالب : قال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، وعبد الرحمن بن سلم الرازي ، قالا : حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، حدثنا علي بن عابس ، عن بدر بن الخليل أبي الخليل ، عن أبي كثير ، قال : كنت جالسا عند الحسن بن علي ، فجاءه رجل ، فقال : لقد سب عند معاوية عليا سبا قبيحا رجل يقال له : معاوية بن حديج . فقال : تعرفه؟ قال : نعم ، قال : إذا رأيته فأتني به . قال : فرآه عند عمرو بن حريث ، فأراه إياه ، قال : أنت معاوية بن حديج؟ فسكت ، فلم يجبه ، ثلاثا ، ثم قال : أنت السباب عليا عند ابن آكلة الأكباد؟ أما إنك إن وردت عليه الحوض - وما أراك ترده - لتجدنه مشمرا حاسرا عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تذاد غريبة الإبل عن صاحبها ، قول الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم [ ص: 440 ] ورواه من طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة ، عن الحسن مرفوعا .

حديث أبي عمارة بن عبد المطلب رضي الله عنه : قال الطبراني : حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، أخبرني حرام بن عثمان ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما ولم يجده ، فسأل امرأته عنه - وكانا من بني النجار - فقالت : خرج بأبي أنت وأمي آنفا عامدا نحوك ، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار ، أفلا تدخل يا رسول الله؟ فدخل ، فقدمت إليه حيسا فأكل منه ، فقالت : يا رسول الله ، هنيئا لك ومريئا ، لقد جئت وأنا أريد أن آتيك أهنئك وأمرئك ، أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر . فقال : " أجل " ، وعرصته ياقوت ، ومرجان ، وزبرجد ، ولؤلؤ " . قالت : أحببت أن تصف لي حوضك بصفة أسمعها منك . فقال : ( هو ما بين أيلة ، وصنعاء ، فيه أباريق مثل عدد النجوم ، وأحب واردها على قومك ، يا بنت قهد الأنصاري " .

[ ص: 441 ] هذا حديث عزيز جدا ، من رواية حمزة بن عبد المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم من رواية زوجته هذه ، ورواية عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أسامة بن زيد منقطعة ، وذكر أبو بكر الشافعي في " فوائده " : أن بينهما المسور بن مخرمة .

رواية زيد بن أرقم ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا شعبة ، قال : عمرو بن مرة أخبرني ، قال : سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزل منزلا ، فسمعته يقول : " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض من أمتي " . قلنا لزيد : كم كنتم يومئذ؟ قال : سبعمائة أو ثمانمائة .

وكذا رواه عن هاشم ، عن شعبة . ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة . ورواه أحمد ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، كلاهما ، عن عمرو بن مرة به . ورواه أبو داود ، عن حفص بن عمر ، عن شعبة .

قلت : وأبو حمزة ، هو طلحة بن يزيد الأنصاري الكوفي مولى قرظة بن كعب . والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 442 ] رواية أخرى عن زيد بن أرقم ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حيان التيمي ، .

وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا الحسن بن يعقوب العدل ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، أنبأنا جعفر بن عون ، أنبأنا أبو حيان يحيى بن سعيد التيمي ، تيم الرباب - حدثنا يزيد بن حيان التيمي ، قال : شهدت زيد بن أرقم ، وبعث إليه عبيد الله بن زياد ، فقال : ما أحاديث بلغني عنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ تزعم أن له حوضا في الجنة؟ فقال : حدثنا ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه . فقال : كذبت ، ولكنك شيخ قد خرفت . قال : أما إنه سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته يقول : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وما كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وستأتي روايته عن أخ له .

وأما رواية سلمان الفارسي ، رضي الله عنه : فروى الإمام أبو بكر بن خزيمة ، رحمه الله ، من حديث علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن سلمان ، رضي الله عنه ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان ، فقال : " أيها الناس ، قد أظلكم شهر عظيم مبارك . . . " وذكر تمام [ ص: 443 ] الحديث بطوله في فضل شهر رمضان ، إلى أن قال : " ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة " .

رواية سمرة بن جندب الفزاري ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي عاصم ، حدثنا إبراهيم بن المستمر ، حدثنا محمد بن بكار بن بلال ، حدثنا سعيد - هو ابن بشير - عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لكل نبي حوضا يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة ) . وكذا رواه الترمذي ، عن أحمد بن محمد بن نيزك ، عن محمد بن بكار بن بلال ، عن سعيد بن بشير ، وقال : هذا حديث غريب قال : ورواه أشعث بن عبد الملك ، عن الحسن مرسلا ، وهو أصح .

رواية سهل بن سعد الأنصاري الساعدي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني فرطكم على الحوض ، من مر علي شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم " . قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : " فأقول؟ إنهم مني . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي " . وقال ابن عباس : [ ص: 444 ] سحقا : بعدا . يقال : سحيق : بعيد ، سحقه ، وأسحقه : أبعده . تفرد به من هذا الوجه . والله أعلم .

وأما رواية سويد بن جبلة ، فذكرها القاضي عياض ، وكذلك رواية عبد الله الصنابحي ، ذكرها عياض أيضا .

رواية عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، رضي الله عنه : ثبت في " الصحيحين " عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم حنين ، فأعطى من أعطى من صناديد قريش ، والعرب ، فتغضب بعض الأنصار ، فخطبهم ، فقال لهم فيما قال : " إنكم ستجدون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " .

رواية عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه : قال أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، حدثنا ليث - هو ابن أبي سليم ، - عن عبد الملك بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إني آخذ بحجزكم أقول : إياكم وجهنم ، إياكم والحدود ، [ ص: 445 ] إياكم وجهنم ، إياكم والحدود " - ثلاث مرات - " وإذا أنا مت تركتكم على البيضاء ، وأنا فرطكم على الحوض ، فمن ورد أفلح ، ويؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب - أحسبه قال : أصحابي - فيقال : ما زالوا بعدك يرتدون على أعقابهم " . ثم قال : تفرد به ليث ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير .

وقال البخاري في باب الحوض من " صحيحه " : حدثنا عمرو بن محمد ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : الكوثر : الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : إن أناسا يزعمون أنه نهر في الجنة ، فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه .

قلت : وقد تقدم أنه يشخب من الكوثر الذي في الجنة إلى الحوض الذي في الموقف ميزابان من ذهب وفضة .

طريق أخرى عن ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما : قال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الحارثي ، [ ص: 446 ] حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حوضي مسيرة شهر ، زواياه سواء ، أكوابه عدد نجوم السماء ، ماؤه أبيض من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب - يعني ريحا - من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " .

طريق أخرى عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا حسين بن محمد المروزي ، حدثنا محصن بن عقبة اليماني ، عن الزبير بن شبيب ، عن عثمان بن حاضر ، عن ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين ، هل فيه ماء؟ قال : " إي ، والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " .

رواية عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أمامكم حوض ، ما بين جرباء وأذرح " .

[ ص: 447 ] ورواه أحمد ، عن يحيى القطان ، ورواه مسلم ، من حديث عبيد الله ، وأيوب ، وموسى بن عقبة ، وغيرهم ، عن نافع .

وفي بعض الروايات؟ " أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح - وهما قريتان بالشام - فيه أباريق عدد نجوم السماء ، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدا " .

طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عمر بن عمرو أبو عثمان الأحموسي ، حدثني المخارق بن أبي المخارق ، عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حوضي كما بين عدن وعمان أبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، أكوابه مثل نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أول الناس عليه ورودا صعاليك المهاجرين " . قال قائل : ومن هم يا رسول الله؟ قال : الشعثة رءوسهم ، الشحبة وجوههم ، الدنسة ثيابهم ، لا يفتح لهم أبواب السدد ، ولا ينكحون المتنعمات ، الذين يعطون كل الذي عليهم ، ولا يأخذون الذي لهم " . تفرد به أحمد .

[ ص: 448 ] طريق أخرى عنه : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، حدثنا عطاء بن السائب ، قال : قال لي محارب بن دثار : ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر؟ قلت : كان سعيد يحدث عن ابن عباس ، قال : هو الخير الكثير . قال محارب : أين يقع رأي ابن عباس؟ قال محارب : حدثنا عبد الله بن عمر ، قال : لما نزلت : إنا أعطيناك الكوثر [ الكوثر : ا ] . قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، يجري على الدر والياقوت ، تربته أطيب ريحا من المسك ، وطعمه أحلى من العسل ، وماؤه أشد بياضا من الثلج " .

ورواه البيهقي من حديث حماد بن زيد ، عن عطاء بن السائب بنحوه ، وأخرجه الترمذي ، وابن ماجه من طريق محمد بن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

رواية عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : قال عبد الله بن عمير : قال النبي صلى الله عليه وسلم " حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه فلا يظمأ أبدا " . ورواه مسلم ، عن داود بن عمرو ، عن نافع بن عمر ، به . [ ص: 449 ] طريق أخرى عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، حدثنا حسين المعلم ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبي سبرة - واسمه سالم بن سبرة - قال : كان عبيد الله بن زياد يسأل عن الحوض ؟ حوض محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان يكذب به بعد ما سأل أبا برزة ، والبراء بن عازب ، وعائذ بن عمرو ، ورجلا أخر ، وكان يكذب به ، فقال أبو سبرة : أنا أحدثك بحديث فيه شفاء هذا ، إن أباك بعث معي بمال إلى معاوية ، فلقيت عبد الله بن عمرو ، فحدثني بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأملى علي ، فكتبت بيدي ، فلم أزد حرفا ، ولم أنقص حرفا ، حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يحب الفحش ، أو يبغض الفاحش ، والمتفحش " . قال : ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش ، والتفاحش ، وقطيعة الرحم ، وسوء المجاورة ، وحتى يؤتمن الخائن ، ويخون الأمين " . وقال : " ألا إن موعدكم حوضي ، عرضه وطوله واحد ، وهو كما بين أيلة ومكة ، وهو مسيرة شهر ، فيه مثل النجوم أباريق ، شرابه أشد بياضا من الفضة ، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده أبدا " . فقال عبيد الله : ما سمعت في الحوض حديثا أثبت من هذا . فصدق به ، وأخذ الصحيفة ، فحبسها عنده .

طريق أخرى عنه : قال أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا [ ص: 450 ] محمود بن بكر بن عبد الرحمن ، حدثنا أبي ، حدثنا عيسى بن المختار ، عن محمد بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، عن عبيد بن عمير الليثي ، عن عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا في الجنة مسيرته شهر ، وزواياه سواء ، ريحه أطيب من المسك ، ماؤه كالورق ، أقداحه كنجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " . ثم قال : لا نعلم روى عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن عمرو غير هذا الحديث .

طريق أخرى أيضا : رواها الطبراني من حديث مسلم بن رئاب ، عن عبد الله بن عمرو .

رواية عبد الله بن مسعود الهذلي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن سليمان ، عن شقيق ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض " . قال البخاري : وحدثنا عمرو بن علي ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة : سمعت أبا وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ، ثم ليختلجن دوني ، فأقول : يا رب ، أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " . تابعه عاصم ، عن أبي وائل ، وقال حصين : عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 451 ] طريق أخرى عنه في الحوض وغيره : قال الإمام أحمد : حدثنا عارم بن الفضل ، حدثنا سعيد بن زيد ، حدثنا علي بن الحكم البناني ، عن عثمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالا : إن أمنا ماتت وكانت تكرم الزوج ، وتعطف على الولد - قال : وذكر الضيف - غير أنها كانت وأدت في الجاهلية ، فقال : " أمكما في النار " . قال : فأدبرا والشر يرى في وجوههما ، فأمر بهما ، فردا ، فرجعا والسرور يرى في وجوههما رجاء أن يكون قد حدث شيء ، فقال : " أمي مع أمكما " . فقال رجل من المنافقين : وما يغني هذا عن أمه شيئا ، ونحن نطأ عقبيه! فقال رجل من الأنصار - ولم أر رجلا قط أكثر سؤالا منه - : يا رسول الله ، هل وعدك ربك فيهما ؟ قال : فظن أنه من شيء قد سمعه ، فقال : ما سألته ربي ، وما أطمعني فيه ، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة " . فقال الأنصار : وما ذاك المقام المحمود؟ قال : " ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول : اكسوا خليلي . فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش ، ثم أوتى بكسوتي ، [ ص: 452 ] فألبسها ، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد ، يغبطني به الأولون والآخرون " . قال : " ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض " . فقال المنافق : إنه ما جرى ماء قط إلا على حال أو رضراض . فقال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له حال أو رضراض؟ قال : " حاله المسك ، ورضراضه التوم " . فقال المنافق : لم أسمع كاليوم ، قلما جرى ماء قط على حال أو رضراض إلا كان له نبت . فقال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له نبت؟ قال : " نعم ، قضبان الذهب " . قال المنافق : لم أسمع كاليوم ، فإنه قلما نبت قضيب إلا أورق ، وإلا كان له ثمر . قال الأنصاري : يا رسول الله ، هل له ثمر ؟ قال : " نعم ، ألوان الجوهر ، وماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، من شرب منه مشربا لم يظمأ بعده ، ومن حرمه لم يرو بعده " . تفرد به أحمد ، وهو غريب جدا .

رواية عتبة بن عبد السلمي ، رضي الله عنه : قال الطبراني : حدثنا [ ص: 453 ] أحمد بن خليد الحلبي ، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن زيد بن سلام ، أنه سمع أبا سلام يقول : حدثني عامر بن زيد البكالي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما حوضك هذا الذي تحدث عنه؟ فقال : " كما بين البيضاء إلى بصرى ، يمدني الله فيه بكراع لا يدري إنسان ممن خلق الله أين طرفاه " . قال أبو عبد الله القرطبي : وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " من حديث عثمان بن مظعون ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يا عثمان ، لا ترغب عن سنتي ، فإنه من رغب عن سنتي ، ثم مات قبل أن يتوب ضربت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة " .

رواية عقبة بن عامر الجهني ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا عمرو بن خالد ، حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما ، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف على المنبر ، فقال : " إني فرط لكم على الحوض ، وأنا شهيد عليكم ، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض - أو مفاتيح الأرض - وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، [ ص: 454 ] ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها " .

ورواه مسلم ، عن قتيبة ، عن الليث ، به . ومن حديث يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، به ، وعنده : " إني فرطكم على الحوض ، وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة ، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكنى أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها ، وتقتتلوا فتهلكوا كما هلك من كان قبلكم " . قال عقبة : فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر .

ذكر ما روي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في ذلك : أسند البيهقي من طريق علي بن المديني ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : سمعت عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، وسيكون قوم يكذبون بالرجم ، والدجال ، والحوض ، والشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار . وأما رواية المستورد فذكرها القاضي عياض .

ورواية النواس بن سمعان الكلابي ، رضي الله عنه : قال عمر بن محمد بن بجير البجيري : حدثنا سليمان بن سلمة ، حدثنا محمد بن إسحاق بن [ ص: 455 ] إبراهيم ، حدثنا ابن جريج ، عن مجاهد ، عن النواس بن سمعان ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن حوضي عرضه وطوله كما بين أيلة إلى عمان ، فيه أقداح كنجوم السماء ، أول من يرده من أمتي من يسقي كل عطشان " .

أورده الضياء من هذا الوجه ، ثم قال : أرى أن هذا الحديث من صحاح البجيري ، والله أعلم .

رواية أبي أمامة الباهلي ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا دحيم ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا صفوان ، عن سليم بن عامر ، عن أبي اليمان الهوزني ، عن أبي أمامة ، أن يزيد بن الأخنس قال : يا رسول الله ، فما سعة حوضك ؟ قال : " كما بين عدن إلى عمان ، فأوسع ، وأوسع - يشير بيده - فيه مثعبان من ذهب وفضة " . قال : فما ماء حوضك ؟ فقال : " أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وأطيب رائحة من المسك ، من شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ولم يسود وجهه أبدا " .

طريق أخرى عنه : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي يحيى ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قيل : يا رسول الله ، ما سعة حوضك ؟ قال : " ما بين عدن ، وعمان - وأشار بيده - وأوسع ، وأوسع ، وفيه مثعبان من ذهب وفضة " . قيل : يا [ ص: 456 ] رسول الله ، فما شرابه ؟ قال أبيض من اللبن ، وأحلى مذاقا من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ، ولم يسود وجهه بعدها أبدا " .

رواية أبي برزة الأسلمي ، رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عبد السلام بن أبي حازم أبو طالوت ، قال : شهدت أبا برزة دخل على عبيد الله بن زياد ، فحدثني فلان - سماه مسلم - وكان في السماط ، فلما رآه عبيد الله قال : إن محمديكم هذا لدحداح . ففهمها الشيخ ، فقال : ما كنت أحسب أني أبقى في قوم يعيروني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم . فقال له عبيد الله : إن صحبة محمد لك زين غير شين . ثم قال : إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا؟ قال أبو برزة : نعم ، لا مرة ، ولا ثنتين ، ولا ثلاثا ، ولا أربعا ، ولا خمسا ، فمن كذب به فلا سقاه الله منه . ثم خرج مغضبا .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن مهزم العبدي ، عن أبي طالوت العبدي ، سمعت أبا برزة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحوض ، فمن كذب به فلا سقاه [ ص: 457 ] الله منه . وقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن محمد بن يحيى الذهلي ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن قرة بن خالد ، عن أبي حمزة طلحة بن يزيد مولى الأنصار ، عن أبي برزة ، في دخوله على عبيد الله بن زياد ، بنحو ما تقدم .

طريق أخرى عن أبي برزة : قال أبو بكر بن أبي عاصم : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا شداد بن سعيد ، سمعت أبا الوازع ، وهو جابر بن عمرو ، سمع أبا برزة الأسلمي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة إلى صنعاء ، مسيرة شهر ، عرضه كطوله ، فيه ميزابان يغتان من الجنة من ورق وذهب ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه أباريق عدد نجوم السماء .

طريق أخرى : قال ابن أبي عاصم : حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا محمد بن موسى الشيباني ، عن صالح ، عن سيار بن سلامة الرياحي ، عن أبيه ، عن أبي برزة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن لي حوضا يوم القيامة ، عرضه ما بين أيلة إلى صنعاء ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا " . ومن كذب به فلا سقاه الله . يعني منه .

[ ص: 458 ] رواية أبي بكرة الثقفي ، رضي الله عنه : قال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال " : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا روح ، حدثنا حماد بن زيد ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا فرطكم على الحوض .

رواية أبي ذر الغفاري ، رضي الله عنه : قال مسلم بن الحجاج في صحيحه " : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، وابن أبي عمر المكي - واللفظ لأبي بكر بن أبي شيبة - قال إسحاق : أخبرنا . وقال الآخران : حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما آنية الحوض؟ قال : " والذي نفس محمد بيده ، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها ، ألا في الليلة المظلمة المصحية ، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه ، يشخب فيه ميزابان من الجنة ، من شرب منه لم يظمأ ، عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل " . هذا لفظه إسنادا ومتنا .

رواية أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه : قال ابن أبي عاصم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا زكريا ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس ، أبيض مثل اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وإني لأكثر الأنبياء تبعا [ ص: 459 ] يوم القيامة " . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن سليمان الأسدي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي حوضا طوله من الكعبة إلى بيت القدس ، أشد بياضا من اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وكل نبي يدعو أمته ، ولكل نبي حوض ، فمنهم من يأتيه الفئام ، ومنهم من يأتيه العصبة ، ومنهم من يأتيه النفر ، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل ، ومنهم من لا يأتيه أحد ، فيقال : لقد بلغت . وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة " .

وروى البيهقي من طريق روح بن عبادة ، عن مالك ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " . ثم قال : ورواه البخاري من وجه آخر ، عن مالك ، وأخرجاه من حديث عبيد الله بن عمر ، عن خبيب ، بدون ذكر أبي سعيد . والله أعلم .

رواية أبي هريرة الدوسي ، رضي الله عنه : قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا أنس بن عياض ، عن عبيد الله ، عن خبيب ، عن حفص بن [ ص: 460 ] عاصم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي " . ورواه البخاري أيضا ، ومسلم من طرق ، عن عبيد الله بن عمر ، وأخرجه البخاري أيضا من حديث مالك ، كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن ، به .

طريق أخرى عنه : قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا محمد بن فليح ، حدثنا أبي ، حدثني هلال ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلم . فقلت : أين؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى . ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلم . قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى . فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم " . انفرد به البخاري .

طريق أخرى : قال مسلم : حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي ، حدثنا الربيع - يعني ابن مسلم - عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لأذودن عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة من الإبل " .

[ ص: 461 ] وحدثنيه عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله .

طريق أخرى عنه : قال مسلم : حدثنا سويد بن سعيد ، وابن أبي عمر ، جميعا عن مروان الفزاري ، قال ابن أبي عمر : حدثنا مروان الفزاري ، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن حوضي أبعد من أيلة من عدن ، لهو أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل باللبن ، ولآنيته أكثر من عدد النجوم ، وإني لأصد الناس عنه ، كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه " . قالوا : يا رسول الله ، أتعرفنا يومئذ قال : " نعم ، لكم سيما ليست لأحد من الأمم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء " . هذا لفظه .

طريق أخرى عنه : أخرجه مسلم ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، به .

طريق أخرى عنه : روى الحافظ الضياء من حديث يحيى بن صالح ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا إبراهيم بن أبي أسيد ، عن جده ، عن أبي هريرة ، [ ص: 462 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أنا هلكت فإني فرطكم على الحوض " . قيل : يا رسول الله ، وما الحوض ؟ قال : " عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح ، بياضه بياض اللبن ، وهو أحلى من العسل والسكر ، آنيته مثل نجوم السماء ، من ورد علي شرب ، ومن شرب منه لم يظمأ أبدا ، وإياكم أن ترد على أقوام أعرفهم ويعرفوني ، فيحال بيني وبينهم ، فأقول : إنهم من أمتي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : بعدا وسحقا لمن بدل بعدي .

ثم قال الحافظ الضياء : لا أعلم أني سمعت بلفظ السكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث . قلت : بلى ، قد ورد لفظ السكر في حديث رواه البيهقي في باب الوليمة والنثار؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر عقدا ، فأتي بأطباق الجوز والسكر ، فنثر ، فجعل يخاطفهم ويخاطفونه . الحديث بتمامه ، وهو غريب جدا .

طريق أخرى عنه : قال البخاري : وقال أحمد بن شبيب بن سعيد الحبطي ، حدثنا أبي ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض ، فأقول : يا رب ، أصحابي ، فيقول : إنك [ ص: 463 ] لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .

قال : وقال شعيب ، عن الزهري : كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيجلون " . وقال عقيل : " فيحلئون " . وقال الزبيدي : عن الزهري ، عن محمد بن علي ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وهذا كله تعليق ، ولم أر أحدا أسنده في شيء من هذه الوجوه عن أبي هريرة ، إلا أن البخاري قال بعد هذا : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يرد علي الحوض رجال من أصحابي ، فيحلئون عنه ، فأقول : يا رب ، أصحابي فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني يعقوب بن عبيد ، وغيره ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن كلثوم - إمام مسجد بني بشير - عن الفضل بن عيسى ، عن محمد بن المنكدر ، عن أبي هريرة ، قال : كأني بكم صادرين على الحوض ، يلقى الرجل الرجل ، فيقول : أشربت؟ فيقول : نعم .

[ ص: 464 ] ويلقى الرجل الرجل ، فيقول : أشربت؟ فيقول : لا ، واعطشاه !

رواية أسماء بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما : قال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن نافع بن عمر ، قال : حدثني ابن أبي مليكة ، عن أسماء بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول : يا رب ، مني ومن أمتي . فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم . فكان ابن أبي مليكة يقول : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، أو نفتن عن ديننا .

ورواه مسلم ، عن داود بن عمرو ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، عن أسماء ، مثله .

رواية أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها : قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي ، حدثنا إبراهيم بن الحسين ، حدثنا آدم ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : سألت عائشة أم المؤمنين عن الكوثر ، فقالت : هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في الجنة ، حافتاه در مجوف ، عليه من الآنية عدد النجوم . ورواه البخاري عن خالد بن يزيد الكاهلي ، عن إسرائيل ، واستشهد برواية مطرف .

[ ص: 465 ] وقال مسلم : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، أنه سمع عائشة تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، وهو بين ظهراني أصحابه : " إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم ، فوالله ليقتطعن دوني رجال ، فلأقولن : أي رب ، مني ومن أمتي . فيقول : إنك لا تدري ما عملوا بعدك؟ ما زالوا يرجعون على أعقابهم " . انفرد به مسلم .

رواية أم المؤمنين أم سلمة ، رضي الله عنها : قال مسلم : حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني عمر ، ، وهو ابن الحارث ، أن بكيرا حدثه عن القاسم بن عباس الهاشمي ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان يوما من ذلك ، والجارية تمشطني ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " أيها الناس " . فقلت للجارية : استأخري عني . قالت : إنما دعا الرجال ، ولم يدع النساء . فقلت : إني من الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لكم فرط على الحوض ، فإياي لا يأتين أحدكم ، فيذب عني كما يذب البعير الضال ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول : سحقا " .

ثم رواه مسلم ، والنسائي من حديث أفلح بن سعيد ، عن عبد الله بن رافع [ ص: 466 ] عنها .

رواية أخ لزيد بن أرقم : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن مطر ، عن عبد الله بن بريدة ، قال : شك عبيد الله بن زياد في الحوض فأرسل إلى زيد بن أرقم فسأله عن الحوض ، فحدثه به حديثا مؤنقا فأعجبه ، فقال له : سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، ولكن حدثنيه أخي .

فقد تلخص من مجموع هذه الأحاديث المتواترة صفة هذا الحوض العظيم ، والمورد الكريم الممد من شراب الجنة من نهر الكوثر ، الذي هو أشد بياضا من اللبن وأبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأطيب ريحا من المسك ، وهو في غاية الاتساع ، عرضه وطوله سواء ، كل زاوية من زواياه مسيرة شهر .

وفي بعض الأحاديث المتقدمة أن كل ما له في زيادة واتساع ، وأنه ينبت في حاله - أي في طينه - من المسك ، وأن رضراضه من اللؤلؤ ، وأنه ينبت على جوانبه قضبان الذهب ، ويثمر ألوان الجواهر ، فسبحان الله الخالق الذي لا يعجزه شيء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . 


...........................................
[ ص: 192 ] تفسير سورة الكوثر

وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل

وهي ثلاث آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

إنا أعطيناك الكوثر

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر قراءة العامة . إنا أعطيناك بالعين . وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف : ( أنطيناك ) بالنون ; وروته أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وهي لغة في العطاء ; أنطيته : أعطيته . والكوثر : فوعل من الكثرة ; مثل النوفل من النفل ، والجوهر من الجهر . والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر والخطر كوثرا . قال سفيان : قيل لعجوز رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت بكوثر ; أي بمال كثير . والكوثر من الرجال : السيد الكثير الخير . قال الكميت :




وأنت كثير يا بن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا والكوثر : العدد الكثير من الأصحاب والأشياع . والكوثر من الغبار : الكثير . وقد تكوثر إذا كثر ; قال الشاعر :




وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا الثانية : واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ستة عشر قولا :

[ ص: 193 ] الأول : أنه نهر في الجنة ; رواه البخاري عن أنس والترمذي أيضا وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وروى الترمذي أيضا عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الكوثر : نهر في الجنة ، حافتاه من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج . هذا حديث حسن صحيح .

الثاني : أنه حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في الموقف ; قاله عطاء . وفي صحيح مسلم عن أنس قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي آنفا سورة - فقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم : إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر - ثم قال - أتدرون ما الكوثر ؟ . قلنا الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي - عز وجل - ، عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم ، فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي ، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك .

والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة ، ذكرناها في كتاب ( التذكرة ) . وأن على أركانه الأربعة خلفاءه الأربعة ; - رضوان الله عليهم - . وأن من أبغض واحدا منهم لم يسقه الآخر ، وذكرنا هناك من يطرد عنه . فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك . ثم يجوز أن يسمى ذلك النهر أو الحوض كوثرا ، لكثرة الواردة والشاربة من أمة محمد - عليه السلام - هناك . ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير .

الثالث : أن الكوثر النبوة والكتاب ; قاله عكرمة .

الرابع : القرآن ; قاله الحسن .

الخامس : الإسلام ; حكاه المغيرة .

السادس : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع ; قاله الحسين بن الفضل .

السابع : هو كثرة الأصحاب والأمة والأشياع ; قاله أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب .

الثامن : أنه الإيثار ; قاله ابن كيسان .

التاسع : أنه رفعة الذكر . حكاه الماوردي .

العاشر : أنه نور في قلبك دلك علي ، وقطعك عما سواي .

وعنه : هو الشفاعة ; وهو الحادي عشر .

وقيل : معجزات الرب هدي بها أهل الإجابة لدعوتك ; حكاه الثعلبي ، وهو الثاني عشر .

الثالث عشر : قال هلال بن يساف : هو لا إله إلا الله محمد رسول الله .

وقيل : الفقه في الدين . وقيل : الصلوات الخمس ; وهما الرابع عشر والخامس عشر . وقال ابن إسحاق : هو العظيم من الأمر ; وذكر بيت لبيد :




وصاحب ملحوب فجعنا بفقده وعند الرداع بيت آخر كوثر
[ ص: 194 ] أي عظيم .

قلت : أصح هذه الأقوال الأول والثاني ; لأنه ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص في الكوثر . وسمع أنس قوما يتذاكرون الحوض فقال : ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض ، لقد تركت عجائز خلفي ، ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي حوضه يقول الشاعر :




يا صاحب الحوض من يدانيكا وأنت حقا حبيب باريكا
وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره قد أعطيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيادة على حوضه ، - صلى الله عليه وسلم - تسليما كثيرا .



الجامع لأحكام القرآن »
تفسير سورة الكوثر »
قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر

ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء

ذكر المقام المحمود الذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

ومن ذلك الشفاعة العظمى في أهل الموقف ، ليجيء الرب عز وجل ، فيفصل بينهم ، ويريح المؤمنين من ذلك الحال إلى حسن المآل .

قال الله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ الإسراء : 79 ] .

قال البخاري : حدثنا علي بن عياش ، حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة " . انفرد به دون مسلم .

[ ص: 410 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا داود ، وهو ابن يزيد بن عبد الرحمن الزعافري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [ الإسراء : 79 ] . قال : " الشفاعة " . إسناده حسن .

وثبت في " الصحيحين " ، وغيرهما من حديث جابر ، وغيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي ; نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة " .

فقوله : " وأعطيت الشفاعة " . يعني بذلك الشفاعة التي تطلب من آدم ، فيقول : لست بصاحب ذاكم ، اذهبوا إلى نوح ، فيقول لهم كذلك ويرشدهم إلى إبراهيم ، فيرشدهم إلى موسى ، فيرشدهم موسى إلى عيسى ، فيرشدهم عيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : " أنا لها ، أنا لها " . وسيأتي ذلك مبسوطا في أحاديث الشفاعة ، في إخراج العصاة من النار ، وقد ذكرنا ذلك بطوله مبسوطا عن جماعة من الصحابة عند تفسير هذه الآية .

وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنا سيد [ ص: 411 ] ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع " . ولمسلم أيضا ، عن أبي بن كعب; في حديث قراءة القرآن على سبعة أحرف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : اللهم اغفر لأمتي ، اللهم اغفر لأمتي ، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق حتى إبراهيم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر الأزدي ، حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة كنت إمام الأنبياء وخطيبهم ، وصاحب شفاعتهم غير فخر " .

ورواه الترمذي ، وابن ماجه ، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثني محمد بن حرب ، حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ، عن كعب بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ؟ " يبعث الناس يوم القيامة ، فأكون أنا وأمتي على تل ، ويكسوني ربي عز وجل حلة خضراء ، ثم يؤذن لي; فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي [ ص: 412 ] حبيب ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة ، وأنا أول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر إلى بين يدي ، فأعرف أمتي من بين الأمم ، ومن خلفي مثل ذلك ، وعن يميني مثل ذلك ، وعن شمالي مثل ذلك " . فقال رجل : يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال : " هم غر محجلون من أثر الوضوء ، ليس أحد كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا حرب بن ميمون; أبو الخطاب الأنصاري ، عن النضر بن أنس ، عن أنس ، قال : حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إني لقائم ، أنتظر أمتي حتى تعبر الصراط إذ جاءني عيسى ابن مريم عليه السلام ، فقال : هذه الأنبياء قد جاءتك يا محمد يسألونك أو قال : يجتمعون إليك - يدعون الله عز وجل ، أن يفرق بين جميع الأمم إلى حيث يشاء الله ; لغم ما هم فيه ، فالخلق ملجمون بالعرق ، فأما المؤمن فهو عليه كالزكمة ، وأما الكافر فيغشاه الموت " . فقال : " انتظر حتى أرجع إليك " . فذهب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، " فقام تحت العرش ، فيلقى ما لم يلق ملك [ ص: 413 ] مصطفى ، ولا نبي مرسل . " فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد ، وقل له : ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع . فشفعت في أمتي ، فقال : أخرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا ، فما زلت أتردد إلى ربي عز وجل ، فلا أقوم منه مقاما إلا شفعت ، حتى أعطاني الله عز وجل من ذلك أن قال : يا محمد ، أدخل من خلق الله من أمتك من شهد أن لا إله إلا الله يوما واحدا مخلصا ، ومات على ذلك " .

وروى الإمام أحمد من حديث علي بن الحكم البناني ، عن عثمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود ، فذكر حديثا طويلا ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة " . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، وما ذلك المقام المحمود ؟ قال : " ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلا ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول الله عز وجل : اكسوا خليلي ، فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقعد مستقبل العرش ، ثم أوتى بكسوتي ، فألبسها ، فأقوم عن يمينه مقاما لا يقومه أحد ، فيغبطني به الأولون والآخرون " . قال : " ويفتح نهر من الكوثر إلى الحوض " . وذكر تمام الحديث في صفة الحوض كما سيأتي قريبا .

وذكرنا في " المسند الكبير " عن حيدة الصحابي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 414 ] قال : " تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، وأول من يكسى إبراهيم الخليل ، يقول الله تعالى : اكسوا خليلي . ليعلم الناس فضله ، ثم يكسى الناس على قدر الأعمال .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يطول على الناس يوم القيامة ، فيقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر ، فليشفع لنا إلى ربنا ، فليقض بيننا . فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت الذي خلقك الله بيده ، وأسكنك جنته ، فاشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فيقول : إني لست هناكم ، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين . فيأتونه ، فيقولون : يا نوح ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فيقول : إني لست هناكم ، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله " . قال : " فيأتونه ، فيقولون : يا إبراهيم ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فيقول : إني لست هناكم ، ولكن ائتوا موسى الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه " . قال : " فيأتونه ، فيقولون : يا موسى ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فيقول : إني لست هناكم ، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته . فيأتون عيسى ، فيقولون : يا عيسى ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا ، فيقول : إني لست هناكم ، ولكن ائتوا محمدا ; فإنه خاتم النبيين ، وإنه قد حضر اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ويقول عيسى : أرأيتم لو كان متاع في وعاء قد ختم عليه ، هل كان [ ص: 415 ] يقدر على ما في ذلك الوعاء حتى يفض الخاتم ؟ فيقولون : لا . قال : فإن محمدا خاتم النبيين " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيأتوني ، فيقولون : يا محمد ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فأقول : نعم ، فآتي باب الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، فأستفتح ، فيقال : من أنت؟ فأقول : محمد ، فيفتح لي ، فأخر ساجدا ، فأحمد ربي عز وجل ، بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ، ولا يحمده بها أحد كان بعدي ، فيقول : ارفع رأسك ، وقل يسمع منك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع ، فأقول : أي رب ، أمتي أمتي ، فيقال : أخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان " . قال : " فأخرجهم ، ثم أخر ساجدا " . فذكر مثل ذلك . " فيقال : أخرج من كان في قلبه مثقال برة من إيمان ، قال : فأخرجهم ، ثم أخر ساجدا " . فذكر مثل ذلك . " فيقال : أخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، قال : فأخرجهم " . وقد رواه البخاري ومسلم ، من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس ، نحوه .

رواية أبي هريرة رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا أبو حبان ، حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم ، فرفع إليه الذراع ، وكانت تعجبه ، [ ص: 416 ] فنهس منها نهسة ، ثم قال : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، ولا يحتملون ، فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم . فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة ، فسجدوا لك ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة ، فعصيت ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كانت لي دعوة على قومي ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول : إن ربي قد [ ص: 417 ] غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله - وذكر كذباته - نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى . فيأتون موسى فيقولون : يا موسى ، أنت رسول الله ، اصطفاك الله برسالاته ، وبتكليمه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، نفسي نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى . فيأتون عيسى ، فيقولون : يا عيسى ، أنت رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه - قال : هكذا هو - وكلمت الناس في المهد ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنبا - اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد ، فيأتوني ، فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش ، فأتي ساجدا لربي عز وجل ، ثم يفتح الله علي ، ويلهمني من محامده ، وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على أحد قبلي ، فيقال : يا محمد ، ارفع رأسك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع . فأقول : رب ، أمتي أمتي ، يا رب ، أمتي أمتي ، يا رب ، أمتي أمتي . فيقال : يا محمد ، أدخل من أمتك [ ص: 418 ] من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب " . ثم قال : " والذي نفس محمد بيده لما بين مصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى . أخرجاه في " الصحيحين " ، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان ، به .

ورواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال " ، عن أبي خيثمة ، عن جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره بطوله ، وزاد في السياق : " وإني أخاف أن يطرحني في النار ، انطلقوا إلى غيري " . في قصة آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وهي زيادة غريبة جدا ، ليست في " الصحيحين " ، ولا في أحدهما ، بل ولا في شيء من بقية " السنن " ، وهي منكرة جدا ، فالله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة ، قال : خطبنا ابن عباس على منبر البصرة ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا [ ص: 419 ] فخر ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ، وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ، ويطول يوم القيامة على الناس ، فيقول بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى أبينا ، فليشفع لنا إلى ربنا ، فليقض بيننا . فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت الذي خلقك الله بيده ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، اشفع لنا إلى ربنا ، فليقض بيننا . فيقول : إني لست هناكم ، إني قد أخرجت من الجنة ، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ، ولكن ائتوا نوحا رأس النبيين . فذكر الحديث ، كنحو ما تقدم إلى أن قال : " فيأتوني ، فيقولون : يا محمد ، اشفع لنا إلى ربك ، فليقض بيننا . فأقول : أنا لها ، حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، فإذا أراد الله أن يصدع بين خلقه ، نادى مناد : أين أحمد وأمته؟ فنحن الآخرون الأولون; آخر الأمم ، وأول من يحاسب ، فتفرج لنا الأمم طريقا ، فنمضي غرا محجلين من أثر الوضوء ، فتقول الأم : كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها ، فآتي باب الجنة " . وذكر تمام الحديث في الشفاعة ، في عصاة هذه الأمة .

وقد ورد هذا الحديث هكذا عن جماعة من الصحابة ، منهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، من رواية حذيفة بن اليمان عنه ، وسيأتي في أحاديث الشفاعة . والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث في أكثر طرقه ، لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى ، في إتيان الرب لفصل القضاء ، كما ورد هذا في حديث الصور ، كما تقدم ، وهو المقصود في هذا المقام .

[ ص: 420 ] ومقتضى سياق أول الحديث ; فإن الناس إنما يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل الله عز وجل بين الناس ؟ ليستريحوا من مقامهم ذلك ، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه ، فإذا وصلوا إلى المحز إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار ، وكأن مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ، الذين ينكرون خروج أحد من النار بعد دخولها ، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث ، وقد جاء التصريح بذلك في حديث الصور ، كما تقدم أن الناس يذهبون إلى آدم ، ثم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم ، ثم إلى موسى ، ثم إلى عيسى ، ثم يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيذهب ، فيسجد لله تحت العرش في مكان يقال له : الفحص . إلى أن قال : " فيقول : شفعتك . أنا آتيكم فأقضي بينكم " . قال : " فأرجع ، فأقف مع الناس " . إلى أن قال : " فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه " . وذكر الحديث كما تقدم .

وقال عبد الرزاق : أنبا معمر ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين زين العابدين ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم ، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين الرحمن عز وجل ، والله ما رآه قبلها ، فأقول : أي رب ، إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي ، فيقول الله : صدق . ثم أشفع ، فأقول : يا رب ، عبادك عبدوك في أطراف الأرض . فهو المقام المحمود " .

[ ص: 421 ] هذا مرسل من هذا الوجه ، وعندي أن معنى قوله : " عبادك عبدوك في أطراف الأرض " . أي وقوف في أطراف الأرض ، أي الناس مجتمعون فى صعيد واحد ، مؤمنهم وكافرهم ، فيشفع عند الله ليأتي لفصل القضاء بين عباده ، ويميز مؤمنهم من كافرهم في الموقف والمصير فى الحال ، والمآل ، ولهذا قال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل فى قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . هو المقام الذي يقومه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس ، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم .

وقال البخاري : حدثنا إسماعيل بن أبان ، حدثنا أبو الأحوص ، عن آدم بن علي ، قال : سمعت ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا ، كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان ، اشفع ، يا فلان ، اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا .

قال : ورواه حمزة بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد أسند ما علقه ههنا في موضع آخر من " الصحيح " ، فقال في كتاب الزكاة : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، [ ص: 422 ] سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر ، سمعت عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال العبد يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم " . وقال : " إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك إذ استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم " . زاد عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، عن ابن أبي جعفر : " فيشفع ليقضي بين الخلق ، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب ، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم " .

وكذا رواه ابن جرير ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب بن الليث ، عن أبيه ، به ، بنحوه . 

........................

قوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : ومن الليل فتهجد به من للتبعيض . والفاء في قوله فتهجد ناسقة على مضمر ، أي قم فتهجد .

به أي بالقرآن . والتهجد من الهجود وهو من الأضداد . يقال : هجد نام ، وهجد سهر ; على الضد . قال الشاعر :




ألا زارت وأهل منى هجود وليت خيالها بمنى يعود

آخر :




ألا طرقتنا والرفاق هجود فباتت بعلات النوال تجود


يعني نياما . وهجد وتهجد بمعنى . وهجدته أي أنمته ، وهجدته أي أيقظته . والتهجد التيقظ بعد رقدة ، فصار اسما للصلاة ; لأنه ينتبه لها . فالتهجد القيام إلى الصلاة من النوم . قال معناه الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم . وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد ! إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة . كذلك [ ص: 277 ] كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : الهجود النوم . يقال : تهجد الرجل إذا سهر ، وألقى الهجود وهو النوم . ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا ; لأن المتهجد هو الذي يلقي الهجود الذي هو النوم عن نفسه . وهذا الفعل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثم وتحنث وتقذر وتنجس ; إذا ألقى ذلك عن نفسه . ومثله قوله - تعالى - : فظلتم تفكهون معناه تندمون ; أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم ، وهي انبساط النفوس وسرورها . يقال : رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك . والمعنى في الآية : ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة .

الثانية : قوله تعالى : نافلة لك أي كرامة لك ; قاله مقاتل . واختلف العلماء في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر دون أمته ; فقيل : كانت صلاة الليل فريضة عليه لقوله : نافلة لك أي فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على الأمة .

قلت : وفي هذا التأويل بعد لوجهين : أحدهما - تسمية الفرض بالنفل ، وذلك مجاز لا حقيقة . الثاني - قوله - صلى الله عليه وسلم - : خمس صلوات فرضهن الله على العباد وقوله - تعالى - : ( هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي ) وهذا نص ، فكيف يقال افترض عليه صلاة زائدة على الخمس ، هذا ما لا يصح ; وإن كان قد روي عنه - عليه السلام - : ثلاث علي فريضة ولأمتي تطوع : قيام الليل والوتر والسواك . وقيل : كانت صلاة الليل تطوعا منه وكانت في الابتداء واجبة على الكل ، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ; كما قالت عائشة ، على ما يأتي مبينا في سورة [ المزمل ] إن شاء الله - تعالى - . وعلى هذا يكون الأمر بالتنفل على جهة الندب ويكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه مغفور له . فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات . وغيره من الأمة تطوعهم كفارات وتدارك لخلل يقع في الفرض ; قال معناه مجاهد وغيره . وقيل : عطية ; لأن العبد لا ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة .

الثالثة : قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال :

[ ص: 278 ] [ الأول ] وهو أصحها - الشفاعة للناس يوم القيامة ; قاله حذيفة بن اليمان . وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول : يا فلان اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود . وفي صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم - عليه السلام - فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى - عليه السلام - فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأوتى فأقول أنا لها . . . وذكر الحديث . وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا سئل عنها قال : هي الشفاعة قال : هذا حديث حسن صحيح .

الرابعة : إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء - عليهم السلام - ، حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم ، وهي الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - ; ولأجل ذلك قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . قال النقاش : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث شفاعات : العامة ، وشفاعة في السبق إلى الجنة ، وشفاعة في أهل الكبائر . ابن عطية : والمشهور أنهما شفاعتان فقط : العامة ، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار . وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء . وقال القاضي أبو الفضل عياض : شفاعات نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة خمس شفاعات : العامة . والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب . الثالثة في قوم من موحدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة . وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة : الخوارج والمعتزلة ، فمنعتها على أصولهم الفاسدة ، وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح . الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين . الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها ، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول .

[ ص: 279 ] الخامسة : قال القاضي عياض : وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبتهم فيها ، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال : إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنها لا تكون إلا للمذنبين ، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات . ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين ، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة ; لأنها لأصحاب الذنوب أيضا ، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف . روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة .

[ القول الثاني ] أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة .

قلت : وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول ; فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي " الحديث .

[ القول الثالث ] ما حكاه الطبري عن فرقة ، منها مجاهد ، أنها قالت : المقام المحمود هو أن يجلس الله - تعالى - محمدا - صلى الله عليه وسلم - معه على كرسيه ; وروت في ذلك حديثا . وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول ، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى ، وفيه بعد . ولا ينكر مع ذلك أن يروى ، والعلم يتأوله . وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا ، من أنكر جوازه على تأويله . قال أبو عمر ومجاهد : وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله - تعالى - : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة تنتظر الثواب ; ليس من النظر .

[ ص: 280 ] قلت : ذكره هذا في الباب ابن شهاب في حديث التنزيل . وروي عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال : يجلسه على العرش . وهذا تأويل غير مستحيل ; لأن الله - تعالى - كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش - قائما بذاته ، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها ، بل إظهارا لقدرته وحكمته ، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة ، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا ، أو كان العرش له مكانا . قيل : هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان ; فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الأرض ; لأن استواء الله - تعالى - على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش ، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف . وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية ، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه . وأما قوله في الإخبار : ( معه فهو بمنزلة قوله : إن الذين عند ربك ، و رب ابن لي عندك بيتا في الجنة . وإن الله لمع المحسنين ونحو ذلك . كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة ، لا إلى المكان .

[ الرابع ] إخراجه من النار بشفاعته من يخرج ; قاله جابر بن عبد الله . ذكره مسلم . وقد ذكرناه في ( كتاب التذكرة ) والله الموفق .

السادسة : اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين : أحدهما : أن البارئ - تعالى - يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفة بوجه الحكمة فيه ، أو بمعرفة وجه الحكمة . الثاني : أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس ، فأعطي الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود . ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم ، فأجلهم فيه درجة محمد - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد . وعسى من الله - عز وجل - واجبة . ومقاما نصب على الظرف . أي في مقام أو إلى مقام . وذكر الطبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي . فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الإسراء »
قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك

ذكر طول يوم القيامة ، وما ورد في مقداره

ذكر طول يوم القيامة ، وما ورد في مقداره

قال الله سبحانه : ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون [ الحج : 47 ] . قال بعض المفسرين : هو يوم القيامة .

وقال تعالى : سأل سائل بعذاب واقع إلى قوله : فاصبر صبرا جميلا [ المعارج : 1 - 5 ] .

وقد ذكرنا في " التفسير " اختلاف السلف والخلف في معنى هذه الآية ، فروى ليث بن أبي سليم وغيره ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال : ذلك مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة .

وقال ابن عباس في قوله : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون [ السجدة : 5 ] . يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء ، لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام . رواه ابن أبي حاتم .

ورواه ابن جرير ، عن مجاهد أيضا ، وذهب إليه الفراء ، وقاله أبو عبد الله الحليمي ، فيما حكاه عنه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب " البعث [ ص: 402 ] والنشور " ، قال الحليمي : فالملك يقطع هذه المسافة في بعض يوم ، ولو أنها مسافة يمكن البشر قطعها لم يتمكن أحد من قطعها إلا في مقدار خمسين ألف سنة . قال : وليس هذا من تقدير يوم القيامة بسبيل ، بل هذا مقدار ما بين العرش إلى الأرض السابعة . ورجح الحليمي هذا بقوله تعالى : من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه [ المعارج : 3 ، 4 ] وذي المعارج : أي العلو والعظمة ، كما قال تعالى : رفيع الدرجات ذو العرش [ غافر : 15 ] ثم فسر ذلك بقوله : تعرج الملائكة والروح إليه أي في مسافة كان مقدارها خمسين ألف سنة ، أي بعدها واتساعها هذه المدة .

فعلى هذا القول المراد بذلك : مسافة المكان . هذا قول . وقد حاول البيهقي الجمع بين هذه الآية وبين قوله : رفيع الدرجات بأن الملائكة تقطع هذه المسافة في الدنيا في ألف سنة ، فإذا كان يوم القيامة لا تقطعها إلا في خمسين ألف سنة؟ لما يشاهدون من هول ذلك اليوم ، وعظمته ، وغضب الرب عز وجل ، والله أعلم .

والقول الثاني : أن المراد بذلك مدة عمر الدنيا .

قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في " تفسيره " : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : كان مقداره خمسين ألف سنة . قال : الدنيا عمرها خمسون [ ص: 403 ] ألف سنة ، ذلك عمرها يوم سماها الله تعالى يوما : تعرج الملائكة والروح إليه قال : اليوم الدنيا .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وعن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قالا : الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة ، لا يدري أحد كم مضى ، ولا كم بقي إلا الله ، عز وجل . وذكره البيهقي من طريق محمد بن ثور ، عن معمر ، به . وهذا قول غريب جدا ، لا يوجد في كثير من الكتب المشهورة ، والله أعلم . القول الثالث : أن المراد بذلك فصل ما بين الدنيا ويوم القيامة . وهو مدة المقام في البرزخ . رواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي ، وهو غريب أيضا .

القول الرابع : أن المراد بذلك مقدار الفصل بين العباد يوم القيامة . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . قال : يوم القيامة . إسناده صحيح . ورواه الثوري ، عن سماك ، عن عكرمة من قوله ، وبه قال الحسن ، والضحاك ، وابن زيد .

[ ص: 404 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن إدريس ، حدثنا الحسن بن واقع ، حدثنا ضمرة ، عن ابن شوذب ، عن يزيد الرشك ، قال : يقوم الناس يوم القيامة أربعين ألف سنة ، ويقضى بينهم في مقدار عشرة آلاف سنة .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : يوم القيامة جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة . وقال الكلبي في " تفسيره " ، وهو يرويه عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : لو ولي محاسبة العباد غير الله تعالى لم يفرغ في خمسين ألف سنة .

وقال البيهقي : وفيما ذكر حماد بن زيد ، عن أيوب ، قال : قال الحسن : ما ظنك بيوم قام العباد فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة ، لم يأكلوا فيها أكلة ، ولم يشربوا فيها شربة ، حتى تقطعت أعناقهم عطشا ، واحترقت أجوافهم جوعا ، ثم انصرف بهم إلى النار ، فسقوا من عين آنية ، قد أنى حرها ، واشتد نضجها . وقد ورد هذا في أحاديث متعددة ، فالله أعلم .

قال الإمام أحمد : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ ما أطول هذا اليوم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنه ليخفف على المؤمن ، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة [ ص: 405 ] يصليها في الدنيا " . ورواه ابن جرير في " تفسيره " ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به . ودراج أبو السمح وشيخه أبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري ، ضعيفان ، على أنه قد رواه البيهقي بلفظ آخر ، وقال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي - وكان رجلا من الخائفين - قال : سمعت دراجا أبا السمح يخبر عمن حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أخبرني من يقوى على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى : يوم يقوم الناس لرب العالمين المطففين : 6 فقال : " يخفف على المؤمن حتى يكون كالصلاة المكتوبة " .

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور ، يجلسون عليها ، ويظلل عليهم الغمائم ، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار ، أو كأحد طرفيه . رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل كنزه صفائح يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها [ ص: 406 ] جبهته ، وجنبه ، وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار . . . " . وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم ، والإبل ، أنه يبطح لها بقاع قرقر ، تطؤه بأخفافها وأظلافها ، وتنطحه بقرونها ، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها ، حتى يقضي الله بين العباد ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .

وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " : أخبرنا وهيب بن خالد ، وكان ثقة ، حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه . وأخرجه مسلم من حديث روح بن القاسم ، وعبد العزيز بن المختار ، كلاهما عن سهيل ، به مثله . وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب ، والفضة ، والإبل ، والبقر ، والغنم .

وقد رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، من حديث شعبة ، والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة ، كلاهما عن قتادة ، عن أبي عمر الغداني ، عن أبي هريرة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت له إبل لا يعطي حقها في [ ص: 407 ] نجدتها ورسلها - يعني في عسرها ويسرها - فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله . وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، ثم يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله . وإذا كان له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله " .

قال البيهقي : وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين ألف سنة مما تعدون ، والله أعلم ، ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له ، فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين ، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الحسن بن [ ص: 408 ] محمد بن حليم ، أخبرنا أبو الموجه ، أخبرنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، هو ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، قال : يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر . ثم قال : هذا هو المحفوظ ، وقد روي مرفوعا ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، حدثني عبد الله بن عمر بن علي الجوهري بمرو ، حدثنا يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم ، حدثنا سويد بن نصر ، حدثنا ابن المبارك ، فذكره بإسناده مرفوعا .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : يوم يقوم الناس لرب العالمين [ المطففين : 6 ] . قال : " كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا سفيان ، عن ميسرة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ : ( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ) . قال ابن المبارك : هكذا هي في قراءة ابن مسعود .

[ ص: 409 ] ثم قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن ميسرة النهدي ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : [ الفرقان : 24 ] . قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء .
.......................................................

قوله تعالى : ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

قوله تعالى : ويستعجلونك بالعذاب نزلت في النضر بن الحارث ، وهو قوله : فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين . وقيل : نزلت في أبي جهل بن هشام ، وهو قوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك . ولن يخلف الله وعده أي في إنزال العذاب . قال الزجاج : استعجلوا العذاب فأعلمهم الله أنه لا يفوته شيء ؛ وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر .

[ ص: 73 ] قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قال ابن عباس ، ومجاهد : يعني من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض . عكرمة : يعني من أيام الآخرة ؛ أعلمهم الله إذ استعجلوه بالعذاب في أيام قصيرة أنه يأتيهم به في أيام طويلة . قال الفراء : هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم في الآخرة ؛ أي يوم من أيام عذابهم في الآخرة ألف سنة . وقيل : المعنى وإن يوما في الخوف والشدة في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فيها خوف وشدة ؛ وكذلك يوم النعيم قياسا . وقرأابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ( مما يعدون ) بالياء المثناة تحت ، واختاره أبو عبيد لقوله : ويستعجلونك . والباقون بالتاء على الخطاب ، واختاره أبو حاتم .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الحج »
قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده 

إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها

فصل ( إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها )

فإذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها وفارقوها ، قد دكت جبالها ، وزالت تلالها ، وتغيرت أحوالها ، وانقطعت أنهارها ، وبادت أشجارها ، ومساكنها ، ومدنها ، وبلادها ، وسجرت بحارها ، وتساوت وهادها ، ورباها ، وخربت مدائنها ، وقراها ، وزالت قصورها ، وبيوتها ، وأسواقها ، وزلزلت زلزالها ، وأخرجت أثقالها ، وقال الإنسان : مالها ؟! يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ، وكذلك يجدون السماوات قد بدلت ، ونجومها قد انكدرت وانتثرت ، ونواحيها قد تشققت ، وأرجاؤها قد تفطرت ، والملائكة على أرجائها قد أحدقت ، وشمسها وقمرها مكسوفان ، بل مخسوفان ، وفي مكان واحد مجموعان ، ثم يكوران بعد ذلك ، ثم يلقيان في النار ، كما في الحديث الذي سنورده في " النيران " كأنهما ثوران عقيران .

قال أبو بكر بن عياش : قال ابن عباس : يخرجون من قبورهم ، فينظرون إلى الأرض غير الأرض التي عهدوها ، وإلى الناس غير الناس الذين كانوا يعرفون ويعهدون . قال : ثم تمثل ابن عباس :




فما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعرف وقد قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار [ إبراهيم : 48 ] . وقال : يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا الطور : [ 9 ، 10 ] . وقال : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [ ص: 397 ] [ الرحمن : 137 ] . وقال : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة [ الحاقة : 14 ، 15 ] . وقال تعالى : إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت الآيات [ التكوير : 1 - 3 ] .

وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " .

وقال محمد بن قيس ، وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء ، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه .

وقال الأعمش ، عن خيثمة ، عن ابن مسعود ، قال : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجمهم العرق ، ويبلغ منهم كل مبلغ ، ولم يبلغوا الحساب . وكذا رواه الأعمش عن المنهال ، عن قيس بن السكن ، عن ابن مسعود ، فذكره .

وقال إسرائيل وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قال : يوم تبدل الأرض غير الأرض [ إبراهيم : 48 ] . قال : أرض بيضاء كالفضة البيضاء ، نقية لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، ينفذهم [ ص: 398 ] البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا القاسم بن الفضل ، قال : قال الحسن : قالت عائشة : يا رسول الله ، أرأيت قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات أين يكون الناس؟ قال : " إن هذا لشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك؟ الناس على الصراط " . تفرد به أحمد .

ورواه ابن أبي الدنيا : أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، سمعت الحسن ، قال : قالت عائشة ، فذكره . ورواه قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة ، بمثل هذا سواء .

وقال ابن أبي الدنيا : أنبأ عبيد الله بن جرير العتكي ، حدثنا محمد بن بكار الصيرفي ، أنبأ الفضل بن معروف القطعي ، أخبرنا بشر بن حرب ، عن أبي سعيد ، عن عائشة ، قالت : بينما النبي صلى الله عليه وسلم واضع رأسه في حجري بكيت فرفع رأسه ، فقال : " ما أبكاك ؟ " قلت : بأبي أنت وأمي ، ذكرت قول الله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات . أين الناس يومئذ ؟ قال : " الناس يومئذ على جسر جهنم ، والملائكة وقوف تقول : رب سلم سلم . فمن بين زال وزالة " . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، لم يخرجه أحمد ، ولا أحد من [ ص: 399 ] أصحاب الكتب الستة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات . قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال : " على الصراط " .

وأخرجه مسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند . وقال الترمذي : حسن صحيح . ورواه أحمد ، عن عفان ، عن وهيب ، عن داود ، عن الشعبي ، عنها ، ولم يذكر مسروقا .

ورواه أحمد أيضا من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن عائشة ، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، ثم قالت : أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال : " هم على متن جهنم " .

وروى مسلم من حديث أبي سلام ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، أن حبرا من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم في الظلمة دون الجسر " .

[ ص: 400 ] وقال ابن جرير : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم حبر من اليهود ، فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين الخلق عند ذلك؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي بكر بن أبي مريم .

وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر ، ويكون تبديلا ثانيا إلى صفة أخرى غير الأولى ، وبعدها ، والله سبحانه أعلم ، كما قال ابن أبي الدنيا : أخبرنا يوسف بن موسى ، حدثنا وكيع ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن مالك ، عن رجل من بني مجاشع ، يقال له : عبد الكريم . أو يكنى بأبي عبد الكريم ، قال : أقامني على رجل بخراسان ، فقال : حدثني هذا أنه سمع علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، يقول : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات قال : ذكر لنا أن الأرض تبدل فضة ، والسماوات ذهبا . وكذا روي عن ابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر وغيرهم ، والله سبحانه أعلم .


.................................

قوله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب

قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات أي اذكر يوم تبدل الأرض ، فتكون متعلقة بما قبله . وقيل : هو صفة لقوله : يوم يقوم الحساب . واختلف في كيفية تبديل الأرض ، فقال كثير من الناس : إن تبدل الأرض عبارة عن تغير صفاتها ، وتسوية آكامها ، ونسف جبالها ، ومد أرضها ; ورواه ابن مسعود - رضي الله عنه - ; خرجه ابن ماجه في سننه وذكره ابن المبارك من حديث شهر بن حوشب ، قال حدثني ابن عباس قال : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وزيد في سعتها كذا وكذا ; وذكر الحديث . وروي مرفوعا من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : تبدل الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في الثانية في مثل مواضعهم من الأولى من كان في بطنها ففي بطنها ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ذكره الغزنوي . وتبديل السماء تكوير شمسها وقمرها ، وتناثر نجومها ; قال ابن عباس . وقيل : اختلاف أحوالها ، فمرة [ ص: 337 ] كالمهل ومرة كالدهان ; حكاه ابن الأنباري ; وقد ذكرنا هذا الباب مبينا في كتاب التذكرة وذكرنا ما للعلماء في ذلك ، وأن الصحيح إزالة هذه الأرض حسب ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . روى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه حبر من أحبار اليهود فقال : السلام عليك ; وذكر الحديث ، وفيه : فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : في الظلمة دون الجسر . وذكر الحديث . وخرج عن عائشة قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين يكون الناس يومئذ ؟ قال : ( على الصراط ) . خرجه ابن ماجه بإسناد مسلم سواء ، وخرجه الترمذي عن عائشة وأنها هي السائلة ، قال : هذا حديث حسن صحيح ; فهذه الأحاديث تنص على أن السماوات والأرض تبدل وتزال ، ويخلق الله أرضا أخرى يكون الناس عليها بعد كونهم على الجسر . وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد ) . وقال جابر : سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله - عز وجل - : يوم تبدل الأرض غير الأرض قال : تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ، ثم قرأ : وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام . وقال ابن مسعود : إنها تبدل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يعمل عليها خطيئة . وقال ابن عباس : بأرض من فضة بيضاء . وقال علي - رضي الله عنه - : تبدل الأرض يومئذ من فضة والسماء من ذهب وهذا تبديل للعين ، وحسبك .

وبرزوا لله الواحد القهار أي من قبورهم ، وقد تقدم .

قوله تعالى : وترى المجرمين وهم المشركون .

يومئذ أي يوم القيامة .

[ ص: 338 ] مقرنين أي مشدودين

في الأصفاد وهي الأغلال والقيود ، واحدها صفد وصفد . ويقال : صفدته صفدا أي قيدته والاسم الصفد ، فإذا أردت التكثير قلت : صفدته تصفيدا ; قال عمرو بن كلثوم :


فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا

أي مقيدينا . وقال حسان :


من كل مأسور يشد صفاده صقر إذا لاقى الكريهة حام


أي غله ، وأصفدته إصفادا أعطيته . وقيل : صفدته وأصفدته جاريان في القيد والإعطاء جميعا ; قال النابغة :




فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد فالصفد العطاء ; لأنه يقيد ويعبد ، قال أبو الطيب :


وقيدت نفسي في ذراك محبة ومن وجد الإحسان قيدا تقيدا


قيل : يقرن كل كافر مع شيطان في غل ، بيانه قوله : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم يعني قرناءهم من الشياطين . وقيل : إنهم الكفار يجمعون في الأصفاد كما اجتمعوا في الدنيا على المعاصي .

سرابيلهم من قطران أي قمصهم ، عن ابن دريد وغيره ، واحدها سربال ، والفعل تسربلت وسربلت غيري ; قال كعب بن مالك :


تلقاكم عصب حول النبي لهم من نسج داود في الهيجا سرابيل


من قطران يعني قطران الإبل الذي تهنأ به ; قاله الحسن . وذلك أبلغ لاشتعال النار فيهم . وفي الصحيح : أن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . وروي عن حماد أنهم قالوا : هو النحاس . وقرأ عيسى بن عمر : " قطران " بفتح القاف وتسكين الطاء . وفيه قراءة ثالثة : كسر القاف وجزم الطاء ; ومنه قول أبي النجم : [ ص: 339 ]


جون كأن العرق المنتوحا لبسه القطران والمسوحا


وقراءة رابعة : " من قطران " رويت عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب ; والقطر النحاس والصفر المذاب ; ومنه قوله تعالى : آتوني أفرغ عليه قطرا . والآن : الذي قد انتهى إلى حره ; ومنه قوله تعالى : وبين حميم آن .

وتغشى وجوههم النار أي تضرب وجوههم النار فتغشيها .

ليجزي الله كل نفس ما كسبت أي بما كسبت .

قوله تعالى : هذا بلاغ للناس أي هذا الذي أنزلنا إليك بلاغ ; أي تبليغ وعظة .

ولينذروا به أي ليخوفوا عقاب الله - عز وجل - وقرئ . " ولينذروا " بفتح الياء والذال ، يقال : نذرت بالشيء أنذر إذا علمت به فاستعددت له ، ولم يستعملوا منه مصدرا كما لم يستعملوا من عسى وليس ، وكأنهم استغنوا بأن والفعل كقولك : سرني أن نذرت بالشيء .

وليعلموا أنما هو إله واحد أي وليعلموا وحدانية الله بما أقام من الحجج والبراهين . وليذكر أولو الألباب أي وليتعظ أصحاب العقول . وهذه اللامات في ولينذروا وليعلموا وليذكر متعلقة بمحذوف ، التقدير : ولذلك أنزلناه . وروى يمان بن رئاب أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - . وسئل بعضهم هل لكتاب الله عنوان ؟ فقال : نعم ; قيل : وأين هو ؟ قال قوله تعالى : هذا بلاغ للناس ولينذروا به إلى آخرها . تم تفسير سورة إبراهيم - عليه السلام - والحمد لله .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة إبراهيم »
قوله تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار 

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...