الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الجمعة، 23 يوليو 2021

.ذكر أنواع من الفتن وقعت ، وستكثر وتتفاقم في آخر الزمان

ذكر أنواع من الفتن وقعت وستكثر وتتفاقم في آخر الزمان 



قال البخاري : حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الزهري ، عن عروة ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، أنها قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه ، يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " . وعقد سفيان تسعين أو مائة ، قيل : أنهلك وفينا الصالحون؟ قال : " نعم ، إذا كثر الخبث " . وهكذا رواه مسلم عن عمرو الناقد ، عن سفيان بن عيينة ، به . قال : وعقد سفيان بيده عشرة . وكذلك رواه عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، وقال : وحلق بإصبعه الإبهام ، والتي تليها . ثم رواه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وسعيد بن عمرو ، وزهير بن حرب ، وابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن زينب ، عن حبيبة ، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش ، فاجتمع فيه تابعيان ، وربيبتان ، [ ص: 68 ] وزوجتان ، أربع صحابيات ، رضي الله عنهن .

وقال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " . وعقد وهيب تسعين . وهكذا رواه مسلم من حديث وهيب مثله .

وروى البخاري من حديث الزهري ، عن هند بنت الحارث الفراسية ، أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا ، يقول : " سبحان الله ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ، وماذا أنزل من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجرات - يريد أزواجه - لكي يصلين ، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " .

ثم روى البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن عروة ، عن أسامة بن زيد ، قال : أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة ، فقال : " هل ترون ما أرى؟ " قالوا : لا . قال : " فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم ، كوقع القطر " . وروى البخاري من حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، عن [ ص: 69 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتقارب الزمان ، وينقص العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج " . قالوا : يا رسول الله ، أيما هو؟ قال : " القتل ، القتل " . ورواه أيضا ، عن الزهري ، عن حميد ، عن أبي هريرة ، ثم رواه من حديث الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود ، وأبي موسى .


وقال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن الزبير بن عدي ، قال : أتينا أنس بن مالك ، فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج ، فقال : " اصبروا فإنه لا يأتي على الناس زمان إلا الذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم " سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم . ورواه الترمذي من حديث الثوري ، وقال : حسن صحيح . وهذا الحديث يعبر عنه العوام ، فيما يوردونه ، بلفظ آخر : كل عام ترذلون .

وروى البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وعن [ ص: 70 ] أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، من يشرف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به " . ولمسلم عن أبي بكرة نحوه بأبسط منه .

وقال البخاري : حدثنا محمد بن كثير ، حدثنا سفيان ، حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، حدثنا حذيفة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر ، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ، ثم علموا من القرآن ، ثم علموا من السنة . وحدثنا عن رفعها قال : " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر الوكت ، ثم ينام النومة فتقبض ، فيبقى أثرها مثل أثر المجل ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط ، [ ص: 71 ] فتراه منتبرا وليس فيه شيء ، فيصبح الناس يتبايعون ، ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا . ويقال للرجل : ما أعقله ، وما أظرفه ، وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت ، لئن كان مسلما رده علي الإسلام ، وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه ، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا " . ورواه مسلم من حديث الأعمش ، به .

وروى البخاري من حديث الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، ومن حديث الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى جنب المنبر وهو مستقبل المشرق ، فقال : " ألا إن الفتنة هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان " . أو قال : " قرن الشمس " . ورواه مسلم من حديث الزهري وغيره ، عن سالم به . ورواه أحمد من طريق عبد الله بن دينار ، والطبراني من رواية عطية ، كلاهما عن عبد الله بن عمر ، به .

[ ص: 72 ] وقال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيقول : يا ليتني مكانه " .

وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، أنا يونس ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " توشكون أن يملأ الله أيديكم من العجم - وقال عفان مرة : من الأعاجم - يكونون أسدا لا يفرون ، يقتلون مقاتلتكم ، ويأكلون فيئكم .

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " . وذو الخلصة طاغية دوس ، التي كانوا يعبدون في الجاهلية .

وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، عن عقبة بن خالد ، حدثنا عبيد الله ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن جده حفص بن عاصم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الفرات أن يحسر عن [ ص: 73 ] كنز من ذهب ، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا " . قال عقبة : وحدثنا عبيد الله ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، إلا أنه قال : " يحسر عن جبل من ذهب " . وكذلك رواه مسلم ، من حديث عقبة بن خالد ، من الوجهين .

ثم رواه عن قتيبة ، عن يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى ينحسر الفرات عن جبل من ذهب ، يقتتل الناس عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، ويقول كل رجل منهم : لعلي أكون أنا الذي أنجو " .

ثم روى من حديث عبد الله بن الحارث بن نوفل ، قال : كنت واقفا مع أبي بن كعب في ظل أجم " حسان ، فقال : لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا ، قلت : أجل . قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب ، فإذا سمع به الناس ساروا إليه ، فيقول من عنده : لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله " . قال : " فيقتتلون عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون " .

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن [ ص: 74 ] عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعواهما واحدة ، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كل يزعم أنه رسول الله ، وحتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج ، وهو القتل ، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته ، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه : لا أرب لي به . وحتى يتطاول الناس في البنيان ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل ، فيقول : يا ليتني مكانه . وحتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن ءامنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ الأنعام : 158 ] . ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه . ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " .


وقال الإمام أحمد : ثنا سريج بن النعمان ، ثنا عبد العزيز ، يعني الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر [ ص: 75 ] بألسنتها " . تفرد به أحمد .

وقال مسلم : حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، أنا ابن وهب ، أنا يونس ، عن ابن شهاب ، أن أبا إدريس الخولاني ، قال : قال حذيفة بن اليمان : والله إني لأعلم الناس بكل فتنة كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن : " منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ، ومنهن فتن كرياح الصيف ، منها صغار ، ومنها كبار " . قال حذيفة : فذهب أولئك الرهط كلهم غيري .

وروى مسلم من حديث زهير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبها ودينارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم " . شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه .

[ ص: 76 ] قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، قال : كنا عند جابر فقال : يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم . قلنا : من أين ذاك؟ قال : من قبل العجم ، يمنعون ذاك . ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي . قلنا : من أين ذاك . قال : من قبل الروم ، يمنعون ذاك . قال : ثم سكت هنيهة ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون من آخر أمتي خليفة يحثو المال حثيا لا يعده عدا " . قال الجريري : فقلت لأبي نضرة وأبي العلاء : أتريانه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا : لا ورواه مسلم من حديث الجريري ، بنحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا أفلح بن سعيد الأنصاري ، شيخ من أهل قباء من الأنصار ، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن طالت بكم مدة أوشك أن ترى قوما يغدون في سخط الله ، ويروحون في لعنته ، في أيديهم مثل أذناب البقر " . وأخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن زيد بن [ ص: 77 ] الحباب ، عن أفلح بن سعيد ، به .

ثم روى عن زهير بن حرب ، عن جرير ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد; قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ، ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " .

وقال أحمد : حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ، حدثنا أبو معيد ، حدثنا مكحول ، عن أنس بن مالك ، قال : قيل : يا رسول الله ، متى ندع الائتمار بالمعروف ، والنهي عن المنكر؟ قال : " إذا ظهر فيكم مثل ما ظهر في بني إسرائيل ، إذا كانت الفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالكم ، والملك في صغاركم " . ورواه ابن ماجه ، عن العباس بن الوليد الدمشقي ، عن زيد بن يحيى بن عبيد ، عن الهيثم بن حميد ، عن أبى معيد حفص بن غيلان ، عن مكحول ، عن أنس ، فذكر نحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن عطاء [ ص: 78 ] بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه حدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ضاف رجل رجلا من بني إسرائيل ، وفي داره كلبة مجح ، فقالت الكلبة : والله لا أنبح ضيف أهلي . قال : فعوى جراؤها في بطنها . قال : قيل : ما هذا؟ قال : فأوحى الله ، عز وجل ، إلى رجل منهم : هذا مثل أمة تكون من بعدكم ، يقهر سفهاؤها حلماءها " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله ، قال : قدمت من سفر ، فجاءني جابر يسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس ، عن أبي هريرة . وقال حسن : حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويل للعرب من شر قد اقترب; فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل ، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر " . أو قال : " على الشوك " . وقال حسن في حديثه : " بخبط الشوك " .

[ ص: 79 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو جعفر المدائني ، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي ، عن أبيه حبيب بن عبد الله ، عن شبيل بن عوف ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان : " كيف أنت يا ثوبان ، إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيهم إلى قصعة الطعام ، يصيبون منه؟ " قال ثوبان : بأبي وأمي يا رسول الله ، أمن قلة بنا؟ قال : " لا ، بل أنتم يومئذ كثير ، ولكن يلقى في قلوبكم الوهن " . قالوا : وما الوهن يا رسول الله؟ قال : " حبكم الدنيا ، وكراهيتكم القتال " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن عمرو بن وابصة الأسدي ، عن أبيه ، قال : إني بالكوفة في داري ، إذ سمعت على باب الدار : السلام عليكم ، أألج؟ فقلت : عليكم السلام ، فلج . فلما دخل ، فإذا هو عبد الله بن مسعود ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، أية ساعة زيارة هذه؟! وذلك في نحر الظهيرة ، فقال : طال علي النهار ، فذكرت من أتحدث إليه . قال : فجعل يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثه ، ثم أنشأ يحدثني ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تكون فتنة ، النائم فيها خير من المضطجع ، والمضطجع فيها خير من القاعد ، والقاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير [ ص: 80 ] من الماشي ، والماشي خير من الراكب ، والراكب خير من المجري ، قتلاها كلها في النار " . قال : قلت : يا رسول الله ، ومتى ذلك؟ قال : " ذلك أيام الهرج " . قلت : ومتى أيام الهرج؟ قال : " حين لا يأمن الرجل جليسه " . قال : قلت : فما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال : " اكفف نفسك ويدك ، وادخل دارك " . قال : قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن دخل رجل علي داري؟ قال : " فادخل بيتك " . قال : قلت : أرأيت إن دخل علي بيتي؟ قال : " فادخل مسجدك ، واصنع هكذا - وقبض بيمينه على الكوع - وقل : ربي الله . حتى تموت على ذلك " . وقال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبي ، حدثنا شهاب بن خراش ، عن القاسم بن غزوان ، عن إسحاق بن راشد الجزري ، عن سالم ، حدثني عمرو بن وابصة ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكر بعض حديث أبي بكرة ، قال : " قتلاها كلهم في النار " . قال فيه : قلت : متى ذلك يا ابن مسعود؟ قال : " تلك أيام الهرج ، حيث لا يأمن الرجل جليسه " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال : " تكف لسانك ويدك ، وتكون حلسا من أحلاس بيتك " . قال - يعني وابصة - : فلما قتل عثمان طار قلبي مطاره ، فركبت حتى أتيت دمشق ، فلقيت خريم بن فاتك الأسدي ، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثنيه ابن مسعود .

[ ص: 81 ] وقال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن عثمان الشحام ، حدثني مسلم بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها ستكون فتنة ، المضطجع فيها خير من الجالس ، والجالس خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " . قال : يا رسول الله ، ما تأمرني؟ قال : " من كانت له إبل فليلحق إبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه " . قال : فمن لم يكن له شيء من ذلك . قال : " فليعمد إلى سيفه فليضرب بحده على حرة ، ثم لينج ما استطاع النجاء " . وقد رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه .

وقال أبو داود : حدثنا يزيد بن خالد الرملي ، حدثنا المفضل ، عن عياش ، عن بكير ، عن بسر بن سعيد ، عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي ، أنه سمع سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في هذا الحديث قال : فقلت : يا رسول الله ، أرأيت إن دخل علي بيتي ، وبسط يده ليقتلني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كن كابن آدم " . وتلا يزيد : لئن بسطت إلي يدك لتقنلني [ ص: 82 ] الآية [ المائدة : 28 ] انفرد به أبو داود من هذا الوجه .

وقال أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ليث بن سعد ، عن عياش بن عباس ، عن بكير بن عبد الله ، عن بشر بن سعيد ، أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان بن عفان : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنها ستكون فتنة ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي " . قال : أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني؟ قال : " كن كابن آدم " . وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الليث ، عن عياش بن عباس القتباني ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن بسر بن سعيد الحضرمي ، عن سعد بن أبي وقاص ، فذكره ، وقال : هذا حديث حسن ، ورواه بعضهم عن الليث ، وزاد في الإسناد رجلا . يعني : الحسين - وقيل : الحسيل - ابن عبد الرحمن ، ويقال : عبد الرحمن بن الحسين عن سعد ، كما رواه أبو داود آنفا .

ثم قال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن جحادة ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن هزيل ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ، ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والماشي فيها خير من الساعي ، فكسروا قسيكم ، وقطعوا أوتاركم ، واضربوا سيوفكم بالحجارة ، فإن دخل - يعني : على أحد منكم - فليكن [ ص: 83 ] كخير ابني آدم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا مرحوم ، حدثني أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا ، وأردفني خلفه ، فقال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد ، حتى لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك ، كيف تصنع؟ " قال : الله ورسوله أعلم . قال : " تعفف " . قال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد ، يكون البيت فيه بالعبد - يعني : القبر - كيف تصنع؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " اصبر " . قال : " يا أبا ذر ، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا - يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء - كيف تصنع؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " اقعد في بيتك ، وأغلق عليك بابك " . قال : فإن لم أترك؟ قال : " فائت من أنت منهم ، فكن فيهم " . قلت : فآخذ سلاحي؟ قال : " إذا تشاركهم فيما هم فيه ، وكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف ، فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك " . هكذا رواه الإمام أحمد ، وقد رواه أبو داود عن مسدد وابن ماجه عن أحمد بن عبدة ، كلاهما عن حماد بن زيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن المشعث بن طريف ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، بنحوه " . ثم قال أبو داود : لم يذكر المشعث في هذا [ ص: 84 ] الحديث غير حماد بن زيد .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، ثنا عفان بن مسلم ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا عاصم الأحول ، عن أبي كبشة ، قال : سمعت أبا موسى يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي " . قالوا . فما تأمرنا؟ قال : " كونوا أحلاس بيوتكم " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبى قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ، وإني أعطيت الكنزين; الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكوا بسنة بعامة ، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي ، عز وجل ، قال : يا محمد ، إني إذا قضيت قضاء ، فإنه لا يرد ، وإني أعطيت لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة ، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال : من بأقطارها - حتى يكون بعضهم يسبي بعضا ، وإنما أخاف على أمتي [ ص: 85 ] الأئمة المضلين ، وإذا وضع في أمتي السيف لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله ، عز وجل " . ورواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من طرق ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، عن أبي أسماء عمرو بن مرثد ، عن ثوبان بن بجدد ، بنحوه ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن بدر بن عثمان ، عن عامر ، عن رجل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تكون في هذه الأمة أربع فتن ، آخرها الفناء " .

ثم قال أبو داود : حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني عبد الله بن سالم ، حدثني العلاء بن عتبة ، عن عمير بن هانئ العنسي ، سمعت عبد الله بن عمر يقول : كنا قعودا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر الفتن ، فأكثر في ذكرها ، حتى ذكر فتنة الأحلاس ، فقال قائل : يا رسول الله ، وما فتنة الأحلاس؟ قال : " هي حرب وهرب ، ثم فتنة السراء ، [ ص: 86 ] دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي ، يزعم أنه مني ، وليس مني ، وإنما أوليائي المتقون ، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ، ثم فتنة الدهيماء ، لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته ، حتى إذا قيل : انقضت عادت ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، حتى يصير الناس إلى فسطاطين; فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه ، فإذا كان ذاكم ، فانتظروا الدجال ، من يومه أو من غده " . تفرد به أبو داود ، وقد رواه أحمد في " مسنده " ، عن أبي المغيرة ، بمثله .

وقال أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز ، يعني ابن أبي حازم ، عن أبيه ، عن عمارة بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كيف بكم وزمان - أو : أوشك أن يأتي زمان - يغربل الناس فيه غربلة ، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فكانوا [ ص: 87 ] هكذا " . وشبك بين أصابعه ، فقالوا : كيف بنا يا رسول الله؟ قال : " تأخذون بما تعرفون ، وتدعون ما تنكرون ، تقبلون على أمر خاصتكم ، وتذرون أمر عامتكم " . قال أبو داود : هكذا روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن هشام بن عمار ، ومحمد بن الصباح ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، به . ورواه أحمد في " مسنده " ، عن سعيد بن منصور ، عن يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، به . وقد رواه الإمام أحمد ، عن حسين بن محمد ، عن محمد بن مطرف ، عن أبي حازم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، فذكر نحوه ، أو مثله .

ثم قال أبو داود : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا يونس ، يعني ابن أبي إسحاق ، عن هلال بن خباب أبي العلاء ، حدثنا عكرمة ، حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الفتنة ، أو ذكرت عنده ، فقال : " إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا " . وشبك بين أصابعه ، قال : فقمت إليه ، فقلت : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال : " الزم بيتك ، واملك عليك لسانك ، وخذ بما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ، [ ص: 88 ] ودع عنك أمر العامة " . وهكذا رواه أحمد ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، به ، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة ، عن أحمد بن بكار ، عن مخلد بن يزيد ، عن يونس بن أبي إسحاق ، فذكر بإسناده نحوه .

قال أحمد : ثنا عبد القدوس بن الحجاج ، ثنا حريز ، يعني ابن عثمان الرحبي ، ثنا راشد بن سعد المقرائي ، عن أبي حي ، عن ذي مخمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان هذا الأمر في حمير ، فنزعه الله منهم ، فجعله في قريش و س ي ع و د إل ي ه م " . قال عبد الله بن أحمد : هكذا في كتاب أبي مقطع ، وحيث حدثنا به تكلم به على الاستواء .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا الليث ، عن طاوس ، عن رجل يقال له : زياد . عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ستكون فتنة تستنظف العرب ، قتلاها في النار ، اللسان فيها أشد من وقع السيف " . وقد رواه أحمد ، عن أسود بن عامر ، عن حماد بن سلمة ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديثه عن الليث ، عن طاوس ، عن زياد ، [ ص: 89 ] وهو الأعجم ، ويقال له : زياد سيمين كوش . وقد حكى الترمذي عن البخاري أنه ليس لزياد هذا حديث سواه ، وأن حماد بن زيد رواه عن الليث فوقفه ، وقد استدرك ابن عساكر على البخاري هذا الحديث ، فإن أبا داود رواه من طريق حماد بن زيد مرفوعا ، فالله أعلم .

وقال أبو داود : حدثنا عبد الملك بن شعيب ، حدثني ابن وهب ، حدثني الليث ، عن يحيى بن سعيد ، قال : قال خالد بن أبي عمران ، عن عبد الرحمن بن البيلماني ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ستكون فتنة صماء بكماء عمياء ، من أشرف لها استشرفت له ، وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع - وقال : حدثنا أبو معاوية - حدثنا الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو - وكنت جالسا معه في ظل الكعبة وهو يحدث الناس - قال : كنا مع [ ص: 90 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من يضرب خباءه ، ومنا من هو في جشره ، ومنا من ينتضل ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة . قال : فانتهيت إليه وهو يخطب الناس ، ويقول : " أيها الناس ، إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم ، وينذرهم ما يعلمه شرا لهم ، ألا وإن عافية هذه الأمة في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وفتن يرقق بعضها بعضا ، تجيء الفتنة ، فيقول المؤمن : هذه مهلكتي . ثم تنكشف ، ثم تجئ فيقول : هذه هذه . ثم تجيء فيقول : هذه ، هذه . ثم تنكشف ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع " . وقال مرة : " ما استطاع " . قال عبد الرحمن : فلما سمعتها أدخلت رأسي بين رجلين ، قلت : فإن ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، وأن نقتل أنفسنا ، وقد قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ النساء : 29 ] . ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ] . قال : فجمع يديه ، فوضعهما على جبهته ، ثم نكس هنيهة ، ثم رفع رأسه ، فقال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله .

[ ص: 91 ] قلت له : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي . ورواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث الأعمش ، به ، وأخرجه مسلم أيضا ، من حديث الشعبي ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ، عن عبد الله بن عمرو ، بنحوه .

وقال أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا الحسن بن عمرو ، عن أبي الزبير ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك ظالم . فقد تودع منهم " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في أمتي قذف وخسف ومسخ " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثني أبو قبيل ، قال : كنا عند عبد الله بن عمرو ، وسئل : أي المدينتين تفتح أولا؟ القسطنطينية أو رومية؟ قال : فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتابا . قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا؟ قسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مدينة هرقل تفتح أولا " . يعني القسطنطينية .

وقال القرطبي في " التذكرة " : وروي من حديث حذيفة بن اليمان ، عن [ ص: 92 ] النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " ويبدأ الخراب في أطراف الأرض حتى تخرب مصر ، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة ، وخراب البصرة من الغرق ، وخراب مصر من جفاف النيل ، وخراب مكة من الحبشة ، وخراب المدينة من الجوع ، وخراب اليمن من الجراد ، وخراب الأبلة من الحصار ، وخراب فارس من الصعاليك ، وخراب الترك من الديلم ، وخراب الديلم من الأرمن ، وخراب الأرمن من الخزر ، وخراب الخزر من الترك . . . ، وخراب الترك من الصواعق ، وخراب السند من الهند ، وخراب الهند من الصين ، وخراب الصين من الرمل ، وخراب الحبشة من الرجفة ، وخراب الزوراء من السفياني ، وخراب الروحاء من الخسف ، وخراب العراق من القحط " . ثم قال : ذكره أبو الفرج ابن الجوزي ، قال : وسمعت أن خراب الأندلس بالريح العقيم . والله أعلم .

وهذا الحديث لا يعرف في شيء من الكتب المعتمدة ، وأخلق به أن لا يكون صحيحا ، بل أخلق به أن يكون موضوعا ، أو أن يكون موقوفا على حذيفة ، ولا يصح عنه أيضا ، والله سبحانه أعلم . 
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون

قوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .

هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .

أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .

أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .

وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة [ ص: 132 ] لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .


قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : [ ص: 133 ] يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .


ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .


وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .

قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في [ ص: 134 ] البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .

وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :


لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :


مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
[ ص: 135 ] قال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :



فقد عذرتنا في صحابته العذر ففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .

قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة 

فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان البداية والنهاية




فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان

  البداية والنهاية

ؤفصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان .

وهو أحد الخلفاء الراشدين ، والأئمة المهديين ، وليس هو بالمنتظر الذي تزعم الرافضة ، وترتجي ظهوره من سرداب سامرا ، فإن ذلك ما لا حقيقة له ، ولا عين ، ولا أثر ، ويزعمون أنه محمد بن الحسن العسكري ، وأنه دخل السرداب وعمره خمس سنين ، وأما ما سنذكره فقد نطقت به الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه يكون في آخر الزمان ، وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى ابن مريم؟ فإن هذا يملأ الأرض عدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، وهكذا عيسى ابن مريم ، كما دلت على ذلك الأحاديث .

قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج وأبو نعيم ، قالا : حدثنا فطر ، عن [ ص: 56 ] القاسم بن أبي بزة ، عن أبي الطفيل ، قال حجاج : سمعت عليا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلا منا يملؤها عدلا ، كما ملئت جورا " . قال أبو نعيم : " رجلا مني " . وقال : سمعته مرة يذكره عن حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . ورواه أبو داود ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين .

وقال الإمام أحمد : حدثنا فضل بن دكين ، حدثنا ياسين العجلي ، عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية ، عن أبيه ، عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المهدي منا أهل البيت ، يصلحه الله في ليلة " . ورواه ابن ماجه ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي داود الحفري ، عن ياسين العجلي ، وليس هذا ياسين بن معاذ الزيات ، الزيات ضعيف ، والعجلي أوثق منه .

وقال أبو داود : حدثت عن هارون بن المغيرة ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن شعيب بن خالد ، عن أبي إسحاق ، قال : قال علي ، ونظر إلى ابنه الحسن ، فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم صلى الله عليه وسلم ، يشبهه في الخلق ، ولا يشبهه في الخلق - ثم ذكر قصة - يملأ الأرض عدلا .

وقد عقد أبو داود السجستاني ، رحمه الله ، كتاب المهدي مفردا في [ ص: 57 ] " سننه " ، فأورد في صدره حديث جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة " . وفي رواية : " لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثني عشر خليفة " . قال : فكبر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفية ، قلت لأبي : ما قال؟ قال : " كلهم من قريش " . وفي رواية قال : فلما رجع إلى بيته أتته قريش ، فقالوا : ثم يكون ماذا؟ قال : " ثم يكون الهرج " .

ثم روى أبو داود من حديث سفيان الثوري ، وأبي بكر بن عياش ، وزائدة ، وفطر ، ومحمد بن عبيد ، كلهم عن عاصم بن أبي النجود ، وهو ابن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم " . قال زائدة : " لطول الله ذلك اليوم " . ثم اتفقوا : " حتى يبعث فيه رجلا مني - أو : من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي " . زاد في حديث فطر : " يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا " . وقال في حديث سفيان : " لا تذهب - أو : لا تنقضي - الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي " . وهكذا رواه أحمد عن عمر بن عبيد ، وعن سفيان بن عيينة ، ومن حديث سفيان الثوري ، [ ص: 58 ] كلهم عن عاصم ، به . ورواه الترمذي من حديث السفيانين ، به ، وقال : حسن صحيح . قال الترمذي : وفي الباب عن علي ، وأبي سعيد ، وأم سلمة ، وأبي هريرة .

ثم قال الترمذي : حدثنا عبد الجبار بن العلاء العطار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي " . قال عاصم : وأخبرنا أبو صالح ، عن أبي هريرة ، قال : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي " ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .

وقال أبو داود : حدثنا سهل بن تمام بن بزيع ، حدثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، يملك سبع سنين " .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، [ ص: 59 ] حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر ، عن زياد بن بيان ، عن علي بن نفيل ، عن سعيد بن المسيب ، عن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة " . قال عبد الله بن جعفر : سمعت أبا المليح يثني على علي بن نفيل ، ويذكر عنه صلاحا . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أحمد بن عبد الملك ، عن أبي المليح الرقي ، عن زياد بن بيان ، به . فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، وهو المهدي ابن المنصور ، من طريق الدارقطني ، ثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي ، ثنا محمد بن الوليد القرشي ، ثنا أسباط بن محمد الضبي ، وصلة بن سليمان الواسطي ، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عثمان بن عفان ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " المهدي من ولد العباس عمي " . فإنه حديث غريب ، كما قال الدارقطني ، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم ، قال : ولم يكتب إلا عن شيخنا أبي إسحاق .

وقال أبو داود : حدثنا محمد بن المثني ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل ، عن صاحب له ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون اختلاف عند موت خليفة ، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة ، فيأتيه ناس من أهل مكة ، فيخرجونه وهو [ ص: 60 ] كاره ، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ويبعث إليه بعث من الشام ، فيخسف بهم بالبيداء; بين مكة والمدينة ، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام ، وعصائب أهل العراق ، فيبايعونه ، ثم ينشأ رجل من قريش ، أخواله كلب ، فيبعث إليهم بعثا ، فيظهرون عليهم ، وذلك بعث كلب ، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب ، فيقسم المال ، ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض ، فيلبث سبع سنين ، ثم يتوفى ، ويصلي عليه المسلمون " .

وقال أبو داود : قال هارون ، يعني ابن المغيرة ، حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن مطرف بن طريف ، عن أبي الحسن ، عن هلال بن عمرو ، سمعت عليا يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يخرج رجل من وراء النهر ، يقال له : الحارث . حراث ، على مقدمته رجل يقال له : منصور . يوطئ - أو : يمكن - لآل محمد ، كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجبت على كل مؤمن نصرته " . أو قال : " إجابته " .

وقال ابن ماجه : حدثنا حرملة بن يحيى المصري ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري ، قالا : حدثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج ناس من المشرق ، فيوطئون للمهدي " . يعني سلطانه .

[ ص: 61 ] وقال ابن ماجه : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، حدثنا علي بن صالح ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اغرورقت عيناه ، وتغير لونه ، قال : فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا تكرهه . فقال : " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير ، فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ، فيعطون ما سألوا ، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطا ، كما ملئوها جورا ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج " . ففي هذا الحديث إشارة إلى ملك بني العباس ، كما تقدم التنبيه على ذلك عند ذكر ابتداء دولتهم في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس ، وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم من ولد الحسن ، لا الحسين ، كما تقدم في حديث علي بن أبي طالب ، والله سبحانه أعلم .

وقال ابن ماجه : حدثنا محمد بن يحيى ، وأحمد بن يوسف ، قالا : حدثنا عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقتتل عند كنزكم [ ص: 62 ] ثلاثة كلهم ابن خليفة . ثم لا يصير إلى واحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود ، من قبل المشرق ، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم " . ثم ذكر شيئا لا أحفظه ، فقال : " فإذا رأيتموه فبايعوه ، ولو حبوا على الثلج; فإنه خليفة الله المهدي " . تفرد به ابن ماجه ، وإسناده قوي صحيح ، والظاهر أن المراد بهذا الكنز المذكور كنز الكعبة ، يقتتلون عنده; ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء ، حتى إذا كان في آخر الزمان خرج المهدي من بلاد المشرق ، وقيل : من مكة . لا من سرداب سامرا ، كما تزعمه الرافضة من أنه محبوس فيه الآن ، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان ، وهذا من الهذيان ، وقسط كبير من الخذلان ، وهوس شديد من الشيطان; إذ - لا دليل على ذلك ولا برهان ، من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا بيان .

وقال الترمذي : حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن يونس ، عن ابن شهاب الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج من خراسان رايات سود ، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء " . هذا - حديث غريب . وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني ، فاستلب بها دولة بني أمية ، في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، بل هي رايات سود أخرى تأتي صحبة المهدي ، وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني ، والله أعلم ، يصلحه الله في ليلة واحدة ، أي : يتوب عليه ، ويوفقه ، يلهمه رشده ، بعد أن لم يكن كذلك ، ويؤيده بناس من أهل المشرق ، ينصرونه ، ويقيمون سلطانه ، ويشيدون أركانه ، وتكون راياتهم سودا أيضا ، [ ص: 63 ] وهو زي عليه الوقار; لأن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء ، يقال لها : العقاب . وقد ركزها خالد بن الوليد على الثنية التي هي شرقي دمشق ، حين أقبل من العراق ، فعرفت بها الثنية ، فهي إلى الآن يقال لها : ثنية العقاب . وقد كانت عقابا على الكفار ، من نصارى الشام والروم والعرب والفرس . وأطدت حسن العاقبة لعباد الله الذين وعدهم الله أن يرثوا الأرض ، من المهاجرين والأنصار ، ولمن كان معهم وبعدهم إلى يوم الدين . وكذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح إلى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود ، وجاء في رواية أنه كان معتما بعمامة سوداء ، فوق البيضة .

والمقصود أن المهدي الموعود به يكون في آخر الزمان ، ويكون أصل خروجه من ناحية المشرق ، ثم يأتي مكة ، فيبايع له عند البيت الحرام ، كما ذكر ذلك في الحديث ، وقد أفردت في ذكر المهدي جزءا على حدة .

وقال ابن ماجه : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، حدثنا عمارة بن أبي حفصة ، عن زيد العمي ، عن أبي صديق الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم ( ينعموا مثلها ) قط; تؤتي الأرض أكلها ، ولا تدخر منه شيئا ، والمال يومئذ كدوس ، يقوم الرجل فيقول : يا مهدي ، [ ص: 64 ] أعطني . فيقول : خذ " .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت زيدا العمي ، سمعت أبا الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري ، قال : خشينا أن يكون بعد نبينا حدث ، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إن في أمتى المهدي ، يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا " . زيد الشاك ، قال : قلنا : وما ذاك؟ قال : سنين . قال : " فيجيء إليه الرجل فيقول : يا مهدي ، أعطنى ، أعطنى " . قال : فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله " . هذا حديث حسن ، وقد روي من غير وجه ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ، ويقال : بكر بن قيس ! . وهذا يدل على أن أكثر مدته تسع سنين ، وأقلها خمس أو سبع ، ولعله هو الخليفة الذى يحثو المال حثيا ولا يعده عدا ، والله أعلم ، وفى زمانه تكون الثمار كثيرة ، والزروع غزيرة ، والمال وافرا ، والسلطان قاهرا ، والدين قائما ظاهرا ، والعدو ملوما مخذولا داخرا ، والبلاد آمنة ، والأمر والنهي قائما ، والرزق دارا دائما .

. وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد ، قال : قلت : والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي ، ولا عام إلا وهو شر من الماضي . قال : لولا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت مثل ما يقول ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن من أمرائكم أميرا يحثو المال حثوا ولا يعده عدا ، يأتيه الرجل [ ص: 65 ] فيسأله ، فيقول : خذ . فيبسط ثوبه ، فيحثو فيه " . وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة غليظة كانت عليه ، يحكي صنع الرجل ، ثم جمع إليه أكنافها ، قال : " فيأخذه ، ثم ينطلق " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

وقال ابن ماجه : حدثنا هدية بن عبد الوهاب ، حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر ، عن علي بن زياد اليمامي ، عن عكرمة بن عمار ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نحن ، ولد عبد المطلب ، سادة أهل الجنة ، أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي " . قال شيخنا أبو الحجاج المزي : كذا وقع في " سنن ابن ماجه " ، وفي إسناده علي بن زياد اليمامي ، والصواب : عبد الله بن زياد السحيمي .

قلت : وكذا أورده البخاري في " التاريخ " ، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ، وهو رجل مجهول ، وهذا الحديث منكر .

وفي " الطبراني " من حديث حسين بن علي ، عن الأوزاعي ، عن [ ص: 66 ] قيس بن جابر الصدفي ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : " سيكون بعدي خلفاء ، ثم ملوك ، ثم أمراء ، ثم جبابرة ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ثم يؤمر القحطاني ، فوالذي نفسي بيده ما هو بدونه " .

فأما الحديث الذي رواه ابن ماجه في " سننه " : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، حدثني محمد بن خالد الجندي ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدبارا ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيسى ابن مريم " . فإنه حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن ، شيخ الشافعي ، وروى عنه غير واحد أيضا ، وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم ، بل قد روي عن ابن معين أنه وثقه ، ولكن من الرواة من حدث به عنه ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن البصري ، مرسلا ، وذكر شيخنا في " التهذيب " ، عن بعضهم ، أنه رأى الشافعي في المنام وهو يقول : كذب علي يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، ليس هذا من حديثي .

قلت : يونس بن عبد الأعلى من الثقات ، لا يطعن فيه بمجرد منام ، وهذا الحديث فيما يظهر في بادي الرأي مخالف للأحاديث التي أوردناها في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم ، إما قبل نزوله وهو الأظهر ، والله أعلم ، وإما بعد [ ص: 67 ] نزوله ، وعند التأمل يكون هذا الحديث لا ينافيها ، ويكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى ابن مريم ، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديا أيضا . 
المنتظر

الشريف أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري ابن علي الهادي ابن محمد الجواد ابن علي الرضى ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن [ ص: 120 ] محمد الباقر ابن زين العابدين بن علي بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب ، العلوي الحسيني .

خاتمة الاثني عشر سيدا ، الذين تدعي الإمامية عصمتهم -ولا عصمة إلا لنبي- ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة ، وأنه صاحب الزمان ، وأنه صاحب السرداب بسامراء ، وأنه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا . فوددنا ذلك -والله- وهم في انتظاره من أربعمائة وسبعين سنة ، ومن أحالك على غائب لم ينصفك ، فكيف بمن أحال على مستحيل ؟ ! والإنصاف عزيز . فنعوذ بالله من الجهل والهوى .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، المشهود لهم بالجنة -رضي الله عنه- نحبه أشد الحب ، ولا ندعي عصمته ، ولا عصمة أبي بكر الصديق . وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلا لذلك . وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة ، وله نظراء ، وغيره أكثر فتوى منه ، وأكثر رواية .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة . وكذا ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون ، وله نظراء في الشرف والفضل . [ ص: 121 ] وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيره المأمون ولي عهده لجلالته ، فتوفي سنة ثلاث ومائتين .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه ، لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه .

وكذلك ولده الملقب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري . رحمهم الله -تعالى .

فأما محمد بن الحسن هذا : فنقل أبو محمد بن حزم : أن الحسن مات عن غير عقب . قال : وثبت جمهور الرافضة على أن للحسن ابنا أخفاه .

وقيل : بل ولد له بعد موته ، من أمة اسمها : نرجس ، أو سوسن ، والأظهر عندهم أنها صقيل ، وادعت الحمل بعد سيدها ، فأوقف ميراثه لذلك سبع سنين ، ونازعها في ذلك أخوه جعفر بن علي ، فتعصب لها جماعة ، وله آخرون ، ثم انفش ذلك الحمل ، وبطل ، فأخذ ميراث الحسن أخوه جعفر ، وأخ له . وكان موت الحسن سنة ستين ومائتين . . . إلى أن قال : وزادت فتنة الرافضة بصقيل وبدعواها ، إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها ، وجعلت في قصره إلى أن ماتت في دولة المقتدر .

قلت : ويزعمون أن محمدا دخل سردابا في بيت أبيه ، وأمه تنظر إليه ، فلم يخرج إلى الساعة منه ، وكان ابن تسع سنين . وقيل دون ذلك . قال ابن خلكان : وقيل بل دخل ، وله سبع عشرة سنة ، في سنة خمس وسبعين ومائتين ، وقيل : بل في سنة خمس وستين ، وأنه حي . [ ص: 122 ] نعوذ بالله من زوال العقل . قل فلو فرضنا وقوع ذلك في سالف الدهر ، فمن الذي رآه ؟ ومن الذي نعتمد عليه في إخباره بحياته ؟ ومن الذي نص لنا على عصمته ، وأنه يعلم كل شيء ؟ هذا هوس بين . إن سلطناه على العقول ضلت وتحيرت ، بل جوزت كل باطل . أعاذنا الله وإياكم من الاحتجاج بالمحال والكذب ، أو رد الحق الصحيح كما هو ديدن الإمامية .

وممن قال : إن الحسن العسكري لم يعقب : محمد بن جرير الطبري ، ويحيى بن صاعد ، وناهيك بهما معرفة وثقة . 

ذكر شرور تحدث في هذه الأمة في آخر الزمان البداية والنهاية

ذكر شرور تحدث في هذه الأمة في آخر الزمان
  البداية والنهاية

  [ ص: 46 ] ذكر شرور تحدث في هذه الأمة في آخر الزمان وإن كان قد وجد بعضها في زماننا أيضا

قال ابن ماجه في كتاب الفتن من " سننه " : حدثنا محمود بن خالد الدمشقي ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب ، عن ابن أبي مالك ، عن أبيه ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عمر ، قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا ابتليتم بهن ، وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله ، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ، ويتخيروا مما أنزل الله ، إلا جعل الله بأسهم بينهم " . تفرد به ابن ماجه ، وفيه غرابة .

وقال الترمذي : حدثنا صالح بن عبد الله ، حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن [ ص: 47 ] علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل فيها البلاء " . قيل : وما هي يا رسول الله؟ قال : " إذا كان المغنم دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وأطاع الرجل زوجته ، وعق أمه ، وبر صديقه ، وجفا أباه ، وارتفعت الأصوات في المساجد ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وشربت الخمر ، ولبس الحرير ، واتخذت القينات ، والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء ، أو خسفا ومسخا " . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه ، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة ، ، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، وقد روى عنه وكيع وغير واحد من الأئمة .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن الحسين القيسي ، حدثنا يونس بن أرقم ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، فلما صلى صلاته ناداه رجل : متى الساعة؟ فزبره رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، وقال : " اسكت " . حتى إذا أسفر [ ص: 48 ] رفع طرفه إلى السماء ، فقال : " تبارك رافعها ومدبرها " . ثم رمى ببصره إلى الأرض ، فقال : " تبارك داحيها وخالقها " . ثم قال : " أين السائل عن الساعة؟ " فجثا الرجل على ركبتيه ، فقال : أنا بأبي وأمي سألتك . فقال : " ذلك عند حيف الأئمة ، وتصديق بالنجوم ، وتكذيب بالقدر ، وحتى تتخذ الأمانة مغنما ، والصدقة مغرما ، والفاحشة زيادة . فعند ذلك هلك قومك " . ثم قال البزار : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ويونس بن أرقم كان صادقا ، روى عنه الناس ، وفيه شيعية شديدة .

ثم قال الترمذي : حدثنا علي بن حجر ، حدثنا محمد بن يزيد ، عن المستلم بن سعيد ، عن رميح الجذامي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اتخذ الفيء دولا ، والأمانة مغنما ، والزكاة مغرما ، وتعلم لغير الدين ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأدنى صديقه ، وأقصى أباه ، وظهرت الأصوات في المساجد ، وساد القبيلة فاسقهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل مخافة شره ، وظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء ، وخسفا ، ومسخا ، وقذفا ، وآيات تتابع ، كنظام بال قطع سلكه فتتابع " . وقال : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

[ ص: 49 ] حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي ، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن هلال بن يساف ، عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في هذه الأمة خسف ، ومسخ ، وقذف " . فقال رجل من المسلمين : ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال : " إذا ظهرت القينات والمعازف ، وشربت الخمور " . ثم قال : هذا حديث غريب ، وروي هذا الحديث عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا .

وقال الترمذي : حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكندي ، حدثنا زيد بن حباب ، أخبرني موسى بن عبيدة ، أخبرني عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مشت أمتي المطيطاء ، وخدمها أبناء الملوك ، أبناء فارس والروم ، سلط شرارها على خيارها " . وهذا حديث غريب ، وقد رواه أبو معاوية ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر ، فذكره ، ولا نعرف له أصلا ، وقد رواه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، مرسلا .

ثم روى من حديث صالح المري ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أمراؤكم خياركم ، وأغنياؤكم سمحاءكم ، وأموركم شورى بينكم ، فظهر الأرض خير [ ص: 50 ] لكم من بطنها ، وإذا كان أمراؤكم شراركم ، وأغنياؤكم بخلاءكم ، وأموركم إلى نسائكم ، فبطن الأرض خير لكم من ظهرها " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث صالح المري ، وله غرائب لا يتابع عليها ، وهو رجل صالح .

وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من طريق مبارك بن حسان ، عن عمر بن عاصم بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا طغى نساؤكم ، وفتق شأنكم؟ " قالوا : يا رسول الله ، وإن ذلك لكائن؟! قال : " وأشد من ذلك ، لا تأمرون بالمعروف ، ولا تنهون عن المنكر " . قالوا : وإن ذلك لكائن؟! قال : " وأشد من ذلك ، ترون المعروف منكرا والمنكر معروفا " . قالوا : وإن ذلك لكائن؟! قال : " وأشد منه; تأمرون بالمنكر وتنهون عن المعروف " . قالوا : وإن ذلك لكائن؟ قال : " وأشد من ذلك " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس أولئك القوم ، وبئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، وبئس القوم قوم يستحلون المحرمات والشهوات بالشبهات ، وبئس القوم قوم يمشي المؤمن بين أظهرهم بالتقية والكتمان " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا عباد بن عباد ، عن مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد لله اسم ، وليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة " . تفرد به أحمد من هذا الوجه .

[ ص: 51 ] وقال أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، يعني ابن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد " .

ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، زاد أبو داود : وعن قتادة ، كلاهما عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، به ، وسيأتي في ذكر أشراط الساعة حديث ابن مسعود ، وفيه : " وتزخرف المحاريب ، وتخرب القلوب " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن عثمان بن عمير ، عن زاذان أبي عمر ، عن عليم ، قال : كنا جلوسا على سطح ، معنا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال يزيد : لا أعلمه إلا عبسا الغفاري - والناس يخرجون في الطاعون ، فقال عبس : يا طاعون ، خذني . ثلاثا يقولها ، فقال له عليم : لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يتمنى أحدكم الموت؟ فإنه عند انقطاع عمله ، ولا يرد فيستعتب " . فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " بادروا بالموت ستا : إمرة السفهاء ، وكثرة الشرط ، وبيع الحكم ، واستخفافا بالدم ، وقطيعة الرحم ، ونشوا يتخذون القرآن مزامير [ ص: 52 ] يقدمونه يغنيهم وإن كان أقل منهم فقها " . تفرد به أحمد .

وفي رواية أبي معلى عن الحكم بن عمرو مثله أو نحوه ، كما ذكرنا في الزيادات على " مسند أحمد " ، والله سبحانه أحمد ، وقد قال الطبراني : حدثنا ابن إسحاق التستري ، حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ، حدثنا جميل بن عبيد الطائع ، حدثنا أبو معلى ، قال : قال الحكم الغفاري : يا طاعون ، خذني إليك . فقال له رجل من القوم : لم تقول هذا ، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يتمنين أحدكم الموت " ؟ فقال : قد سمعت ما سمعتم ، ولكني أبادر ستا : بيع الحكم ، وكثرة الشرط ، وإمارة الصبيان ، وسفك الدماء ، وقطيعة الرحم ، ونشوا يكونون في آخر الزمان يتخذون القرآن مزامير .

وروى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ " . قيل : ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال : " إذا ظهرت المعازف والقينات ، واستحلت الخمر " . له شاهد في " صحيح البخاري " من حديث أبي مالك أو أبي عامر ، كما جزم به البخاري .

وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن أبي بكير ، ثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط ، [ ص: 53 ] سمعت أبي يذكر عن حذيفة ، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : " علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن أخبركم بمشاريطها ، وما يكون بين يديها ، إن بين يديها فتنا وهرجا " . قالوا : يا رسول الله ، الفتنة عرفناها ، فالهرج ما هو؟ قال : " هو بلسان الحبشة القتل " . قال : " ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا " . تفرد به أحمد .

وقال أحمد أيضا : ثنا أبو المغيرة ، ثنا صفوان ، حدثني السفر بن نسير الأزدي وغيره ، عن حذيفة بن اليمان ، أنه قال : يا رسول الله ، إنا كنا في شر ، فذهب الله بذلك الشر ، وجاء بخير على يديك ، فهل بعد الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت : ما هو؟ قال : " فتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا ، تأتيكم مشتبهة كوجوه البقر لا تدرون أيا من أي " .

وقال أحمد : ثنا سليمان ، ثنا إسماعيل ، حدثني عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم ، وتجتلدوا بأسيافكم ، ويرب دنياكم شراركم " .

وبه : " لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع " . وقال الطبراني : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا عمرو بن هشام [ ص: 54 ] أبو أمية الحراني ، ثنا عثمان بن عبد الرحمن ، عن صدقة ، عن زيد بن واقد ، عن العلاء بن الحارث ، عن حزام بن حكيم بن حزام ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم قد أصبحتم في زمان كثير فقهاؤه ، قليل خطباؤه ، كثير معطوه ، قليل سائلوه ، العمل فيه خير من العلم ، وسيأتي زمان قليل فقهاؤه ، كثير خطباؤه ، كثير سؤاله ، قليل معطوه ، العلم فيه خير من العمل " .

وقال أحمد : ثنا حماد بن أسامة ، أخبرني مسعر ، عن عبد الملك ، عن هلال بن يساف ، عن عبد الله بن ظالم ، عن سعيد بن زيد قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنا كقطع الليل المظلم ، أراه قال : " فيذهب الناس أسرع ذهاب " . قال : فقيل : يا رسول الله ، كلهم هالك أو بعضهم؟ قال : " حسبهم - أو : بحسبهم - القتل " . تفرد به .

وقال أحمد أيضا : ثنا عبد الرحمن ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي عثمان ، عن خالد بن عرفطة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خالد ، إنها ستكون بعدي أحداث وفتن ، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل " .

وروى الطبراني من حديث ثابت بن عجلان ، حدثني أبو كثير المحاربي ، [ ص: 55 ] سمعت خرشة المحاربي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ستكون فتن ، النائم فيها خير من اليقظان ، والجالس فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، ألا فمن أتت عليه فليمش بسيفه إلى الصفا فليضرب به حتى ينكسر ، ثم ليضطجع حتى تنجلي عما انجلت " . وذكر الحديث .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









وكيع ( ع )

ابن الجراح ، بن مليح ، بن عدي بن فرس بن جمجمة بن [ ص: 141 ] سفيان ، بن الحارث ، بن عمرو ، بن عبيد ، بن رؤاس ، الإمام الحافظ ، محدث العراق أبو سفيان الرؤاسي ، الكوفي ، أحد الأعلام .

ولد سنة تسع وعشرين ومائة قاله أحمد بن حنبل .

وقال خليفة وهارون بن حاتم : ولد سنة ثمان وعشرين . واشتغل في الصغر .

وسمع من : هشام بن عروة ، وسليمان الأعمش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وابن عون ، وابن جريج ، وداود الأودي ، ويونس بن أبي إسحاق ، وأسود بن شيبان ، وهشام بن الغاز ، والأوزاعي ، وجعفر بن برقان ، وزكريا بن أبي زائدة ، وطلحة بن عمرو المكي ، وفضيل بن غزوان ، وأبي جناب الكلبي ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وأبان بن صمعة ، وأبان بن عبد الله البجلي ، وأبان بن يزيد ، وإبراهيم بن الفضل المخزومي ، وإبراهيم بن يزيد الخوزي ، وإدريس بن يزيد ، وإسماعيل بن رافع المدني ، وإسماعيل بن سليمان الأزرق ، وإسماعيل بن أبي الصفيرا وإسماعيل بن مسلم العبدي ، وأفلح بن حميد ، وأيمن بن نابل ، وبدر بن عثمان ، وبشير بن المهاجر ، وحريث بن أبي مطر ، وأبي خلدة خالد بن دينار ، وخالد بن طهمان ، ودلهم بن صالح ، وسعد بن أوس ، وسعدان الجهني ، وسعيد بن السائب ، وسعيد بن عبيد الطائي ، وسلمة بن نبيط ، وطلحة بن يحيى ، وعباد بن منصور ، وعثمان الشحام ، وعمر بن ذر ، وعيسى بن طهمان ، وعيينة بن عبد [ ص: 142 ] الرحمن بن جوشن ، وكهمس ، والمثنى بن سعيد الضبعي ، والمثنى ، بن سعيد الطائي ، وابن أبي ليلى ، ومسعر بن حبيب ، ومسعر بن كدام ، ومعاوية بن أبي مزرد ، ومصعب بن سليم ، وابن أبي ذئب ، وسفيان ، وشعبة ، وإسرائيل ، وشريك ، وخلق كثير .

وكان من بحور العلم وأئمة الحفظ .

حدث عنه : سفيان الثوري أحد شيوخه ، وعبد الله بن المبارك ، والفضل بن موسى السيناني - وهما أكبر منه - ويحيى بن آدم ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والحميدي ، ومسدد ، وعلي ، وأحمد ، وابن معين ، وإسحاق ، وبنو أبي شيبة ، وأبو خيثمة ، وأبو كريب ، وابن نمير ، وأبو هشام الرفاعي ، وعبد الله بن هاشم الطوسي ، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي ، وإبراهيم بن عبد الله العبسي ، وأمم سواهم .

وكان والده ناظرا على بيت المال بالكوفة ، وله هيبة وجلالة .

وروي عن يحيى بن أيوب المقابري ، قال : ورث وكيع من أمه مائة ألف درهم .

قال يحيى بن يمان : لما مات سفيان الثوري ، جلس وكيع موضعه .

قال القعنبي : كنا عند حماد بن زيد ، فلما خرج وكيع ، قالوا : هذا راوية سفيان ، قال حماد : إن شئتم ، قلت : أرجح من سفيان . الفضل بن محمد الشعراني : سمعت يحيى بن أكثم يقول : صحبت وكيعا في الحضر والسفر ، وكان يصوم الدهر ، ويختم القرآن كل ليلة . [ ص: 143 ]

قلت : هذه عبادة يخضع لها ، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة ، فقد صح نهيه - عليه السلام - عن صوم الدهر وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث والدين يسر ، ومتابعة السنة أولى ، فرضي الله عن وكيع ، وأين مثل وكيع ؟ ! ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه فكان متأولا في شربه ، ولو تركه تورعا ، لكان أولى به ، فإن من توقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور وليس هذا [ ص: 144 ] موضع هذه الأمور ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، فلا قدوة في خطأ العالم ، نعم ، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد ، نسأل الله المسامحة .

قال يحيى بن معين : وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه .

وقال أحمد بن حنبل : ما رأيت أحدا أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع .

قلت : كان أحمد يعظم وكيعا ويفخمه .

قال محمد بن عامر المصيصي : سألت أحمد : وكيع أحب إليك أو يحيى بن سعيد ؟ فقال : وكيع ، قلت : كيف فضلته على يحيى ، ويحيى ومكانه من العلم والحفظ والإتقان ما قد علمت ؟ قال : وكيع كان صديقا لحفص بن غياث ، فلما ولي القضاء ، هجره ، وإن يحيى كان صديقا لمعاذ بن معاذ ، فلما ولي القضاء ، لم يهجره يحيى .

وقال محمد بن علي الوراق : عرض القضاء على وكيع ، فامتنع . محمد بن سلام البيكندي : سمعت وكيعا يقول : من طلب الحديث كما جاء ، فهو صاحب سنة ، ومن طلبه ليقوي به رأيه ، فهو صاحب بدعة .

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر : قد حدث وكيع بدمشق ، فأخذ عنه هشام بن عمار ، وابن ذكوان .

قال أحمد بن أبي خيثمة : حدثنا محمد بن يزيد ، حدثني حسين [ ص: 145 ] أخو زيدان قال : كنت مع وكيع ، فأقبلنا جميعا من المصيصة أو طرسوس ، فأتينا الشام ، فما أتينا بلدا إلا استقبلنا واليها ، وشهدنا الجمعة بدمشق ، فلما سلم الإمام ، أطافوا بوكيع ، فما انصرف إلى أهله يعني إلى الليل . قال : فحدث به مليحا ابنه ، فقال : رأيت في جسد أبي آثار خضرة مما زحم ذلك اليوم .

قال محمد بن عبد الله بن عمار : أحرم وكيع من بيت المقدس .

وقال محمد بن سعد : كان وكيع ثقة مأمونا عاليا رفيعا كثير الحديث حجة .

قال محمود بن غيلان : قال لي وكيع : اختلفت إلى الأعمش سنين .

وقال محمد بن خلف التيمي : أخبرنا وكيع قال : أتيت الأعمش ، فقلت : حدثني . قال : ما اسمك ؟ قلت : وكيع . قال : اسم نبيل . ما أحسب إلا سيكون لك نبأ ، أين تنزل من الكوفة ؟ قلت : في بني رؤاس . قال : أين من منزل الجراح بن مليح ؟ قلت : ذاك أبي ، وكان على بيت المال ، قال لي : اذهب ، فجئني بعطائي ، وتعال حتى أحدثك بخمسة أحاديث . فجئت إلى أبي ، فأخبرته ، قال : خذ نصف العطاء ، واذهب ، فإذا حدثك بالخمسة ، فخذ النصف الآخر حتى تكون عشرة ، فأتيته بنصف عطائه ، فوضعه في كفه ، وقال : هكذا ؟ ثم سكت ، فقلت : حدثني ، فأملى علي حديثين ، فقلت : وعدتني بخمسة . قال : فأين الدراهم كلها ؟ أحسب أن أباك أمرك بهذا ، [ ص: 146 ] ولم يدر أن الأعمش مدرب ، قد شهد الوقائع ؟ اذهب فجئني بتمامه ، فجئته ، فحدثني بخمسة ، فكان إذا كان كل شهر ، جئته بعطائه ، فحدثني بخمسة أحاديث .

قال قاسم بن يزيد الجرمي : كان الثوري يدعو وكيعا ، وهو غلام فيقول : يا رؤاسي ! تعال ، أي شيء سمعت ؟ فيقول : حدثني فلان بكذا ، وسفيان يتبسم ، ويتعجب من حفظه .

قال ابن عمار : ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع ، وكان جهبذا ، سمعته يقول : ما نظرت في كتاب منذ خمس عشرة سنة إلا في صحيفة يوما ، فقلت له : عدوا عليك بالبصرة أربعة أحاديث غلطت فيها . قال : وحدثتهم بعبادان بنحو من ألف وخمسمائة ، أربعة أحاديث ليست بكثيرة في ذلك .

قال يحيى بن معين : سمعت وكيعا يقول : ما كتبت عن الثوري قط ، كنت أتحفظ ، فإذا رجعت إلى المنزل ، كتبتها .

قال محمد بن عمران الأخنسي : سمعت يحيى بن يمان يقول : نظر سفيان إلى عيني وكيع ، فقال : لا يموت هذا الرؤاسي حتى يكون له شأن . فمات سفيان ، وجلس وكيع مكانه .

قال أحمد بن أبي الحواري : قلت لأبي بكر بن عياش : حدثنا . قال : قد كبرنا ، ونسينا الحديث ، اذهب إلى وكيع في بني رؤاس .

قال الشاذكوني : قال لنا أبو نعيم يوما : ما دام هذا التنين حيا - يعني وكيعا - ما يفلح أحد معه .

قلت : كان وكيع أسمر ضخما سمينا .

قال ابن عدي : حدثت عن نوح بن حبيب ، عن عبد الرزاق ، [ ص: 147 ] قال : رأيت الثوري وابن عيينة ومعمرا ومالكا ، ورأيت ورأيت ، فما رأت عيناي قط مثل وكيع .

قال المفضل الغلابي : كنا بعبادان ، فقال لي حماد بن مسعدة : أحب أن تجيء معي إلى وكيع ، فأتيناه ، فسلم عليه ، وتحدثنا ، ثم انصرفنا ، فقال لي حماد : يا أبا معاوية ! قد رأيت الثوري ، فما كان مثل هذا .

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : كان وكيع حافظا حافظا ، ما رأيت مثله .

وقال بشر بن موسى : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما رأيت قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع .

قلت : يقول هذا أحمد مع تحريه وورعه ، وقد شاهد الكبار مثل هشيم ، وابن عيينة ، ويحيى القطان ، وأبي يوسف القاضي وأمثالهم .

وكذا روى عن أحمد إبراهيم الحربي ، قال جعفر بن محمد بن سوار النيسابوري : سمعت عبد الصمد بن سليمان البلخي : سألت أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن ، ووكيع ، وأبي نعيم ، فقال : ما رأيت أحفظ من وكيع ، وكفاك بعبد الرحمن معرفة وإتقانا ، وما رأيت رجلا أوزن بقوم من غير محاباة ، ولا أشد تثبتا في أمور الرجال من يحيى بن سعيد ، وأبو نعيم أقل الأربعة خطأ ، وهو عندي ثقة موضع الحجة في الحديث .

وقال صالح بن أحمد : قلت لأبي : أيما أثبت عندك ، وكيع أو يزيد ؟ فقال : ما منهما بحمد الله إلا ثبت ، وما رأيت أوعى للعلم من وكيع ، ولا أشبه من أهل النسك منه ، ولم يختلط بالسلطان .

وقال الترمذي : سمعت أحمد بن الحسن : سئل أحمد بن حنبل [ ص: 148 ] عن وكيع وابن مهدي ، فقال : وكيع أكبر في القلب ، وعبد الرحمن إمام .

وقال زاهد دمشق أحمد بن أبي الحواري : ما رأيت فيمن لقيت أخشع من وكيع . علي بن الحسين بن حبان ، عن أبيه ، سمعت ابن معين يقول : ما رأيت أفضل من وكيع ، قيل : ولا ابن المبارك ؟ قال : قد كان ابن المبارك له فضل ، ولكن ما رأيت أفضل من وكيع ، كان يستقبل القبلة ، ويحفظ حديثه ، ويقوم الليل ، ويسرد الصوم ، ويفتي بقول أبي حنيفة رحمه الله ، وكان قد سمع منه كثيرا .

قال صالح بن محمد جزرة : سمعت يحيى بن معين يقول : ما رأيت أحدا أحفظ من وكيع . فقال له رجل : ولا هشيم ؟ فقال : وأين يقع حديث هشيم من حديث وكيع ؟ قال الرجل : إني سمعت علي بن المديني يقول : ما رأيت أحدا أحفظ من يزيد بن هارون . فقال : كان يزيد يتحفظ ، كانت له جارية تحفظه من كتاب

قال قتيبة : سمعت جريرا يقول : جاءني ابن المبارك ، فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ، من رجل الكوفة اليوم ؟ فسكت عني ، ثم قال : رجل المصرين وكيع . تمتام حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه ، أن وكيعا كان لا ينام حتى يقرأ جزءه من كل ليلة ثلث القرآن ، ثم يقوم في آخر الليل ، فيقرأ المفصل ، ثم يجلس ، [ ص: 149 ] فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر .

وقال أبو سعيد الأشج : حدثنا إبراهيم بن وكيع ، قال : كان أبي يصلي ، فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء . عباس : حدثنا يحيى بن معين : سمعت وكيعا يقول كثيرا : وأي يوم لنا من الموت ؟ ورأيته أخذ في كتاب " الزهد " يقرؤه ، فلما بلغ حديثا منه ، ترك الكتاب ، ثم قام ، فلم يحدث ، فلما كان من الغد ، وأخذ فيه ، بلغ ذلك المكان ، قام أيضا ، ولم يحدث ، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام . قلت ليحيى : وأي حديث هو ؟ قال : حديث كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .

قال ابن عمار : كان وكيع يصوم الدهر ، ويفطر يوم الشك والعيد ، وأخبر أنه كان يشتكي إذا أفطر في هذه الأيام .

وعن سفيان بن وكيع ، قال : كان أبي يجلس لأصحاب الحديث من بكرة إلى ارتفاع النهار ، ثم ينصرف ، فيقيل ، ثم يصلي الظهر ، ويقصد الطريق إلى المشرعة التي يصعد منها أصحاب الروايا [ ص: 150 ] فيريحون نواضحهم ، فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرض إلى حدود العصر ، ثم يرجع إلى مسجده ، فيصلي العصر ، ثم يجلس يدرس القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار ، ثم يدخل منزله ، فيقدم إليه إفطاره ، وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام ، ثم تقدم إليه قرابة فيها نحو من عشرة أرطال من نبيذ ، فيشرب منها ما طاب له على طعامه ، ثم يجعلها بين يديه ، ثم يقوم فيصلي ورده من الليل ، كلما صلى شيئا شرب منها حتى ينفدها ، ثم ينام .

روى هذه الحكاية الدارقطني ، عن القاضي ابن أم شيبان ، عن أبيه ، عن أبي عبد الرحمن بن سفيان بن وكيع ، عن أبيه .

قال إسحاق بن بهلول : قدم علينا وكيع ، فنزل في مسجد الفرات ، وسمعت منه ، فطلب مني نبيذا ، فجئته به ، وأقبلت أقرأ عليه الحديث ، وهو يشرب ، فلما نفد ما جئته به ، أطفأ السراج . قلت : ما هذا ؟ قال : لو زدتنا ، زدناك .

قال جعفر الطيالسي : سمعت يحيى بن معين يقول : سمعت رجلا يسأل وكيعا ، فقال : يا أبا سفيان ، شربت البارحة نبيذا ، فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول : شربت خمرا . فقال وكيع : ذلك الشيطان .

وقال نعيم بن حماد : تعشينا عند وكيع - أو قال : تغدينا - فقال : أي شيء تريدون أجيئكم منه : نبيذ الشيوخ أو نبيذ الفتيان ؟ فقلت : [ ص: 151 ] تتكلم بهذا ؟ قال : هو عندي أحل من ماء الفرات ، قلت له : ماء الفرات لم يختلف في حله ، وقد اختلف في هذا .

قلت : الرجل سامحه الله لو لم يعتقد إباحته ، لما قال هذا .

وعن إبراهيم بن شماس قال : لو تمنيت كنت أتمنى عقل ابن المبارك وورعه ، وزهد ابن فضيل ورقته ، وعبادة وكيع وحفظه ، وخشوع عيسى بن يونس ، وصبر حسين الجعفي ، صبر ولم يتزوج ولم يدخل في شيء من أمر الدنيا .

وروى بعض الرواة عن وكيع قال : قال لي الرشيد ، إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا . وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وصالح عملي ، فخذ عهدك . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنا شيخ كبير ، وإحدى عيني ذاهبة ، والأخرى ضعيفة .

قال علي بن خشرم : ما رأيت بيد وكيع كتابا قط ، إنما هو حفظ ، فسألته عن أدوية الحفظ ، فقال : إن علمتك الدواء استعملته ؟ قلت : إي والله . قال : ترك المعاصي ما جربت مثله للحفظ .

وقال طاهر بن محمد المصيصي : سمعت وكيعا يقول : لو علمت [ ص: 152 ] أن الصلاة أفضل من الحديث ما حدثتكم .

قال سفيان بن عبد الملك صاحب ابن المبارك : كان وكيع أحفظ من ابن المبارك .

وقال أحمد العجلي : وكيع كوفي ثقة عابد صالح أديب من حفاظ الحديث ، وكان مفتيا .

وقال أبو عبيد الآجري : سئل أبو داود : أيما أحفظ وكيع أو عبد الرحمن بن مهدي ؟ قال : وكيع أحفظ ، وعبد الرحمن أتقن ، وقد التقيا بعد العشاء في المسجد الحرام ، فتواقفا حتى سمعا أذان الصبح . عباس وابن أبي خيثمة ، سمعا يحيى يقول : من فضل عبد الرحمن بن مهدي على وكيع ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

قلت : هذا كلام رديء ، فغفر الله ليحيى ، فالذي أعتقده أنا أن عبد الرحمن أعلم الرجلين وأفضل وأتقن ، وبكل حال هما إمامان نظيران .

قال أبو داود : ما رئي لوكيع كتاب قط ، ولا لهشيم ، ولا لحماد بن زيد ، ولا لمعمر .

قال ابن المديني : أوثق أصحاب سفيان الثوري ابن مهدي والقطان ووكيع .

وقال أبو حاتم : أشهد على أحمد بن حنبل قال : الثبت عندنا [ ص: 153 ] بالعراق وكيع ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن .

رواها أحمد بن أبي الحواري عن أحمد بن حنبل أيضا ، ثم قال : فذكرته ليحيى بن معين ، فقال : الثبت عندنا بالعراق وكيع . الساجي : حدثني أحمد بن محمد : سمعت يحيى بن معين يقول : ما رأيت أحفظ من وكيع .

قال يعقوب الفسوي - وبلغه قول يحيى : من فضل عبد الرحمن على وكيع فعليه اللعنة - : كان غير هذا أشبه بكلام أهل العلم ، ومن حاسب نفسه ، لم يقل مثل هذا ، وكيع خير فاضل حافظ .

وقد سئل أحمد بن حنبل : إذا اختلف وكيع وعبد الرحمن ، بقول من نأخذ ؟ فقال : نوافق عبد الرحمن أكثر ، وخاصة في سفيان ، كان معنيا بحديثه ، وعبد الرحمن يسلم منه السلف ، ويجتنب شرب المسكر ، وكان لا يرى أن يزرع في أرض الفرات .

قلت : عبد الرحمن له جلالة عجيبة ، وكان يغشى عليه إذا سمع القرآن ، نقله صاحب " شريعة المقارئ " . عباس الدوري : قلت ليحيى : حديث الأعمش إذا اختلف وكيع وأبو معاوية ؟ قال : يوقف حتى يجيء من يتابع أحدهما ، ثم قال : كانت الرحلة إلى وكيع في زمانه .

قال أبو حاتم الرازي : وكيع أحفظ من ابن المبارك . 

عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

باب افتراق الأمم البداية والنهاية

باب افتراق الأمم
   البداية والنهاية

  [ ص: 36 ] باب افتراق الأمم

وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " . ورواه أبو داود عن وهب بن بقية ، عن خالد ، عن محمد بن عمرو ، به .

وقال ابن ماجه : حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، حدثنا عباد بن يوسف ، حدثنا صفوان بن عمرو ، عن راشد بن سعد ، عن عوف بن مالك ، قال : قال رسول الله : " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . قيل : يا رسول الله ، من هم؟ قال : " الجماعة " . تفرد به ، وإسناده لا بأس به .

[ ص: 37 ] وقال ابن ماجه أيضا : حدثنا هشام ، هو ابن عمار ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا أبو عمرو ، حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة " . وهذا إسناد قوي على شرط الصحيح ، تفرد به ابن ماجه أيضا .

وقد روى أبو داود ، من حديث الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس . وأبي سعيد ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، وقوم يحسنون القيل ، ويسيئون الفعل " . الحديث .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل ، ومحمد بن يحيى بن فارس ، قالا : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، هو ابن عمرو ، حدثنا أزهر ، هو ابن عبد الله الحرازي - قال أحمد - عن أبي عامر الهوزني ، عن معاوية بن أبي سفيان ، أنه قام فقال : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا ، فقال : " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ، وإن هذه [ ص: 38 ] الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة " . تفرد به أبو داود ، وإسناده حسن . وفي " مستدرك الحاكم " أن الصحابة لما سألوه عن الفرقة الناجية : من هم؟ قال : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي .

وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن إسحاق ، ثنا ابن لهيعة ، عن بكر بن سوداة ، عن سهل بن سعد الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " والذي نفسي بيده ، لتركبن سنن من كان قبلكم مثلا بمثل " . تفرد به أحمد من هذا الوجه " .

وقد تقدم في حديث حذيفة أن المخلص من الفتن عند وقوعها اتباع الجماعة ولزوم الإمام بالطاعة إذا كانوا على حق واتباع الشرع ، وإذا فسدوا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإنما الطاعة في المعروف . قال أبو بكر الصديق : أطيعوني ما أطعت الله عز وجل ، فإذا خالفت فلا طاعة لي عليكم .

وقد قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا معان بن رفاعة السلامي ، حدثنا أبو خلف الأعمى ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أمتي لا تجتمع على [ ص: 39 ] ضلالة ، فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم " . ولكن هذا حديث ضعيف; لأن معان بن رفاعة السلامي قد ضعفه غير واحد من الأئمة . وفي بعض الروايات : " عليكم بالسواد الأعظم; الحق وأهله " . وقد كان الإمام أحمد يقول : السواد الأعظم محمد بن أسلم الطوسي . وقد كان أهل الحق في الصدر الأول هم أكثر الأمة; فكان لا يوجد فيهم مبتدع لا في الأقوال ولا الأفعال ، وفي الأعصار المتأخرة فقد يجتمع الجم الغفير على بدعة ، وقد يخلو الحق في بعض الأزمان المتأخرة عن عصابة يقومون به ، كما قال في حديث حذيفة : فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال له : " فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " . وتقدم الحديث الصحيح : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " . وسيأتي في الحديث : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله " .

والمقصود أنه إذا ظهرت الفتن ، فإنه يسوغ اعتزال الناس حينئذ ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخويصة نفسك ، ودع أمر العوام " .

وفي رواية : " إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة فعليك [ ص: 40 ] بخاصة نفسك ، فإن من بعدكم زمان الصبر ، صبر فيهن كقبض على الجمر " ، وقد اعتزل جماعة من السلف الناس والجمعة والجماعة وهم أئمة كبار; كأبي ذر وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وسلمة بن الأكوع في جماعة من الصحابة ، حتى اعتزلوا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي الصلاة فيه بألف صلاة . واعتزل مالك الجمعة والجماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مع معرفته الحديث في فضل الصلاة فيه ، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة ، وكان إذا ليم في ذلك يقول : ما كل ما يعلم يقال . وقصته معروفة ، وكذلك اعتزل سفيان الثوري وخلق من التابعين وتابعيهم; لما شاهدوه من الظلم والشرور والفتن خوفا على إيمانهم أن يسلب منهم ، وقد ذكر الخطابي في كتاب " العزلة " وكذلك ابن أبي الدنيا قبله من هذا جانبا كبيرا .

وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر; يفر بدينه من الفتن " . لم يخرجه مسلم ، وقد رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، من طريق ابن أبي صعصعة به ، ويجوز حينئذ سؤال الموت وطلبه من الله عند ظهور الفتن والظلم وإن كان قد نهي عنه لغير ذلك ، كما صح به الحديث " .

[ ص: 41 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وثق بعمله فإنه إن مات أحدكم انقطع عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " . والدليل على جواز سؤال الموت عند الفتن ، الحديث الذي رواه أحمد في " مسنده " عن معاذ بن جبل ، وهو حديث المنام الطويل . وفيه : " اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون ، اللهم إني أسألك حبك ، وحب من يحبك ، وحب عمل يقربني إلى حبك " .

وهذه الأحاديث المتقدمة دالة على أنه يأتي على الناس زمان شديد لا يكون فيه للمسلمين جماعة قائمة بالحق ، إما في جميع الأرضية أو في بعضها .

وقد ثبت في " الصحيح " عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رءوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير [ ص: 42 ] علم ، فضلوا وأضلوا " . وفي الحديث الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " . وفي " صحيح البخاري " : " وهم بالشام " . قال عبد الله بن المبارك وغير واحد من الأئمة : وهم أهل الحديث .

وقال أبو داود : حدثنا سليمان بن داود المهري ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، عن شراحيل بن يزيد المعافري ، عن أبي علقمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها " . تفرد به أبو داود . ثم قال " : عبد الرحمن بن شريح لم يجز به شراحيل . يعني أنه موقوف عليه ، وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث ، والظاهر ، والله أعلم ، أنه يعم حملة العلم العاملين به من كل طائفة ، ممن عمله مأخوذ عن الشارع ، أو ممن هو موافق من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء ، من مفسرين ، ومحدثين ، وقراء ، وفقهاء ، ونحاة ، ولغويين ، إلى غير ذلك من أصناف العلوم النافعة ، والله أعلم . قال سفيان بن عيينة : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى .

[ ص: 43 ] وقوله في حديث عبد الله بن عمرو : " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن بقبض العلماء " . ظاهر في أن العلم لا ينتزع من صدور العلماء بعد أن وهبهم الله إياه . وقد ورد في الحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه عن بندار ، ومحمد بن المثنى ، عن غندر ، عن شعبة سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد بعدي ، سمعته منه : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويفشو الزنى ، ويشرب الخمر ، ويذهب الرجال ، ويبقى النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد " . وأخرجاه في " الصحيحين " ، من حديث غندر ، به . وقال ابن ماجه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ووكيع ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بين يدي الساعة أيام ، يرفع فيها العلم ، وينزل فيها الجهل ، ويكثر فيها الهرج ، والهرج القتل " . وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث الأعمش ، به " .

وقال ابن ماجه : حدثني علي بن محمد ، حدثنا أبو معاوية ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، حتى لا يدرى ما صيام ولا [ ص: 44 ] صلاة ولا نسك ولا صدقة ، ويسرى على الكتاب في ليلة ، فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس; الشيخ الكبير ، والعجوز ، يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة : لا إله إلا الله ، فنحن نقولها " . فقال له صلة : ما تغني عنهم : " لا إله إلا الله " وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ، ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة ، ثم ردها عليه ثلاثا ، كل ذلك يعرض عنه حذيفة ، ثم أقبل عليه في الثالثة ، فقال : يا صلة ، تنجيهم من النار . ثلاثا .

وهذا دال على أن العلم قد يرفع من صدور الرجال في آخر الزمان ، حتى إن القرآن يسرى عليه فيرفع من المصاحف والصدور ، ويبقى الناس بلا علم ولا قرآن ، وإنما الشيخ الكبير والعجوز المسنة يخبران أنهم أدركوا الناس وهم يقولون : لا إله إلا الله فهم يقولونها أيضا على وجه التقرب بها إلى الله عز وجل ، فهي نافعة لهم ، وإن لم يكن عندهم من العمل الصالح والعلم النافع غيرها ، وقوله : تنجيهم من النار . يحتمل أن يكون المراد أنها تدفع عنهم دخول النار بالكلية ، ويكون فرضهم في ذلك الزمان القول المجرد عن العمل ، لعدم تكليفهم بالأعمال ، التي لم يخاطبوا بها ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون أراد نجاتهم من النار بعد دخولهم إليها ، وأن لا إله إلا الله تكون سبب نجاتهم من العذاب الدائم المستمر . وعلى هذا يحتمل أن يكونوا من المرادين بقوله تعالى في الحديث : " وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال يوما من الدهر : لا إله إلا الله " . كما سيأتي بيانه في أحاديث الشفاعة ، ويحتمل أن يكون أولئك قوما آخرين . والله أعلم .

[ ص: 45 ] والمقصود : أن العلم يرفع في آخر الزمان ، ويكثر الجهل ، في رواية ، وفي رواية : وينزل الجهل . أي يلهم أهل ذلك الزمان الجهل ، وذلك من قهر الله عليهم ، وخذلانه إياهم ، نعوذ بالله من ذلك ، ثم لا يزالون كذلك في تزايد من الجهالة والضلالة ، إلى منتهى الآجال ، كما في الحديث الأخير : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله " ، و " لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس " .

وفي الطبراني من حديث مطرح بن يزيد ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لهذا الدين إقبالا وإدبارا ، وإن من إقباله أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يبقى فيها إلا الفاسق أو الفاسقان ، فهما ذليلان فيها مضطهدان ، إن تكلما قهرا وذلا واضطهدا ، وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها فلا يبقى فيها إلا الفقيه أو الفقيهان ، فهما ذليلان مضطهدان ، إن تكلما قهرا واضطهدا ، ويلعن آخر هذه الأمة أولها ، ألا وعليهم حلت اللعنة ، حتى يشرب الخمر علانية ، وحتى تمر المرأة بالقوم ، فيقوم إليها بعضهم ، فيرفع بذيلها كما يرفع بذنب النعجة ، فيقول بعضهم : ألا واريتها وراء حائط . فهو يومئذ فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم ، ومن أمر يومئذ بمعروف ، ونهى عن منكر ، فله أجر خمسين ممن رآني وآمن بي وأطاعني وبايعني " .




[ ص: 578 ] أبو هريرة ( ع )

الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أبو هريرة الدوسي اليماني . سيد الحفاظ الأثبات .

اختلف في اسمه على أقوال جمة ، أرجحها : عبد الرحمن بن صخر . وقيل : ابن غنم . وقيل : كان اسمه : عبد شمس ، وعبد الله . وقيل : سكين . وقيل : عامر . وقيل : برير . وقيل : عبد بن غنم . وقيل : عمرو . وقيل : سعيد .

وكذا في اسم أبيه أقوال .

قال هشام بن الكلبي : هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد

وهذا بعينه قاله خليفة بن خياط في نسبه ; لكنه قال : " عتاب " في " عيان " ، وقال : " منبه " في " هنية " . [ ص: 579 ]

ويقال : كان في الجاهلية اسمه : عبد شمس ، أبو الأسود ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عبد الله ، وكناه : أبا هريرة .

والمشهور عنه أنه كني بأولاد هرة برية . قال : وجدتها ، فأخذتها في كمي ; فكنيت بذلك .

قال الطبراني : وأمه - رضي الله عنها- هي : ميمونة بنت صبيح .

حمل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- علما كثيرا طيبا مباركا فيه - لم يلحق في كثرته- وعن أبي ، وأبي بكر ، وعمر ، وأسامة ، وعائشة ، والفضل ، وبصرة بن أبي بصرة ، وكعب الحبر .

حدث عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين ، فقيل : بلغ عدد أصحابه ثمان مائة ، فاقتصر صاحب " التهذيب " ، فذكر من له رواية عنه في كتب الأئمة الستة ، وهم : إبراهيم بن إسماعيل ، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ الزهري - ويقال : عبد الله بن إبراهيم - وإسحاق مولى زائدة ، وأسود بن هلال ، وأغر بن سليك ، والأغر أبو مسلم ، وأنس بن حكيم ، وأنس بن مالك ، وأوس بن خالد . وبسر بن سعيد ، وبشير بن نهيك ، وبشير بن كعب ، وبعجة بن عبد الله الجهني ، وبكير بن فيروز . وثابت بن عياض وثابت بن قيس الزرقي ، وثور بن عفير . وجابر بن عبد الله ، وجبر بن عبيدة ، وجعفر بن عياض ، وجمهان [ ص: 580 ] الأسلمي ، والجلاس . والحارث بن مخلد ، وحريث بن قبيصة ، والحسن البصري ، وحصين بن اللجلاج - ويقال : خالد ، ويقال : قعقاع - وحصين بن مصعب ، وحفص بن عاصم بن عمر ، وحفص بن عبد الله بن أنس ، والحكم بن ميناء ، وحكيم بن سعد ، وحميد بن عبد الرحمن الزهري ، وحميد بن عبد الرحمن ، وحميد بن مالك ، وحنظلة بن علي ، وحيان بن بسطام ، والد سليم . وخالد بن عبد الله ، وخالد بن غلاق ، وخباب صاحب المقصورة ، وخلاس ، وخيثمة بن عبد الرحمن . وذهيل بن عوف . وربيعة الجرشي ، ورميح الجذامي . وزرارة بن أوفى ، وزفر بن صعصعة - بخلف- وزياد بن ثويب ، وزياد بن رياح ، وزياد بن قيس ، وزياد الطائي ، وزيد بن أسلم - مرسل- وزيد بن أبي عتاب . وسالم العمري ، وسالم بن أبي الجعد ، وسالم أبو الغيث ، وسالم مولى النصريين وسحيم الزهري ، وسعد بن هشام ، وسعيد بن الحارث ، وسعيد بن أبي الحسن ، وسعيد بن حيان ، وسعيد المقبري ، وسعيد بن سمعان ، وسعيد بن عمرو بن الأشدق ، وسعيد ابن مرجانة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن أبي هند ، وسعيد بن يسار ، وسلمان [ ص: 581 ] الأغر ، وسلمة بن الأزرق ، وسلمة الليثي ، وسليمان بن حبيب المحاربي ، وسليمان بن سنان ، وسليمان بن يسار ، وسنان بن أبي سنان . وشتير - وقيل : سمير - بن نهار ، وشداد أبو عمار ، وشريح بن هانئ ، وشفي بن ماتع ، وشقيق بن سلمة ، وشهر بن حوشب . وصالح بن درهم ، وصالح بن أبي صالح ، وصالح مولى التوأمة ، وصعصعة بن مالك ، وصهيب العتواري . والضحاك بن شرحبيل ، والضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم ، وضمضم بن جوس . وطارق بن محاسن وطاوس اليماني . وعامر بن سعد بن أبي وقاص ، وعامر بن سعد البجلي ، وعامر الشعبي ، وعباد أخو سعيد المقبري ، وعباس الجشمي ، وعبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث ، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة ، وأبو سلمة عبد الله بن رافع الحضرمي ، وعبد الله بن رباح الأنصاري ، وعبد الله بن سعد مولى عائشة ، وعبد الله بن أبي سليمان ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الله بن ضمرة ، وابن عباس ، وابن ابن عمر عبيد الله - وقيل : عبد الله - وعبد الله بن عبد الرحمن الدوسي ، وعبد الله بن عتبة [ ص: 582 ] الهذلي ، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري ، وعبد الله بن فروخ ، وعبد الله بن يامين ، وعبد الحميد بن سالم ، وعبد الرحمن بن آدم ، وعبد الرحمن بن أذينة ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الرحمن بن حجيرة ، وعبد الرحمن بن أبي حدرد ، وعبد الرحمن بن خالد بن ميسرة ، وعبد الرحمن بن سعد مولى الأسود . وعبد الرحمن بن سعد المقعد ، وعبد الرحمن بن الصامت ، وابن الهضهاض ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ، وعبد الرحمن بن أبي عمرة ، وعبد الرحمن بن غنم ، وعبد الرحمن بن أبي كريمة ، والد السدي ، وعبد الرحمن بن مهران ، مولى أبي هريرة ، وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي . وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، وعبد العزيز بن مروان ، وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن - بخلف- وعبد الملك بن يسار ، وعبيد الله بن أبي رافع النبوي ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وعبيد الله بن عبد الله بن موهب ، وعبيد بن حنين ، وعبيد بن سلمان ، وعبيد بن أبي عبيد ، وعبيد بن عمير الليثي ، وعبيدة بن سفيان ، وعثمان بن أبي سودة ، وعثمان بن شماس - بخلف - وعثمان بن عبد الله بن موهب ، وعجلان ، والد محمد ، وعجلان ، مولى المشمعل ، وعراك بن مالك ، وعروة بن الزبير ، وعروة بن تميم ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن أبي علقمة ، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني - ولم يدركه- وعطاء بن مينا ، وعطاء بن يزيد ، وعطاء بن يسار ، وعطاء مولى ابن أبي أحمد . وعطاء مولى أم صبية ، وعطاء الزيات - إن صح- وعكرمة بن خالد - وما أظنه لحقه- وعكرمة العباسي ، وعلقمة بن بجالة ، وعلي بن الحسين ، وعلي بن رباح ، وعلي بن شماخ - إن صح- وعمار بن أبي عمار مولى بني هاشم ، وعمارة - وقيل : عمرو- بن أكيمة الليثي ، وعمر بن الحكم بن ثوبان ، وعمر بن الحكم بن رافع ، [ ص: 583 ] وعمر بن خلدة قاضي المدينة ، وعمرو بن دينار ، وعمرو بن أبي سفيان ، وعمرو بن سليم الزرقي ، وعمرو بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي ، وعمرو بن عمير ، وعمرو بن قهيد ، وعمرو بن ميمون الأودي ، وعمير بن الأسود العنسي ، وعمير بن هانئ العنسي ، وعنبسة بن سعيد بن العاص ، وعوف بن الحارث ، رضيع عائشة ، والعلاء بن زياد العدوي ، وعيسى بن طلحة . والقاسم بن محمد ، وقبيصة بن ذؤيب ، وقسامة بن زهير ، والقعقاع بن حكيم - ولم يلقه - وقيس بن أبي حازم . وكثير بن مرة ، وكعب المدني ، وكليب بن شهاب ، وكميل بن زياد ، وكنانة مولى صفية . ومالك بن أبي عامر الأصبحي ، ومجاهد ، والمحرر بن أبي هريرة ، ومحمد بن إياس بن البكير ، ومحمد بن ثابت ، ومحمد بن زياد ، ومحمد بن سيرين ، ومحمد بن شرحبيل ، ومحمد بن أبي عائشة ، ومحمد بن عباد بن جعفر ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، ومحمد بن عمار القرظ . ومحمد بن عمرو بن عطاء - بخلف - ومحمد بن عمير ، ومحمد بن قيس بن مخرمة ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومحمد بن مسلم الزهري - ولم يلحقه- ومحمد بن المنكدر ، ومروان بن الحكم ، ومضارب بن حزن ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، والمطوس - ويقال : أبو المطوس - ومعبد بن عبد الله بن هشام والد زهرة . والمغيرة بن أبي بردة ، ومكحول - ولم يره - والمنذر أبو نضرة العبدي ، وموسى بن طلحة ، وموسى بن وردان ، وموسى بن يسار ، وميمون بن مهران ، ومينا مولى عبد الرحمن بن عوف . [ ص: 584 ] ونافع بن جبير ، ونافع بن عباس ، مولى أبي قتادة ، ونافع بن أبي نافع ، مولى أبي أحمد ، ونافع العمري ، والنضر بن سفيان ، ونعيم المجمر . وهمام بن منبه ، وهلال بن أبي هلال ، والهيثم بن أبي سنان ، وواثلة بن الأسقع ، والوليد بن رباح . ويحيى بن جعدة ، ويزيد بن الأصم ، ويحيى بن أبي صالح ، ويحيى بن النضر الأنصاري ، ويحيى بن يعمر ، ويزيد بن رومان - ولم يلحقه - ويزيد بن عبد الله بن الشخير ، ويزيد بن عبد الله بن قسيط ، ويزيد بن عبد الرحمن الأودي - والد إدريس ، ويزيد بن هرمز . ويزيد مولى المنبعث ، ويعلى بن عقبة ، ويعلى بن مرة ، ويوسف بن ماهك . وأبو إدريس الخولاني ، وأبو إسحاق مولى بني هاشم ، وأبو أمامة بن سهل ، وأبو أيوب المراغي ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وأبو تميمة الهجيمي ، وأبو ثور الأزدي ، وأبو جعفر المدني - فإن كان الباقر فمرسل- وأبو الجوزاء الربعي ، وأبو حازم الأشجعي ، وأبو الحكم البجلي ، وأبو الحكم مولى بني ليث ، وأبو حميد - فيقال : هو عبد الرحمن بن سعد المقعد - وأبو حي المؤذن . وأبو خالد البجلي ، والد إسماعيل ، وأبو خالد الوالبي ، وأبو خالد ، مولى آل جعدة ، وأبو رافع الصائغ ، وأبو الربيع المدني ، وأبو رزين الأسدي ، وأبو زرعة البجلي ، وأبو زيد ، وأبو السائب مولى هشام بن زهرة ، وأبو سعد الخير - حمصي ، ويقال : أبو سعيد - وأبو سعيد بن أبي المعلى ، وأبو سعيد الأزدي وأبو سعيد المقبري . وأبو سعيد مولى ابن عامر ، وأبو سفيان [ ص: 585 ] مولى ابن أبي أحمد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو السليل القيسي وأبو الشعثاء المحاربي ، وأبو صالح الأشعري ، وأبو صالح الحنفي ، وأبو صالح الخوزي ، وأبو صالح السمان ، وأبو صالح مولى ضباعة ، وأبو الصلت ، وأبو الضحاك ، وأبو العالية الرياحي ، وأبو عبد الله الدوسي ، وأبو عبد الله القراظ ، وأبو عبد الله مولى الجندعيين . وأبو عبد العزيز ، وأبو عبد الملك ، مولى أم مسكين . وأبو عبيد مولى ابن أزهر ، وأبو عثمان التبان ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو عثمان الطنبذي ، وأبو عثمان آخر ، وأبو علقمة مولى بني هاشم ، وأبو عمر الغداني ، وأبو غطفان المري ، وأبو قلابة الجرمي - مرسل - وأبو كباش العيشي . وأبو كثير السحيمي ، وأبو المتوكل الناجي ، وأبو مدلة ، مولى عائشة ، وأبو مرة مولى عقيل ، وأبو مريم الأنصاري ، وأبو مزاحم - مدني - وأبو مزرد ، وأبو المهزم البصري ، وأبو ميمونة - مدني - وأبو هاشم الدوسي ، وأبو الوليد مولى عمرو بن حريث ، وأبو يحيى مولى آل جعدة ، وأبو يحيى الأسلمي ، هو وأبو يونس مولى أبي هريرة . وابن حسنة الجهني ، وابن سيلان ، وابن مكرز- شامي - وابن وثيمة النصري . وكريمة بنت الحسحاس ، وأم الدرداء الصغرى . 

باب ذكر الفتن جملة ثم نفصل ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى البداية والنهاية

باب ذكر الفتن جملة ثم نفصل ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى
  البداية والنهاية

  باب ذكر الفتن جملة ثم نفصل ذكرها بعد ذلك إن شاء الله تعالى

قال البخاري : حدثنا يحيى بن موسى ، حدثنا الوليد ، حدثني ابن جابر ، حدثني بشر بن عبيد الله الحضرمي ، حدثني أبو إدريس الخولاني ، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر; مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : " نعم " . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم ، وفيه دخن " . قلت : وما دخنه؟ قال : " قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر " . قلت : فهل [ ص: 34 ] بعد ذلك الخير من شر؟ قال : " نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها " . قلت : يا رسول الله ، صفهم لنا . قال : " هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك " . ثم رواه البخاري أيضا ومسلم ، عن محمد بن المثنى ، عن الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، به نحوه . وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة ، عن حذيفة; فرواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، من طريق نصر بن عاصم ، عن خالد بن خالد اليشكري الكوفي ، عنه مبسوطا ، وفيه تفسير لما فيه من مشكل ، وقد رواه النسائي وابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن قرط ، عنه . وفي " صحيح البخاري " ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن حذيفة ، قال : تعلم أصحابي الخير ، وتعلمت الشر .

وثبت في الصحيح من حديث الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإسلام بدأ [ ص: 35 ] غريبا ، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء " . قيل : ومن الغرباء؟ قال " النزاع من القبائل " . ورواه ابن ماجه عن أنس ، وأبي هريرة .

وقال أحمد : ثنا هارون بن معروف ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أخبرني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه عن ابن لسعد بن أبي وقاص ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الإيمان بدأ غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى يومئذ للغرباء ، إذا فسد الناس ، والذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها " .

وقال أحمد ، ثنا حسن بن محمد بن موسى ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا جميل الأسلمي ، عن سهل بن سعد الساعدي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم لا يدركني زمان - أو قال : لا تدركوا زمانا - لا يتبع فيه العليم ولا يستحيا فيه من الحليم ، قلوبهم قلوب الأعاجم ، وألسنتهم ألسنة العرب " . تفرد به أحمد .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









أبو عبد الله البخاري ( ت ، س )

محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ، وقيل بذدزبه ، وهي لفظة بخارية ، معناها الزراع . [ ص: 392 ] أسلم المغيرة على يدي اليمان الجعفي والي بخارى ، وكان مجوسيا ، وطلب إسماعيل بن إبراهيم العلم .

فأخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر بن سلفة ، أخبرنا أبو علي البرداني ، أخبرنا هناد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، ومحمد بن الحسين ، قالا : حدثنا إسحاق بن أحمد بن خلف ، أنه سمع البخاري يقول : سمع أبي من مالك بن أنس ، ورأى حماد بن زيد ، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه .

قلت : وولد أبو عبد الله في شوال سنة أربع وتسعين ومائة قاله أبو جعفر محمد بن أبي حاتم البخاري ، وراق أبي عبد الله في كتاب : " شمائل البخاري " ، جمعه ، وهو جزء ضخم . أنبأني به أحمد بن أبي الخير ، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي ، أن محمد بن طاهر الحافظ أجاز له ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن خلف ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه الفارسي المؤدب ، قدم علينا من مرو لزيارة أبي عبد الله السلمي ، أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، حدثنا جدي ، قال : سمعت محمد بن أبي حاتم ، فذكر الكتاب فما أنقله عنه ، فبهذا السند .

ثم إن أبا عبد الله فيما أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وستمائة أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الحافظ ، أخبرنا [ ص: 393 ] أحمد بن محمد بن حفص ، أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان ، أخبرنا خلف بن محمد ، حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل البلخي ، سمعت أبي يقول : ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره ، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل -عليه السلام- ، فقال لها : يا هذه ، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ، أو كثرة دعائك -شك البلخي - فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره .

وبالسند ، الماضي إلى محمد بن أبي حاتم ، قال : قلت لأبي عبد الله : كيف كان بدء أمرك ؟ قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب . فقلت : كم كان سنك؟ فقال : عشر سنين ، أو أقل . ثم خرجت من الكتاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره . فقال يوما فيما كان يقرأ للناس : سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم ، فقلت له : إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل . فدخل فنظر فيه ، ثم خرج ، فقال لي : كيف هو يا غلام ؟ قلت : هو الزبير بن عدي ، عن إبراهيم ، فأخذ القلم مني ، وأحكم كتابه ، وقال : صدقت . فقيل للبخاري : ابن كم كنت حين رددت عليه ؟ قال ابن إحدى عشرة سنة . فلما طعنت في ست عشرة سنة ، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة ، فلما حججت رجع أخي بها ، وتخلفت في طلب الحديث . 

البداية والنهاية ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا




ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا




  البداية والنهاية
  ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب المستقبلة بعد زماننا هذا


قال الإمام أحمد : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا عزرة بن ثابت ، حدثنا علباء بن أحمر اليشكري ، حدثنا أبو زيد الأنصاري ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، ثم نزل [ ص: 29 ] فصلى الظهر ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى العصر ، ثم صعد المنبر فخطبنا ، حتى غابت الشمس ، فحدثنا بما كان ، وما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا .

وقد رواه مسلم منفردا به في كتاب الفتن من " صحيحه " ، عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وحجاج بن الشاعر ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل ، عن عزرة ، عن علباء ، عن أبي زيد - وهو عمرو بن أخطب . بن رفاعة - الأنصاري به .

وقال البخاري في كتاب بدء الخلق من " صحيحه " : روي عن عيسى بن موسى غنجار ، عن رقبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ، فأخبرنا عن بدء الخلق ، حتى دخل أهل الجنة منازلهم ، وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ، ونسيه من نسيه . هكذا ذكره البخاري معلقا بصيغة التمريض عن عيسى غنجار ، عن رقبة وهو ابن مصقلة ، قال أبو مسعود الدمشقي في " الأطراف " : وإنما رواه عيسى غنجار عن أبي حمزة عن رقبة . فالله أعلم .

[ ص: 30 ] وقال أبو داود في أول كتاب الفتن من " سننه " : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما ، فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثم إذا رآه عرفه . وهكذا رواه البخاري من حديث سفيان الثوري ، ومسلم من حديث جرير ، كلاهما عن الأعمش به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ذات يوم بنهار ، ثم قام فخطبنا إلى أن غابت الشمس ، فلم يدع شيئا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه ، حفظ ذلك من حفظ ، ونسي ذلك من نسي ، فكان مما قال : " يا أيها الناس ، إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء " . وذكر تمامها إلى أن قال : " وقد دنت الشمس أن تغرب ، وإن ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " .

علي بن زيد بن جدعان التيمي له غرائب ومنكرات ، ولكن لهذا الحديث [ ص: 31 ] شواهد من وجوه أخر . وفي " صحيح مسلم " ، من طريق أبي نضرة ، عن أبي سعيد بعضه ، وفيه الدلالة على ما هو المقطوع به; أن ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى منها شيء يسير جدا ، ومع هذا لا يعلم مقدار ما بقي على التعيين والتحديد إلا الله تعالى ، كما لا يعلم مقدار ما مضى منها إلا الله عز وجل . والذي في كتب الإسرائيليين وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئين من السنين قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه ، وتغليطهم ، وهم جديرون بذلك حقيقون به . وقد ورد في حديث : " الدنيا جمعة من جمع الآخرة " . ولا يصح إسناده . وكذا كل حديث ورد فيه تحديد بوقت يوم القيامة على التعيين ، لا يثبت إسناده ، وقد قال الله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إلى قوله : أو ضحاها [ النازعات : 42 - 44 ] وقال تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو إلى قوله : ولكن أكثر الناس لا يعلمون [ الأعراف : 187 ] ، والآيات في هذا والأحاديث كثيرة ، وقال الله تعالى : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] .

وثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن سهل بن سعد ، [ ص: 32 ] قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " بعثت أنا والساعة كهاتين " . وفي رواية : " إن كادت لتسبقني " . وهذا يدل على اقترابها بالنسبة إلى ما مضى من الدنيا ، وقال تعالى : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [ الأنبياء : 1 ] ، وقال تعالى : أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ النحل : 1 ] وقال تعالى : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق [ الشورى : 18 ] .

وفي " الصحيح " أن رجلا من الأعراب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : " إنها كائنة ، فما أعددت لها " ؟ فقال الرجل : والله يا رسول الله ، لم أعد لها كثير صلاة ولا عمل ، ولكني أحب الله ورسوله . فقال : " أنت مع من أحببت " . فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث .

وفي بعض الأحاديث ، أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة ، فنظر إلى غلام فقال : " لن يدرك هذا الهرم حتى تأتيكم ساعتكم " . والمراد : انخرام قرنهم ، ودخولهم في عالم الآخرة ، فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة ، وبعض الناس يقول : من مات فقد قامت قيامته . وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح ، وقد يقول هذا بعض الملاحدة ، ويشيرون به إلى شيء من الزندقة والباطل . فأما الساعة العظمى وهو اجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فهذا مما استأثر الله تعالى بعلم وقته ، كما ثبت في الصحيح : " خمس لا [ ص: 33 ] يعلمهن إلا الله " . ثم قرأ : إن الله عنده علم الساعة [ لقمان : 34 ] . وقد سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فأخبره به ، ثم سأله عن الإيمان فأخبره به ، ثم سأله عن الإحسان فأخبره به ، فلما سأله عن الساعة ، قال له : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . قال : فأخبرني عن أشراطها . فأخبره عن ذلك . كما سيأتي إيراده بسنده ومتنه ، مع أمثاله وأشكاله من الأحاديث .




التالي السابق



تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









قوله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها قوله تعالى : يسألونك عن الساعة أيان مرساها قال ابن عباس : سأل مشركو مكة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متى تكون الساعة ؟ استهزاء ، فأنزل الله - عز وجل - الآية . وقال عروة بن الزبير في قوله تعالى : فيم أنت من ذكراها ؟ لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة ، حتى نزلت هذه الآية إلى ربك منتهاها . ومعنى مرساها أي قيامها . قال الفراء : رسوها : قيامها كرسو [ ص: 180 ] السفينة . وقال أبو عبيدة : أي منتهاها ، ومرسى السفينة حيث تنتهي . وهو قول ابن عباس . الربيع بن أنس : متى زمانها . والمعنى متقارب . وقد مضى في ( الأعراف ) بيان ذلك . وعن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقوم الساعة إلا بغضبة يغضبها ربك " .

فيم أنت من ذكراها أي في أي شيء أنت يا محمد من ذكر القيامة والسؤال عنها ؟ وليس لك السؤال عنها . وهذا معنى ما رواه الزهري عن عروة بن الزبير قال : لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل عن الساعة حتى نزلت : فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها أي منتهى علمها ; فكأنه - عليه السلام - لما أكثروا عليه سأل الله أن يعرفه ذلك ، فقيل له : لا تسأل ، فلست في شيء من ذلك . ويجوز أن يكون إنكارا على المشركين في مسألتهم له ; أي فيم أنت من ذلك حتى يسألوك بيانه ، ولست ممن يعلمه . روي معناه عن ابن عباس . والذكرى بمعنى الذكر .

إلى ربك منتهاها أي منتهى علمها ، فلا يوجد عند غيره علم الساعة ; وهو كقوله تعالى : قل إنما علمها عند ربي وقوله تعالى : إن الله عنده علم الساعة .

إنما أنت منذر من يخشاها أي مخوف ; وخص الإنذار بمن يخشى ، لأنهم المنتفعون به ، وإن كان منذرا لكل مكلف ; وهو كقوله تعالى :إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . وقراءة العامة ( منذر ) بالإضافة غير منون ; طلب التخفيف ، وإلا فأصله التنوين ; لأنه للمستقبل وإنما لا ينون في الماضي . قال الفراء : يجوز التنوين وتركه ; كقوله تعالى : بالغ أمره ، و ( بالغ أمره ) و موهن كيد الكافرين و موهن كيد الكافرين والتنوين هو الأصل ، وبه قرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن محيصن وحميد وعياش عن أبي عمرو ( منذر ) منونا ، وتكون في موضع نصب ، والمعنى نصب ، إنما ينتفع بإنذارك من يخشى الساعة . وقال أبو علي : يجوز أن تكون الإضافة للماضي ، نحو ضارب زيد أمس ; لأنه قد فعل الإنذار ، الآية رد على من قال : أحوال الآخرة غير محسوسة ، وإنما هي راحة الروح أو تألمها من غير حس .

كأنهم يوم يرونها يعني الكفار يرون الساعة لم يلبثوا أي في دنياهم ، إلا عشية أي قدر عشية أو ضحاها أي أو قدر الضحى الذي يلي تلك العشية ، والمراد تقليل مدة الدنيا ، كما قال تعالى : لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . وروى الضحاك عن ابن عباس : كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا يوما واحدا . وقيل : لم يلبثوا في قبورهم إلا عشية أو ضحاها ، وذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في القبور لما عاينوا من الهول . وقال الفراء : يقول القائل : وهل للعشية ضحى ؟ وإنما الضحى لصدر النهار ، ولكن أضيف الضحى إلى العشية ، وهو اليوم الذي يكون فيه على عادة العرب ; يقولون : آتيك الغداة أو عشيتها ، وآتيك العشية أو غداتها ، فتكون العشية في معنى آخر النهار ، والغداة في معنى أول النهار ; قال : وأنشدني بعض بني عقيل :

[ ص: 181 ]


نحن صبحنا عامرا في دارها جردا تعادى طرفي نهارها عشية الهلال أو سرارها
أراد : عشية الهلال ، أو سرار العشية ، فهو أشد من آتيك الغداة أو عشيها .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة النازعات »
قوله تعالى يسألونك عن الساعة أيان مرساها 

ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرض الحجاز أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى

ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرض الحجاز أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى
  البداية والنهاية

19 جزء التالي صفحة
السابق
[ ص: 26 ] ذكر الخبر الوارد في ظهور نار من أرض الحجاز أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى من أرض الشام ، وذلك في سنة أربع وخمسين وستمائة

قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، قال : قال سعيد بن المسيب ، أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى " .

ورواه مسلم من حديث الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، به .

وقد رواه أبو نعيم الأصبهاني ، ومن خطه نقلت من طريق أبي عاصم النبيل ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن عيسى بن علي الأنصاري ، عن رافع بن بشر السلمي ، عن أبيه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج نار تضيء أعناق الإبل ببصرى ، تسير سير بطيئة الإبل ، تسير النهار وتقيم الليل ، تغدو وتروح ، فيقال : أيها الناس ، قد غدت النار فاغدوا . أو : قالت النار أيها الناس فقيلوا . غدت النار أيها الناس فروحوا . من أدركته أكلته " . هكذا رواه أبو نعيم ، وهو [ ص: 27 ] في " مسند أحمد " من رواية رافع بن بشر السلمي ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون هذه الزيادة إلى : " تضيء أعناق الإبل ببصرى " . وهو الصواب; فإن هذه النار التي ذكر أبو نعيم هي النار التي تسوق الناس إلى أرض المحشر ، كما سيأتي بيان ذلك قريبا .

وقال الإمام أحمد : ثنا وهب بن جرير ، ثنا أبي ، سمعت الأعمش يحدث عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن حبيب بن حماز ، عن أبي ذر قال : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلنا ذا الحليفة فتعجلت رجال منا إلى المدينة ، وبات رسول الله ، فلما أصبح سأل عنهم ، فقيل : تعجلوا إلى المدينة . فقال : " تعجلوا إلى المدينة والنساء ، أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت " . ثم قال : " ليت شعري ، متى تخرج نار من اليمن من جبل الوراق تضيء لها أعناق الإبل بروكا ببصرى كضوء النهار " . وهذا الإسناد لا بأس به ، وكأنه مما اشتبه على بعض الرواة ، فإن النار التي تخرج من قعر عدن من اليمن ، هي التي تسوق الناس الموجودين في آخر الزمان إلى المحشر ، وأما النار التي تضيء لها أعناق الإبل ، فتلك تخرج من أرض المدينة النبوية ، كما تقدم بيان ذلك .

وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أبو شامة - وكان شيخ المحدثين في زمانه ، [ ص: 28 ] وأستاذ المؤرخين في أوانه - أن في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة منها ظهرت نار بأرض الحجاز في أرض المدينة النبوية ، في بعض تلك الأودية ، طول أربعة فراسخ وعرض أربعة أميال ، تسيل الصخر ، حتى يبقى مثل الآنك ، ثم يصير مثل الفحم الأسود ، وأن الناس كانوا يسيرون على ضوئها بالليل إلى تيماء ، وأنها استمرت شهرا ، وقد ضبط ذلك أهل المدينة ، وعملوا فيها أشعارا ، وقد ذكرناها فيما تقدم .

وأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي القاسم الحنفي ، قاضيهم بدمشق ، عن والده الشيخ صفي الدين مدرس الحنفية ببصرى ، أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة ، ممن كان بحاضرة بلد بصرى ، أنهم شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز ، وقد تقدم بسط ذلك سنة أربع وخمسين وستمائة بما فيه كفاية عن إعادته هنا . v

أبو عبد الله البخاري ( ت ، س )

محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ، وقيل بذدزبه ، وهي لفظة بخارية ، معناها الزراع . [ ص: 392 ] أسلم المغيرة على يدي اليمان الجعفي والي بخارى ، وكان مجوسيا ، وطلب إسماعيل بن إبراهيم العلم .

فأخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر بن سلفة ، أخبرنا أبو علي البرداني ، أخبرنا هناد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، ومحمد بن الحسين ، قالا : حدثنا إسحاق بن أحمد بن خلف ، أنه سمع البخاري يقول : سمع أبي من مالك بن أنس ، ورأى حماد بن زيد ، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه .

قلت : وولد أبو عبد الله في شوال سنة أربع وتسعين ومائة قاله أبو جعفر محمد بن أبي حاتم البخاري ، وراق أبي عبد الله في كتاب : " شمائل البخاري " ، جمعه ، وهو جزء ضخم . أنبأني به أحمد بن أبي الخير ، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي ، أن محمد بن طاهر الحافظ أجاز له ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن خلف ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه الفارسي المؤدب ، قدم علينا من مرو لزيارة أبي عبد الله السلمي ، أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، حدثنا جدي ، قال : سمعت محمد بن أبي حاتم ، فذكر الكتاب فما أنقله عنه ، فبهذا السند .

ثم إن أبا عبد الله فيما أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وستمائة أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الحافظ ، أخبرنا [ ص: 393 ] أحمد بن محمد بن حفص ، أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان ، أخبرنا خلف بن محمد ، حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل البلخي ، سمعت أبي يقول : ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره ، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل -عليه السلام- ، فقال لها : يا هذه ، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ، أو كثرة دعائك -شك البلخي - فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره .

وبالسند ، الماضي إلى محمد بن أبي حاتم ، قال : قلت لأبي عبد الله : كيف كان بدء أمرك ؟ قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب . فقلت : كم كان سنك؟ فقال : عشر سنين ، أو أقل . ثم خرجت من الكتاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره . فقال يوما فيما كان يقرأ للناس : سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم ، فقلت له : إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل . فدخل فنظر فيه ، ثم خرج ، فقال لي : كيف هو يا غلام ؟ قلت : هو الزبير بن عدي ، عن إبراهيم ، فأخذ القلم مني ، وأحكم كتابه ، وقال : صدقت . فقيل للبخاري : ابن كم كنت حين رددت عليه ؟ قال ابن إحدى عشرة سنة . فلما طعنت في ست عشرة سنة ، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة ، فلما حججت رجع أخي بها ، وتخلفت في طلب الحديث . 

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...