حمل واقرأ

قراءة المصحف كاملا بصيغة وورد ومعه حمل المصحف بكل الصيغ  حمل المصحف:بونط كبير

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الجمعة، 23 يوليو 2021

خروج الدابة البداية والنهاية

خروج الدابة  البداية والنهاية 
.خروج الدابة

قال الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، في كتابنا " التفسير " ، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية ، ولو كتبت مجموعها هاهنا كان حسنا كافيا .

قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : تكلمهم ، أي تخاطبهم مخاطبة . ورجح ابن جرير : تخاطبهم فتقول لهم : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وحكاه عن علي ، وعطاء ، وفي هذا نظر . وعن ابن عباس : تكلمهم : تجرحهم . يعني تكتب على جبين الكافر : " كافر " وعلى جبين المؤمن : " مؤمن " . وعنه : تخاطبهم وتجرحهم . وهذا القول ينتظم المذهبين ، وهو قوى حسن جامع لهما ، والله أعلم .

وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج [ ص: 248 ] ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " .

ولمسلم من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " .

وله أيضا عن أبي هريرة : " بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة أحدكم " .

وروى ابن ماجه ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخويصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه .

وقال أبو داود الطيالسي : عن طلحة بن عمرو ، وجرير بن حازم; فأما [ ص: 249 ] طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير ، أن أبا الطفيل حدثه عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي سريحة ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عبيد ، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود . وحديث طلحة أتم وأحسن ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، فقال : لها ثلاث خرجات في الدهر ، فتخرج خرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمانا طويلا ، ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " . يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها; المسجد الحرام ، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب ، فارفض الناس عنها شتى ومعا ، وثبتت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم ، فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكوكب الدري ، وولت في الأرض ، لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان ، الآن تصلي؟! فيقبل عليها ، فتسمه في وجهه ، ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " . هكذا رواه مرفوعا من هذا الوجه بهذا السياق ، وفيه [ ص: 250 ] غرابة . ورواه ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أسيد موقوفا ، ورواه أيضا عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم وهو يطوف بالبيت ، ولكن في إسناده نظر ، فالله أعلم .

وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تميلة حدثنا خالد بن عبيد ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع " . فإذا فتر في شبر . قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصا له ، فإذا هو بعصاي هذه ، هكذا وهكذا . يعني أنه كلما له يتسع حتى يكون وقت خروجها ، والله أعلم .

وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، أن ابن عباس ، قال : هي دابة ذات زغب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة . ورواه سعيد بن منصور ، عن عثمان بن مطر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، بنحوه " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صدع من الصفا ، [ ص: 251 ] كجري الفرس ثلاثة أيام ، لا يخرج ثلثها .

وعن عبد الله بن عمرو ، أنه قال " تخرج الدابة من تحت صخرة بشعب أجياد ، فتستقبل المشرق ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل الشام ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة ، فتصبح بعسفان . قيل له : ثم ماذا؟ قال : ثم لا أعلم . وعنه أنه قال : تخرج الدابة ليلة جمع . وعن وهب بن منبه ، أنه حكى عن عزير النبي ، أنه قال : تخرج الدابة من تحت سدوم . يعني مدينة قوم لوط ، فهذه أقوال متعارضة ، فالله أعلم .

وعن أبي الطفيل ، أنه قال : تخرج الدابة من الصفا أو المروة . رواه البيهقي ، ثم ساق من حديث يحيى بن معين : حدثنا هشام بن يوسف ، حدثنا رباح بن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول [ ص: 252 ] الله صلى الله عليه وسلم : " بئس الشعب شعب جياد " . مرتين ، أو ثلاثا ، قالوا : ولم ذاك يا رسول الله؟ قال : " تخرج منه الدابة ، فتصرخ ثلاث صرخات ، فيسمعها من بين الخافقين " .

ثم روى من حديث فرقد بن الحجاج : سمعت عقبة بن أبي الحسناء : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض من جياد ، فيبلغ صدرها الركن ، ولم يخرج ذنبها بعد " . قال : " وهي دابة ذات وبر وقوائم " .

وقد روى الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وبهز بن أسد ، وعفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن . ويقول هذا : يا كافر " . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به ، ورواه أبو داود الطيالسي ، عن حماد بن سلمة ، فذكره مثله ، إلا أنه قال : " فتخطم أنف الكافر بالعصا ، [ ص: 253 ] وتجلو وجه المؤمن بالخاتم " . وهذا أنسب ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم ، أنه سمع أبا هريرة يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ للراكب . وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثاها . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن جريج عن أبي الزبير ، أنه وصف الدابة ، فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، يخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول [ ص: 254 ] لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة . و : يا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود أن الدابة تقتل إبليس الرجيم ، وذلك فيما رواه نعيم بن حماد في كتاب " الفتن والملاحم " ، تصنيفه ، والله أعلم بصحته .

وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على إثرها قريبا " . أي أول الآيات التي ليست مألوفة ، وإن كان الدجال ، ونزول عيسى ، عليه السلام ، من السماء قبل ذلك ، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج ، فكل ذلك أمور مألوفة ، لأنهم بشر ، مشاهدتهم وأمثالهم معروفة مألوفة ، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف ، ومخاطبتها الناس ، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر ، فأمر خارج عن مجاري العادات ، وذلك أول الآيات الأرضية ، كما أن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية فإنها تطلع على خلاف عادتها المألوفة . والله سبحانه أعلم .
...............................

قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .

قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم : اختلف في معنى وقع القول وفي ( الدابة ) فقيل : معنى وقع القول عليهم وجب الغضب عليهم ; قاله قتادة . وقال مجاهد : أي حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون . وقال ابن عمر وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما : إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم . وقال عبد الله بن مسعود : ( وقع القول ) يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن . قال عبد الله : أكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع ، قالوا : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : يسرى عليه ليلا فيصبحون منه قفرا ، وينسون لا إله إلا الله ، ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم ، وذلك حين يقع القول عليهم .

قلت : أسنده أبو بكر البزار قال : حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن موسى بن عبيدة عن صفوان بن سليم عن ابن لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه أنه قال : أكثروا من زيارة هذا البيت من قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه ; وأكثروا تلاوة القرآن من قبل أن يرفع ; قالوا : يا أبا عبد الرحمن هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : فيصبحون فيقولون كنا نتكلم بكلام ونقول قولا . فيرجعون إلى شعر الجاهلية وأحاديث الجاهلية ، وذلك حين يقع القول عليهم . وقيل : القول هو قوله تعالى : ولكن حق القول مني لأملأن جهنم فوقوع القول وجوب العقاب على هؤلاء ،

[ ص: 217 ] فإذا صاروا إلى حد لا تقبل توبتهم ولا يولد لهم ولد مؤمن فحينئذ تقوم القيامة ; ذكره القشيري . وقول سادس : قالت حفصة بنت سيرين سألت أبا العالية عن قول الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم فقال : أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وكأنما كان على وجهي غطاء فكشف . قال النحاس : وهذا من حسن الجواب ; لأن الناس ممتحنون ومؤخرون لأن فيهم مؤمنين وصالحين ، ومن قد علم الله عز وجل أنه سيؤمن ويتوب ; فلهذا أمهلوا وأمرنا بأخذ الجزية ، فإذا زال هذا وجب القول عليهم ، فصاروا كقوم نوح حين قال الله تعالى : إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .

قلت : وجميع الأقوال عند التأمل ترجع إلى معنى واحد . والدليل عليه آخر الآية إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقرئ : ( أن ) بفتح الهمزة وسيأتي . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض وقد مضى . واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب ( التذكرة ) ونذكره هنا إن شاء الله تعالى مستوفى . فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح وهو أصحها - والله أعلم - لما ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية . يعني مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى ومعا وتثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان الآن تصلي ؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ويصطلحون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول : يا كافر اقض حقي . وموضع الدليل من هذا الحديث أنه الفصيل قوله : وهي ترغو . والرغاء [ ص: 218 ] إنما هو للإبل ; وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب فانفتح له حجر فدخل في جوفه ثم انطبق عليه ، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل . وروي أنها دابة مزغبة شعراء ، ذات قوائم طولها ستون ذراعا ، ويقال إنها الجساسة ; وهو قول عبد الله بن عمر وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين ; وهي في السحاب وقوائمها في الأرض . وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان . وذكر الماوردي والثعلبي : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعا - الزمخشري : بذراع آدم عليه السلام - ويخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء فيبيض وجهه ، وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان عليه السلام فيسود وجهه ; قاله ابن الزبير رضي الله عنهما . وفي كتاب النقاش عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن الدابة الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة . وحكى الماوردي عن محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن الدابة فقال : أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية . قال الماوردي : وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح به .

قلت : ولهذا - والله أعلم - قال بعض المتأخرين من المفسرين : إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا ، فيهلك من هلك عن بينة : ويحيا من حيي عن بينة . قال شيخنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في كتاب ( المفهم ) له : وإن ما كان عند هذا القائل الأقرب لقوله تعالى : ( تكلمهم ) وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة ، ولا يكون من العشر الآيات المذكورة في الحديث ; لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير ، فلا آية خاصة بها فلا ينبغي أن تذكر مع العشر ، [ ص: 219 ] وترتقع خصوصية وجودها إذا وقع القول ، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة ; وهذا خروج عن عادة الفصحاء ، وعن تعظيم العلماء ، وليس ذلك دأب العقلاء ; فالأولى ما قاله أهل التفسير ، والله أعلم بحقائق الأمور .

قلت : قد رفع الإشكال في هذه الدابة ما ذكرناه من حديث حذيفة فليعتمد عليه ، واختلف من أي موضع تخرج ، فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة ; يتصدع فتخرج منه . قال عبد الله بن عمرو نحوه وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت وروي في خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الأرض تنشق عن الدابة وعيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون من ناحية المسعى وإنها تخرج من الصفا فتسم بين عيني المؤمن هو مؤمن سمة كأنها كوكب دري وتسم بين عيني الكافر نكتة سوداء : كافر وذكر في الخبر أنها ذات وبر وريش ; ذكره المهدوي . وعن ابن عباس أنها تخرج من شعب فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض لم تخرجا ، وتخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام . وعن حذيفة : تخرج ثلاث خرجات ; خرجة في بعض البوادي ثم تكمن ، وخرجة في القرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء ، وخرجة من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها وأفضلها الزمخشري : تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد ; فقوم يهربون ، وقوم يقفون نظارة . وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة . وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام . وقيل : من أرض الطائف ; قال أبو قبيل : ضرب عبد الله بن عمرو أرض الطائف برجله وقال : من هنا تخرج الدابة التي تكلم الناس وقيل : من بعض أودية تهامة ; قاله ابن عباس وقيل : من صخرة من شعب أجياد ; قاله عبد الله بن عمرو . وقيل : من بحر سدوم ; قاله وهب بن منبه . ذكر هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة الماوردي في كتابه . وذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا علي بن الجعد عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأغر - وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة - عن [ ص: 220 ] عطية العوفي عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها .

قلت : فهذه أقوال الصحابة والتابعين في خروج الدابة وصفتها ، وهي ترد قول من قال من المفسرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر وقد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ذكره الماوردي . تكلمهم بضم التاء وشد اللام المكسورة - من الكلام - قراءة العامة ; يدل عليه قراءة أبي ( تنبئهم ) . وقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقيل : تكلمهم بما يسوءهم . وقيل : تكلمهم بلسان ذلق فتقول بصوت يسمعه من قرب وبعد ( إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) أي بخروجي ; لأن خروجها من الآيات . وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين . وقرأ أبو زرعة وابن عباس والحسن وأبو رجاء : ( تكلمهم ) بفتح التاء من ( الكلم ) وهو الجرح قال عكرمة : أي تسمهم . وقال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم أو ( تكلمهم ) ؟ فقال : هي والله ( تكلمهم ) و ( تكلمهم ) تكلم المؤمن وتكلم الكافر والفاجر أي تجرحه . وقال أبو حاتم : ( تكلمهم ) كما تقول : تجرحهم ; يذهب إلى أنه تكثير من ( تكلمهم ) . أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق ويحيى : ( أن ) بالفتح . وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة : ( إن ) بكسر الهمزة . قال النحاس : في المفتوحة قولان وكذا المكسورة ; قال الأخفش : المعنى ( بأن ) وكذا قرأ ابن مسعود ( بأن ) وقال أبو عبيدة : موضعها نصب بوقوع الفعل عليها ; أي تخبرهم أن الناس . وقرأ الكسائي والفراء : ( إن الناس ) بالكسر على الاستئناف وقال الأخفش : هي بمعنى : تقول : إن الناس ; يعني الكفار بآياتنا لا يوقنون يعني بالقرآن وبمحمد صلي الله عليه وسلم ، وذلك حين لا يقبل الله من كافر إيمانا ولم يبق إلا مؤمنون وكافرون في علم الله قبل خروجها ; والله أعلم .

قوله تعالى : ويوم نحشر من كل أمة فوجا أي زمرة وجماعة . ممن يكذب بآياتنا يعني بالقرآن وبأعلامنا الدالة على الحق . فهم يوزعون أي يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب . قال الشماخ :

[ ص: 221 ]


وكم وزعنا من خميس جحفل وكم حبونا من رئيس مسحل وقال قتادة : يوزعون أي يرد أولهم على آخرهم . حتى إذا جاءوا قال أي قال لهم الله أكذبتم بآياتي التي أنزلتها على رسلي ، وبالآيات التي أقمتها دلالة على توحيدي . ولم تحيطوا بها علما أي ببطلانها حتى تعرضوا عنها ، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين . أم ماذا كنتم تعملون تقريع وتوبيخ أي ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا ما فيها . ووقع القول عليهم بما ظلموا أي وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم . فهم لا ينطقون أي ليس لهم عذر ولا حجة . وقيل : يختم على أفواههم فلا ينطقون ; قاله أكثر المفسرين .

قوله تعالى : ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه أي يستقرون فينامون . والنهار مبصرا أي يبصر فيه لسعي الرزق . إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بالله . ذكر الدلالة على إلهيته وقدرته ، أي : ألم يعلموا كمال قدرتنا فيؤمنوا .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة النمل »
قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...