قال الإمام أحمد : ثنا حجين بن المثنى ، ثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي سلمة - الماجشون ، عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف المزني ، لا أعلم إلا أنه حدثه عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يغمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقال : ممن اشتريته؟ فيقول : من أحد المخطمين " وقال يونس - يعني ابن محمد - : " ثم يغمرون فيكم " ولم يشك . قال : في رفعه . تفرد به أحمد .
...................................................
الماجشون ( ع )
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، ميمون -وقيل : دينار- الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله ، وأبو الأصبغ التيمي مولاهم المدني ، الفقيه ، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون ، صاحب مالك ، وابن عم يوسف بن يعقوب الماجشون .
حدث عنه : إبراهيم بن طهمان ، وزهير بن معاوية ، والليث بن سعد ، [ ص: 310 ] ووكيع ، وابن مهدي ، وشبابة ، وابن وهب ، وأبو داود ، وأبو عامر العقدي ، ويحيى بن حسان ، وعمرو بن الهيثم أبو قطن ، وهاشم بن القاسم ، وحجين بن المثنى ، وأسد بن موسى ، وأحمد بن يونس ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وحجاج بن منهال ، وبشر بن الوليد الكندي ، وسعدويه الواسطي ، وعبد الله بن صالح العجلي ، وعبد الله بن صالح الجهني الكاتب ، وعلي بن الجعد ، وغسان بن الربيع ، وأبو سلمة التبوذكي ، وأبو الوليد الطيالسي ، وخلق سواهم .
ونقل ابن أبي خيثمة أن أصله من أصبهان ، نزل المدينة ، فكان يلقى الناس ، فيقول : جوني ، جوني .
قال : وسئل أحمد بن حنبل : كيف لقب بالماجشون ؟ قال : تعلق من الفارسية بكلمة ، وكان إذا لقي الرجل يقول : شوني ، شوني ، فلقب : الماجشون . وقال إبراهيم الحربي : الماجشون فارسي ، وإنما سمي الماجشون ; لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، فسمي بذلك ، وهو الخمر ، فعربه أهل المدينة . وقيل : أصل الكلمة : الماه كون فهو وولده يعرفون بذلك . وقال غيره : هذا اللقب عليه وعلى أهل بيته .
وروى أبو داود ، عن أبي الوليد ، قال : كان يصلح للوزارة . وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة : ثقة .
وروى أحمد بن سنان ، عن عبد الرحمن ، قال : قال بشر بن السري : لم يسمع ابن أبي ذئب ، ولا الماجشون من الزهري . قال ابن سنان : معناه عندي أنه عرض . أبو الطاهر بن السرح : عن ابن وهب ، قال : حججت سنة ثمان وأربعين ومائة ، وصائح يصيح : لا يفتي الناس إلا مالك ، وعبد العزيز بن أبي سلمة .
قال عمرو بن خالد الحراني : حج أبو جعفر المنصور ، فشيعه المهدي ، فلما أراد الوداع ، قال : يا بني استهدني . قال : أستهديك رجلا عاقلا . فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة .
قال محمد بن سعد : كان عبد العزيز ثقة ، كثير الحديث ، وأهل العراق أروى عنه من أهل المدينة ، قدم بغداد ، وأقام بها إلى أن توفي سنة أربع وستين ومائة وصلى عليه المهدي . وكذا أرخه جماعة . وأما ابن حبان فقال : مات سنة ست وستين ومائة قال : وكان فقيها ورعا متابعا لمذاهب أهل الحرمين ، مفرعا على أصولهم ، ذابا عنهم .
أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة ، عن يحيى بن أسعد ، أنبأنا عبد القادر بن محمد ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أنبأنا أبو بكر بن بخيت ، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن عبد العزيز بن الماجشون ، أنه سئل عما جحدت به الجهمية ؟ فقال : [ ص: 312 ] أما بعد . . . فقد فهمت ما سألت عنه ، فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم ، الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلما تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق .
وإنما يقال : كيف ؟ لمن لم يكن مرة ، ثم كان ، أما من لا يحول ولم يزل ، وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، لا يكاد يراه صغرا ، يحول ويزول ، ولا يرى له بصر ولا سمع ، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه ، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها .
فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا ، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران ، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقال : لا يرى يوم القيامة . . . وذكر فصلا طويلا في إقرار الصفات وإمرارها ، وترك التعرض لها .
وقيل : إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم ، فقال : هذا الكلام هدم بلا بناء ، وصفة بلا معنى . وذكر عبد الملك بن الماجشون الفقيه ، أن المهدي أجاز أباه بعشرة آلاف دينار . وقال أحمد بن كامل : له كتب مصنفة ، رواها عنه ابن وهب .
=======
ذكر طلوع الشمس من مغربها
ذكر طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . الآية [ الأنعام : 158 ] . قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يأتي بعض آيت ربك لا ينفع نفسا إيمانها .
[ ص: 256 ] قال : " طلوع الشمس من مغربها " . ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، به . وقال : غريب ، وقد رواه بعضهم ولم يرفعه .
وقال البخاري - عند تفسير هذه الآية : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عمارة ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " . وقد أخرجه بقية الجماعة - إلا الترمذي - من طرق ، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله .
ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها " . ثم قرأ هذه الآية . وكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني به ، وانفرد مسلم بإخراجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .
وقال أحمد : حدثنا وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم سلمان ، [ ص: 257 ] عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا; طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض " . ورواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، عن وكيع به ، ورواه مسلم أيضا ، والترمذي ، وابن جرير من غير وجه ، عن فضيل بن غزوان ، به ، نحوه .
وقد ورد هذا الحديث من طرق عن أبي هريرة ، وعن جماعة من الصحابة أيضا ، فعن أبي سريحة حذيفة بن أسيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات; طلوع الشمس من مغربها . . . . " . وذكر الحديث رواه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، كما تقدم غير مرة .
ولمسلم من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ومن حديث قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رباح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال ستا " . فذكر منهن طلوع الشمس من مغربها ، كما تقدم .
وثبت في " الصحيحين " من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدري أين تذهب هذه الشمس إذا غربت " ؟ قلت : لا أدري . قال : " إنها تنتهي فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ، فيوشك أن يقال لها : ارجعي من حيث جئت . وذلك حين لا ينفع [ ص: 258 ] نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، قال : جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة ، فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات : إن أولها خروج الدجال . قال : فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو ، فحدثوه بالذي سمع من مروان في الآيات ، فقال عبد الله : لم يقل مروان شيئا ، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ضحى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها ، قريبا " . ثم قال عبد الله ، وكان يقرأ الكتب : وأظن أولاهما خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع ، فأذن لها في الرجوع ، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل; أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع ، فلم يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع ، فلا يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع ، فلا يرد عليها شيء ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب ، وعرفت أنه إن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق ، قالت : رب ، ما أبعد المشرق ، من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه [ ص: 259 ] طوق ، استأذنت في الرجوع ، فيقال لها : ارجعي من مكانك فاطلعي . فطلعت على الناس من مغربها ، ثم تلا عبد الله هذه الآية : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ الأنعام : 158 ] .
وقد رواه مسلم في " صحيحه " ، وأبو داود ، وابن ماجه ، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد . . . وذكره كما تقدم . وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا التي ليست مألوفة ، بل هي مخالفة للعادات ، وقد ظن عبد الله بن عمرو أن طلوع الشمس من مغربها متقدم على خروج الدابة ، وذلك محتمل ومناسب ، فالله أعلم .
وقد ورد في ذلك حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في " معجمه " ، فقال : حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي ويجهر : إلهي ، مرني أن أسجد لمن شئت " . قال : " فتجتمع إليه زبانيته ، فيقولون : يا سيدهم ، ما هذا التضرع؟ [ ص: 260 ] فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم ، وهذا الوقت المعلوم . قال : " ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا " . قال : " فأول خطوة تضعها بأنطاكية ، فتأتي إبليس فتلطمه " . وهذا حديث غريب جدا ، ورفعه فيه نكارة ، لعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما أشياء غرائب .
وقد تقدم في خبر ابن مسعود الذي رواه نعيم بن حماد في " الفتن " ، أن الدابة تقتل إبليس . وهذا من أغرب الأخبار ، والله أعلم .
وفي حديث طالوت بن عباد ، عن فضال بن جبير ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها " .
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في " تفسيره " : حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، حدثنا ضرار بن صرد ، حدثنا ابن فضيل ، عن سليمان بن يزيد ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : سمعت رسول [ ص: 261 ] الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه ، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون ، يقوم أحدهم ، فيقرأ حزبه ، ثم ينام ، ثم يقوم ، فيقرأ حزبه ، ثم ينام ، فبينما هم كذلك صاح الناس بعضهم في بعض ، فقالوا : ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد ، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها ، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت فطلعت من مطلعها " . قال : " فحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها " .
ثم ساق ابن مردويه من طريق سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال : " تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين ، فينتبه الذين كانوا يصلون فيها ، فيعملون كما كانوا يعملون قبلها ، والنجوم لا ترى; قد باتت مكانها ، ثم يرقدون ، ثم يقومون ، فيصلون ، ثم يرقدون ، ثم يقومون ، فتكل عليهم جنوبهم حين يتطاول الليل ، فيفزع الناس ولا يصبحون ، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها ، فإذا رآها الناس آمنوا ، ولا ينفعهم إيمانهم " .
[ ص: 262 ] وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في " البعث والنشور " : أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ، أخبرنا أبو نصير محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي ، حدثنا محمد بن عمران ، حدثني أبي ، حدثني ابن أبي ليلى ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن سعد بن إياس ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال ذات يوم لجلسائه : أرأيتم قول الله ، عز وجل : تغرب في عين حمئة ؟ [ الكهف : 86 ] ماذا يعني بها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته ، ثم كانت تحت العرش ، فإذا حضر طلوعها ، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته ، فيؤذن لها ، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه ، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته ، فيقال لها : اثبتي . فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال : اثبتي . فتحبس مقدار ليلتين . قال : ويفزع المتهجدون ، وينادي الرجل تلك الليلة جاره : يا فلان ، ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت . ثم يقال لها : اطلعي من حيث غربت . فذلك يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية [ الأنعام : 158 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، يرده إلى مالك بن يخامر ، عن ابن [ ص: 263 ] السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " . فقال معاوية ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمرو بن العاص : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الهجرة خصلتان; إحداهما أن تهجر السيئات ، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله ، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب ، فإذا طلعت ، طبع على كل قلب بما فيه ، وكفي الناس العمل " . وهذا إسناد جيد قوي ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب .
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والترمذي - وصححه - والنسائي ، وابن ماجه ، من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن صفوان بن عسال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون - أو قال : أربعون - عاما للتوبة ، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه " .
فهذه الأحاديث المتواترة ، مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانا ، أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل منه ، وإنما كان كذلك ، والله أعلم; لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها ، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة ، كما قال تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [ الأنعام : 158 ] .
[ ص: 264 ] وقال تعالى : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [ غافر : 84 ، 85 ] .
وقال تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم [ محمد : 18 ] .
وقد حكى البيهقي ، عن الحاكم أنه قال : أول الآيات ظهورا خروج الدجال ، ثم نزول عيسى ابن مريم ، ثم فتح يأجوج ومأجوج ، ثم خروج الدابة ، ثم طلوع الشمس من مغربها ، قال : لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها ، فلو كان نزول عيسى بعدها ، لم يلق كافرا .
وهذا الذي قاله فيه نظر; لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفعهم ، فإنه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، فمن أحدث إيمانا أو توبة يومئذ لم تقبل منه ، إلا أن يكون مؤمنا أو تائبا قبل ذلك ، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [ النساء : 159 ] . أي قبل موت عيسى ، وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيمانا ضروريا ، بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله ، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والبنوة ، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله ، لا ولد زانية ، كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك ، عليهم [ ص: 265 ] لعائن الله وغضبه المتدارك .
التالي السابق
تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون
قوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .
هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .
أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .
أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .
وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة [ ص: 132 ] لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .
قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : [ ص: 133 ] يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .
ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .
قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في [ ص: 134 ] البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .
وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :
مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
[ ص: 135 ] قال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :
فقد عذرتنا في صحابته العذر ففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .
قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة
[ عرض الكتاب ]
=========
=======================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق