وتقدم الحديث في ذكر الكذاب والمبير من ثقيف ، فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الذي ظهر بالكوفة أيام عبد الله بن الزبير ، وكان رافضيا خبيثا ، . بل كان ينسب إلى الزندقة ، وادعى أنه يوحى إليه ، وقد قتله مصعب بن الزبير ، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي قتل عبد الله بن الزبير ، وكان ناصبيا جبارا عنيدا ، عكس الأول في الرفض . وتقدم حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس من خراسان لما استلبوا الملك من أيدي بني أمية ، وذلك في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، أخذوا الخلافة من مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص ويعرف بمروان الحمار الجعدي; لاشتغاله على الجعد بن درهم المعتزلي ، وكان آخر خلفاء بني أمية ، فصارت الخلافة إلى السفاح أول خلفاء بني العباس ، وقد صرح باسمه في الحديث الذي رواه أحمد ، وقد تقدم ذلك .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا جرير بن حازم ، عن ليث ، عن [ ص: 20 ] عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج ، والخمور ، والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا ، حتى يلقوا الله " . وروى البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ، ويعدلون في عباد الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده ، ومغير بلسانه ، ومغير بقلبه ، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء " .
وثبت في " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن فرات القزاز ، عن [ ص: 21 ] أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء; كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم; فإن الله سائلهم عما استرعاهم " .
وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي رافع ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويعملون ما ينكرون " .
وثبت في " الصحيحين " من رواية عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . ورواه أبو داود من طريق أخرى ، عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة " . وفي رواية : " لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوها ، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . قالوا : ثم يكون ماذا؟ قال : " يكون الهرج " .
فهؤلاء الخلفاء المبشر بهم في هذا الحديث ليسوا بالاثني عشر الذين تزعمهم [ ص: 22 ] الروافض ، فإن ذلك كذب وبهتان منهم ، لأن أكثر أولئك لم يل أحد منهم شيئا من أعمال هذه الأمة في خلافة ، بل ولا في بلد من البلدان ، وإنما ولى منهم علي وابنه الحسن ، وليس المراد من هؤلاء الاثني عشر الذين تتابعت ولايتهم سردا إلى أثناء دولة بني أمية; لأن حديث سفينة : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " . يمنع من هذا المسلك ، وإن كان البيهقي قد رجحه ، وقد بحثنا معه في كتاب دلائل النبوة من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد ، ولكن هؤلاء الأئمة الاثني عشر وجد منهم الأئمة الأربعة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، وابنه الحسن بن علي أيضا ، ومنهم عمر بن عبد العزيز ، كما هو عند كثير من الأئمة ، وجمهور الأمة ، وكذلك وجد منهم طائفة من بني العباس ، وسيوجد بقيتهم فيما يستقبل من الزمان ، حتى يكون منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة فيه ، كما سيأتي بيانها ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، وقد نص على هذا الذي قلناه غير واحد ، كما قررنا ذلك .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
معاوية بن أبي سفيان ( ع )
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن [ ص: 120 ] كلاب ، أمير المؤمنين ، ملك الإسلام ، أبو عبد الرحمن ، القرشي الأموي المكي .
وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي .
قيل : إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أبيه ، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح .
حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب له مرات يسيرة ، وحدث أيضا عن أخته - أم المؤمنين - أم حبيبة ، وعن أبي بكر ، وعمر .
روى عنه : ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وأبو صالح السمان ، وأبو إدريس الخولاني ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وسعيد المقبري ، وخالد بن معدان ، وهمام بن منبه ، وعبد الله بن عامر المقرئ ، والقاسم أبو عبد الرحمن ، وعمير بن هانئ ، وعبادة بن نسي ، وسالم بن عبد الله ، ومحمد بن سيرين ، ووالد عمرو بن شعيب ، وخلق سواهم .
وحدث عنه من الصحابة أيضا : جرير بن عبد الله ، وأبو سعيد ، والنعمان بن بشير ، وابن الزبير .
ذكر ابن أبي الدنيا وغيره : أن معاوية كان طويلا ، أبيض ، جميلا ، إذا ضحك انقلبت شفته العليا . وكان يخضب .
روى سعيد بن عبد العزيز : عن أبي عبد رب : رأيت معاوية يخضب [ ص: 121 ] بالصفرة كأن لحيته الذهب .
قلت : كان ذلك لائقا في الزمان واليوم لو فعل لاستهجن . وروى عبد الجبار بن عمر ، عن الزهري ، عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ : سمع معاوية على منبر المدينة يقول : أين فقهاؤكم يا أهل المدينة ؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذه القصة ثم وضعها على رأسه . فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية . وعن أبان بن عثمان : كان معاوية وهو غلام يمشي مع أمه هند ، فعثر ، فقالت : قم لا رفعك الله ، وأعرابي ينظر ، فقال : لم تقولين له ؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه ، قالت : لا رفعه إن لم يسد إلا قومه . قال أسلم مولى عمر : قدم علينا معاوية وهو أبض الناس وأجملهم . [ ص: 122 ] ابن إسحاق : عن أبيه : رأيت معاوية بالأبطح أبيض الرأس واللحية كأنه فالج .
قال مصعب الزبيري : كان معاوية يقول : أسلمت عام القضية . ابن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثني أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عبد الله العنسي ، قال معاوية : لما كان عام الحديبية ، وصدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيت ، وكتبوا بينهم القضية ، وقع الإسلام في قلبي ، فذكرت لأمي ، فقالت : إياك أن تخالف أباك ، فأخفيت إسلامي ، فوالله لقد رحل رسول الله من الحديبية وإني مصدق به ، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم . وعلم أبو سفيان بإسلامي ، فقال لي يوما : لكن أخوك خير منك وهو على ديني ، فقلت : لم آل نفسي خيرا ، وأظهرت إسلامي يوم الفتح ، فرحب بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتبت له .
ثم قال الواقدي : وشهد معه حنينا ، فأعطاه من الغنائم مائة من الإبل ، وأربعين أوقية .
قلت : الواقدي لا يعي ما يقول ، فإن كان معاوية كما نقل قديم الإسلام ، فلماذا يتألفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ولو كان أعطاه ، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس : أما معاوية فصعلوك لا مال له .
ونقل المفضل الغلابي عن أبي الحسن الكوفي ، قال : كان زيد [ ص: 123 ] بن ثابت كاتب الوحي ، وكان معاوية كاتبا فيما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين العرب . عمرو بن مرة : عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كان معاوية يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . أبو عوانة : عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : كنت ألعب مع الغلمان ، فدعاني النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : ادع لي معاوية . وكان يكتب الوحي .
رواه أحمد في مسنده وزاد فيه الحاكم : حدثنا علي بن حمشاد ، حدثنا هشام بن علي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة قال : فدعوته ، فقيل : إنه يأكل . فأتيت ، فقلت : يا رسول الله ، هو يأكل . قال : اذهب فادعه . فأتيته الثانية ، فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله ، فأخبرته ، فقال في الثالثة : لا أشبع الله بطنه . قال : فما شبع بعدها .
رواه الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، وهشيم ، وفيه : لا أشبع الله بطنه .
فسره بعض المحبين قال : لا أشبع الله بطنه ; حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة ، لأن الخبر عنه أنه قال : أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة . [ ص: 124 ] قلت : هذا ما صح ، والتأويل ركيك ، وأشبه منه قوله - عليه السلام - : اللهم من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة أو كما قال . وقد كان معاوية معدودا من الأكلة .
جماعة : عن معاوية بن صالح ، عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن زياد ، عن أبي رهم السماعي عن العرباض ، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان : هلم إلى الغداء المبارك . ثم سمعته يقول : اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب .
رواه ابن مهدي ، وأسد السنة ، وأبو صالح ، وبشر بن السري عنه . وهذا في جزء ابن عرفة معضل سقط منه العرباض وأبو رهم ، وللحديث شاهد قوي . أبو مسهر : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي قال لمعاوية : اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب . أبو هلال محمد بن سليم : حدثنا جبلة بن عطية ، عن رجل ، عن [ ص: 125 ] مسلمة بن مخلد ، أنه قال لعمرو بن العاص ومعاوية يأكل : إن ابن عمك هذا لمخضد ، أما إني أقول هذا ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب .
فيه رجل مجهول ، وجاء نحوه من مراسيل الزهري ، ومراسيل عروة بن رويم ، وحريز بن عثمان . مروان بن محمد : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني ربيعة بن يزيد ، سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا ، مهديا ، واهد به .
حسنه الترمذي . صفوان بن صالح : حدثنا الوليد ومروان بن محمد ، حدثنا سعيد نحوه .
وقال أبو زرعة النصري ، وعباس الترقفي حدثنا أبو مسهر ، حدثنا سعيد نحوه ، وفيه : سمعت رسول الله . أحمد بن المعلى : حدثنا محمود ، حدثنا عمر بن عبد الواحد ، عن سعيد ، عن ربيعة : أن بعثا من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد ، وأن عمير بن سعد كان على حمص ، فعزله عثمان ، وولى معاوية ، فبلغ ذلك أهل [ ص: 126 ] حمص ، فشق عليهم ، فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به واهده . أبو بكر بن أبي داود : حدثنا محمود بن خالد ، حدثنا الوليد وعمر بن عبد الواحد ، عن سعيد ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به . عمرو بن واقد : عن يونس بن حلبس ، عن أبي إدريس ، قال : لما عزل عمر عمير بن سعد عن حمص ، ولى معاوية ، فقال الناس في ذلك . فقال عمير : لا تذكروا معاوية إلا بخير ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اهد به .
رواه عن الذهلي ، عن النفيلي ، عنه . هشام بن عمار ، حدثنا عبد العزيز بن الوليد بن سليمان سمعت أبي يقول : إن عمر ولى معاوية . فقالوا : ولاه حديث السن . فقال : تلومونني ، وأنا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به هذا منقطع .
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق