الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الجمعة، 23 يوليو 2021

ذكر سنة خمسمائة

  ذكر سنة خمسمائة

قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان ، عن شريح بن عبيد ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 25 ] " إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرها نصف يوم " . قيل لسعد : وكم نصف يوم؟ قال : خمسمائة سنة . تفرد به أبو داود .

وأخرج أحمد بن حنبل ، عن أبي ثعلبة الخشني من قوله مثل ذلك . وهذا التحديد بهذه المدة لا ينفي ما يزيد عليها ، إن صح رفع الحديث . والله أعلم .

فأما ما يورده كثير من العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤلف تحت الأرض . فهو من قولهم وكلامهم ، وليس له أصل ولا ذكر في كتب الحديث المعتمدة ، ولا سمعناه في شيء من المبسوطات ، والأجزاء المختصرات ، ولا ثبت في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حد الساعة بمدة محصورة ، وإنما ذكر شيئا من أشراطها وأماراتها وعلاماتها ، على ما سنذكره إن شاء الله .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









سعد بن أبي وقاص ( ع )

واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . [ ص: 93 ] الأمير أبو إسحاق القرشي الزهري المكي . أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدرا والحديبية ، وأحد الستة أهل الشورى .

روى جملة صالحة من الحديث ، وله في " الصحيحين " خمسة عشر حديثا ، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث ، ومسلم بثمانية عشر حديثا .

حدث عنه ابن عمر ، وعائشة ، وابن عباس ، والسائب بن يزيد ، وبنوه : عامر ، وعمر ، ومحمد ومصعب ، وإبراهيم ، وعائشة ، وقيس بن أبي حازم ، وسعيد بن المسيب ، وأبو عثمان النهدي ، وعمرو بن ميمون ، والأحنف بن قيس ، وعلقمة بن قيس ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، ومجاهد ، وشريح بن عبيد الحمصي ، وأيمن المكي ، وبشر بن سعيد ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو صالح ذكوان ، وعروة بن الزبير ، وخلق سواهم .

أخبرنا محمد بن عبد السلام بن المطهر التميمي ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، في كتابه ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد ، أنبأنا محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، عن أبي عون : سمعت جابر بن سمرة قال : قال عمر لسعد : قد [ ص: 94 ] شكوك في كل شيء حتى في الصلاة . قال : أما أنا ، فإني أمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ، وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ذاك الظن بك ، أو كذاك الظن بك . أبو عون الثقفي . هو محمد بن عبيد الله ، متفق عليه .

وبه إلى أبي يعلى ، حدثنا زهير ، حدثنا إسماعيل بن عمر ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد ، حدثني والدي ، عن أبيه قال : مررت بعثمان في المسجد ، فسلمت عليه ، فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام . فأتيت عمر ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هل حدث في الإسلام شيء ؟ قال : وما ذاك ؟ قلت : إني مررت بعثمان آنفا ، فسلمت ، فلم يرد علي . فأرسل عمر إلى عثمان ، فأتاه ، فقال : ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام ؟ قال : ما فعلت . قلت : بلى ، حتى حلف وحلفت ، ثم إنه ذكر فقال : بلى ، فأستغفر الله وأتوب إليه ، إنك مررت بي آنفا ، وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا والله ما ذكرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوة . فقال سعد : فأنا أنبئك بها . إن رسول الله ، ذكر لنا أول دعوة ، ثم جاءه أعرابي فشغله ، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعته ، فلما [ ص: 95 ] أشفقت أن يسبقني إلى منزله ، ضربت بقدمي الأرض ، فالتفت إلي ، فالتفت ، فقال : " أبو إسحاق ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فمه ؟ قلت لا والله ، إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي . فقال : نعم ، دعوة ذي النون : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فإنها لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له " .

أخرجه الترمذي من طريق الفريابي ، عن يونس . ابن وهب : حدثني أسامة بن زيد الليثي ، حدثني ابن شهاب أن عبد الرحمن بن المسور قال : خرجت مع أبي ، وسعد ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عام أذرح . فوقع الوجع بالشام ، فأقمنا بسرغ خمسين ليلة ، ودخل علينا رمضان ، فصام المسور وعبد الرحمن ، وأفطر سعد وأبى أن يصوم ، فقلت له : يا أبا إسحاق ، أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشهدت بدرا ، وأنت تفطر وهما صائمان ؟ قال : أنا أفقه منهما . ابن جريج : حدثني زكريا بن عمرو أن سعد بن أبي وقاص وفد على [ ص: 96 ] معاوية ، فأقام عنده شهرا يقصر الصلاة ، وجاء شهر رمضان ، فأفطره . منقطع . شعبة وغيره : عن حبيب بن أبي ثابت سمعت عبد الرحمن بن المسور قال : كنا في قرية من قرى الشام يقال لها عمان ، ويصلي سعد ركعتين ، فسألناه ، فقال : إنا نحن أعلم . ابن عيينة ، عن عمرو قال : شهد سعد وابن عمر الحكمين . ابن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد : قلت : يا رسول الله ، من أنا ؟ قال : سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ، من قال غير هذا ، فعليه لعنة الله .

قال ابن سعد : وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف .

قال ابن منده : أسلم سعد ابن سبع عشرة سنة . وكان قصيرا ، دحداحا ، [ ص: 97 ] شثن الأصابع ، غليظا ، ذا هامة . توفي بالعقيق في قصره ، على سبعة أميال من المدينة . وحمل إليها سنة خمس وخمسين . الواقدي : عن بكير بن مسمار عن عائشة بنت سعد قالت : كان أبي رجلا قصيرا ، دحداحا ، غليظا ، ذا هامة ، شثن الأصابع ، أشعر ، يخضب بالسواد . وعن إسماعيل بن محمد بن سعد قال : كان سعد جعد الشعر ، أشعر الجسد ، آدم ، أفطس ، طويلا . يعقوب بن محمد الزهري : أنبأنا إسحاق بن جعفر ، وعبد العزيز بن عمران ، عن عبد الله بن جعفر بن المسور ، عن إسماعيل بن محمد بن سعد ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمير بن أبي وقاص عن بدر ، استصغره ، فبكى عمير ، فأجازه ، فعقدت عليه حمالة سيفه ، ولقد شهدت بدرا وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي .

جماعة : عن هاشم بن هاشم ، عن سعيد بن المسيب ، سمعت سعدا [ ص: 98 ] يقول : ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت ، ولقد مكثت سبع ليال وإني لثلث الإسلام .

وقال يوسف بن الماجشون : سمعت عائشة بنت سعد تقول : مكث أبي يوما إلى الليل وإنه لثلث الإسلام . إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس قال : قال سعد بن مالك : ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه لأحد قبلي . ولقد رأيته ليقول لي : " يا سعد ، ارم فداك أبي وأمي " . وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم . ولقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل سعيي .

متفق عليه ، رواه جماعة عن إسماعيل .

وروى المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن : أول من رمى بسهم في [ ص: 99 ] سبيل الله سعد ، وإنه من أخوال النبي - صلى الله عليه وسلم . حاتم بن إسماعيل : عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع له أبويه . قال : كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين . فقال رسول الله : " ارم فداك أبي وأمي " . فنزعت بسهم ليس فيه نصل ، فأصبت جبهته ، فوقع وانكشفت عورته ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه . عبد الله بن مصعب : حدثنا موسى بن عقبة ، عن ابن شهاب قال : قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به ، فقتل ، فرد عليهم فرموا به ، فأخذه سعد ، فرمى به الثانية ، فقتل ، فرد عليهم ، فرمى به الثالثة ، فقتل ، فعجب الناس مما فعل . إسناده منقطع . ابن إسحاق : حدثني صالح بن كيسان ، عن بعض آل سعد ، عن سعد : أنه رمى يوم أحد ، قال : فلقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يناولني النبل ويقول : " ارم فداك أبي وأمي " . حتى إنه ليناولني السهم ما له من نصل ، فأرمي به . [ ص: 100 ] قال ابن المسيب : كان جيد الرمي ، سمعته يقول : جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه يوم أحد . أخرجه البخاري . وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من بضعة عشر وجها . وساق حديث ابن أبي خالد عن قيس من سبعة عشر طريقا بألفاظها ، وبمثل هذا كبر تاريخه . وساق حديث عبد الله بن شداد عن علي : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد غير سعد ، من ستة عشر وجها . رواه مسعر وشعبة وسفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عنه . ابن عيينة : عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب قال : قال علي : ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع أبويه لأحد غير سعد .

تفرد به ابن عيينة ، وقد رواه شعبة وزائدة ، وغيرهما عن يحيى بن سعيد ، عن سعد ، وهو أصح . [ ص: 101 ] ابن زنجويه : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن أيوب ، عن عائشة بنت سعد ، سمعتها تقول : أنا ابنة المهاجر الذي فداه رسول الله يوم أحد بالأبوين . الأعمش : عن إبراهيم ، قال : عبد الله بن مسعود : لقد رأيت سعدا يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال . رواه بعضهم عن الأعمش فقال : عن إبراهيم ، عن علقمة . يونس بن بكير : عن عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن الزهري قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ ، وهو من جانب الجحفة . فانكفأ المشركون على المسلمين ، فحماهم سعد يومئذ بسهامه ، فكان هذا أول قتال في الإسلام ، فقال سعد : ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي فما يعتد رام في عدو بسهم يا رسول الله قبلي وفي البخاري لمروان بن معاوية : أخبرني هاشم بن هاشم ، سمعت سعيد بن المسيب ، سمعت سعدا يقول : نثل لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد وقال : " ارم ، فداك أبي وأمي " . [ ص: 102 ] أنبأنا به أحمد بن سلامة ، عن ابن كليب ، أنبأنا ابن بيان ، أنبأنا ابن مخلد ، أخبرنا إسماعيل الصفار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان فذكره . القعنبي وخالد بن مخلد قالا : حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن عائشة قالت : أرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة ، فقال : " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة " . قالت : فسمعنا صوت السلاح ، فقال رسول الله : من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص : أنا يا رسول الله جئت أحرسك ، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سمعت غطيطه . 
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

حديث فيما بعد المائتين من الهجرة




حديث فيما بعد المائتين من الهجرة


  البداية والنهاية
 
حديث فيما بعد المائتين من الهجرة قال ابن ماجه : حدثنا الحسن بن علي الخلال ، حدثنا عون بن عمارة ، حدثني عبد الله بن المثنى بن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ، عن أبيه ، عن جده ، عن أنس ، عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآيات بعد المائتين " . ثم أورده ابن ماجه من وجهين آخرين ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، ولا يصح ، ولو صح فهو محمول على ما وقع من الفتنة بسبب القول بخلق القرآن ، ومحنة الإمام [ ص: 24 ] أحمد وأصحابه من أئمة الحديث ، كما بسطنا ذلك هنالك .

وروى رواد بن الجراح - وهو منكر الرواية - عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة مرفوعا : " خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ " . قالوا : وما خفيف الحاذ يا رسول الله؟ قال : " من لا أهل له ، ولا مال ولا ولد " . وهذا منكر .

وثبت في " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن أبي جمرة ، عن زهدم بن مضرب ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " . قال عمران : فلا أدري ذكر بعد قرنه قرنين ، أو ثلاثة : " ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن " . لفظ البخاري .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









[ ص: 449 ] أبو قتادة الأنصاري السلمي ( ع )

فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- شهد أحدا ، والحديبية ، وله عدة أحاديث . اسمه الحارث بن ربعي ، على الصحيح ، وقيل : اسمه : النعمان ، وقيل : عمرو .

حدث عنه أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء بن يسار ، وعلي بن رباح ، وعبد الله بن رباح الأنصاري . وعبد الله بن معبد الزماني ، وعمرو بن سليم الزرقي ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، ومعبد بن كعب بن مالك ، وابنه عبد الله بن أبي قتادة ، ومولاه نافع ; وآخرون .

روى إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : خير فرساننا أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع . الواقدي : حدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أمه ، عن أبيه ، [ ص: 450 ] قال : قال أبو قتادة : إني لأغسل رأسي ، قد غسلت أحد شقيه ، إذ سمعت فرسي جروة تصهل ، وتبحث بحافرها . فقلت : هذه حرب قد حضرت .

فقمت ، ولم أغسل شق رأسي الآخر ، فركبت ، وعلي بردة ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصيح : الفزع الفزع .

قال : فأدرك المقداد ، فسايرته ساعة ، ثم تقدمه فرسي ، وكان أجود من فرسه . وأخبرني المقداد بقتل مسعدة محرزا - يعني : ابن نضلة - فقلت للمقداد : إما أن أموت ، أو أقتل قاتل محرز .

فضرب فرسه ، فلحقه أبو قتادة ، فوقف له مسعدة ، فنزل أبو قتادة فقتله ، وجنب فرسه معه .

قال : فلما مر الناس ، تلاحقوا ، ونظروا إلى بردي ، فعرفوها ، وقالوا : أبو قتادة قتل! فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : لا ، ولكنه قتيل أبي قتادة عليه برده ، فخلوا بينه وبين سلبه وفرسه .

قال : فلما أدركني ، قال : اللهم بارك له في شعره وبشره ، أفلح وجهك ! قتلت مسعدة ؟ قلت : نعم . قال : فما هذا الذي بوجهك ؟ .

قلت : سهم رميت به ; قال : فادن مني . فبصق عليه ، فما ضرب علي قط ولا قاح .

فمات أبو قتادة وهو ابن سبعين سنة ; وكأنه ابن خمس عشرة سنة .

قال : وأعطاني فرس مسعدة وسلاحه . [ ص: 451 ] مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عام حنين ، فلما التقينا ، رأيت رجلا قد علا المسلمين ، فاستدرت له من ورائه ، فضربته بالسيف على حبل عاتقه ، ضربة قطعت منها الدرع ، فأقبل علي ، وضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ، ثم أرسلني ، ومات . إلى أن قال : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا له بينة ، فله سلبه . فقمت ، فقلت : من يشهد لي ؟ وقصصت عليه ، فقال رجل : صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي . فأرضه منه . فقال أبو بكر : لا ها الله ، إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه! فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : صدق فأعطانيه ، فبعت الدرع ، وابتعت به مخرفا في بني سلمة ; فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام .

قال ابن سعد : كانت سرية أبي قتادة إلى حضرة ، وهي بنجد ، سنة ثمان ، وكان في خمسة عشر رجلا ، فغنموا مائتي بعير وألفي شاة ، وسبوا سبيا . ثم سرية أبي قتادة إلى بطن إضم بعد شهر . الدراوردي ، عن أسيد بن أبي أسيد ، عن أبيه : قلت لأبي قتادة : مالك لا تحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما يحدث عنه الناس ؟ فقال : سمعت رسول [ ص: 452 ] الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من كذب علي فليشهد لجنبه مضجعا من النار . وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك ، ويمسح الأرض بيده .

سمعه قتيبة منه . شعبة ، عن أبي مسلمة عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد : أخبرني من هو خير مني - أبو قتادة - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية . ابن سعد : حدثنا أبو الوليد : حدثنا عكرمة بن عمار : حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير : أن عمر بعث أبا قتادة ، فقتل ملك فارس بيده ، وعليه منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا ، فنفلها إياه عمر . قال خليفة : استعمل علي على مكة أبا قتادة الأنصاري ، ثم عزله بقثم بن العباس . معمر ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل : أن معاوية قدم المدينة ، فلقيه أبو قتادة ، فقال : تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار ، فما منعكم ؟ قالوا : لم يكن لنا دواب . قال : فأين النواضح ؟ . قال أبو [ ص: 453 ] قتادة : عقرناها في طلب أبيك يوم بدر ; إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لنا : إنكم ستلقون بعدي أثرة قال معاوية : فما أمركم ؟ قال : أمرنا أن نصبر .

قال : فاصبروا .

وروي ، أن عليا كبر على أبي قتادة سبعا . فقال أبو بكر البيهقي : هذا غلط ; فإن أبا قتادة تأخر عن علي .

وقال الواقدي : لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلاف أنه توفي بالمدينة .

قال : وروى أهل الكوفة أنه توفي بها ، وأن عليا صلى عليه .

قال يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، والمدائني ، وسعيد بن عفير ، وابن بكير ، وشباب ، وابن نمير : مات أبو قتادة سنة أربع وخمسين . معمر ، عن قتادة ، عن عبد الله بن رباح ، عن أبي قتادة ، قال : كنا مع [ ص: 454 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره ، إذ تأخر عن الراحلة ، فدعمته بيدي ، حتى استيقظ ، فقال : اللهم احفظ أبا قتادة كما حفظني منذ الليلة ، ما أرانا إلا قد شققنا عليك .

قال ابن سعد : أبو قتادة بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة .

قال : وقد اختلف علينا في اسمه : فقال ابن إسحاق : الحارث ; وقال ابن عمارة والواقدي : النعمان . وقيل : عمرو .

وله أولاد ، وهم : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وثابت ، وعبيد ، وأم البنين ، وأم أبان .

شهد أحدا والخندق . أيوب ، عن محمد : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى أبي قتادة ، فقيل : يترجل ; ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل ; ثم أرسل إليه ، فقيل : يترجل . فقال : احلقوا رأسه .

فجاء ، فقال : يا رسول الله ، دعني هذه المرة ، فوالله لأعتبنك فكان أول ما لقي قتل رأس المشركين مسعدة [ ص: 455 ] معن القزاز : حدثنا محمد بن عمرو ، عن محمد بن سيرين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى أبا قتادة يصلي ، ويتقي شعره ، فأراد أن يجزه ، فقال : يا رسول الله ، إن تركته ، لأرضينك . فتركه . فأغار مسعدة الفزاري على سرح أهل المدينة . فركب أبو قتادة فقتله ، وغشاه ببردته . حماد بن سلمة : أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : من قتل كافرا فله سلبه . فقال أبو قتادة : يا رسول الله ، إني ضربت رجلا على حبل عاتقه وعليه درع له ، فأجهضت عنه . فقال رجل : أنا أخذتها ، فأرضه منها وأعطنيها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت ، فسكت . فقال عمر : لا يفيئها الله على أسد من أسده ، ويعطيكها . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقال : صدق عمر .

وروى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة : أن أبا قتادة قال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- عام حنين . . . الحديث بنحو منه . وفيه : فقال أبو بكر : لا ها الله! إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله ، فيعطيك سلبه ، فأعطاني الدرع ، فبعته . قال : فابتعت به مخرفا ; فإنه لأول مال تأثلته . الواقدي : حدثنا أسامة بن زيد الليثي ، عن الأعرج ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، قال : لما كان يوم حنين ، قتلت رجلا ، فجاء رجل ، [ ص: 456 ] فنزع عنه درعه ، فخاصمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقضى لي بها ، فبعتها بسبع أواقي من حاطب بن أبي بلتعة .

قال قتادة : كان أبو قتادة يلبس الخز .

قال الواقدي : لم أر بين ولد أبي قتادة وأهل بلدنا اختلافا أن أبا قتادة توفي بالمدينة . ابن نمير : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن موسى بن عبد الله بن يزيد الخطمي ، قال : صلى علي على أبي قتادة ، فكبر عليه سبعا . 
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

حديث عبادة فيما يتعلق بما بعد المائة سنة البداية والنهاية

 حديث عبادة فيما يتعلق بما بعد المائة سنة
  البداية والنهاية

19 جزء التالي صفحة
السابق
حديث عبادة فيما يتعلق بما بعد المائة سنة : قال أحمد : ثنا الحكم بن نافع ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن يزيد بن سعيد ، عن أبي عطاء يزيد بن عطاء السكسكي ، عن معاذ بن شقراء ، عن جنادة بن أبي أمية ، أنه سمع عبادة بن الصامت يذكر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما مدة أمتك في الرخاء؟ فلم يرد عليه شيئا ، حتى سأله ثلاث مرار ، كل ذلك لا يجيبه ، ثم انصرف الرجل ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أين السائل " ؟ فردوه عليه ، فقال : [ ص: 23 ] " سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي; مدة أمتي من الرخاء مائة سنة " . قالها مرتين أو ثلاثا ، فقال الرجل : يا رسول الله ، فهل لذلك من أمارة أو علامة أو آية؟ فقال : " نعم ، الخسف والرجف وإرسال الشياطين المجلبة على الناس " . وفي " مسند أبي يعلى " ، والبزار من حديث مصعب بن مصعب ، ولا أعرفه إلا عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومائة " . هذا حديث غريب جدا .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









أبو اليمان ( ع )

الحكم بن نافع ، الحافظ الإمام الحجة أبو اليمان البهراني الحمصي مولى امرأة بهرانية تدعى أم سلمة ، كانت عند عمر بن روبة التغلبي .

ولد في حدود سنة بضع وثلاثين ومائة وطلب العلم سنة بضع وخمسين . [ ص: 320 ] فروى عن : صفوان بن عمرو ، وحريز بن عثمان ، وأبي بكر بن أبي مريم ، وشعيب بن أبي حمزة ، وسعيد بن عبد العزيز ، وعفير بن معدان ، وأرطاة بن المنذر ، وإسماعيل بن عياش ، ويزيد بن سعيد بن ذي عصوان ، وأبي مهدي سعيد بن سنان ، وطائفة ، وما علمت له رحلة .

حدث عنه : أحمد ، وابن معين ، ومحمد بن يحيى ، وعمرو بن منصور النسائي ، وعبيد الله بن فضالة ، وعمران بن بكار ، وأبو محمد الدارمي ، وأبو عبد الله البخاري ، وعثمان الدارمي ، وأبو حاتم ، ومحمد بن عوف ، وأبو زرعة الدمشقي ، ومحمد بن إسماعيل الترمذي ، وموسى بن عيسى بن المنذر ، وعلي بن محمد الحكاني ، وأحمد بن الفرات ، وخلق سواهم .

قال أحمد بن حنبل : أما حديث أبي اليمان عن حريز وصفوان بن عمرو فصحيح ثم قال أحمد : هو يقول : أخبرنا شعيب ، واستحل ذلك بشيء عجيب ، كان أمر شعيب في الحديث عسرا جدا ، وكان علي بن عباس سمع منه ، وذكر قصة لأهل حمص أراها أنهم سألوه أن يأذن لهم في أن يرووا عنه ، فقال لهم : لا ترووا هذه الأحاديث عني - يعني شعيبا - قال أبو عبد الله : ثم كلموه ، وحضر ذلك أبو اليمان ، فقال لهم : ارووا تلك الأحاديث عني . قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : مناولة ؟ ، قال : لو كان مناولة ، كان لم يعطهم كتبا ولا شيئا ، إنما سمع هذا فقط ، فكان ولد شعيب يقول : إن أبا اليمان جاءني ، فأخذ كتب شعيب مني بعد ، وهو يقول : [ ص: 321 ]

أخبرنا ، فكأنه استحل ذلك ، بأن سمع شعيبا يقول لقوم : ارووه عني

قال إبراهيم بن ديزيل : سمعت أبا اليمان يقول : قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب ؟ قلت : قرأت عليه بعضه ، وبعضه قرأه علي ، وبعضه أجاز لي ، وبعضه مناولة ، قال : فقال في كله : أخبرنا شعيب .

وقال ابن معين : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب بن أبي حمزة ، فقال : ليس هو مناولة ، المناولة لم أخرجها إلى أحد .

وروى أبو زرعة النصري عن أبي اليمان قال : كان شعيب عسرا في الحديث ، فدخلنا عليه حين حضرته الوفاة ، فقال : هذه كتبي ، وقد صححتها ، فمن أراد أن يأخذها ، فليأخذها ، ومن أراد أن يعرض ، فليعرض ، ومن أراد أن يسمعها من ابني ، فليسمعها ، فإنه قد سمعها مني . سعيد بن عمرو البرذعي ، عن أبي زرعة الرازي قال : لم يسمع أبو [ ص: 322 ] اليمان من شعيب إلا حديثا واحدا ، والباقي إجازة .

قال أبو داود : سمعت محمد بن عوف يقول : لم يسمع أبو اليمان من شعيب بن أبي حمزة إلا كلمة .

وقال أبو زرعة الدمشقي : سألت أحمد بن حنبل عن حديث الزهري ، عن أنس ، عن أم حبيبة ، فقال : ليس هذا من حديث الزهري ، هذا من حديث ابن أبي حسين ، فسألت أحمد بن صالح عنه ، فقال : ليس له أصل عن الزهري وأنكره .

قلت : قرئ هذا على إبراهيم بن الدرجي ، وأجازه لي عن أبي جعفر الصيدلاني ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، أخبرنا ابن ريذة ، أخبرنا أبو القاسم الطبراني ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، عن أنس ، عن أم حبيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أريت ما تلقى أمتي من بعدي ، وسفك بعضهم دماء بعض ، وكان ذلك سابقا من الله ، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم ، ففعل .

رواه عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، عن أبي اليمان ، فقال : عن شعيب ، عن ابن أبي حسين ، عن أنس ثم قال عبد الله : فقلت : هاهنا [ ص: 323 ] قوم يحدثون به عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، فقال : ليس ذا من حديث الزهري .

قال أبو زرعة : قال لي أحمد بن حنبل : كتاب شعيب عن ابن أبي حسين ملصق بكتاب الزهري ، فبلغني أن أبا اليمان حدثهم به عن شعيب ، عن الزهري ، وليس له أصل ، كأنه يذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري ، فرأيته كأنه يعذر أبا اليمان ولا يحمل عليه فيه .

وقال مكحول البيروتي عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني : سألت يحيى بن معين عن حديث أبي اليمان - يعني المذكور - فقال : أنا سألت أبا اليمان ، فقال : الحديث حديث الزهري ، فمن كتبه عني ، فقد أصاب ، ومن كتبه عني من حديث ابن أبي حسين ، فهو خطأ ، إنما كتب في آخر حديث ابن أبي حسين ، فغلطت ، فحدثت به من حديث ابن أبي حسين ، وهو صحيح من حديث الزهري .

وروى ابن صاعد ، عن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ، قال لنا أبو اليمان : الحديث حديث الزهري ، والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها .

قلت : تعين أن الحديث وهم فيه أبو اليمان ، وصمم على الوهم ، لأن الكبار حكموا بأن الحديث ما هو عند الزهري ، والله أعلم . [ ص: 324 ] عباس الدوري : سمعت يحيى يقول في حديث أبي اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري ، عن عقبة بن سويد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يغزو جيش الكعبة " فقال يحيى : إنما هو عن سحيم مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة .

قال أبو حاتم : كان أبو اليمان يسمى كاتب إسماعيل بن عياش ، كما يسمى أبو صالح كاتب الليث ، وهو ثقة نبيل صدوق .

وقال العجلي : لا بأس به .

وقال ابن عمار الموصلي : كان ثقة ، وكان بسلمية وكان إذا جاءه أهل الحديث قال لهم : القطوا لي الزعفران ، وثمت ينبت الزعفران ، فكانوا يلقطون ، ثم يحدثهم .

وقال محمد بن عيسى الطرسوسي : سمعت أبا اليمان يقول : صرت إلى مالك ، فرأيت ثم من الحجاب والفرش شيئا عجيبا ، فقلت : ليس ذا من أخلاق العلماء ، فمضيت وتركته ، ثم ندمت بعد . [ ص: 325 ] وبلغنا أن أبا اليمان كتب كتب إسماعيل بن عياش ، ولم يدع منها شيئا في القراطيس . وفي " الصحيحين " نحو من أربعين حديثا عند البخاري ، عن أبي اليمان قد أخرجها مسلم عن الدارمي ، عن أبي اليمان ، وجميعها يقول فيها : أخبرنا شعيب ، ما قال قط : حدثنا ، فهذا يوضح لك أنها بالإجازة ، وهي منقولة جزما من خط شعيب ، وكان من أثبت أصحاب الزهري . والمقصود من الرواية إنما هو العلم الحاصل بأن هذا الخبر حدث به فلان على أي صفة كان من صفات الأداء . وقد كان أبو اليمان عالم وقته بحمص ، استقدمه المأمون ليوليه قضاء حمص .

وروينا بإسناد قوي عن أبي اليمان أنه قال : ولدت سنة ثمان وثلاثين ومائة .

قال محمد بن مصفى ، وأبو زرعة النصري ، والفسوي : مات أبو اليمان سنة إحدى وعشرين ومائتين .

وقال ابن سعد والبخاري ومطين : سنة اثنتين وعشرين . زاد ابن سعد : في ذي الحجة بحمص . 

عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

حديث معاوية بن أبي سفيان في قتال الترك



حديث معاوية بن أبي سفيان في قتال الترك : قال أبو يعلى : ثنا محمد بن يحيى البصري ، ثنا محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إسحاق بن إبراهيم بن الغمر ، مولى سموك ، ثنا أبي ، عن جدي ، سمعت معاوية بن حديج يقول : كنت عند معاوية بن أبي سفيان إذ جاءه كتاب عامله يخبر أنه أوقع بالترك وهزمهم ، وبكثرة من قتل منهم وكثرة ما غنم منهم ، فغضب معاوية من ذلك ، ثم أمر أن يكتب إليه : قد فهمت ما ذكرت مما قتلت وغنمت فلا أعلمن أنك عدت إلى شيء من ذلك ، ولا تقاتلهم حتى يأتيك [ ص: 17 ] أمري . فقلت له : ولم أمير المؤمنين؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الترك تحارب العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم " . فأكره قتالهم لذلك . طريق أخرى عن معاوية : قال الطبراني : ثنا يحيى بن أيوب العلاف ، حدثنا أبو صالح الحراني ، ثنا ابن لهيعة ، عن كعب بن علقمة التنوخي ، ثنا حسان بن كريب الحميري ، سمعت ابن ذي الكلاع يقول : سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اتركوا الترك . ما تركوكم " . وروى الطبراني ، عن إبراهيم بن أبي حاتم ، عن نعيم بن حماد في كتاب " الملاحم " ، ثنا يحيى بن سعيد العطار وأبو المغيرة ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن دينار ، عن كعب الأحبار قال : ينزل الترك آمد ويشربون من نهر الدجلة والفرات ، سبعون ألفا ، ويسعون في الجزيرة وأهل الإسلام ، في الحيرة ، لا يستطيعون لهم شيئا ، فيبعث الله عليهم ثلجا بغير كيل فيه صر من ريح شديدة وجليد ، فإذا هم خامدون . فيرجعون فيقولون : إن الله قد أهلكهم وكفاكم العدو ، ولم يبق منهم أحد ، قد هلكوا من عند آخرهم . والمقصود : أن الترك قاتلهم الصحابة ، فهزموهم ، وغنموهم ، وسبوا نساءهم وأبناءهم ، وظاهر هذه الأحاديث أن قتالهم يكون من أشراط الساعة ، [ ص: 18 ] وأشراطها لا تكون إلا بين يديها قريبا منها ، فقد يكون هذا واقعا مرة أخرى عظيمة بين المسلمين والترك ، حتى يكون آخر ذلك قتالهم مع الدجال ، ويأجوج ومأجوج ، كما سيأتي ذكر ذلك ، وإن كان أشراط الساعة أعم من أن يكون بين يديها قريبا منها ، أو يكون مما يقع في الجملة ، حتى ولو تقدم قبلها بدهر طويل ، إلا أنه مما يقع بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الذي يظهر بعد تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب ، كما ترى ذلك قريبا إن شاء الله تعالى .

وقد ذكرنا ما ورد في مقتل الحسين بن علي بكربلاء ، في أيام يزيد بن معاوية ، كما سلف . وما ورد من الأحاديث في ذكر خلفاء بني أمية وأغيلمة بني عبد المطلب; قال أحمد : حدثنا روح ، حدثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن العاص ، أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هلكة أمتي على يدي غلمة " . فقال مروان ، وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا : لعنة الله عليهم غلمة . قال أبو هريرة : أما والله لو أشاء أن أقول بني فلان ، وبني فلان لفعلت . قال : فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان بعد ما ملكوا ، فإذا هم يبايعون [ ص: 19 ] الصبيان ، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة . قال لنا : هل عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذين سمعت أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا . ورواه البخاري بنحوه عن أبي هريرة . والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد حررناها في دلائل النبوة .

وتقدم الحديث في ذكر الكذاب والمبير من ثقيف ، فالكذاب هو المختار بن أبي عبيد الذي ظهر بالكوفة أيام عبد الله بن الزبير ، وكان رافضيا خبيثا ، . بل كان ينسب إلى الزندقة ، وادعى أنه يوحى إليه ، وقد قتله مصعب بن الزبير ، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي قتل عبد الله بن الزبير ، وكان ناصبيا جبارا عنيدا ، عكس الأول في الرفض . وتقدم حديث الرايات السود التي جاء بها بنو العباس من خراسان لما استلبوا الملك من أيدي بني أمية ، وذلك في سنة ثنتين وثلاثين ومائة ، أخذوا الخلافة من مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص ويعرف بمروان الحمار الجعدي; لاشتغاله على الجعد بن درهم المعتزلي ، وكان آخر خلفاء بني أمية ، فصارت الخلافة إلى السفاح أول خلفاء بني العباس ، وقد صرح باسمه في الحديث الذي رواه أحمد ، وقد تقدم ذلك .

وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا جرير بن حازم ، عن ليث ، عن [ ص: 20 ] عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا ، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الفروج ، والخمور ، والحرير ، وينصرون على ذلك ، ويرزقون أبدا ، حتى يلقوا الله " . وروى البيهقي من حديث عبد الله بن الحارث بن محمد بن حاطب الجمحي ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ، ويعدلون في عباد الله ، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ، ويقتلون الرجال ، ويصطفون الأموال ، فمغير بيده ، ومغير بلسانه ، ومغير بقلبه ، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء " .

وثبت في " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن فرات القزاز ، عن [ ص: 21 ] أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء; كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : " فوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم; فإن الله سائلهم عما استرعاهم " .

وفي " صحيح مسلم " من حديث أبي رافع ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه ، ويستنون بسنته ، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويعملون ما ينكرون " .

وثبت في " الصحيحين " من رواية عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . ورواه أبو داود من طريق أخرى ، عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون اثنا عشر خليفة " . وفي رواية : " لا تزال هذه الأمة مستقيما أمرها ، ظاهرة على عدوها ، حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " . قالوا : ثم يكون ماذا؟ قال : " يكون الهرج " .

فهؤلاء الخلفاء المبشر بهم في هذا الحديث ليسوا بالاثني عشر الذين تزعمهم [ ص: 22 ] الروافض ، فإن ذلك كذب وبهتان منهم ، لأن أكثر أولئك لم يل أحد منهم شيئا من أعمال هذه الأمة في خلافة ، بل ولا في بلد من البلدان ، وإنما ولى منهم علي وابنه الحسن ، وليس المراد من هؤلاء الاثني عشر الذين تتابعت ولايتهم سردا إلى أثناء دولة بني أمية; لأن حديث سفينة : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " . يمنع من هذا المسلك ، وإن كان البيهقي قد رجحه ، وقد بحثنا معه في كتاب دلائل النبوة من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد ، ولكن هؤلاء الأئمة الاثني عشر وجد منهم الأئمة الأربعة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، وابنه الحسن بن علي أيضا ، ومنهم عمر بن عبد العزيز ، كما هو عند كثير من الأئمة ، وجمهور الأمة ، وكذلك وجد منهم طائفة من بني العباس ، وسيوجد بقيتهم فيما يستقبل من الزمان ، حتى يكون منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة فيه ، كما سيأتي بيانها ، وبالله المستعان ، وعليه التكلان ، وقد نص على هذا الذي قلناه غير واحد ، كما قررنا ذلك .




التالي السابق



ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









معاوية بن أبي سفيان ( ع )

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن [ ص: 120 ] كلاب ، أمير المؤمنين ، ملك الإسلام ، أبو عبد الرحمن ، القرشي الأموي المكي .

وأمه هي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي .

قيل : إنه أسلم قبل أبيه وقت عمرة القضاء ، وبقي يخاف من اللحاق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أبيه ، ولكن ما ظهر إسلامه إلا يوم الفتح .

حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب له مرات يسيرة ، وحدث أيضا عن أخته - أم المؤمنين - أم حبيبة ، وعن أبي بكر ، وعمر .

روى عنه : ابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وأبو صالح السمان ، وأبو إدريس الخولاني ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وسعيد المقبري ، وخالد بن معدان ، وهمام بن منبه ، وعبد الله بن عامر المقرئ ، والقاسم أبو عبد الرحمن ، وعمير بن هانئ ، وعبادة بن نسي ، وسالم بن عبد الله ، ومحمد بن سيرين ، ووالد عمرو بن شعيب ، وخلق سواهم .

وحدث عنه من الصحابة أيضا : جرير بن عبد الله ، وأبو سعيد ، والنعمان بن بشير ، وابن الزبير .

ذكر ابن أبي الدنيا وغيره : أن معاوية كان طويلا ، أبيض ، جميلا ، إذا ضحك انقلبت شفته العليا . وكان يخضب .

روى سعيد بن عبد العزيز : عن أبي عبد رب : رأيت معاوية يخضب [ ص: 121 ] بالصفرة كأن لحيته الذهب .

قلت : كان ذلك لائقا في الزمان واليوم لو فعل لاستهجن . وروى عبد الجبار بن عمر ، عن الزهري ، عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ : سمع معاوية على منبر المدينة يقول : أين فقهاؤكم يا أهل المدينة ؟ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذه القصة ثم وضعها على رأسه . فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية . وعن أبان بن عثمان : كان معاوية وهو غلام يمشي مع أمه هند ، فعثر ، فقالت : قم لا رفعك الله ، وأعرابي ينظر ، فقال : لم تقولين له ؟ فوالله إني لأظنه سيسود قومه ، قالت : لا رفعه إن لم يسد إلا قومه . قال أسلم مولى عمر : قدم علينا معاوية وهو أبض الناس وأجملهم . [ ص: 122 ] ابن إسحاق : عن أبيه : رأيت معاوية بالأبطح أبيض الرأس واللحية كأنه فالج .

قال مصعب الزبيري : كان معاوية يقول : أسلمت عام القضية . ابن سعد : حدثنا محمد بن عمر ، حدثني أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عمر بن عبد الله العنسي ، قال معاوية : لما كان عام الحديبية ، وصدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البيت ، وكتبوا بينهم القضية ، وقع الإسلام في قلبي ، فذكرت لأمي ، فقالت : إياك أن تخالف أباك ، فأخفيت إسلامي ، فوالله لقد رحل رسول الله من الحديبية وإني مصدق به ، ودخل مكة عام عمرة القضية وأنا مسلم . وعلم أبو سفيان بإسلامي ، فقال لي يوما : لكن أخوك خير منك وهو على ديني ، فقلت : لم آل نفسي خيرا ، وأظهرت إسلامي يوم الفتح ، فرحب بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتبت له .

ثم قال الواقدي : وشهد معه حنينا ، فأعطاه من الغنائم مائة من الإبل ، وأربعين أوقية .

قلت : الواقدي لا يعي ما يقول ، فإن كان معاوية كما نقل قديم الإسلام ، فلماذا يتألفه النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ ولو كان أعطاه ، لما قال عندما خطب فاطمة بنت قيس : أما معاوية فصعلوك لا مال له .

ونقل المفضل الغلابي عن أبي الحسن الكوفي ، قال : كان زيد [ ص: 123 ] بن ثابت كاتب الوحي ، وكان معاوية كاتبا فيما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين العرب . عمرو بن مرة : عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كان معاوية يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . أبو عوانة : عن أبي حمزة ، عن ابن عباس ، قال : كنت ألعب مع الغلمان ، فدعاني النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : ادع لي معاوية . وكان يكتب الوحي .

رواه أحمد في مسنده وزاد فيه الحاكم : حدثنا علي بن حمشاد ، حدثنا هشام بن علي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة قال : فدعوته ، فقيل : إنه يأكل . فأتيت ، فقلت : يا رسول الله ، هو يأكل . قال : اذهب فادعه . فأتيته الثانية ، فقيل : إنه يأكل ، فأتيت رسول الله ، فأخبرته ، فقال في الثالثة : لا أشبع الله بطنه . قال : فما شبع بعدها .

رواه الطيالسي : حدثنا أبو عوانة ، وهشيم ، وفيه : لا أشبع الله بطنه .

فسره بعض المحبين قال : لا أشبع الله بطنه ; حتى لا يكون ممن يجوع يوم القيامة ، لأن الخبر عنه أنه قال : أطول الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة . [ ص: 124 ] قلت : هذا ما صح ، والتأويل ركيك ، وأشبه منه قوله - عليه السلام - : اللهم من سببته أو شتمته من الأمة فاجعلها له رحمة أو كما قال . وقد كان معاوية معدودا من الأكلة .

جماعة : عن معاوية بن صالح ، عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن زياد ، عن أبي رهم السماعي عن العرباض ، سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو إلى السحور في شهر رمضان : هلم إلى الغداء المبارك . ثم سمعته يقول : اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب .

رواه ابن مهدي ، وأسد السنة ، وأبو صالح ، وبشر بن السري عنه . وهذا في جزء ابن عرفة معضل سقط منه العرباض وأبو رهم ، وللحديث شاهد قوي . أبو مسهر : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي قال لمعاوية : اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب . أبو هلال محمد بن سليم : حدثنا جبلة بن عطية ، عن رجل ، عن [ ص: 125 ] مسلمة بن مخلد ، أنه قال لعمرو بن العاص ومعاوية يأكل : إن ابن عمك هذا لمخضد ، أما إني أقول هذا ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد وقه العذاب .

فيه رجل مجهول ، وجاء نحوه من مراسيل الزهري ، ومراسيل عروة بن رويم ، وحريز بن عثمان . مروان بن محمد : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، حدثني ربيعة بن يزيد ، سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا ، مهديا ، واهد به .

حسنه الترمذي . صفوان بن صالح : حدثنا الوليد ومروان بن محمد ، حدثنا سعيد نحوه .

وقال أبو زرعة النصري ، وعباس الترقفي حدثنا أبو مسهر ، حدثنا سعيد نحوه ، وفيه : سمعت رسول الله . أحمد بن المعلى : حدثنا محمود ، حدثنا عمر بن عبد الواحد ، عن سعيد ، عن ربيعة : أن بعثا من أهل الشام كانوا مرابطين بآمد ، وأن عمير بن سعد كان على حمص ، فعزله عثمان ، وولى معاوية ، فبلغ ذلك أهل [ ص: 126 ] حمص ، فشق عليهم ، فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به واهده . أبو بكر بن أبي داود : حدثنا محمود بن خالد ، حدثنا الوليد وعمر بن عبد الواحد ، عن سعيد ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس ، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة ; سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لمعاوية : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به . عمرو بن واقد : عن يونس بن حلبس ، عن أبي إدريس ، قال : لما عزل عمر عمير بن سعد عن حمص ، ولى معاوية ، فقال الناس في ذلك . فقال عمير : لا تذكروا معاوية إلا بخير ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اهد به .

رواه عن الذهلي ، عن النفيلي ، عنه . هشام بن عمار ، حدثنا عبد العزيز بن الوليد بن سليمان سمعت أبي يقول : إن عمر ولى معاوية . فقالوا : ولاه حديث السن . فقال : تلومونني ، وأنا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به هذا منقطع .








عرض في كتاب سير أعلام النبلاء



ذكر قتال الهند

ذكر قتال الهند
  البداية والنهاية

19 جزء التالي صفحة
السابق
[ ص: 10 ] ذكر قتال الهند

قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا البراء ، عن الحسن ، عن أبي هريرة ، قال : حدثني خليلي الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يكون في هذه الأمة بعث إلى السند والهند " . فإن أنا أدركته فاستشهدت فذاك ، وإن أنا - فذكر كلمة - رجعت ، فأنا أبو هريرة المحرر; قد أعتقني من النار . ورواه أحمد أيضا ، عن هشيم ، عن سيار ، عن جبر بن عبيدة ، عن أبي هريرة ، قال : وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الهند ، فإن استشهدت ، كنت من خير الشهداء ، وإن رجعت فأنا أبو هريرة المحرر . ورواه النسائي من حديث هشيم وزيد بن أبي أنيسة ، عن سيار ، عن جبر - ويقال : جبير - عن أبي هريرة ، فذكره . وقد غزا المسلمون الهند في سنة أربع وأربعين ، في إمارة معاوية أيضا ، فجرت هنالك أمور قد ذكرناها مبسوطة فيما تقدم ، وقد غزاها الملك السعيد المحمود محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وما والاها ، في حدود أربعمائة ، ففعل هنالك أفعالا مشهورة ، وأمورا مشكورة؟ كسر الصنم الأعظم المسمى بسومنات ، وأخذ قلائده وجواهره وذهبه وشنوفه ، وأخذ من الأموال ما لا [ ص: 11 ] يحصى ، ورجع إلى بلاده سالما مؤيدا منصورا .

وقد كان نواب بني أمية يقاتلون الأتراك ، في أقصى بلاد السند والصين ، وقهروا ملكهم القان الأعظم ، ومزقوا عساكره ، واستحوذوا على أمواله وحواصله ، وقد وردت الأحاديث بذكر صفتهم ونعتهم ، ولنذكر شيئا من ذلك على سبيل الإيجاز : قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، أخبرنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ، وحتى تقاتلوا الترك; صغار الأعين ، حمر الوجوه ، ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر ، حتى يدخل فيه ، والناس معادن; خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام ، وليأتين على أحدكم زمان لأن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله وماله " . تفرد به البخاري . ثم قال : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزا وكرمان من الأعاجم ، حمر الوجوه فطس الأنوف ، كأن [ ص: 12 ] وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر " . ورواه أحمد عن عبد الرزاق .

وقال أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، نعالهم الشعر " ، وأخرجه الجماعة سوى النسائي ، من حديث سفيان بن عيينة به . ورواه البخاري عن علي بن المديني ، عن سفيان بن عيينة . ورواه مسلم أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، كلاهما عن قيس بن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، فذكر نحوه . قال سفيان بن عيينة : وهم أهل البارز . كذا قال سفيان ، ولعله : البازر ، وهو سوق الفسوق الذي لهم .

حديث عمرو بن تغلب : وقال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن ، حدثنا عمرو بن تغلب ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما نعالهم الشعر " أو : " ينتعلون الشعر " - وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه ، كأن وجوههم المجان المطرقة " . ورواه البخاري من حديث جرير بن حازم .

[ ص: 13 ] وقد روي من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي . قال أحمد : ثنا أبو نعيم ، ثنا بشير بن المهاجر ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : " إن أمتي يسوقها قوم صغار الأعين ، كأن وجوههم الحجف ، ثلاث مرار " حتى يلحقوهم بجزيرة العرب; أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم ، أما الثانية فينجو بعض ويهلك بعض ، وأما الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم " . قالوا : يا رسول الله ، من هم؟ قال : " الترك ، والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم بسواري مسجد المسلمين " . قال : فكان بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع بعد ذلك للهرب; لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء في الترك . ورواه أبو داود في كتاب الملاحم من " سننه " عن جعفر بن مسافر ، عن خلاد بن يحيى ، عن بشير بن المهاجر . ورواه أبو يعلى عنه ، به ، وفيه : " قوم صغار العيون ، عراض الوجوه ، كأن وجوههم الحجف ، يلحقون أهل الإسلام بمنابت [ ص: 14 ] الشيح ثلاث مرات; أما المرة الأولى فينجو من هرب ، وأما المرة الثانية فينجو بعض ، وأما الثالثة فيهلكون جميعا ، كأني أنظر إليهم وقد ربطوا خيولهم بسواري المسجد " . قيل : من هم يا رسول الله؟ قال : " هم الترك " .

حديث أبي بكرة الثقفي في ذلك :

قال الإمام أحمد : ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، ثنا الحشرج بن نباتة القيسي الكوفي ، ثنا سعيد بن جمهان ، ثنا عبد الله بن أبي بكرة ، حدثني أبي في هذا المسجد مسجد البصرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتنزلن طائفة من أمتي أرضا يقال لها : البصرة . فيكثر بها عددهم ونخلهم ، ثم يجيء بنو قنطوراء ، عراض الوجوه ، صغار العيون ، حتى ينزلوا على جسر لهم يقال له : دجلة . فيفترق المسلمون ثلاث فرق؟ فأما فرقة فتأخذ بأذناب الإبل فتلحق بالبادية ، فهلكت ، وأما فرقة فتأخذ على أنفسها ، فكفرت ، فهذه وتلك سواء ، وأما فرقة فيجعلون عيالهم خلف ظهورهم ويقاتلون ، فقتلاهم شهداء ، ويفتح الله على بقيتهم " .

ورواه أبو داود في الملاحم ، عن محمد بن يحيى بن فارس ، عن [ ص: 15 ] عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جمهان ، ثنا مسلم بن أبي بكرة ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل أناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له : دجلة . يكون عليه جسر ، يكثر أهلها ، وتكون من أمصار المهاجرين - وفي لفظ : المسلمين - فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين ، حتى ينزلوا على شط النهر ، فيتفرق المهاجرون ثلاث فرق ، فرقة تأخذ بأذناب البقر والبرية وهلكوا ، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا ، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ، ويقاتلونهم ، وهم الشهداء " .

وتقدم حديث أنس في ذكر البصرة ، التي مصرت في زمان عمر بن الخطاب .

وروى مسلم وأبو داود والنسائي ، عن قتيبة ، عن يعقوب الإسكندراني ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ، قال : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك ، قوما كأن وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون الشعر " . وهذا لفظ أبي داود .

[ ص: 16 ] وقد روي من حديث أبي سعيد ، فقال أحمد ثنا عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين ، عراض الوجوه ، كأن أعينهم حدق الجراد ، وكأن وجوههم المجان المطرقة ، ينتعلون الشعر ، ويتخذون الدرق حتى يربطوا خيولهم بالنخل " . تفرد به أحمد .
 أحمد بن حنبل ( ع )

هو الإمام حقا ، وشيخ الإسلام صدقا ، أبو عبد الله ، أحمد بن [ ص: 178 ] محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي ، أحد الأئمة الأعلام . هكذا ساق نسبه ولده عبد الله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في " تاريخه " وغيره .

وقال الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم في كتاب " مناقب أحمد " : حدثنا صالح بن أحمد قال : وجدت في كتاب أبي نسبه ، فساقه إلى مازن ، كما مر ، ثم قال : ابن هذيل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة ، كذا قال : هذيل ، وهو وهم وزاد بعد وائل : ابن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم ، صلوات الله عليه .

وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا صالح بن أحمد فذكر النسب ، فقال فيه ذهل على الصواب . وهكذا نقل إسحاق الغسيلي عن صالح . وأما قول عباس الدوري ، وأبي بكر بن أبي داود : إن الإمام أحمد [ ص: 17
9 ] من بني ذهل بن شيبان فوهم ، غلطهما الخطيب وقال : إنما هو من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، ثم قال : وذهل بن ثعلبة هم عم ذهل بن شيبان بن ثعلبة . فينبغي أن يقال فيه : أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق . وقد نسبه أبو عبد الله البخاري إليهما معا .

وأما ابن ماكولا فمع بصره بهذا الشأن وهم أيضا . وقال في نسبه : مازن بن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وما تابعه على هذا أحد . وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مرو ، مات شابا له نحو من ثلاثين سنة . وربي أحمد يتيما ، وقيل : إن أمه تحولت من مرو ، وهي حامل به .

فقال صالح ، قال لي أبي : ولدت في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة قال صالح : جيء بأبي حمل من مرو ، فمات أبوه شابا ، فوليته أمه .

وقال عبد الله بن أحمد ، وأحمد بن أبي خيثمة : ولد في ربيع الآخر .

قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : طلبت الحديث سنة تسع وسبعين ، فسمعت بموت حماد بن زيد ، وأنا في مجلس هشيم .

قال صالح : قال أبي : ثقبت أمي أذني فكانت تصر فيهما لؤلؤتين ، فلما ترعرعت ، نزعتهما ، فكانت عندها ، ثم دفعتهما إلي ، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما .

قال أبو داود : سمعت يعقوب الدورقي ، سمعت أحمد يقول : ولدت في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة .

شيوخه [ ص: 180 ] طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة ، في العام الذي مات فيه مالك ، وحماد بن زيد . فسمع من إبراهيم بن سعد قليلا ، ومن هشيم بن بشير فأكثر ، وجود ، ومن عباد بن عباد المهلبي ، ومعتمر بن سليمان التيمي ، وسفيان بن عيينة الهلالي ، وأيوب بن النجار ، ويحيى بن أبي زائدة ، وعلي بن هاشم بن البريد وقران بن تمام ، وعمار بن محمد الثوري ، والقاضي أبي يوسف ، وجابر بن نوح الحماني ، وعلي بن غراب القاضي ، وعمر بن عبيد الطنافسي ، وأخويه يعلى ، ومحمد ، والمطلب بن زياد ، ويوسف بن الماجشون ، وجرير بن عبد الحميد ، وخالد بن الحارث ، وبشر بن المفضل ، وعباد بن العوام ، وأبي بكر بن عياش ، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، وعبدة بن سليمان ، ويحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، والنضر بن إسماعيل البجلي ، وأبي خالد الأحمر ، وعلي بن ثابت الجزري ، وأبي عبيدة الحداد ، وعبيدة بن حميد الحذاء ، ومحمد بن سلمة الحراني ، وأبي معاوية الضرير ، وعبد الله بن إدريس ، ومروان بن معاوية ، وغندر ، وابن علية ، ومخلد بن يزيد الحراني ، وحفص بن غياث ، وعبد الوهاب الثقفي ، ومحمد بن فضيل ، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي ، والوليد بن مسلم ، ويحيى بن سليم حديثا واحدا ، ومحمد بن يزيد الواسطي ، ومحمد بن الحسن المزني الواسطي ، ويزيد بن هارون ، وعلي بن عاصم ، وشعيب بن حرب ، ووكيع فأكثر ، ويحيى القطان فبالغ ، ومسكين بن بكير ، وأنس بن عياض الليثي ، وإسحاق الأزرق ، ومعاذ بن [ ص: 181 ] معاذ ، ومعاذ بن هشام ، وعبد الأعلى السامي ، ومحمد بن أبي عدي ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وعبد الله بن نمير ، ومحمد بن بشر ، وزيد بن الحباب ، وعبد الله بن بكر ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأبي عاصم ، وعبد الرزاق ، وأبي نعيم ، وعفان ، وحسين بن علي الجعفي ، وأبي النضر ، ويحيى بن آدم ، وأبي عبد الرحمن المقرئ ، وحجاج بن محمد ، وأبي عامر العقدي ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، وروح بن عبادة ، وأسود بن عامر ، ووهب بن جرير ، ويونس بن محمد ، وسليمان بن حرب ، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد ، وخلائق إلى أن ينزل في الرواية عن قتيبة بن سعيد ، وعلي ابن المديني ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وهارون بن معروف ، وجماعة من أقرانه . فعدة شيوخه الذين روى عنهم في " المسند " مائتان وثمانون ونيف .

قال عبد الله : حدثني أبي ، قال حدثنا علي بن عبد الله ، وذلك قبل المحنة . قال عبد الله : ولم يحدث أبي عنه بعد المحنة بشيء .

قلت : يريد عبد الله بهذا القول أن أباه لم يحمل عنه بعد المحنة شيئا ، وإلا فسماع عبد الله بن أحمد لسائر كتاب " المسند " من أبيه كان بعد المحنة بسنوات في حدود سنة سبع وثمان وعشرين ومائتين ، وما سمع عبد الله شيئا من أبيه ولا من غيره إلا بعد المحنة ، فإنه كان أيام المحنة صبيا مميزا ما كان حله يسمع بعد والله أعلم .

حدث عنه البخاري حديثا ، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثا آخر في المغازي . وحدث عنه مسلم ، وأبو داود بجملة وافرة ، وروى أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه عن رجل عنه ، وحدث عنه أيضا ولداه صالح وعبد الله ، وابن عمه حنبل بن إسحاق ، وشيوخه عبد الرزاق ، [ ص: 182 ] والحسن بن موسى الأشيب ، وأبو عبد الله الشافعي ، لكن الشافعي لم يسمه ، بل قال : حدثني الثقة . وحدث عنه علي ابن المديني ، ويحيى بن معين ، ودحيم ، وأحمد بن صالح ، وأحمد بن أبي الحواري ، ومحمد بن يحيى الذهلي ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي ، وأحمد بن الفرات ، والحسن بن الصباح البزار ، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، وحجاج بن الشاعر ، ورجاء بن مرجى ، وسلمة بن شبيب ، وأبو قلابة الرقاشي ، والفضل بن سهل الأعرج ، ومحمد بن منصور الطوسي ، وزياد بن أيوب ، وعباس الدوري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وحرب بن إسماعيل الكرماني ، وإسحاق الكوسج ، وأبو بكر الأثرم ، وإبراهيم الحربي ، وأبو بكر المروذي وأبو زرعة الدمشقي ، وبقي بن مخلد ، وأحمد بن أصرم المغفلي ، وأحمد بن منصور الرمادي ، وأحمد بن ملاعب ، وأحمد بن أبي خيثمة ، وموسى بن هارون ، وأحمد بن علي الأبار ، ومحمد بن عبد الله مطين وأبو طالب أحمد بن حميد ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري ، وولده إسحاق بن إبراهيم ، وبدر المغازلي ، وزكريا بن يحيى الناقد ، ويوسف بن موسى الحربي ، وأبو محمد فوران ، وعبدوس بن مالك العطار ، ويعقوب بن بختان ، ومهنى بن يحيى الشامي ، وحمدان بن علي الوراق ، وأحمد بن محمد القاضي البرتي ، والحسين بن إسحاق التستري ، وإبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني ، وأحمد بن يحيى ثعلب ، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، وإدريس بن عبد الكريم الحداد ، وعمر بن حفص السدوسي ، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي ، ومحمد بن عبد [ ص: 183 ] الرحمن السامي ، وعبد الله بن محمد البغوي ، وأمم سواهم . وقد جمع أبو محمد الخلال جزءا في تسمية الرواة عن أحمد سمعناه من الحسن بن علي ، عن جعفر ، عن السلفي ، عن جعفر السراج عنه ، فعد فيهم وكيع بن الجراح ، ويحيى بن آدم .

قال الخطيب في كتاب " السابق " : أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، حدثنا الأصم ، حدثنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا الثقة من أصحابنا ، عن يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق ، أن عمر قال : إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو زرعة أن أحمد أصله بصري ، وخطته بمرو ، وحدثنا صالح سمعت أبي يقول : مات هشيم فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاث وثمانين ، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ست . وخرجت إلى سفيان سنة سبع فقدمنا ، وقد مات الفضيل بن عياض . وحججت خمس حجج ، منها ثلاث راجلا ، أنفقت في إحداها ثلاثين درهما . وقدم ابن المبارك في سنة تسع وسبعين ، وفيها أول سماعي من هشيم ، فذهبت إلى مجلس ابن المبارك ، فقالوا : قد خرج إلى طرسوس ، وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة آلاف . ولو كان عندي خمسون درهما ، لخرجت إلى جرير إلى الري . قلت : قد سمع منه أحاديث . قال : وسمعت أبي يقول : كتبت عن إبراهيم بن سعد في ألواح ، وصليت خلفه غير مرة ، فكان يسلم واحدة . وقد روى عن أحمد من شيوخه ابن مهدي . فقرأت على إسماعيل بن الفراء ، أخبرنا ابن قدامة ، أخبرنا المبارك بن [ ص: 184 ] خضير ، أخبرنا أبو طالب اليوسفي ، أخبرنا إبراهيم بن عمر ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا ابن أبي حاتم ، حدثنا أحمد بن سنان ، سمعت ، عبد الرحمن بن مهدي يقول : كان أحمد بن حنبل عندي ، فقال : نظرنا فيما كان يخالفكم فيه وكيع ، أو فيما يخالف وكيع الناس ، فإذا هي نيف وستون حديثا .

روى صالح بن أحمد ، عن أبيه ، قال : مات هشيم ، وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا أحفظ ما سمعت منه .








عرض في كتاب سير أعلام النبلاء


خبر الأبلة




خبر الأبلة 19
جزء التالي صفحة
السابق
خبر الأبلة : قال أبو داود : حدثنا ابن المثنى ، ثنا إبراهيم بن صالح بن درهم ، سمعت أبي يقول : انطلقنا حاجين ، فإذا رجل ، فقال لنا : من أين جئتم؟ [ ص: 6 ] فقلنا : من بلد كذا وكذا . فقال : إن بجنبكم قرية يقال لها : الأبلة؟ فقلنا : نعم . فقال : من يضمن أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعا ، ويقول : هذه لأبي هريرة؟ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله يبعث من مسجد العشار شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم " .

وقال صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في " الصحيحين " : " إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله " . وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء ، في زمن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان; انزاحت يد قيصر ذلك الوقت - واسمه هرقل - عن بلاد الشام والجزيرة ، وثبت ملكه مقصورا على بلاد الروم فقط ، والعرب إنما كانوا يسمون قيصر لمن ملك بلاد الروم مع الشام والجزيرة . وفي هذا الحديث بشارة عظيمة لأهل الشام; وهو أن يد ملك الروم لا تعود إليها أبد الآبدين . وسنورد هذا الحديث قريبا بإسناده ومتنه إن شاء الله تعالى . وأما كسرى فإنه سلب عامة ملكه في زمن عمر بن الخطاب ، ثم استؤصل باقيه في خلافة عثمان ، وقتل في سنة ثنتين وثلاثين ، ولله الحمد والمنة ، وقد بسطنا ذلك مطولا فيما سلف ، وقد دعا على كسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أنه مزق كتابه ، بأن يمزق ملكه كل ممزق ، فوقع الأمر كذلك .

وثبت في " الصحيحين " من حديث الأعمش ، وجامع بن أبي راشد ، عن [ ص: 7 ] شقيق بن سلمة ، عن حذيفة ، قال : كنا جلوسا عند عمر بن الخطاب ، فقال : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قلت : أنا . قال : هات إنك لجريء . فقلت : ذكر فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره ، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فقال : ليس هذا أعني ، إنما أعني التي تموج موج البحر . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن بينك وبينها بابا مغلقا . فقال : ويحك ! أيفتح الباب أم يكسر؟ قلت : بل يكسر . قال : إذا لا يغلق أبدا . قلت : أجل . فقلنا لحذيفة : أكان عمر يعلم من الباب؟ قال : نعم; إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط . قال : فهبنا أن نسأل حذيفة : من الباب؟ فقلنا لمسروق : سله . فسأله ، فقال : هو عمر . وهكذا وقع الأمر سواء بعد مقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين; وقعت الفتن بين الناس بعد مقتله ، وكان ذلك سبب انتشارها بينهم .

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن عفان أنه من أهل الجنة ، على بلوى تصيبه ، فوقع الأمر كذلك; حصر وقتل صابرا محتسبا شهيدا ، رضي الله عنه ، وقد ذكرنا عند مقتله الأحاديث التي وردت بالإنذار بذلك ، والإعلام به قبل كونه; فوقع طبق ذلك سواء بسواء . وذكرنا ما ورد من الأحاديث في الجمل وصفين ، فوقع الأمر كذلك . وكذلك الإخبار بمقتل عمار . وما ورد في [ ص: 8 ] الأحاديث بمقتل الخوارج الذين قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وصفتهم ، ونعت ذي الثدية منهم . كل ذلك قد حررناه فيما سلف ، ولله الحمد والمنة . وذكرنا عند مقتل علي الحديث الوارد في ذلك بطرقه ، وألفاظه ، وتقدم الحديث الذي رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وحسنه ، من طريق سعيد بن جمهان ، عن سفينة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا " . وقد اشتملت هذه الثلاثون سنة على خلافة أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان الشهيد ، وعلي بن أبي طالب الشهيد أيضا ، وكان تمامها وختامها بستة أشهر وليها الحسن بن علي بعد أبيه ، وعند تمام الثلاثين نزل عن الأمر لمعاوية بن أبي سفيان ، وأصفقت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ، وقد بسطنا ذلك فيما تقدم . وروى البخاري عن أبي بكرة ، رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - والحسن بن علي إلى جانبه على المنبر - : " إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " . وهكذا وقع .

وثبت في " الصحيحين " عن أم حرام بنت ملحان أن ناسا من هذه الأمة يغزون البحر مرتين ، وأنها تكون مع الأولين ، فكان الأمر كذلك في سنة سبع وعشرين ، مع معاوية في خلافة عثمان ، حين استأذن عثمان في غزو قبرس ، [ ص: 9 ] فأذن له فركب المسلمون المراكب إليها وفتحوها قسرا ، وتوفيت أم حرام في هذه الغزوة ، وكانت أم حرام مع زوجها عبادة بن الصامت ، وكان مع معاوية في هذه الغزوة زوجته فاختة بنت قرظة . وأما غزوة البحر الثانية فكانت في سنة ثنتين وخمسين في أيام معاوية أيضا ، غزاها ابنه يزيد ومعه الجنود فدخلوا إلى القسطنطينية ، وكان معه في هذا الجيش جماعة من أعيان الصحابة ، منهم أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد ، رضي الله عنه ، فمات هنالك وأوصى إلى يزيد بن معاوية ، أن يدفنه تحت سنابك الخيل ، وأن يوغل به إلى أقصى ما يمكن أن ينتهي به إلى نحو جهة العدو ، ففعل ذلك .

وتفرد البخاري بما رواه من طريق ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن عمير بن الأسود العنسي ، عن أم حرام ، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا " . قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله ، أنا فيهم؟ قال : " أنت فيهم " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم " . قلت : أنا فيهم يا رسول الله؟ قال : " لا " .
أبو موسى ( ع )

محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار ، الإمام الحافظ الثبت أبو موسى ، العنزي البصري الزمن .

ولد مع بندار في عام وفاة حماد بن سلمة .

وحدث عن : عبد العزيز بن عبد الصمد العمي . وسفيان بن عيينة ، ومعتمر بن سليمان ، وحفص بن غياث ، وابن إدريس ، ومرحوم بن عبد العزيز ، وأبي معاوية ، والوليد بن مسلم ، وغندر ، ويحيى القطان ، ويزيد ابن زريع ، ومعاذ بن معاذ ، ومحمد بن أبي عدي ، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وخلق كثير . وينزل إلى عفان ، وأبي الوليد ، لا بل ينزل إلى [ ص: 124 ] تلميذه أبي جعفر أحمد بن سعيد الدارمي . جمع وصنف ، وكتب الكثير .

روى عنه : الجماعة ستتهم ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وبقي ، وابن أبي الدنيا ، وجعفر الفريابي ، وأبو يعلى ، وأبو بكر بن أبي داود ، وابن خزيمة ، وابن صاعد ، ومحمد بن هارون الروياني ، وقاسم المطرز ، وأبو عروبة ، وزكريا الساجي ، وأبو عبد الله المحاملي ، وخلق كثير .

قال محمد بن يحيى الذهلي : حجة .

وقال صالح جزرة : صدوق اللهجة ، في عقله شيء ، وكنت أقدمه على بندار .

وقال أبو حاتم : صدوق صالح الحديث .

وقال أبو عروبة : ما رأيت بالبصرة أثبت من أبي موسى ، ويحيى بن حكيم .

وقال النسائي : كان لا بأس به ، كان يغير في كتابه .

وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ; أخبرنا محمد بن المثنى ، وكان من الأثبات . [ ص: 125 ]

وقال ابن حبان : كان صاحب كتاب ، لا يقرأ إلا من كتابه .

وقال الخطيب : كان صدوقا ورعا .

وقال في موضع آخر : كان ثقة ثبتا ، احتج به سائر الأئمة . ويروي أن أبا موسى مزح مرة ، فقال : نحن قوم لنا شرف ، صلى إلينا النبي -صلى الله عليه وسلم- .

قال إبراهيم بن محمد الكندي وغيره : مات أبو موسى في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين ومائتين .

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق غير مرة ، أخبرنا أبو المحاسن محمد بن هبة الله بن أبي حامد عبد العزيز الدينوري ببغداد ، أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن أبي حامد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا عاصم بن الحسن سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي الفارسي ، حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل ، حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، حدثنا ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى مكة ، دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها . [ ص: 126 ] أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي . خمستهم عن أبي موسى العنزي ، فوافقناهم بعلو .

قال أبو أحمد بن الناصح : سمعت محمد بن حامد بن السري ، وقلت له : لم لا تقول في محمد بن المثنى إذا ذكرته : الزمن ، كما يقول الشيوخ ؟ فقال : لم أره زمنا ، رأيته يمشي ، فسألته فقال : كنت في ليلة شديدة البرد ، فجثوت على يدي ورجلي ، فتوضأت ، وصليت ركعتين ، وسألت الله ، فقمت أمشي . قال : فرأيته يمشي ، ولم أره زمنا . حكاية صحيحة ، رواها السلفي عن الرازي ، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد الفارسي ، حدثنا ابن الناصح .

عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

مقدمة النهاية في البداية والنهاية


مقدمة النهاية في البداية والنهاية
  بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام العالم العلامة أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى : الحمد لله الأول الآخر ، الباطن الظاهر ، الذي هو بكل شيء عليم ، الأول فليس قبله شيء ، الآخر فليس بعده شيء ، الظاهر فليس فوقه شيء ، الباطن فليس دونه شيء ، الأزلي القديم الذي لم يزل موجودا موصوفا بصفات الكمال ، ولا يزال دائما مستمرا باقيا سرمديا بلا انقضاء ولا انفصال ولا زوال ، يعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وعدد الرمال ، وهو العلي الكبير المتعال ، العلي العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، ورفع السماوات بغير عمد ، وزينها بالكواكب الزاهرات ، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ، وسوى فوقهن سريرا شرجعا عاليا منيفا متسعا مقببا مستديرا ، هو العرش العظيم له قوائم عظام تحمله الملائكة الكرام ، وتحفه الكروبيون عليهم الصلاة والسلام ولهم زجل بالتقديس والتعظيم وكذا أرجاء السماوات مشحونة بالملائكة ، [ ص: 4 ] ويفد منهم في كل يوم سبعون ألفا إلى البيت المعمور بالسماء السابعة ، لا يعودون إليه آخر ما عليهم في تهليل وتحميد وتكبير وصلاة وتسليم . ووضع الأرض للأنام على تيار الماء ، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ، في أربعة أيام سواء للسائلين قبل خلق السماء ، وأنبت فيها من كل زوجين اثنين دلالة للألباء من جميع ما يحتاج العباد إليه في شتائهم وصيفهم ولكل ما يحتاجون إليه ويملكونه من حيوان بهيم .

وبدأ خلق الإنسان من طين ، وجعل نسله من سلالة من ماء مهين في قرار مكين ، فجعله سميعا بصيرا بعد أن لم يكن شيئا مذكورا ، وشرفه بالعلم والتعليم ، خلق بيده الكريمة آدم أبا البشر وصور جثته ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته وخلق منه زوجه حواء أم البشر ، فآنس بها وحدته وأسكنها جنته وأسبغ عليهما نعمته ، ثم أهبطهما إلى الأرض ; لما سبق في ذلك من حكمة الحكيم ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء وقسمهم بقدره العظيم : ملوكا ورعاة ، وفقراء وأغنياء ، وأحرارا وعبيدا ، وحرائر وإماء ، وأسكنهم أرجاء الأرض طولها والعرض ، وجعلهم خلائف فيها يخلف البعض منهم البعض إلى يوم الحساب والعرض على العليم الحكيم ، وسخر [ ص: 5 ] لهم الأنهار من سائر الأقطار تشق الأقاليم إلى الأمصار ما بين صغار وكبار ، على مقدار الحاجات والأوطار ، وأنبع لهم العيون والآبار ، وأرسل عليهم السحاب بالأمطار; فأنبت لهم سائر صنوف الزروع والثمار وآتاهم من كل ما سألوه بلسان حالهم وقالهم : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار [ إبراهيم : 34 ] . فسبحان الكريم الغني العظيم الحليم ، وكان من أعظم نعمه عليهم وإحسانه إليهم بعد أن خلقهم ورزقهم ويسر لهم السبيل وأنطقهم ; أن أرسل رسله إليهم وأنزل كتبه عليهم مبينة حلاله وحرامه وأخباره وأحكامه وتفصيل كل شيء في المبدأ والمعاد إلى يوم القيامة; فالسعيد من قابل الأخبار بالتصديق والتسليم ، والأوامر بالانقياد ، والنواهي بالتعظيم ; ففاز بالنعيم المقيم وزحزح عن مقام المكذبين في الجحيم ذات الزقوم والحميم والعذاب الأليم .

أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يملأ أرجاء السماوات والأرضين دائما أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى يوم الدين ، في كل ساعة وأوان ، ووقت وحين ، كما ينبغي لجلاله العظيم وسلطانه القديم ووجهه الكريم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ولا ولد له ولا والد له ولا صاحبة له ، ولا نظير له ولا وزير له ولا مشير له ، ولا عديد ولا نديد ولا قسيم ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله المصطفى من خلاصة العرب العرباء من [ ص: 6 ] الصميم ، خاتم الأنبياء ، وصاحب الحوض الأكبر الرواء صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة ، وحامل اللواء الذي يبعثه الله المقام المحمود الذي يرغب إليه فيه الخلق كلهم حتى الخليل إبراهيم صلى الله عليه وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين وسلم وشرف وكرم أزكى صلاة وتسليم وأعلى تشريف وتكريم ورضي الله عن جميع أصحابه الغر الكرام السادة النجباء الأعلام خلاصة العالم بعد الأنبياء ما اختلط الظلام بالضياء وأعلن الداعي بالنداء وما نسخ النهار ظلام الليل البهيم .

أما بعد ، فهذا الكتاب أذكر فيه بعون الله وحسن توفيقه ما يسره الله تعالى بحوله وقوته من ذكر مبدأ المخلوقات : من خلق العرش ، والكرسي ، والسماوات والأرضين وما فيهن وما بينهن من الملائكة والجان والشياطين ، وكيفية خلق آدم عليه السلام وقصص النبيين ، وما جرى مجرى ذلك إلى أيام بني إسرائيل وأيام الجاهلية حتى تنتهي النبوة إلى أيام نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه فنذكر سيرته كما ينبغي فنشفي الصدور والغليل ونزيح الداء عن العليل ، ثم نذكر ما بعد ذلك إلى زماننا ونذكر الفتن والملاحم ، وأشراط الساعة ، ثم البعث والنشور ، وأهوال القيامة ، ثم صفة ذلك وما في ذلك اليوم وما يقع فيه من الأمور الهائلة ، ثم صفة النار ، ثم صفة الجنان وما فيها من الخيرات الحسان وغير ذلك وما يتعلق به وما ورد في ذلك من الكتاب والسنة والآثار والأخبار المنقولة المقبولة عند العلماء وورثة الأنبياء الآخذين من مشكاة النبوة المصطفوية المحمدية على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام .

[ ص: 7 ] ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله ، مما لا يخالف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب مما فيه بسط لمختصر عندنا ، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه . وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صح نقله أو حسن وما كان فيه ضعف نبينه والله المستعان وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم العلي العظيم فقد قال الله تعالى في كتابه : كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا [ طه : 99 ] . وقد قص الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خبر ما مضى : من خلق المخلوقات ، وذكر الأمم الماضين ، وكيف فعل بأوليائه ، وماذا أحل بأعدائه وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا شافيا - كما سنورد عند كل فصل ما وصل إلينا عنه صلوات الله وسلامه عليه من ذلك تلو الآيات الواردات في ذلك - فأخبرنا بما نحتاج إليه من ذلك وترك ما لا فائدة فيه مما قد يتزاحم على علمه ويتراجم في فهمه طوائف من علماء أهل الكتاب مما لا فائدة فيه لكثير من الناس ، وقد يستوعب نقله طائفة من علمائنا أيضا ولسنا نحذو حذوهم ولا ننحو نحوهم ، ولا نذكر منها إلا القليل على سبيل الاختصار ، ونبين ما فيه حق منها ، يوافق ما عندنا ، وما خالفه يقع فيه الإنكار .

فأما الحديث الذي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 8 ] بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، وحدثوا عني ولا تكذبوا علي ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . فهو محمول على الإسرائيليات المسكوت عنها عندنا ، فليس عندنا ما يصدقها ولا ما يكذبها فيجوز روايتها للاعتبار ، وهذا هو الذي نستعمله في كتابنا هذا . فأما ما شهد له شرعنا بالصدق فلا حاجة بنا إليه استغناء بما عندنا ، وما شهد له شرعنا منها بالبطلان فذاك مردود لا يجوز حكايته إلا على سبيل الإنكار والإبطال ، فإذا كان الله سبحانه وله الحمد قد أغنانا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الشرائع ، وبكتابه عن سائر الكتب ; فلسنا نترامى على ما بأيديهم مما قد وقع فيه خبط وخلط وكذب ووضع وتحريف وتبديل وبعد ذلك كله نسخ وتغيير ، فالمحتاج إليه قد بينه لنا رسولنا وشرحه وأوضحه ، عرفه من عرفه وجهله من جهله كما قال علي بن أبي طالب كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وقال أبو ذر رضي الله عنه لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يطير بجناحيه إلا أذكرنا منه علما .

وقال البخاري في كتاب بدء الخلق وروى عيسى بن موسى غنجار ، عن رقبة ، عن قيس بن [ ص: 9 ] مسلم عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم ، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه . قال أبو مسعود الدمشقي في أطرافه هكذا قال البخاري ، وإنما رواه عيسى غنجار عن أبي حمزة عن رقبة وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده : حدثنا أبو عاصم حدثنا عزرة بن ثابت حدثنا علباء بن أحمر اليشكري حدثنا أبو زيد الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ، ثم نزل فصلى الظهر ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ، ثم نزل فصلى العصر ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غابت الشمس ، فحدثنا بما كان وما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا . انفرد بإخراجه مسلم فرواه في كتاب الفتن من صحيحه عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وحجاج بن الشاعر جميعا ، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل ، عن عزرة ، عن علباء ، عن أبي زيد عمرو بن أخطب بن رفاعة الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون وعفان قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا علي بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة بعد العصر إلى مغيربان الشمس [ ص: 10 ] حفظها من حفظها ونسيها من نسيها . قال عفان : قال حماد : وأكثر حفظي أنه قال : بما هو كائن إلى يوم القيامة فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فإن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء .

وذكر تمام الخطبة إلى أن قال : فلما كان عند مغيربان الشمس قال : ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه . ثم قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ذات يوم نهارا ، ثم قام فخطبنا إلى أن غابت الشمس ، فلم يدع شيئا مما يكون إلى يوم القيامة إلا حدثناه حفظ ذلك من حفظه ونسي ذلك من نسيه فكان مما قال : يا أيها الناس إن الدنيا خضرة حلوة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء . وذكر تمامها إلى أن قال : ثم دنت الشمس أن تغرب ، فقال " وإن ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه " .

وهذا هو المحفوظ ، والله أعلم .

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...