حمل واقرأ

قراءة المصحف كاملا بصيغة وورد ومعه حمل المصحف بكل الصيغ  حمل المصحف:بونط كبير

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الله أكبر كبيرا

كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي مكتبة العلوم الشاملة /مكتبة العلوم الشاملة /https://sluntt.blogspot.com/

الجمعة، 23 يوليو 2021

صفة أهل آخر الزمان

صفة أهل آخر الزمان

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا " .

[ ص: 282 ] وحدثناه عفان ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عبد الله بن عمرو ، ولم يرفعه ، وقال : " حتى يأخذ الله شريطته من الناس " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا قيس ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن من البيان سحرا ، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون قبورهم مساجد " . وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، حدثنا شعبة ، حدثنا علي بن الأقمر ، سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن علي بن الأقمر به .

وقد تقدم في الأحاديث السابقة أنه يقل الرجال ، وتكثر النساء ، حتى [ ص: 283 ] يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ، يلذن به ، وأنهم يتسافدون في الطرقات ، كما يتسافد البهائم . وقد أوردناها بأسانيدها وألفاظها بما أغنى عن إعادتها ، ولله الحمد .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : لا إله إلا الله " . ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن عفان به . ولفظه : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة على أحد يقول : الله الله " . ورواه مسلم ، عن عبد بن حميد ، عن عبد الرزاق به .

وقال أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله الله " .

وهذا الإسناد ثلاثي على شرط " الصحيحين " ، وإنما رواه الترمذي ، عن بندار ، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي ، عن حميد ، عن أنس ، مرفوعا ، [ ص: 284 ] وقال : حسن . ثم رواه ، عن محمد بن المثنى ، عن خالد بن الحارث ، عن حميد ، عن أنس ، موقوفا . ثم قال : وهذا أصح من الأول .

وفى معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " حتى لا يقال في الأرض : الله الله " . قولان : أحدهما أن معناه أن أحدا لا ينكر منكرا ولا يزجر أحد أحدا إذا رآه قد تعاطى منكرا ، وعبر عن ذلك بقوله : " حتى لا يقال : الله الله " . كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو : " فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ، ولا ينكرون منكرا " . والقول الثاني : حتى لا يذكر الله في الأرض ، ولا يعرف اسمه فيها ، وذلك عند فساد الزمان ، ودمار نوع الإنسان ، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان يتواكلون الخير بينهم ، حتى لا يقول أحد لأحد : اتق الله خف الله ، وهذا كما في الحديث الآخر : " لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : لا إله إلا الله " . وكما تقدم في الحديث الآخر أن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يقولان : " أدركنا الناس وهم يقولون : لا إله إلا الله " . ثم يتفاقم الأمر ، ويتزايد الحال ، حتى يترك ذكر الله جملة في الأرض ، وينسى بالكلية ، فلا يعرف فيها ، وأولئك هم شرار الناس ، وعليهم تقوم الساعة ، كما تقدم في الحديث : " ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " . وفي لفظ : " شرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء " .

وفي حديث عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزداد الناس إلا شحا ، ولا يزداد الزمان إلا شدة ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس " .

[ ص: 285 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " يا عائشة ، قومك أسرع أمتي لحاقا بي " . قالت : فلما جلس قلت : يا رسول الله ، جعلني الله فداك ، لقد دخلت وأنت تقول كلاما أذعرني ، قال : " وما هو؟ " قالت : تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا ، قال؟ " نعم " . قالت : وعم ذاك؟ قال : " تستحلهم المنايا ، فتنفس عليهم أمتهم " . قالت : فقلت : فكيف الناس بعد ذلك؟ قال : " دبا يأكل شداده ضعافه ، حتى تقوم عليهم الساعة " . والدبا : الجنادب التي لم تنبت أجنحتها . تفرد به أحمد .

وقال أحمد : حدثنا علي بن ثابت ، حدثني عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، عن علباء السلمي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس " . تفرد به ، وقد رواه أبو خيثمة ، عن علي بن ثابت به .

[ ص: 286 ] ولأبي نعيم من طريقه ، بإسناده : " لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من الموالي يقال له : جهجاه " . 

........................
عبد الله بن مسعود

( ع )

عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار .

الإمام الحبر ، فقيه الأمة ، أبو عبد الرحمن الهذلي المكي المهاجري البدري ، حليف بني زهرة .

كان من السابقين الأولين ، ومن النجباء العالمين ، شهد بدرا ، وهاجر الهجرتين ، وكان يوم اليرموك على النفل ، ومناقبه غزيرة ، روى علما كثيرا .

حدث عنه أبو موسى ، وأبو هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وجابر ، وأنس ، وأبو أمامة ، في طائفة من الصحابة ، وعلقمة ، [ ص: 462 ] والأسود ، ومسروق ، وعبيدة ، وأبو وائلة ، وقيس بن أبي حازم ، وزر بن حبيش ، والربيع ، بن خثيم ، وطارق بن شهاب ، وزيد بن وهب ، وولداه أبو عبيدة وعبد الرحمن ، وأبو الأحوص عوف بن مالك ، وأبو عمرو الشيباني ، وخلق كثير .

وروى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السلمي ، وعبيد بن نضيلة ، وطائفة .

اتفقا له في الصحيحين على أربعة وستين ، وانفرد له البخاري بإخراج أحد وعشرين حديثا ، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا ، وله عند بقي بالمكرر ثماني مائة وأربعون حديثا .

قال قيس بن أبي حازم : رأيته آدم خفيف اللحم ، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كان عبد الله رجلا نحيفا ، قصيرا ، شديد الأدمة ، وكان لا يغير شيبه . وروى الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان عبد الله لطيفا ، فطنا .

قلت : كان معدودا في أذكياء العلماء . وعن ابن المسيب قال : رأيت ابن مسعود عظيم البطن ، أحمش الساقين . قلت : رآه سعيد لما قدم المدينة عام توفي سنة اثنتين وثلاثين وكان يعرف أيضا بأمه ، فيقال له : ابن أم عبد .

قال محمد بن سعد : أمه هي أم عبد بنت عبد ود بن سوي من بني زهرة .

وروي عن علقمة : عن عبد الله ، قال : كناني النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي . [ ص: 463 ]

وروى المسعودي : عن سليمان بن مينا ، عن نويفع مولى ابن مسعود ، قال : كان عبد الله من أجود الناس ثوبا أبيض ، وأطيب الناس ريحا . يعقوب بن شيبة : حدثني بشر بن مهران ، حدثنا شريك ، عن عثمان بن المغيرة ، عن زيد بن وهب قال : قال عبد الله : إن أول شيء علمته من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قدمت مكة مع عمومة لي أو أناس من قومي ، نبتاع منها متاعا ، وكان في بغيتنا شراء عطر ، فأرشدونا على العباس ، فانتهينا إليه ، وهو جالس إلى زمزم ، فجلسنا إليه ، فبينا نحن عنده ، إذ أقبل رجل من باب الصفا ، أبيض ، تعلوه حمرة ، له وفرة جعدة ، إلى أنصاف أذنيه ، أشم ، أقنى ، أذلف ، أدعج العينين ، براق الثنايا ، دقيق المسربة ، شثن الكفين والقدمين ، كث اللحية ، عليه ثوبان أبيضان ، كأنه القمر ليلة البدر ، يمشي على يمينه غلام حسن الوجه ، مراهق أو محتلم ، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها ، حتى قصد نحو الحجر ، فاستلم ، ثم استلم الغلام ، واستلمت المرأة ، ثم طاف بالبيت سبعا ، وهما يطوفان معه ، ثم استقبل الركن ، فرفع يده وكبر ، وقام ثم ركع ، ثم سجد ثم قام . فرأينا شيئا أنكرناه ، لم نكن نعرفه بمكة .

فأقبلنا على العباس ، فقلنا : يا أبا الفضل ، إن هذا الدين حدث فيكم ، أو أمر لم نكن نعرفه ؟ قال : أجل والله ما تعرفون هذا ، هذا ابن أخي محمد بن عبد الله ، والغلام علي بن أبي طالب ، والمرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، أما والله ما على وجه الأرض أحد نعلمه يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة . [ ص: 464 ]

قال ابن شيبة لا نعلم روى هذا إلا بشر الخصاف وهو رجل صالح . محمد بن أبي عبيدة بن معن المسعودي : عن أبيه ، عن الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال عبد الله : لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا . وقال ابن إسحاق : أسلم ابن مسعود بعد اثنين وعشرين نفسا ، وعن يزيد بن رومان قال : أسلم عبد الله قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم . أخبرنا أحمد بن سلامة وأحمد بن عبد السلام ، إجازة ، عن عبد المنعم بن كليب ، أنبأنا علي بن بيان ، أنبأنا محمد بن محمد ، أنبأنا إسماعيل بن محمد ( ح ) وقرأت على أحمد بن إسحاق ، وعبد الحافظ بن بدران ، أخبركما أبو البركات الحسن بن محمد ، أنبأنا محمد بن الخليل بن فارس ، في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ، وأنا في الخامسة ( ح ) وأنبأنا علي بن محمد ، وعمر بن عبد المنعم ، وعبد المنعم بن عساكر ، وأبو علي بن الجلال ، وابن مؤمن ، قالوا : أنبأنا محمد بن هبة الله القاضي ، أنبأنا حمزة بن علي الثعلبي ( ح ) وأنبأنا أبو جعفر محمد بن علي ، وأحمد بن عبد الرحمن قالا :

أنبأنا أبو القاسم بن صصرى ، [ ص: 465 ] أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي ، وأبو يعلى بن الحبوبي ( ح ) وأنبأنا إبراهيم بن أحمد الطائي ، ومحمد بن الحسن الأرموي ، والحسن بن علي الدمشقي ، وإسماعيل بن عبد الرحمن المرداوي ، وأحمد بن مؤمن ، وست الفخر بنت عبد الرحمن ، قالوا : أخبرتنا كريمة بنت عبد الوهاب القرشية ، أنبأنا أبو يعلى حمزة بن الحبوبي ، قالوا : أنبأنا علي بن محمد بن علي الفقيه ، أنبأنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي ، أنبأنا إبراهيم بن أبي ثابت قالا :

أنبأنا الحسن بن عرفة العبدي ( ح ) وأنبأنا عبد الرحمن بن محمد ، والمسلم بن محمد ، وعلي بن أحمد ، قالوا : أنبأنا حنبل ، أنبأنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد الشيباني ، حدثني أبي قالا : أنبأنا أبو بكر بن عياش ، حدثني عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود قال : كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فقال : يا غلام ، هل من لبن ؟ قلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة ، فمسح ضرعها ، فنزل لبن ، فحلب في إناء ، فشرب ، وسقى أبا بكر ، ثم قال للضرع : اقلص ، فقلص . زاد أحمد قال : ثم أتيته بعد هذا ، ثم اتفقا - فقلت : يا رسول الله ، علمني من هذا القول ، فمسح رأسي ، وقال : يرحمك الله إنك غليم معلم .

هذا حديث صحيح الإسناد ورواه أبو عوانة عن عاصم ابن بهدلة ، وفيه زيادة منها : فلقد أخذت من فيه - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة ما نازعني فيها بشر ، ورواه [ ص: 466 ] إبراهيم بن الحجاج السامي عن سلام أبي المنذر ، عن عاصم ، وفيه : قال : فأتيته بصخرة منقعرة ، فحلب فيها ، قال : فأسلمت وأتيته .








عرض في كتاب سير أعلام النبلاء


باب ذكر أمور لا تقوم الساعة حتى تكون ، منها ما قد وقع ، ومنها ما لم يقع بعد

باب ذكر أمور لا تقوم الساعة حتى تكون ، منها ما قد وقع ، ومنها ما لم يقع بعد 
  باب ذكر أمور لا تقوم الساعة حتى تكون ، منها ما قد وقع ، ومنها ما لم يقع بعد

قد تقدم من ذلك شيء كثير ، ولنذكر أشياء أخر من ذلك ، وإيراد شيء من أشراط الساعة ، وما يدل على اقترابها ، وبالله المستعان .

تقدم ما رواه البخاري عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان . ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، يكون بينهما مقتلة عظيمة ، دعواهما واحدة . ولا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، وتكثر الزلازل ، ويتقارب الزمان ، وتكثر الفتن ، ويكثر الهرج . ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله . ولا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : ليتني مكانك . ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ الأنعام : 158 ] ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال ، حتى يهم رب المال من يقبله منه " ، ورواه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة .

وتقدم الحديث عن أبي هريرة ، وبريدة ، وأبي بكرة ، رضي الله عنهم ، [ ص: 271 ] وغيرهم : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه ، ذلف الأنوف ، كأن وجوههم المجان المطرقة ، ينتعلون الشعر " الحديث . وهم بنو قنطوراء ، وهي جارية الخليل ، عليه الصلاة والسلام .

وفي " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل والزنى ، وتشرب الخمر ، ويقل الرجال ، ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد " .

وروى سفيان الثوري ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تذهب الأيام والليالي حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ، أو حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب ، فيقتتلون عليه ، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ، وينجو واحد " . وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل . وروى البخاري ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، وأخرج مسلم من حديث معمر ، كلاهما عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة " . طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية .

وفي " صحيح مسلم " ، من حديث الأسود بن العلاء ، عن أبي سلمة ، عن [ ص: 272 ] عائشة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يذهب الليل والنهار ، حتى تعبد اللات والعزى " فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [ التوبة : 33 ] أن ذلك تاما . فقال : " إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، فتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم " .

وفى جزء الأنصاري ، عن حميد ، عن أنس ، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أول أشراط الساعة؟ قال : " نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب " الحديث بتمامه . ورواه البخاري من حديث حميد ، عن أنس . وفي حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما بارزا للناس ، إذ أتاه أعرابي ، فسأله عن الإيمان ، فذكر الحديث إلى أن قال : يا رسول الله ، فمتى الساعة؟ فقال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، ولكن سأحدثك عن أشراطها؟ إذا ولدت الأمة ربتها ، فذاك من أشراطها ، وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس ، فذاك من أشراطها ، في خمس لا يعلمهن إلا الله " . ثم قرأ : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [ لقمان : 34 ] . ثم انصرف الرجل ، فقال : " ردوه علي " . فلم يروا شيئا ، فقال : " هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم " . أخرجاه في " الصحيحين " .

[ ص: 273 ] وعند مسلم عن عمر بن الخطاب نحو هذا بأبسط منه .

فقوله عليه السلام : " أن تلد الأمة ربتها " . يعني به أن الإماء يكن في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة ، تكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر ، ولذلك قرن ذلك بقوله : " وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان " . يعني بذلك أنهم يكونون رءوس الناس ، قد كثرت أموالهم ، وامتدت وجاهتهم ، فليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في البناء ، وهذا كما في الحديث المتقدم : " لا تقوم الساعة حتى يكون أحظى الناس بالدنيا لكع ابن لكع " . وفى الحديث الآخر : " لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة رذالها " وفي الحديث الآخر : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة . ومن فسر هذا بكثرة السراري لكثرة الفتوحات ، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كثيرا جدا ، وليس هذا بهذه الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها ، والله أعلم .

وقال البيهقي في كتاب " البعث والنشور " : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق ، قالا : حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ ، حدثنا [ ص: 274 ] عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، حدثنا سيف بن مسكين ، حدثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : قال عتي : خرجت في طلب العلم ، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، هل للساعة من علم تعرف به؟ فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : " إن من أشراط الساعة أن يكون الولد غيظا ، والمطر قيظا ، وتفيض الأشرار فيضا ، وتغيض الأخيار غيضا ويصدق الكاذب ، ويكذب الصادق ، ويؤتمن الخائن ، ويخون الأمين ، ويسود كل قبيلة منافقوها ، وكل سوق فجارها ، وتزخرف المحاريب ، وتخرب القلوب ، ويكتفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويخرب عمران الدنيا ، ويعمر خرابها ، وتظهر الفتنة وأكل الربا ، وتظهر المعازف والكبور وشرب الخمر ، وتكثر الشرط والغمازون والهمازون " . ثم قال البيهقي : هذا إسناد فيه ضعف ، إلا أن أكثر ألفاظه قد رويت بأسانيد أخر متفرقة .

قلت : قد تقدم في أول هذا الكتاب فصل فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان ، وفيه شواهد كثيرة لهذا الحديث . وفي " صحيح البخاري " من حديث عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : متى الساعة؟ فقال : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قال : يا رسول الله ، [ ص: 275 ] وكيف إضاعتها؟ فقال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن واصل ، عن أبي وائل ، عن عبد الله . قال : وأحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بين يدي الساعة أيام الهرج ، أيام يزول فيها العلم ، ويظهر فيها الجهل " . فقال أبو موسى : الهرج بلسان الحبش : القتل .

وروى الإمام أحمد ، عن أبي اليمان ، عن شعيب ، عن عبد الله بن أبي حسين ، عن شهر ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من أهله ، فيخبره نعله ، أو سوطه ، أو عصاه ، بما أحدث أهله بعده " .

وروى أيضا عن يزيد بن هارون ، عن القاسم بن الفضل الحداني ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ، ويكلم الرجل عذبة سوطه ، وشراك نعله ، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، هو ابن سلمة ، عن [ ص: 276 ] ثابت ، عن أنس ، قال : كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء ، ولا تنبت الأرض ، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل ، فينظر إليها فيقول : لقد كان لهذه مرة رجل . قال أحمد : ذكره حماد مرة هكذا ، وقد ذكره عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك فيه ، وقد قال أيضا : عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحسب . إسناده جيد ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك يرفع الحديث ، قال : " لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم ، ويظهر الجهل ، ويقل الرجال ، ويكثر النساء ، حتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد " تقدم له شاهد في " الصحيح " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فلما سلم قام على المنبر ، فذكر الساعة ، وذكر أن بين يديها أمورا عظاما . وذكر تمام الحديث .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم وأبو كامل ، قالا : حدثنا زهير ، [ ص: 277 ] حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان ، فتكون السنة كالشهر ، ويكون الشهر كالجمعة ، وتكون الجمعة كاليوم ، ويكون اليوم كالساعة ، وتكون الساعة كاحتراق السعفة " والسعفة : الخوصة ، زعم سهيل . وهذا الإسناد على شرط مسلم .

وقال أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا كامل ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن تذهب الدنيا حتى تصير للكع ابن لكع " . إسناد جيد قوي .

وقال أحمد : حدثنا يونس وسريج ، قالا : حدثنا فليح ، عن سعيد بن عبيد بن السباق ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قبل الساعة سنون خداعة ، يكذب فيها الصادق ، ويصدق فيها الكاذب ، ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن ، وينطق فيها الرويبضة " . قال سريج : وينظر فيها للرويبضة " . وهذا إسناد جيد ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .

[ ص: 278 ] وقال أحمد : حدثنا هوذة ، حدثنا عوف ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أشراط الساعة أن يرى رعاة الشاء رءوس الناس ، وأن يرى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء ، وأن تلد الأمة ربها أو ربتها " . وهذا إسناد حسن ، ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال أحمد : حدثنا عمار بن محمد ، عن الصلت بن قويد ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء " تفرد به أحمد ، ولا بأس بإسناده .

وقال أحمد : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، قال : سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم ، ويظهر الجهل ، ويكثر الهرج " قيل : وما الهرج؟ قال : " القتل " . تفرد به أحمد ، وهو على شرط مسلم .

وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض ، حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقة ماله ، ويقبض العلم ، ويقترب الزمان ، وتظهر [ ص: 279 ] الفتن ، ويكثر الهرج " . قالوا : الهرج أيما هو يا رسول الله؟ قال : " القتل ، القتل " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان ، دعواهما واحدة ، ويكون بينهما مقتلة عظيمة " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين ، كلهم يزعم أنه رسول الله " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ الأنعام : 158 ] " . وهذا ثابت في " الصحيح " .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا القاسم بن الحكم ، عن سليمان بن داود اليمامي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي بعثني بالحق لا تنقضي [ ص: 280 ] هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف ، والقذف ، والمسخ " . قالوا : ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال : " إذا رأيت النساء ركبن السروج ، وكثرت القينات ، وفشت شهادة الزور ، واستغنى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء " .

وروى الطبراني من حديث كثير بن مرة ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أشراط الساعة أن تعزب العقول ، وتنقص الأحلام " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا بشير بن سلمان ، وهو أبو إسماعيل ، عن سيار أبي الحكم ، عن طارق بن شهاب ، قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، فجاء رجل ، فقال : قد أقيمت الصلاة . فقام ، وقمنا معه ، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعا في مقدم المسجد ، فكبر وركع وركعنا ، ثم مشينا ، وصنعنا مثل الذي صنع ، فمر رجل يسرع ، فقال : عليك السلام يا أبا عبد الرحمن . فقال : صدق الله ورسوله . فلما صلينا ورجعنا دخل إلى أهله ، وجلسنا ، فقال بعضنا لبعض : أما سمعتم رده على الرجل ، صدق الله ورسوله أو قال وبلغت [ ص: 281 ] رسله؟ أيكم يسأله؟ فقال طارق : أنا أسأله . فسأله حين خرج ، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة ، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة ، وقطع الأرحام ، وشهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق ، وظهور القلم " .

ثم روى أحمد ، عن عبد الرزاق ، عن سفيان ، عن بشير ، عن سيار أبي حمزة . قال أحمد : وهذا هو الصواب ، وسيار أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئا .




التالي السابق



تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون

قوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .

هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .

أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .

أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .

وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة [ ص: 132 ] لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .

قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : [ ص: 133 ] يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .

ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .

قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في [ ص: 134 ] البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .

وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :


لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :


مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
[ ص: 135 ] قال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :


فقد عذرتنا في صحابته العذر ففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .

قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة

[ عرض الكتاب ]




ذكر الصواعق التي تكون عند اقتراب الساعة البداية والنهاية +ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة



ذكر الصواعق التي تكون عند اقتراب الساعة
البداية والنهاية
ذكر الصواعق التي تكون عند اقتراب الساعة

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا عمارة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول : من صعق قبلكم الغداة؟ فيقولون : صعق فلان ، وفلان " .

وقال الإمام أحمد : ثنا أبو المغيرة ثنا أرطأة - يعني ابن المنذر - سمعت ضمرة بن حبيب سمعت سلمة بن نفيل السكوني قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال قائل : يا رسول الله ، هل أتيت بطعام من السماء؟ قال : " نعم " . قال : وبماذا؟ قال : " بمسخنة " قال : فهل كان فيها فضل عنك [ ص: 269 ] قال : " نعم " . قال : فما فعل به؟ قال : " رفع ، وهو يوحى إلي أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلا بل تلبثون حتى تقولوا : متى؟ وستأتون أفنادا يفني بعضكم بعضا ، وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل .

وقال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا علي بن زيد ، عن خالد بن الحويرث ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآيات خرزات منظومات في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا " . انفرد به أحمد .
......................................

أبو نضرة ( م 4 )

المنذر بن مالك بن قطعة ، الإمام ، المحدث الثقة ، أبو نضرة العبدي [ ص: 530 ] ثم العوقي البصري ، والعوقة بطن من عبد القيس .

حدث عن علي ، وأبي هريرة ، وعمران بن حصين ، وابن عباس ، وابن عمر ، وجابر بن سمرة ، وأبي سعيد الخدري ، وجابر ، وابن الزبير ، وطائفة من الصحابة ، وأرسل عن أبي ذر .

وحدث - أيضا - عن صهيب مولى ابن عباس ، وسمير بن نهار ، وسعد بن الأطول ، وعبد الله بن مولة ، وقيس بن عباد ، وأبي فراس النهدي ، وعدة . وكان من كبار العلماء بالبصرة .

حدث عنه قتادة ، ويحيى بن كثير ، وسليمان التيمي ، وعاصم الأحول ، وأبو بشر ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وسعيد الجريري ، وحميد الطويل ، وداود بن أبي هند ، والصلت بن دينار ، وعبد العزيز بن صهيب ، وعوف الأعرابي ، وكهمس بن الحسن ، وأبو الأشهب العطاردي ، والمستمر بن الريان ، وأبو عقيل الدورقي ، والقاسم بن الفضل الحداني ، وابنه عبد الملك بن أبي نضرة ، والعوام بن حمزة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وسعيد بن حجير ، وعبد الله بن شوذب ، وخلق سواهم .

قال أحمد بن حنبل : ما علمت إلا خيرا .

وروى إسحاق الكوسج عن يحيى : ثقة . وقال أبو زرعة والنسائي : ثقة . وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث ، وليس كل أحد يحتج به . [ ص: 531 ] سالم بن نوح : أنبأنا الجريري ، عن أبي نضرة قال : خرج علينا طلحة بن عبيد الله في ثوبين ممصرين .

وقال ابن حبان في " الثقات " : كان ممن يخطئ ، وكان من فصحاء الناس . فلج في آخر عمره .

مات سنة ثمان ومائة ، أو سنة سبع وأوصى أن يصلي عليه الحسن ، فصلى عليه ، وذلك في إمارة عمر بن هبيرة على العراق .

قلت : استشهد به البخاري ولم يرو له . وقد أورده العقيلي وابن عدي في كتابيهما فما ذكرا له شيئا يدل على لين فيه . بلى قال ابن عدي : كان عريفا لقومه .

قلت : هو ممن اشتهر بالكنية ، وقع لي حديثه بعلو : أخبرنا محمد بن عبد السلام العصروني ، أنبأنا عبد المعز بن محمد البزاز ، أنبأنا تميم بن أبي سعيد ، أنبأنا أبو سعيد الكنجروذي ، أنبأنا أبو عمرو الحيري ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا شيبان ، حدثنا أبو الأشهب ، نبأنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : بينما نحن في سفر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل على راحلته ، فجعل يضرب يمينا وشمالا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من كان معه فضل ظهر ، فليعد به على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له " فذكر من أصناف المال ما ذكر ، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل .

وبه : حدثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم : " تقدموا فائتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله " [ ص: 532 ] أخرجهما مسلم من طريق أبي الأشهب .

عرض في كتاب سير أعلام النبلاء

================== 
  ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا إسحاق ، حدثنا خالد ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطرا لا تكن منه بيوت المدر ، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر " .  

..................................
البزار

الشيخ ، الإمام ، الحافظ الكبير أبو بكر ، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، البصري ، البزار ، صاحب المسند الكبير ، الذي تكلم على أسانيده . [ ص: 555 ] ولد سنة نيف عشرة ومائتين .

وسمع : هدبة بن خالد ، وعبد الأعلى بن حماد ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، ومحمد بن يحيى بن فياض الزماني ، ومحمد بن معمر القيسي ، وبشر بن معاذ العقدي ، وعيسى بن هارون القرشي ، وسعيد بن يحيى الأموي ، وعبد الله بن جعفر البرمكي . وعمرو بن علي الفلاس ، وزياد بن أيوب ، وأحمد بن المقدام العجلي ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري ، وبندار ، وابن مثنى ، وعبد الله بن الصباح ، وعبد الله بن شبيب ، ومحمد بن مرداس الأنصاري ، ومحمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني ، وخلقا كثيرا .

حدث عنه : ابن قانع ، وابن نجيع ، وأبو بكر الختلي ، وأبو القاسم الطبراني ، وأبو الشيخ ، وأحمد بن الحسن بن أيوب التميمي ، وعبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس ، وأحمد بن جعفر بن سلم الفرساني ، وعبد الله بن خالد بن رستم الراراني . وأحمد بن إبراهيم بن يوسف الضرير ، ومحمد بن أحمد بن الحسن الثقفي ، وأحمد بن جعفر بن معبد السمسار ، وعبد الرحمن بن محمد بن جعفر الكسائي ، وأبو بكر محمد بن الفضل بن الخصيب . وأبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن سياه ، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن عطاء القباب ، ومحمد بن أحمد بن يعقوب ، ومحمد بن عبد الله بن ممشاذ القارئ ، ومحمد بن عبد الله بن حيويه النيسابوري ، وخلق سواهم .


وقد أملى أبو سعيد النقاش مجلسا عن نحو من عشرين شيخا ، حدثوه [ ص: 556 ] عن أبي بكر البزار .

وقد ارتحل في الشيخوخة ناشرا لحديثه ، فحدث بأصبهان عن الكبار ، وببغداد ، ومصر ، ومكة ، والرملة .

وأدركه بالرملة أجله ، فمات في سنة اثنتين وتسعين ومائتين .

وقد ذكره أبو الحسن الدارقطني ، فقال : ثقة ، يخطئ ويتكل على حفظه .

وقال أبو أحمد الحاكم : يخطئ في الإسناد والمتن .

وقال الحاكم أبو عبد الله : سألت الدارقطني عن أبي بكر البزار ، فقال : يخطئ في الإسناد والمتن ، حدث بالمسند بمصر حفظا ، ينظر في كتب الناس ، ويحدث من حفظه ، ولم يكن معه كتب ، فأخطأ في أحاديث كثيرة .

جرحه النسائي .

وقال أبو سعيد بن يونس : حافظ للحديث . توفي بالرملة . ثم أرخ كما مر .

أخبرنا علي بن بقاء ، وعبد الدائم بن أحمد الوزان قالا : أخبرنا علي بن محمود ، سنة سبع وعشرين وست مائة أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد المصري ، أخبرنا محمد بن علي الحافظ إملاء ، سنة عشر وأربع مائة ، أخبرنا جدي أبو الحسن أحمد بن الحسن بن [ ص: 557 ] أيوب التميمي ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار . حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن الفضل الحراني ، حدثنا الوليد بن المهلب الحراني ، حدثنا النضر بن محرز ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن أنس بن مالك ، قال : خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ناقته العضباء ، وليست بالجدعاء ، فقال : يا أيها الناس ، كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن من نشيع من الموتى سفر عما قليل إلينا راجعون ، نبوئهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، كأنا مخلدون بعدهم ، قد نسيتم كل واعظة ، وأمنتم كل جائحة . طوبى لمن شغله عيبه عن عيب أخيه ، وتواضع لله في غير منقصة ، وأنفق من مال جمعه من غير معصية ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، وجانب أهل الشك والبدعة ، وحسنت سريرته ، وصلحت علانيته ، وأمن الناس شره .


هذا حديث واهي الإسناد ، فالنضر : قال أبو حاتم : مجهول . والوليد : لا يعرف ، ولا يصح لهذا المتن إسناد .

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة ، عن مسعود الجمال ، أخبرنا أبو علي المقرئ ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي الكوفي ، حدثنا أبو يحيى التيمي ، حدثنا سيف بن وهب ، عن أبي الطفيل ، قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أنا محمد ، وأنا أحمد وأبو القاسم ، والماحي ، والحاشر . 

ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة

ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة

قال الله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم إلى قوله : إنا منتقمون [ الدخان : 10 - 16 ] . وقد تكلمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه كفاية ومقنع ، وقد نقل البخاري عن ابن مسعود ، أنه فسر ذلك بما كان يحصل لقريش من شدة الجوع ، بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أحدهم يرى فيما بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع .

وهذا التفسير غريب جدا ، ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره ، وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ، ومعارضته بما ثبت في حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات " . فذكر فيهن الدخان ، وكذلك في حديث أبي هريرة : " بادروا بالأعمال ستا " . فذكر فيهن الدخان ، والحديثان في " صحيح مسلم " مرفوعان ، والمرفوع مقدم على كل موقوف ، وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى [ ص: 266 ] الناس ، وهذا أمر محقق عام ، وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع .

قال تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . أي : ظاهر بين واضح جلي ، ليس خيالا من شدة الجوع ، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . أي : ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء; يسألون كشف هذه الشدة عنهم ، فإنهم قد آمنوا ، وأيقنوا بما وعدوا به من الأمور الغيبية الكائنة ، بعد ذلك يوم القيامة ، وهذا دليل على أن هذا أمر يكون قبل يوم القيامة ، حيث يمكن رفعه ، ويمكن استدراك التوبة والإنابة . والله أعلم .

وقد روى البخاري ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : بينما رجل يحدث في كندة قال : يجيء دخان يوم القيامة ، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام . ففزعنا ، فأتينا ابن مسعود . قال : وكان متكئا . فغضب فجلس ، فقال : يا أيها الناس ، من علم شيئا فليقل ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم . فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم . فإن الله تعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . [ ص : 86 ] [ ص: 267 ] وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " . فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها ، وأكلوا الميتة والعظام ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاءه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ، جئت تأمر بصلة الرحم ، وقومك قد هلكوا ، فادع الله . فقرأ هذه الآية : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون إلى قوله : إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون [ الدخان : 16 ] . فذاك يوم بدر ، فسوف يكون لزاما [ الفرقان : 77 ] فذاك يوم بدر ، الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ الروم : 1 - 3 ] ، والروم قد مضى ، فقد مضت الأربع .

وقد أخرجه البخاري أيضا ، ومسلم من حديث الأعمش ، ومنصور به نحوه ، وفي رواية : فقد مضى القمر ، والدخان ، والروم ، واللزام . وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة بألفاظ متعددة . وقول هذا القاص : إن هذا [ ص: 268 ] الدخان يكون يوم القيامة . ليس بجيد ، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد ، بل قبل يوم القيامة يكون وجود هذا الدخان ، كما يكون وجود الآيات ، من الدابة والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، كما دلت عليه الأحاديث عن أبى سريحة وأبي هريرة ، وغيرهما من الصحابة ، وكما جاء مصرحا به فيها ، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل من تخلف منهم .




التالي السابق



تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم .



قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( ارتقب ) معناه انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين ، قاله قتادة . وقيل : معناه احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين ، ولذلك سمي الحافظ رقيبا . وفي الدخان أقوال ثلاثة : الأول : أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما يملأ ما بين السماء والأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ، ويضيق أنفاسهم ، وهو من آثار جهنم يوم القيامة . وممن قال إن الدخان لم يأت بعد : علي وابن عباس وابن عمرو وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي مليكة وغيرهم . وروى أبو سعيد الخدري مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة . وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه ، ذكره الماوردي . وفي صحيح مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر فقال : ما تذكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف ؛ خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم . في رواية عن حذيفة إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس . وخرجه الثعلبي أيضا عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أول الآيات خروجا الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر [ ص: 122 ] تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا .

قلت : يا نبي الله ، وما الدخان ؟ قال هذه الآية : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه شبه الزكام وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج الدخان من فمه ومنخره وعينيه وأذنه ودبره ) . فهذا قول . القول الثاني : أن الدخان هو ما أصاب قريشا من الجوع بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - . حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا ، قاله ابن مسعود . قال وقد كشفه الله عنهم ، ولو كان يوم القيامة لم يكشفه عنهم . والحديث عنه بهذا في صحيح البخاري ومسلم والترمذي . قال البخاري : حدثني يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله : إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسني يوسف ، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام ، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ، فأنزل الله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم قال : فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : يا رسول الله ، استسق الله لمضر فإنها قد هلكت . قال : ( لمضر ! إنك لجرئ ) فاستسقى فسقوا ، فنزلت إنكم عائدون . فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية ، فأنزل الله - عز وجل - : يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون قال : يعني يوم بدر . قال أبو عبيدة : والدخان الجدب . القتبي سمي دخانا ليبس الأرض منه حين يرتفع منها كالدخان . القول الثالث : إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ، قاله عبد الرحمن الأعرج ( يغشى الناس ) في موضع الصفة للدخان ، فإن كان قد مضى على ما قال ابن مسعود فهو خاص بالمشركين من أهل مكة ، وإن كان من أشراط الساعة فهو عام على ما تقدم . هذا عذاب أليم أي : يقول الله لهم : ( هذا عذاب أليم ) فمن قال : إن الدخان قد مضى فقوله : ( هذا عذاب أليم ) حكاية حال ماضية ، ومن جعله مستقبلا . فهو حكاية حال آتية . وقيل : ( هذا ) بمعنى ذلك . وقيل : أي : يقول الناس لذلك الدخان : ( هذا عذاب أليم ) وقيل : هو إخبار عن دنو الأمر ، كما تقول : هذا الشتاء فأعد له .

[ ص: 123 ] قوله تعالى :

الجامع لأحكام القرآن »
سورة الدخان »
قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين

حديث عن أبي أمامة + ذكر طلوع الشمس من مغربها

 حديث عن أبي أمامة 
 حديث عن أبي أمامة

قال الإمام أحمد : ثنا حجين بن المثنى ، ثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي سلمة - الماجشون ، عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف المزني ، لا أعلم إلا أنه حدثه عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يغمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير فيقال : ممن اشتريته؟ فيقول : من أحد المخطمين " وقال يونس - يعني ابن محمد - : " ثم يغمرون فيكم " ولم يشك . قال : في رفعه . تفرد به أحمد . 

...................................................

الماجشون ( ع )

عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، ميمون -وقيل : دينار- الإمام المفتي الكبير أبو عبد الله ، وأبو الأصبغ التيمي مولاهم المدني ، الفقيه ، والد المفتي عبد الملك بن الماجشون ، صاحب مالك ، وابن عم يوسف بن يعقوب الماجشون .

سكن مدة ببغداد ، وحدث عن : الزهري ، وابن المنكدر ، ووهب بن كيسان ، وهلال بن أبي ميمونة ، وعمه يعقوب بن أبي سلمة ، وسهيل بن أبي صالح ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وعبد الله بن الفضل الهاشمي ، وعبد الله بن دينار ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وسعد بن إبراهيم ، وعمرو بن يحيى بن عمارة ، وهشام بن عروة ، وعبيد الله بن عمر ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، وعمر بن حسين ، وعدة من علماء بلده ، ولم يكن بالمكثر من الحديث ، لكنه فقيه النفس ، فصيح ، كبير الشأن .

حدث عنه : إبراهيم بن طهمان ، وزهير بن معاوية ، والليث بن سعد ، [ ص: 310 ] ووكيع ، وابن مهدي ، وشبابة ، وابن وهب ، وأبو داود ، وأبو عامر العقدي ، ويحيى بن حسان ، وعمرو بن الهيثم أبو قطن ، وهاشم بن القاسم ، وحجين بن المثنى ، وأسد بن موسى ، وأحمد بن يونس ، وإسماعيل بن أبي أويس ، وحجاج بن منهال ، وبشر بن الوليد الكندي ، وسعدويه الواسطي ، وعبد الله بن صالح العجلي ، وعبد الله بن صالح الجهني الكاتب ، وعلي بن الجعد ، وغسان بن الربيع ، وأبو سلمة التبوذكي ، وأبو الوليد الطيالسي ، وخلق سواهم .

ونقل ابن أبي خيثمة أن أصله من أصبهان ، نزل المدينة ، فكان يلقى الناس ، فيقول : جوني ، جوني .

قال : وسئل أحمد بن حنبل : كيف لقب بالماجشون ؟ قال : تعلق من الفارسية بكلمة ، وكان إذا لقي الرجل يقول : شوني ، شوني ، فلقب : الماجشون . وقال إبراهيم الحربي : الماجشون فارسي ، وإنما سمي الماجشون ; لأن وجنتيه كانتا حمراوين ، فسمي بذلك ، وهو الخمر ، فعربه أهل المدينة . وقيل : أصل الكلمة : الماه كون فهو وولده يعرفون بذلك . وقال غيره : هذا اللقب عليه وعلى أهل بيته .

قال علي بن الحسين بن حيان : وجدت في كتاب جدي بخطه : قيل لأبي بكر : حدثنا ابن معين : عبد العزيز بن الماجشون هو مثل الليث وإبراهيم بن سعد ؟ قال : لا ، هو دونهما ، إنما كان رجلا يقول بالقدر والكلام ، ثم تركه وأقبل إلى السنة ، ولم يكن من شأنه الحديث ، فلما قدم بغداد ، كتبوا عنه فكان بعد يقول : جعلني أهل بغداد محدثا ، وكان صدوقا ثقة -يعني لم يكن من فرسان الحديث ، كما كان شعبة ومالك . [ ص: 311 ]

وروى أبو داود ، عن أبي الوليد ، قال : كان يصلح للوزارة . وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة : ثقة .

وروى أحمد بن سنان ، عن عبد الرحمن ، قال : قال بشر بن السري : لم يسمع ابن أبي ذئب ، ولا الماجشون من الزهري . قال ابن سنان : معناه عندي أنه عرض . أبو الطاهر بن السرح : عن ابن وهب ، قال : حججت سنة ثمان وأربعين ومائة ، وصائح يصيح : لا يفتي الناس إلا مالك ، وعبد العزيز بن أبي سلمة .

قال عمرو بن خالد الحراني : حج أبو جعفر المنصور ، فشيعه المهدي ، فلما أراد الوداع ، قال : يا بني استهدني . قال : أستهديك رجلا عاقلا . فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة .

قال محمد بن سعد : كان عبد العزيز ثقة ، كثير الحديث ، وأهل العراق أروى عنه من أهل المدينة ، قدم بغداد ، وأقام بها إلى أن توفي سنة أربع وستين ومائة وصلى عليه المهدي . وكذا أرخه جماعة . وأما ابن حبان فقال : مات سنة ست وستين ومائة قال : وكان فقيها ورعا متابعا لمذاهب أهل الحرمين ، مفرعا على أصولهم ، ذابا عنهم .

أخبرنا أحمد بن سلامة إجازة ، عن يحيى بن أسعد ، أنبأنا عبد القادر بن محمد ، أنبأنا أبو إسحاق البرمكي ، أنبأنا أبو بكر بن بخيت ، أنبأنا عمر بن محمد الجوهري ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن عبد العزيز بن الماجشون ، أنه سئل عما جحدت به الجهمية ؟ فقال : [ ص: 312 ] أما بعد . . . فقد فهمت ما سألت عنه ، فيما تتابعت الجهمية في صفة الرب العظيم ، الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلما تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق .

وإنما يقال : كيف ؟ لمن لم يكن مرة ، ثم كان ، أما من لا يحول ولم يزل ، وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو ، والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته ، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، لا يكاد يراه صغرا ، يحول ويزول ، ولا يرى له بصر ولا سمع ، فاعرف غناك عن تكليف صفة ما لم يصف الرب من نفسه ، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها .

فأما من جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكليفا ، فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران ، ولم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فقال : لا يرى يوم القيامة . . . وذكر فصلا طويلا في إقرار الصفات وإمرارها ، وترك التعرض لها .

وقيل : إنه نظر مرة في شيء من سلب الصفات لبعضهم ، فقال : هذا الكلام هدم بلا بناء ، وصفة بلا معنى . وذكر عبد الملك بن الماجشون الفقيه ، أن المهدي أجاز أباه بعشرة آلاف دينار . وقال أحمد بن كامل : له كتب مصنفة ، رواها عنه ابن وهب . 
=======
ذكر طلوع الشمس من مغربها
  ذكر طلوع الشمس من مغربها

قال الله تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا . الآية [ الأنعام : 158 ] . قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يأتي بعض آيت ربك لا ينفع نفسا إيمانها .

[ ص: 256 ] قال : " طلوع الشمس من مغربها " . ورواه الترمذي ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، به . وقال : غريب ، وقد رواه بعضهم ولم يرفعه .

وقال البخاري - عند تفسير هذه الآية : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عمارة ، حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل " . وقد أخرجه بقية الجماعة - إلا الترمذي - من طرق ، عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله .

ثم قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها " . ثم قرأ هذه الآية . وكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني به ، وانفرد مسلم بإخراجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .

وقال أحمد : حدثنا وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي حازم سلمان ، [ ص: 257 ] عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا; طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض " . ورواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، عن وكيع به ، ورواه مسلم أيضا ، والترمذي ، وابن جرير من غير وجه ، عن فضيل بن غزوان ، به ، نحوه .

وقد ورد هذا الحديث من طرق عن أبي هريرة ، وعن جماعة من الصحابة أيضا ، فعن أبي سريحة حذيفة بن أسيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات; طلوع الشمس من مغربها . . . . " . وذكر الحديث رواه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، كما تقدم غير مرة .

ولمسلم من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ومن حديث قتادة ، عن الحسن ، عن زياد بن رباح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال ستا " . فذكر منهن طلوع الشمس من مغربها ، كما تقدم .

وثبت في " الصحيحين " من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدري أين تذهب هذه الشمس إذا غربت " ؟ قلت : لا أدري . قال : " إنها تنتهي فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ، فيوشك أن يقال لها : ارجعي من حيث جئت . وذلك حين لا ينفع [ ص: 258 ] نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، قال : جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة ، فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات : إن أولها خروج الدجال . قال : فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو ، فحدثوه بالذي سمع من مروان في الآيات ، فقال عبد الله : لم يقل مروان شيئا ، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ضحى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها ، قريبا " . ثم قال عبد الله ، وكان يقرأ الكتب : وأظن أولاهما خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع ، فأذن لها في الرجوع ، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل; أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع ، فلم يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع ، فلا يرد عليها شيء ، ثم تستأذن في الرجوع ، فلا يرد عليها شيء ، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب ، وعرفت أنه إن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق ، قالت : رب ، ما أبعد المشرق ، من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه [ ص: 259 ] طوق ، استأذنت في الرجوع ، فيقال لها : ارجعي من مكانك فاطلعي . فطلعت على الناس من مغربها ، ثم تلا عبد الله هذه الآية : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا [ الأنعام : 158 ] .

وقد رواه مسلم في " صحيحه " ، وأبو داود ، وابن ماجه ، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد . . . وذكره كما تقدم . وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا التي ليست مألوفة ، بل هي مخالفة للعادات ، وقد ظن عبد الله بن عمرو أن طلوع الشمس من مغربها متقدم على خروج الدابة ، وذلك محتمل ومناسب ، فالله أعلم .

وقد ورد في ذلك حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في " معجمه " ، فقال : حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي ، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، حدثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدا ينادي ويجهر : إلهي ، مرني أن أسجد لمن شئت " . قال : " فتجتمع إليه زبانيته ، فيقولون : يا سيدهم ، ما هذا التضرع؟ [ ص: 260 ] فيقول : إنما سألت ربي أن ينظرني إلى الوقت المعلوم ، وهذا الوقت المعلوم . قال : " ثم تخرج دابة الأرض من صدع في الصفا " . قال : " فأول خطوة تضعها بأنطاكية ، فتأتي إبليس فتلطمه " . وهذا حديث غريب جدا ، ورفعه فيه نكارة ، لعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب ، فكان يحدث منهما أشياء غرائب .

وقد تقدم في خبر ابن مسعود الذي رواه نعيم بن حماد في " الفتن " ، أن الدابة تقتل إبليس . وهذا من أغرب الأخبار ، والله أعلم .

وفي حديث طالوت بن عباد ، عن فضال بن جبير ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها " .

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في " تفسيره " : حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة ، حدثنا ضرار بن صرد ، حدثنا ابن فضيل ، عن سليمان بن يزيد ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، قال : سمعت رسول [ ص: 261 ] الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه ، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون ، يقوم أحدهم ، فيقرأ حزبه ، ثم ينام ، ثم يقوم ، فيقرأ حزبه ، ثم ينام ، فبينما هم كذلك صاح الناس بعضهم في بعض ، فقالوا : ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد ، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها ، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت فطلعت من مطلعها " . قال : " فحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها " .

ثم ساق ابن مردويه من طريق سفيان الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال : " تطول تلك الليلة حتى تكون قدر ليلتين ، فينتبه الذين كانوا يصلون فيها ، فيعملون كما كانوا يعملون قبلها ، والنجوم لا ترى; قد باتت مكانها ، ثم يرقدون ، ثم يقومون ، فيصلون ، ثم يرقدون ، ثم يقومون ، فتكل عليهم جنوبهم حين يتطاول الليل ، فيفزع الناس ولا يصبحون ، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها ، فإذا رآها الناس آمنوا ، ولا ينفعهم إيمانهم " .

[ ص: 262 ] وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في " البعث والنشور " : أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي ، أخبرنا أبو نصير محمد بن حمدويه بن سهل المروزي ، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي ، حدثنا محمد بن عمران ، حدثني أبي ، حدثني ابن أبي ليلى ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن سعد بن إياس ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال ذات يوم لجلسائه : أرأيتم قول الله ، عز وجل : تغرب في عين حمئة ؟ [ الكهف : 86 ] ماذا يعني بها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته ، ثم كانت تحت العرش ، فإذا حضر طلوعها ، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته ، فيؤذن لها ، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه ، سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته ، فيقال لها : اثبتي . فإذا حضر طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال : اثبتي . فتحبس مقدار ليلتين . قال : ويفزع المتهجدون ، وينادي الرجل تلك الليلة جاره : يا فلان ، ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت وصليت حتى أعييت . ثم يقال لها : اطلعي من حيث غربت . فذلك يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية [ الأنعام : 158 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، يرده إلى مالك بن يخامر ، عن ابن [ ص: 263 ] السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " . فقال معاوية ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن عمرو بن العاص : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الهجرة خصلتان; إحداهما أن تهجر السيئات ، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله ، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب ، فإذا طلعت ، طبع على كل قلب بما فيه ، وكفي الناس العمل " . وهذا إسناد جيد قوي ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب .

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والترمذي - وصححه - والنسائي ، وابن ماجه ، من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن صفوان بن عسال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله فتح بابا قبل المغرب عرضه سبعون - أو قال : أربعون - عاما للتوبة ، لا يغلق حتى تطلع الشمس منه " .

فهذه الأحاديث المتواترة ، مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانا ، أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل منه ، وإنما كان كذلك ، والله أعلم; لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها ، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة ، كما قال تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [ الأنعام : 158 ] .

[ ص: 264 ] وقال تعالى : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون [ غافر : 84 ، 85 ] .

وقال تعالى : فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم [ محمد : 18 ] .

وقد حكى البيهقي ، عن الحاكم أنه قال : أول الآيات ظهورا خروج الدجال ، ثم نزول عيسى ابن مريم ، ثم فتح يأجوج ومأجوج ، ثم خروج الدابة ، ثم طلوع الشمس من مغربها ، قال : لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها ، فلو كان نزول عيسى بعدها ، لم يلق كافرا .

وهذا الذي قاله فيه نظر; لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفعهم ، فإنه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، فمن أحدث إيمانا أو توبة يومئذ لم تقبل منه ، إلا أن يكون مؤمنا أو تائبا قبل ذلك ، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [ النساء : 159 ] . أي قبل موت عيسى ، وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيمانا ضروريا ، بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله ، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والبنوة ، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله ، لا ولد زانية ، كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك ، عليهم [ ص: 265 ] لعائن الله وغضبه المتدارك .




التالي السابق



تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص









قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون

قوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .

هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .

أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .

أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .

وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة [ ص: 132 ] لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .

قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : [ ص: 133 ] يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .

ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .

قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في [ ص: 134 ] البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .

وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :


لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :


مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسم
[ ص: 135 ] قال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :


فقد عذرتنا في صحابته العذر ففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .

قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة الأنعام »
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة

[ عرض الكتاب ]







=========



=======================================

خروج الدابة البداية والنهاية

خروج الدابة  البداية والنهاية 
.خروج الدابة

قال الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة ، في كتابنا " التفسير " ، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية ، ولو كتبت مجموعها هاهنا كان حسنا كافيا .

قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : تكلمهم ، أي تخاطبهم مخاطبة . ورجح ابن جرير : تخاطبهم فتقول لهم : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وحكاه عن علي ، وعطاء ، وفي هذا نظر . وعن ابن عباس : تكلمهم : تجرحهم . يعني تكتب على جبين الكافر : " كافر " وعلى جبين المؤمن : " مؤمن " . وعنه : تخاطبهم وتجرحهم . وهذا القول ينتظم المذهبين ، وهو قوى حسن جامع لهما ، والله أعلم .

وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، والدابة ، وخروج يأجوج [ ص: 248 ] ومأجوج ، وخروج عيسى ابن مريم ، والدجال ، وثلاثة خسوف : خسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس - أو تحشر الناس - تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا " .

ولمسلم من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، أو الدخان ، أو الدجال ، أو الدابة ، أو خاصة أحدكم ، أو أمر العامة " .

وله أيضا عن أبي هريرة : " بادروا بالأعمال ستا : الدجال ، والدخان ، ودابة الأرض ، وطلوع الشمس من مغربها ، وأمر العامة ، وخويصة أحدكم " .

وروى ابن ماجه ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال ستا : طلوع الشمس من مغربها ، والدخان ، ودابة الأرض ، والدجال ، وخويصة أحدكم ، وأمر العامة " . تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه .

وقال أبو داود الطيالسي : عن طلحة بن عمرو ، وجرير بن حازم; فأما [ ص: 249 ] طلحة فقال : أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير ، أن أبا الطفيل حدثه عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي سريحة ، وأما جرير فقال : عن عبد الله بن عبيد ، عن رجل من آل عبد الله بن مسعود . وحديث طلحة أتم وأحسن ، قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة ، فقال : لها ثلاث خرجات في الدهر ، فتخرج خرجة من أقصى البادية ، ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمانا طويلا ، ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك ، فيعلو ذكرها في أهل البادية ، ويدخل ذكرها القرية " . يعني مكة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها; المسجد الحرام ، لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام ، تنفض عن رأسها التراب ، فارفض الناس عنها شتى ومعا ، وثبتت عصابة من المؤمنين ، وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله ، فبدأت بهم ، فجلت وجوههم حتى جعلتها كالكوكب الدري ، وولت في الأرض ، لا يدركها طالب ، ولا ينجو منها هارب ، حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه ، فتقول : يا فلان ، الآن تصلي؟! فيقبل عليها ، فتسمه في وجهه ، ثم تنطلق ، ويشترك الناس في الأموال ، ويصطحبون في الأمصار ، يعرف المؤمن من الكافر ، حتى إن المؤمن ليقول : يا كافر ، اقضني حقي . وحتى إن الكافر ليقول : يا مؤمن ، اقضني حقي " . هكذا رواه مرفوعا من هذا الوجه بهذا السياق ، وفيه [ ص: 250 ] غرابة . ورواه ابن جرير من طريقين ، عن حذيفة بن أسيد موقوفا ، ورواه أيضا عن حذيفة بن اليمان مرفوعا ، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم وهو يطوف بالبيت ، ولكن في إسناده نظر ، فالله أعلم .

وقد قال ابن ماجه : حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ، حدثنا أبو تميلة حدثنا خالد بن عبيد ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة ، فإذا أرض يابسة حولها رمل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الدابة من هذا الموضع " . فإذا فتر في شبر . قال ابن بريدة : فحججت بعد ذلك بسنين ، فأرانا عصا له ، فإذا هو بعصاي هذه ، هكذا وهكذا . يعني أنه كلما له يتسع حتى يكون وقت خروجها ، والله أعلم .

وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة ، أن ابن عباس ، قال : هي دابة ذات زغب ، لها أربع قوائم ، تخرج من بعض أودية تهامة . ورواه سعيد بن منصور ، عن عثمان بن مطر ، عن قتادة ، عن ابن عباس ، بنحوه " .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، قال : قال عبد الله : تخرج الدابة من صدع من الصفا ، [ ص: 251 ] كجري الفرس ثلاثة أيام ، لا يخرج ثلثها .

وعن عبد الله بن عمرو ، أنه قال " تخرج الدابة من تحت صخرة بشعب أجياد ، فتستقبل المشرق ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل الشام ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل المغرب ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تستقبل اليمن ، فتصرخ صرخة تنفذه ، ثم تروح من مكة ، فتصبح بعسفان . قيل له : ثم ماذا؟ قال : ثم لا أعلم . وعنه أنه قال : تخرج الدابة ليلة جمع . وعن وهب بن منبه ، أنه حكى عن عزير النبي ، أنه قال : تخرج الدابة من تحت سدوم . يعني مدينة قوم لوط ، فهذه أقوال متعارضة ، فالله أعلم .

وعن أبي الطفيل ، أنه قال : تخرج الدابة من الصفا أو المروة . رواه البيهقي ، ثم ساق من حديث يحيى بن معين : حدثنا هشام بن يوسف ، حدثنا رباح بن عبيد الله بن عمر ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول [ ص: 252 ] الله صلى الله عليه وسلم : " بئس الشعب شعب جياد " . مرتين ، أو ثلاثا ، قالوا : ولم ذاك يا رسول الله؟ قال : " تخرج منه الدابة ، فتصرخ ثلاث صرخات ، فيسمعها من بين الخافقين " .

ثم روى من حديث فرقد بن الحجاج : سمعت عقبة بن أبي الحسناء : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض من جياد ، فيبلغ صدرها الركن ، ولم يخرج ذنبها بعد " . قال : " وهي دابة ذات وبر وقوائم " .

وقد روى الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وبهز بن أسد ، وعفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فتخطم أنف الكافر بالخاتم ، وتجلو وجه المؤمن بالعصا ، حتى إن أهل الخوان الواحد ليجتمعون ، فيقول هذا : يا مؤمن . ويقول هذا : يا كافر " . ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد بن سلمة ، به ، ورواه أبو داود الطيالسي ، عن حماد بن سلمة ، فذكره مثله ، إلا أنه قال : " فتخطم أنف الكافر بالعصا ، [ ص: 253 ] وتجلو وجه المؤمن بالخاتم " . وهذا أنسب ، والله أعلم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثني معاوية بن صالح ، عن أبي مريم ، أنه سمع أبا هريرة يقول : إن الدابة فيها من كل لون ، ما بين قرنيها فرسخ للراكب . وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال : إنها دابة لها ريش وزغب وحافر ، وما لها ذنب ، ولها لحية ، وإنها لتخرج حضر الفرس الجواد ثلاثا ، وما خرج ثلثاها . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن جريج عن أبي الزبير ، أنه وصف الدابة ، فقال : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن إيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير ، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا ، يخرج معها عصا موسى ، وخاتم سليمان ، فلا يبقى مؤمن إلا نكتت في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء ، فتفشو تلك النكتة حتى يبيض لها وجهه ، ولا يبقى كافر إلا نكتت في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان ، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق : بكم ذا يا مؤمن؟ بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم ، فيعرفون مؤمنهم من كافرهم ، ثم تقول [ ص: 254 ] لهم الدابة : يا فلان ، أبشر ، أنت من أهل الجنة . و : يا فلان ، أنت من أهل النار . فذلك قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون [ النمل : 82 ] . وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود أن الدابة تقتل إبليس الرجيم ، وذلك فيما رواه نعيم بن حماد في كتاب " الفتن والملاحم " ، تصنيفه ، والله أعلم بصحته .

وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن بشر ، عن أبي حيان ، عن أبي زرعة ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها ، فالأخرى على إثرها قريبا " . أي أول الآيات التي ليست مألوفة ، وإن كان الدجال ، ونزول عيسى ، عليه السلام ، من السماء قبل ذلك ، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج ، فكل ذلك أمور مألوفة ، لأنهم بشر ، مشاهدتهم وأمثالهم معروفة مألوفة ، فأما خروج الدابة على شكل غير مألوف ، ومخاطبتها الناس ، ووسمها إياهم بالإيمان والكفر ، فأمر خارج عن مجاري العادات ، وذلك أول الآيات الأرضية ، كما أن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات السماوية فإنها تطلع على خلاف عادتها المألوفة . والله سبحانه أعلم .
...............................

قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون .

قوله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم : اختلف في معنى وقع القول وفي ( الدابة ) فقيل : معنى وقع القول عليهم وجب الغضب عليهم ; قاله قتادة . وقال مجاهد : أي حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون . وقال ابن عمر وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما : إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم . وقال عبد الله بن مسعود : ( وقع القول ) يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن . قال عبد الله : أكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع ، قالوا : هذه المصاحف ترفع ، فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : يسرى عليه ليلا فيصبحون منه قفرا ، وينسون لا إله إلا الله ، ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم ، وذلك حين يقع القول عليهم .

قلت : أسنده أبو بكر البزار قال : حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي قال : حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن موسى بن عبيدة عن صفوان بن سليم عن ابن لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه أنه قال : أكثروا من زيارة هذا البيت من قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه ; وأكثروا تلاوة القرآن من قبل أن يرفع ; قالوا : يا أبا عبد الرحمن هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال ؟ قال : فيصبحون فيقولون كنا نتكلم بكلام ونقول قولا . فيرجعون إلى شعر الجاهلية وأحاديث الجاهلية ، وذلك حين يقع القول عليهم . وقيل : القول هو قوله تعالى : ولكن حق القول مني لأملأن جهنم فوقوع القول وجوب العقاب على هؤلاء ،

[ ص: 217 ] فإذا صاروا إلى حد لا تقبل توبتهم ولا يولد لهم ولد مؤمن فحينئذ تقوم القيامة ; ذكره القشيري . وقول سادس : قالت حفصة بنت سيرين سألت أبا العالية عن قول الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم فقال : أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وكأنما كان على وجهي غطاء فكشف . قال النحاس : وهذا من حسن الجواب ; لأن الناس ممتحنون ومؤخرون لأن فيهم مؤمنين وصالحين ، ومن قد علم الله عز وجل أنه سيؤمن ويتوب ; فلهذا أمهلوا وأمرنا بأخذ الجزية ، فإذا زال هذا وجب القول عليهم ، فصاروا كقوم نوح حين قال الله تعالى : إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن .

قلت : وجميع الأقوال عند التأمل ترجع إلى معنى واحد . والدليل عليه آخر الآية إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقرئ : ( أن ) بفتح الهمزة وسيأتي . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض وقد مضى . واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب ( التذكرة ) ونذكره هنا إن شاء الله تعالى مستوفى . فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح وهو أصحها - والله أعلم - لما ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال : لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية - يعني مكة - ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية . يعني مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى ومعا وتثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول : يا فلان الآن تصلي ؟ فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ويصطلحون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول : يا كافر اقض حقي . وموضع الدليل من هذا الحديث أنه الفصيل قوله : وهي ترغو . والرغاء [ ص: 218 ] إنما هو للإبل ; وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب فانفتح له حجر فدخل في جوفه ثم انطبق عليه ، فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل . وروي أنها دابة مزغبة شعراء ، ذات قوائم طولها ستون ذراعا ، ويقال إنها الجساسة ; وهو قول عبد الله بن عمر وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين ; وهي في السحاب وقوائمها في الأرض . وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان . وذكر الماوردي والثعلبي : رأسها رأس ثور ، وعينها عين خنزير ، وأذنها أذن فيل ، وقرنها قرن أيل ، وعنقها عنق نعامة ، وصدرها صدر أسد ، ولونها لون نمر ، وخاصرتها خاصرة هر ، وذنبها ذنب كبش ، وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعا - الزمخشري : بذراع آدم عليه السلام - ويخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان ، فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء فيبيض وجهه ، وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان عليه السلام فيسود وجهه ; قاله ابن الزبير رضي الله عنهما . وفي كتاب النقاش عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن الدابة الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة . وحكى الماوردي عن محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن الدابة فقال : أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية . قال الماوردي : وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح به .

قلت : ولهذا - والله أعلم - قال بعض المتأخرين من المفسرين : إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا ، فيهلك من هلك عن بينة : ويحيا من حيي عن بينة . قال شيخنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في كتاب ( المفهم ) له : وإن ما كان عند هذا القائل الأقرب لقوله تعالى : ( تكلمهم ) وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة ، ولا يكون من العشر الآيات المذكورة في الحديث ; لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير ، فلا آية خاصة بها فلا ينبغي أن تذكر مع العشر ، [ ص: 219 ] وترتقع خصوصية وجودها إذا وقع القول ، ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة ; وهذا خروج عن عادة الفصحاء ، وعن تعظيم العلماء ، وليس ذلك دأب العقلاء ; فالأولى ما قاله أهل التفسير ، والله أعلم بحقائق الأمور .

قلت : قد رفع الإشكال في هذه الدابة ما ذكرناه من حديث حذيفة فليعتمد عليه ، واختلف من أي موضع تخرج ، فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة ; يتصدع فتخرج منه . قال عبد الله بن عمرو نحوه وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت وروي في خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الأرض تنشق عن الدابة وعيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون من ناحية المسعى وإنها تخرج من الصفا فتسم بين عيني المؤمن هو مؤمن سمة كأنها كوكب دري وتسم بين عيني الكافر نكتة سوداء : كافر وذكر في الخبر أنها ذات وبر وريش ; ذكره المهدوي . وعن ابن عباس أنها تخرج من شعب فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض لم تخرجا ، وتخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام . وعن حذيفة : تخرج ثلاث خرجات ; خرجة في بعض البوادي ثم تكمن ، وخرجة في القرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء ، وخرجة من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها وأفضلها الزمخشري : تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد ; فقوم يهربون ، وقوم يقفون نظارة . وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة . وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام . وقيل : من أرض الطائف ; قال أبو قبيل : ضرب عبد الله بن عمرو أرض الطائف برجله وقال : من هنا تخرج الدابة التي تكلم الناس وقيل : من بعض أودية تهامة ; قاله ابن عباس وقيل : من صخرة من شعب أجياد ; قاله عبد الله بن عمرو . وقيل : من بحر سدوم ; قاله وهب بن منبه . ذكر هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة الماوردي في كتابه . وذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا علي بن الجعد عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأغر - وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة - عن [ ص: 220 ] عطية العوفي عن ابن عمر قال : تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها .

قلت : فهذه أقوال الصحابة والتابعين في خروج الدابة وصفتها ، وهي ترد قول من قال من المفسرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر وقد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ذكره الماوردي . تكلمهم بضم التاء وشد اللام المكسورة - من الكلام - قراءة العامة ; يدل عليه قراءة أبي ( تنبئهم ) . وقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام . وقيل : تكلمهم بما يسوءهم . وقيل : تكلمهم بلسان ذلق فتقول بصوت يسمعه من قرب وبعد ( إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) أي بخروجي ; لأن خروجها من الآيات . وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين . وقرأ أبو زرعة وابن عباس والحسن وأبو رجاء : ( تكلمهم ) بفتح التاء من ( الكلم ) وهو الجرح قال عكرمة : أي تسمهم . وقال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس عن هذه الآية تكلمهم أو ( تكلمهم ) ؟ فقال : هي والله ( تكلمهم ) و ( تكلمهم ) تكلم المؤمن وتكلم الكافر والفاجر أي تجرحه . وقال أبو حاتم : ( تكلمهم ) كما تقول : تجرحهم ; يذهب إلى أنه تكثير من ( تكلمهم ) . أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق ويحيى : ( أن ) بالفتح . وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة : ( إن ) بكسر الهمزة . قال النحاس : في المفتوحة قولان وكذا المكسورة ; قال الأخفش : المعنى ( بأن ) وكذا قرأ ابن مسعود ( بأن ) وقال أبو عبيدة : موضعها نصب بوقوع الفعل عليها ; أي تخبرهم أن الناس . وقرأ الكسائي والفراء : ( إن الناس ) بالكسر على الاستئناف وقال الأخفش : هي بمعنى : تقول : إن الناس ; يعني الكفار بآياتنا لا يوقنون يعني بالقرآن وبمحمد صلي الله عليه وسلم ، وذلك حين لا يقبل الله من كافر إيمانا ولم يبق إلا مؤمنون وكافرون في علم الله قبل خروجها ; والله أعلم .

قوله تعالى : ويوم نحشر من كل أمة فوجا أي زمرة وجماعة . ممن يكذب بآياتنا يعني بالقرآن وبأعلامنا الدالة على الحق . فهم يوزعون أي يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب . قال الشماخ :

[ ص: 221 ]


وكم وزعنا من خميس جحفل وكم حبونا من رئيس مسحل وقال قتادة : يوزعون أي يرد أولهم على آخرهم . حتى إذا جاءوا قال أي قال لهم الله أكذبتم بآياتي التي أنزلتها على رسلي ، وبالآيات التي أقمتها دلالة على توحيدي . ولم تحيطوا بها علما أي ببطلانها حتى تعرضوا عنها ، بل كذبتم جاهلين غير مستدلين . أم ماذا كنتم تعملون تقريع وتوبيخ أي ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا ما فيها . ووقع القول عليهم بما ظلموا أي وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم . فهم لا ينطقون أي ليس لهم عذر ولا حجة . وقيل : يختم على أفواههم فلا ينطقون ; قاله أكثر المفسرين .

قوله تعالى : ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه أي يستقرون فينامون . والنهار مبصرا أي يبصر فيه لسعي الرزق . إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون بالله . ذكر الدلالة على إلهيته وقدرته ، أي : ألم يعلموا كمال قدرتنا فيؤمنوا .



الجامع لأحكام القرآن »
سورة النمل »
قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم 

ما هي علاقة الأقراء بعدة الطلاق وما هي هذه العدد وعلاقة ذلك بابن عمر

  باب ما جاء في الأقراء وعدة الطلاق وطلاق الحائض     حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول ...