وهذا التفسير غريب جدا ، ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره ، وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ، ومعارضته بما ثبت في حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيد : " لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات " . فذكر فيهن الدخان ، وكذلك في حديث أبي هريرة : " بادروا بالأعمال ستا " . فذكر فيهن الدخان ، والحديثان في " صحيح مسلم " مرفوعان ، والمرفوع مقدم على كل موقوف ، وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى [ ص: 266 ] الناس ، وهذا أمر محقق عام ، وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع .
وقد روى البخاري ، عن محمد بن كثير ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ومنصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : بينما رجل يحدث في كندة قال : يجيء دخان يوم القيامة ، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام . ففزعنا ، فأتينا ابن مسعود . قال : وكان متكئا . فغضب فجلس ، فقال : يا أيها الناس ، من علم شيئا فليقل ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم . فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم . فإن الله تعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين . [ ص : 86 ] [ ص: 267 ] وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام ، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " . فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها ، وأكلوا الميتة والعظام ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاءه أبو سفيان ، فقال : يا محمد ، جئت تأمر بصلة الرحم ، وقومك قد هلكوا ، فادع الله . فقرأ هذه الآية : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون إلى قوله : إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون [ الدخان : 16 ] . فذاك يوم بدر ، فسوف يكون لزاما [ الفرقان : 77 ] فذاك يوم بدر ، الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون [ الروم : 1 - 3 ] ، والروم قد مضى ، فقد مضت الأربع .
وقد أخرجه البخاري أيضا ، ومسلم من حديث الأعمش ، ومنصور به نحوه ، وفي رواية : فقد مضى القمر ، والدخان ، والروم ، واللزام . وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة بألفاظ متعددة . وقول هذا القاص : إن هذا [ ص: 268 ] الدخان يكون يوم القيامة . ليس بجيد ، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد ، بل قبل يوم القيامة يكون وجود هذا الدخان ، كما يكون وجود الآيات ، من الدابة والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، كما دلت عليه الأحاديث عن أبى سريحة وأبي هريرة ، وغيرهما من الصحابة ، وكما جاء مصرحا به فيها ، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قعر عدن ، تسوق الناس إلى المحشر ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل من تخلف منهم .
التالي السابق
تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم .
قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( ارتقب ) معناه انتظر يا محمد بهؤلاء الكفار يوم تأتي السماء بدخان مبين ، قاله قتادة . وقيل : معناه احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين ، ولذلك سمي الحافظ رقيبا . وفي الدخان أقوال ثلاثة : الأول : أنه من أشراط الساعة لم يجئ بعد ، وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما يملأ ما بين السماء والأرض ، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم ، ويضيق أنفاسهم ، وهو من آثار جهنم يوم القيامة . وممن قال إن الدخان لم يأت بعد : علي وابن عباس وابن عمرو وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي مليكة وغيرهم . وروى أبو سعيد الخدري مرفوعا أنه دخان يهيج بالناس يوم القيامة ، يأخذ المؤمن منه كالزكمة . وينفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع منه ، ذكره الماوردي . وفي صحيح مسلم عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : اطلع النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا ونحن نتذاكر فقال : ما تذكرون ؟ قالوا : نذكر الساعة ، قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات - فذكر - الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف ؛ خسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم . في رواية عن حذيفة إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس . وخرجه الثعلبي أيضا عن حذيفة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أول الآيات خروجا الدجال ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر [ ص: 122 ] تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتصبح معهم إذا أصبحوا وتمسي معهم إذا أمسوا .
[ ص: 123 ] قوله تعالى :
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الدخان »
قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق