وروى أحمد ، عن عفان ، عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة ; فقال : " نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب " . الحديث بطوله ، وهو في " الصحيح " .
وروى الإمام أحمد ، عن حسن ، وعفان ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف; صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم " . قالوا : يا رسول الله ، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال : " إن [ ص: 329 ] الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم ، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنها ستكون هجرة بعد هجرة ، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها ، تلفظهم أرضوهم ، وتقذرهم نفس الرحمن عز وجل ، تحشرهم النار مع القردة والخنازير ، تبيت معهم إذا باتوا ، وتقيل معهم إذا قالوا ، وتأكل من تخلف " . وروى الطبراني من حديث المهلب بن أبي صفرة ، عن عبد الله بن عمرو ، بنحوه .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه " البعث والنشور " : أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ببغداد ، حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا زيد بن [ ص: 330 ] الحباب ، أخبرني الوليد بن جميع القرشي ( ح ) .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا سعيد بن مسعود ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأ الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري : سمعت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه ، وتلا هذه الآية : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما [ الإسراء : 97 ] . فقال أبو ذر : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج ، فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم . قلنا : قد عرفنا هذين ، فما بال الذين يمشون ويسعون؟ قال : " يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر ، حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب " . لفظ الحاكم .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، ولم يذكر تلاوة أبي ذر للآية ، وزاد في آخره : " فلا يقدر عليها " .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث بهز وغيره ، عن أبيه حكيم بن معاوية ، عن جده معاوية بن حيدة القشيري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ ص: 331 ] " تحشرون ههنا - وأومأ بيده إلى نحو الشام - مشاة ، وركبانا ، وتجرون على وجوهكم ، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام ، فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه " . وقد رواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن يزيد بن هارون ، عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، بنحوه ، وقال : حسن صحيح .
وقال أحمد : ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبد الحميد بن جعفر ، قال . : ثنا أبو جعفر محمد بن علي ، عن رافع بن بشر السلمي ، عن أبيه؟ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن تخرج نار من حبس سيل تسير سير بطيئة الإبل ، تسير النهار وتقيم الليل ، تغدو وتروح ، يقال : غدت النار يا أيها الناس فاغدوا ، قالت النار يا أيها الناس فقيلوا ، راحت النار يا أيها الناس فروحوا . من أدركته أكلته " . تفرد به . ورواه أبو نعيم في ترجمة بشر أبي رافع السلمي ، وفيه . " تضيء لها أعناق الإبل ببصرى " .
[ ص: 332 ] فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا من أقطار الأرض إلى محلة المحشر ، وهي أرض الشام ، وأنهم يكونون على أصناف ثلاثة; فقسم طاعمين كاسين راكبين ، وقسم يمشون تارة ويركبون أخرى ، وهم يعتقبون على البعير الواحد ، كما تقدم في " الصحيحين " : " اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير " . إلى أن قال : " وعشرة على بعير " . يعتقبونه من قلة الظهر ، كما تقدم . وكما جاء مفسرا في الحديث الآخر ، " وتحشر بقيتهم النار " . وهي التي تخرج من قعر عدن ، فتحيط بالناس من ورائهم ، تسوقهم من كل جانب إلى أرض المحشر ، ومن تخلف منهم أكلته .
والعجب كل العجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي بعد روايته لأكثر هذه الأحاديث حمل هذا الركوب على أنه يوم القيامة ، وصحح ذلك ، وضعف ما قلناه ، واستدل على ما ذهب إليه بقوله تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا [ مريم : 85 ، 86 ] .
[ ص: 333 ] وكيف يصح ما ادعاه في تفسير الآية بالحديث ، وفيه أن منهم : " اثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وعشرة على بعير " ، وقد جاء التصريح بأن ذلك من قلة الظهر؟! هذا لا يلتئم مع هذا ، والله أعلم ، فإن نجائب المتقين من الجنة ، يركبونها من العرصات إلى الجنات على غير هذه الصفة ، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه .
وقوله تعالى : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا [ الإسراء : 97 ] . فذلك إنما يحصل لهم حين يؤمر بهم إلى النار من مقام المحشر ، كما سيأتي بيان ذلك كله في مواضعه ، إن شاء الله تعالى .
وقد ذكر في حديث الصور : أن الأموات لا يشعرون بشيء مما يقع من ذلك بسبب نفخة الفزع ، وأن الذين استثنى الله تعالى إنما هم الشهداء ، [ ص: 334 ] لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فهم يشعرون بها ولا يفزعون منها ، وكذلك لا يصعقون بسبب نفخة الصعق .
وقد اختلف المفسرون في المستثنين منها على أقوال : أحدها هذا ، كما جاء مصرحا به فيه ، وقيل : بل هم جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت . وقيل : وحملة العرش . وقيل غير ذلك ، فالله أعلم .
وقد ذكر في حديث الصور أنه يطول على أهل الدنيا مدة ما بين نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، وهم يشاهدون تلك الأهوال ، والأمور العظام .
...................................
[ ص: 299 ] قوله تعالى : ومن يهد الله فهو المهتدي أي لو هداهم الله لاهتدوا .
ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه أي لا يهديهم أحد .
ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم فيه وجهان : [ أحدهما ] أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ; من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا . [ الثاني ] أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه . وهذا هو الصحيح ; لحديث أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، الذين يحشرون على وجوههم ، أيحشر الكافر على وجهه ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة : قال قتادة حين بلغه : بلى وعزة ربنا . أخرجه البخاري ومسلم . وحسبك .
عميا وبكما وصما قال ابن عباس والحسن : أي عمي عما يسرهم ، بكم عن التكلم بحجة ، صم عما ينفعهم ; وعلى هذا القول حواسهم باقية على ما كانت عليه . وقيل : إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها ; ليكون ذلك زيادة في عذابهم ، ثم يخلق ذلك لهم في النار ، فأبصروا ; لقوله تعالي : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ، وتكلموا ، لقوله - تعالى - : دعوا هنالك ثبورا ، وسمعوا ; لقوله - تعالى - : سمعوا لها تغيظا وزفيرا . وقال مقاتل بن سليمان : إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون صاروا عميا لا يبصرون صما لا يسمعون بكما لا يفقهون . وقيل : عموا حين دخلوا النار لشدة سوادها ، وانقطع كلامهم حين قيل لهم : اخسئوا فيها ولا تكلمون . وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئا .
مأواهم جهنم أي مستقرهم ومقامهم .
كلما خبت أي سكنت ; عن الضحاك وغيره . مجاهد طفئت . يقال : خبت النار تخبو خبوا أي طفئت ، وأخبيتها أنا .
زدناهم سعيرا أي نارا تتلهب . وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف عنهم من عذابهم . وقيل : إذا أرادت أن تخبو . كقوله : وإذا قرأت القرآن .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الإسراء »
قوله تعالى ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق