يموت بسببها جميع الموجودين من أهل السماوات والأرض ، من الإنس والجن والملائكة; إلا من شاء الله ، فقيل : هم حملة العرش ، وجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت . وقيل : هم الشهداء . وقيل غير ذلك .
قال تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون [ الزمر : 68 ] . وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة إلى قوله : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية [ الحاقة : 13 - 18 ] .
[ ص: 335 ] وتقدم في حديث الصور : أن الله تعالى يأمر إسرافيل فيقول له : " انفخ نفخة الصعق . فينفخ ، فيصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فيقول الله تعالى لملك الموت ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : بقيت أنت ، الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل ، وميكائيل " . فيأمره الله بقبض روح جبريل ، وميكائيل ، ثم يأمره بقبض أرواح حملة العرش ، ثم يأمره أن يموت ، وهو آخر من يموت من الخلائق .
قلت : وقد قال بعضهم في معنى هذا : " مت موتا لا تحيا بعده أبدا " . يعني : لا تكون بعد هذا ملك موت أبدا ، لأنه لا موت بعد هذا اليوم ، كما ثبت في " الصحيح " : " يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح ، [ ص: 336 ] فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار ، خلود ولا موت " .
فملك الموت وإن حيي بعد ذلك لا يكون ملك موت بعدها أبدا ، والله أعلم ، بل ينشئه الله خلقا آخر غير ذلك كالملائكة . وبتقدير صحة هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فظاهر ذلك أنه لا يحيا بعد موته أبدا ، فيكون التأويل المتقدم بعيد الصحة ، والله أعلم بالصواب .
التالي السابق
تفسير الأية
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون .
قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره قال المبرد : ما عظموه حق عظمته . من قولك : فلان عظيم القدر . قال النحاس : والمعنى على هذا : وما عظموه حق عظمته إذا عبدوا معه غيره ، وهو خالق الأشياء ومالكها . ثم أخبر عن قدرته وعظمته قال : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ثم نزه نفسه عن أن يكون ذلك بجارحة فقال : [ ص: 248 ] سبحانه وتعالى عما يشركون وفي الترمذي عن عبد الله قال : جاء يهودي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك . فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه ثم قال : وما قدروا الله حق قدره . قال : هذا حديث حسن صحيح .
وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ . وفي الترمذي عن عائشة أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه قالت : قلت : فأين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على جسر جهنم . في رواية : على الصراط يا عائشة قال : حديث حسن صحيح . وقوله : والأرض جميعا قبضته ( ويقبض الله الأرض ) عبارة عن قدرته وإحاطته بجميع مخلوقاته ، يقال : ما فلان إلا في قبضتي ، بمعنى ما فلان إلا في قدرتي ، والناس يقولون : الأشياء في قبضته ، يريدون في ملكه وقدرته . وقد يكون معنى القبض والطي إفناء الشيء وإذهابه ، فقوله - جل وعز - : والأرض جميعا قبضته يحتمل أن يكون المراد به : والأرض جميعا ذاهبة فانية يوم القيامة ، والمراد بالأرض الأرضون السبع ، يشهد لذلك شاهدان : قوله : والأرض جميعا ولأن الموضع موضع تفخيم وهو مقتض للمبالغة . وقوله : والسماوات مطويات بيمينه ليس يريد به طيا بعلاج وانتصاب ، وإنما المراد بذلك الفناء والذهاب ، يقال : قد انطوى عنا ما كنا فيه وجاءنا غيره . وانطوى عنا دهر بمعنى المضي والذهاب . واليمين في كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك ، ومنه قوله تعالى : أو ما ملكت أيمانكم يريد به الملك ، وقال : لأخذنا منه باليمين أي : بالقوة والقدرة أي : لأخذنا قوته وقدرته . قال الفراء والمبرد : اليمين القوة والقدرة . وأنشدا :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
[ ص: 249 ] وقال آخر :
ولما رأيت الشمس أشرق نورها تناولت منها حاجتي بيمين قتلت شنيفا ثم فاران بعده وكان على الآيات غير أمين
وإنما خص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لكل شيء أيضا ; لأن الدعاوى تنقطع ذلك اليوم ، كما قال : والأمر يومئذ لله وقال : مالك يوم الدين حسب ما تقدم في [ الفاتحة ] ولذلك قال في الحديث : ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض ؟ وقد زدنا هذا الباب في التذكرة بيانا ، وتكلمنا على ذكر الشمال في حديث ابن عمر قوله : ( ثم يطوي الأرض بشماله ) .
[ ص: 251 ] قلت : جاء في بعض طرق أبي هريرة أنه - عليه السلام - قال : لا تخيروني على موسى ؛ فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله خرجه مسلم . ونحوه عن أبي سعيد الخدري ، والإفاقة إنما تكون عن غشية وزوال عقل لا عن موت برد الحياة . والله أعلم .
قوله تعالى : فإذا هم قيام ينظرون أي فإذا الأموات من أهل الأرض والسماء أحياء بعثوا من قبورهم ، وأعيدت إليهم أبدانهم وأرواحهم ، فقاموا ينظرون ماذا يؤمرون . وقيل : قيام على أرجلهم ينظرون إلى البعث الذي وعدوا به . وقيل : هذا النظر بمعنى الانتظار ، أي : ينتظرون ما يفعل بهم . وأجاز الكسائي قياما بالنصب ، كما تقول : خرجت فإذا زيد جالسا .
الجامع لأحكام القرآن »
سورة الزمر »
قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق