ذكر غرف الجنة وارتفاعها وعظمها ، نسأل الله من فضله
المبسوط على خلقه في الدنيا والآخرة
قال الله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من
تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد [ الزمر : 20 ] . وقال تعالى وهم في الغرفات آمنون [ سبأ : 37 ] وقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري
من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين [ ص: 275 ] [ العنكبوت : 58 ] . وقال : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما [ الفرقان : 75 ] .
وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث مالك ،
عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب
الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب ; لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا
رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي
بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " .
وفي " الصحيحين " أيضا من حديث أبي حازم ، عن سهل
بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة
في الجنة كما تتراءون الكوكب في أفق السماء " .
وقال أحمد :
حدثنا فزارة ، أخبرني فليح ، عن هلال - يعني ابن علي - عن عطاء ، عن أبي
هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون في [ ص: 276 ] الجنة كما
تراءون - أو ترون - الكوكب الدري الغابر في الأفق ، الطالع ، في تفاضل الدرجات
" . قالوا : يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي
بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . قال الحافظ الضياء : وهذا على شرط البخاري
.
وقال أحمد :
حدثنا علي بن عياش ، حدثنا محمد بن مطرف ، حدثنا أبو
حازم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن
المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي ، فيقال : من
هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المتحابون في الله ، عز وجل " .
وفي حديث عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا : " إن أهل
عليين ليراهم من سواهم كما ترون الكوكب في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم
وأنعما " .
قوله تعالى : لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد
الله لا يخلف الله الميعاد .
قوله تعالى : لكن الذين اتقوا ربهم لما بين أن للكفار ظللا من النار من فوقهم
ومن تحتهم بين أن للمتقين غرفا فوقها غرف ; لأن الجنة درجات يعلو بعضها بعضا ، و
" لكن " ليس للاستدراك ; لأنه لم يأت نفي كقوله : ما رأيت زيدا لكن عمرا
، بل هو لترك قصة إلى قصة مخالفة للأولى ، كقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يأت .
" غرف مبنية " قال ابن عباس : من زبرجد وياقوت . " تجري من تحتها
الأنهار " أي هي جامعة لأسباب النزهة . " وعد الله " [ ص: 219 ]
نصب على المصدر ; لأن معنى لهم غرف : وعدهم الله ذلك وعدا . ويجوز الرفع بمعنى :
ذلك وعد الله . " لا يخلف الله الميعاد " أي ما وعد الفريقين .
قوله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار
ذكر أعلى منزلة في الجنة وهي الوسيلة ; مقام الرسول صلى الله عليه وسلم
ثبت في " صحيح البخاري " ، عن علي بن عياش ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ، عن
جابر بن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قال حين يسمع النداء :
اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ،
وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة " .
وفي " صحيح مسلم " عن محمد بن سلمة ، عن ابن وهب ،
عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب ، عن كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عبد
الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا سمعتم
المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه
عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله
، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة " .
[ ص:
278 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن ليث
، عن كعب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا صليتم
علي ، فاسألوا الله لي الوسيلة " . قيل : يا رسول الله ، وما الوسيلة ؟ قال :
" أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد ، وأرجو أن أكون أنا هو " .
وقال أحمد :
حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن موسى بن
وردان ، سمعت أبا سعيد الخدري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الوسيلة
درجة عند الله ليس فوقها درجة ، فاسألوا الله أن يؤتيني الوسيلة " .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا الوليد
بن عبد الملك الحراني ، حدثنا موسى بن أعين ، عن ابن أبي ذئب ، عن محمد بن عمرو بن
عطاء ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا
الله لي الوسيلة ، فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شفيعا - أو شهيدا -
يوم القيامة " . قال الطبراني :
لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين .
أبو عبد الله البخاري ( ت ، س
) |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق