البداية والنهاية
حديث فاطمة بنت قيس في الدجال
ومن حديث غيلان بن جرير ، عن الشعبي ، عنها ، فذكرته : أن تميما الداري ركب في البحر ، فتاهت به السفينة ، فسقط إلى جزيرة ، فخرج إليها يلتمس الماء ، فلقي إنسانا يجر شعره ، واقتص الحديث ، وفيه : فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس ، فحدثهم ، قال : " هذه طيبة ، وذاك الدجال " .
[ ص: 132 ] حدثني أبو بكر بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا المغيرة ، يعني الحزامي ، عن أبي الزناد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر ، فقال : " أيها الناس ، حدثني تميم الداري أن أناسا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم ، فانكسرت بهم ، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة ، فخرجوا إلى جزيرة في البحر " . وساق الحديث ، وقد رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عنها ، بنحوه .
ورواه الترمذي من حديث قتادة ، عن الشعبي ، عنها ، وقال : حسن صحيح غريب ، من حديث قتادة ، عن الشعبي .
ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عنها بنحوه ، وكذلك رواه الإمام أحمد ، عن عفان ، وعن يونس بن محمد المؤدب ، كل منهما عن حماد بن سلمة به .
وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا مجالد ، عن عامر ، قال : قدمت المدينة ، فأتيت فاطمة بنت قيس ، فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد [ ص: 133 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فقال لي أخوه : اخرجي من الدار . فقلت : إن لي نفقة وسكنى حتى يحل الأجل . قال : لا . قالت : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : إن فلانا طلقني ، وإن أخاه أخرجني ، ومنعني السكنى والنفقة . فأرسل إليه ، فقال : " ما لك ، ولابنة آل قيس؟ " قال : يا رسول الله ، إن أخي طلقها ثلاثا جميعا . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظري يا ابنةآل قيس ، إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ، ما كانت له عليها رجعة ، فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى ، اخرجي فانزلي على فلانة " . ثم قال : " إنه يتحدث إليها ، انزلي على ابن أم مكتوم; فإنه أعمى لا يراك " . ثم قال : " لا تنكحي حتى أكون أنا أنكحك " .
قالت : فخطبني رجل من قريش ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ، فقال : " ألا تنكحين من هو أحب إلي منه؟ " فقلت : بلى ، يا رسول الله ، فأنكحني من أحببت . قالت : فأنكحني من أسامة بن زيد . قال : فلما أردت أن أخرج ، قالت : اجلس حتى أحدثك حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال عامر : فلقيت المحرر بن أبي هريرة ، فحدثته بحديث فاطمة بنت قيس ، فقال : أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة ، غير أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه في نحو المشرق " . قال : ثم لقيت القاسم بن محمد ، فذكرت له حديث فاطمة ، فقال : أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت : " الحرمان عليه حرام ، مكة والمدينة " .
وقد رواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن مجالد ، عن عامر الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، بسطه ابن ماجه ، وأحاله أبو داود على الحديث الذي رواه قبله ، ولم يذكر متابعة أبي هريرة ، وعائشة ، كما ذكر ذلك الإمام أحمد .
وقال أبو داود : حدثنا النفيلي ، ثنا عثمان بن عبد الرحمن ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة بنت قيس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ، ثم خرج فقال : " إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل في جزيرة من جزائر البحر ، فإذا أنا بامرأة تجر شعرها ، قال : ما أنت؟ قالت : أنا الجساسة ، اذهب إلى ذلك القصر . فأتيته ، [ ص: 136 ] فإذا رجل يجر شعره ، مسلسل في الأغلال ، ينزو فيما بين السماء والأرض ، فقلت : من أنت؟ قال : أنا الدجال ، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت : نعم . قال : أطاعوه أم عصوه؟ قلت : بل أطاعوه . قال : ذاك خير لهم . فهذه متابعة للشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ببعضه ، ثم أورد أبو داود حديث عبد الله بن بريدة ، عن عامر الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، بطوله كنحو مما تقدم .
ثم قال أبو داود : حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن فضيل ، عن الوليد بن عبد الله بن جميع ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر : " إنه بينما أناس يسيرون في البحر ، فنفد طعامهم ، فرفعت لهم جزيرة ، فخرجوا يريدون الخبز ، فلقيتهم الجساسة " . قلت لأبي سلمة : وما الجساسة؟ قال : امرأة تجر شعر جلدها ورأسها . فقالت : في هذا القصر . وذكر الحديث ، وسأل عن نخل بيسان ، وعين زغر . قال : هو المسيح . فقال لي ابن أبي سلمة : إن في هذا الحديث شيئا ما حفظته . قال : شهد جابر أنه ابن صياد . قلت : فإنه قد مات . قال : وإن مات . قلت : فإنه أسلم . قال : وإن أسلم . قلت : فإنه قد دخل المدينة . قال : وإن دخل المدينة . تفرد به أبو داود ، وهو غريب جدا .
[ ص: 137 ] وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد ، حدثني نافع مولاي ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على المنبر ، فقال : " حدثني تميم " . فرأى تميما في ناحية المسجد ، فقال : " يا تميم ، حدث الناس ما حدثتني " . فقال : كنا في جزيرة ، فإذا نحن بدابة لا يدرى قبلها من دبرها . فقالت : تعجبون من خلقي ، وفي الدير من يشتهي كلامكم! فدخلنا الدير ، فإذا نحن برجل موثق في الحديد ، من كعبه إلى أذنه ، وإذا أحد منخريه مسدود ، وإحدى عينيه مطموسة ، والأخرى كأنها كوكب دري . قال : من أنتم؟ فأخبرناه ، فقال : ما فعلت بحيرة طبرية؟ قلنا : كعهدها . قال : فما فعل نخل بيسان؟ قلنا : بعهده . قال : لأطأن الأرض بقدمي هاتين ، إلا بلدة إبراهيم وطابا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " طابا هي المدينة " . وهذا حديث غريب جدا .
وقد قال أبو حاتم : أبو عاصم هذا ليس بالمتين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : إن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه ، طالعة ناتئة ، فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال ، فوجده تحت قطيفة يهمهم ، فآذنته أمه فقالت : يا عبد الله ، هذا أبو القاسم قد [ ص: 138 ] جاء فاخرج إليه . فخرج من القطيفة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين " .
ثم قال : " يا ابن صياد ما ترى؟ " قال : أرى حقا ، وأرى باطلا ، وأرى عرشا على الماء . قال : فلبس عليه . فقال : " أتشهد أني رسول الله؟ " . فقال هو : أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله ورسله " . ثم خرج وتركه ، ثم أتاه مرة أخرى ، فوجده في نخل له يهمهم ، فآذنته أمه ، فقال : يا عبد الله ، هذا أبو القاسم قد جاء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين " . قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع أن يسمع من كلامه شيئا؟ ليعلم أهو هو أم لا؟ قال : " يا ابن صياد ما ترى؟ " . قال : أرى حقا ، وأرى باطلا ، وأرى عرشا على الماء . قال : " أتشهد أني رسول الله؟ " . قال هو : أتشهد أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله ورسله " . فلبس عليه ، ثم خرج وتركه . ثم جاء في الثالثة أو الرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه . قال : فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ، ورجا أن يسمع من كلامه شيئا ، فسبقته أمه إليه ، فقالت : يا عبد الله ، هذا أبو القاسم قد جاء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لها قاتلها الله؟ لو تركته لبين " . فقال : " يا ابن صياد ما ترى؟ " . قال : أرى حقا ، وأرى باطلا ، وأرى عرشا على الماء . قال : " أتشهد أني رسول الله؟ " . قال : أتشهد [ ص: 139 ] أنت أني رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمنت بالله ورسله " . فلبس عليه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن صياد ، إنا قد خبأنا لك خبيئا ، فما هو؟ " . قال : الدخ ، الدخ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسأ اخسأ " . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ائذن لي فأقتله يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يكن هو فلست صاحبه ، إنما صاحبه عيسى ابن مريم ، وإن لا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد " . قال - يعني جابرا - : فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أنه الدجال . وهذا سياق غريب جدا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن سليمان الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود قال : بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشي إذ مر بصبيان يلعبون ، فيهم ابن صياد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تربت يداك ، أتشهد أني رسول الله؟ " فقال هو : أتشهد أني رسول الله؟ قال : فقال عمر بن الخطاب ، رضي الله تعالى عنه : دعني فلأضرب عنقه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يكن الذي تخاف فلن تستطيعه " . والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة ، وفي بعضها التوقف في أمره ، هل هو الدجال أم لا؟ فالله أعلم . ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه ، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك ، وهو فاصل في هذا المقام ، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أن الدجال ليس بابن صياد . والله سبحانه أعلم؟ فقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا [ ص: 140 ] الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا أنا نائم أطوف بالكعبة ، فإذا رجل آدم ، سبط الشعر ، ينطف - أو : يهراق - رأسه ماء ، قلت : من هذا؟ قالوا : ابن مريم . ثم ذهبت ألتفت ، فإذا رجل جسيم ، أحمر ، جعد الرأس ، أعور العين ، كأن عينه عنبة طافية ، قالوا : هذا الدجال ، أقرب الناس به شبها ابن قطن ، رجل من خزاعة " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج الدجال في خفة من الدين ، وإدبار من العلم ، فله أربعون ليلة يسيحها في الأرض ، اليوم منها كالسنة ، واليوم منها كالشهر ، واليوم منها كالجمعة ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه ، وله حمار يركبه ، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا ، فيقول للناس : أنا ربكم . وهو أعور - وإن ربكم ليس بأعور - مكتوب بين عينيه : كافر ، ك ف ر مهجاة ، يقرؤه كل مؤمن ، كاتب وغير كاتب ، يرد كل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة; حرمهما الله عليه ، وقامت الملائكة بأبوابها ، ومعه جبال من خبز ، والناس في جهد إلا من اتبعه ، ومعه نهران - أنا أعلم بهما منه ، [ ص: 141 ] نهر يقول : الجنة . ونهر يقول : النار . فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار ، ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة " . قال : " وتبعث معه شياطين تكلم الناس ، ومعه فتنة عظيمة ، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس ، لا يسلط على غيرها ، ويقول للناس : هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟ " قال : " فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام ، فيأتيهم فيحاصرهم ، فيشتد حصارهم ، ويجهدهم جهدا شديدا ، ثم ينزل عيسى ابن مريم ، فينادي من السحر ، فيقول : يا أيها الناس ، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون : هذا رجل جني . فينطلقون ، فإذا هم بعيسى ابن مريم فتقام الصلاة ، فيقال له : تقدم يا روح الله . فيقول : ليتقدم إمامكم فليصل بكم . فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه " قال : " فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء ، فيمشي إليه فيقتله ، حتى إن الشجرة والحجر ينادي : يا روح الله ، هذا يهودي ، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله " . تفرد به أحمد أيضا ، وقد رواه غير واحد ، عن إبراهيم بن طهمان ، وهو ثقة .
التالي السابق
ترجمة العلم
عناوين الشجرة
تخريج الحديث تَشكيِل النص
الشعبي ( ع )
عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار -وذو كبار : قيل من أقيال [ ص: 295 ] اليمن - الإمام ، علامة العصر ، أبو عمرو الهمداني ثم الشعبي .
ويقال : هو عامر بن عبد الله ، وكانت أمه من سبي جلولاء .
مولده في إمرة عمر بن الخطاب لست سنين خلت منها . فهذه رواية .
وقيل : ولد سنة إحدى وعشرين . قاله شباب .
وكانت جلولاء في سنة سبع عشرة .
وروى ابن عيينة عن السري بن إسماعيل ، عن الشعبي ، قال : ولدت عام جلولاء فهذه رواية منكرة ، وليس السري بمعتمد ، قد اتهم .
وعن أحمد بن يونس : ولد الشعبي سنة ثمان وعشرين . [ ص: 296 ] ويقاربها رواية حجاج الأعور عن شعبة ، قال لي أبو إسحاق : الشعبي أكبر مني بسنة أو سنتين .
قلت : وإنما ولد أبو إسحاق بعد سنة اثنتين وثلاثين .
وقال محمد بن سعد هو من حمير ، وعداده في همدان .
قلت : رأى عليا -رضي الله عنه- وصلى خلفه ، وسمع من عدة من كبراء الصحابة .
وحدث عن سعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبي موسى الأشعري ، وعدي بن حاتم ، وأسامة بن زيد ، وأبي مسعود البدري ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وعائشة ، وجابر بن سمرة وابن عمر ، وعمران بن حصين ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن عمرو ، وجرير بن عبد الله ، وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وسمرة بن جندب ، والنعمان بن بشير ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم ، وبريدة بن الحصيب ، والحسن بن علي ، وحبشي بن جنادة ، والأشعث بن قيس الكندي ، ووهب بن خنبش الطائي ، وعروة بن مضرس ، وجابر بن عبد الله ، وعمرو بن حريث ، وأبي سريحة الغفاري ، وميمونة ، وأم سلمة ، وأسماء بنت عميس ، وفاطمة بنت قيس ، وأم هانئ ، وأبي جحيفة السوائي ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن يزيد الأنصاري ، وعبد الرحمن بن أبزى ، وعبد الله بن الزبير ، والمقدام بن معد يكرب ، وعامر بن شهر ، وعروة بن الجعد البارقي ، وعوف بن مالك الأشجعي ، وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي ، وأنس بن مالك ، ومحمد بن صيفي ، وغير هؤلاء الخمسين من الصحابة . [ ص: 297 ] وحدث عن علقمة ، والأسود ، والحارث الأعور ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والقاضي شريح وعدة .
روى عنه الحكم ، وحماد ، وأبو إسحاق ، وداود بن أبي هند ، وابن عون وإسماعيل بن أبي خالد ، وعاصم الأحول ، ومكحول الشامي ، ومنصور بن عبد الرحمن الغداني ، وعطاء بن السائب ، ومغيرة بن مقسم ، ومحمد بن سوقة ، ومجالد ، ويونس بن أبي إسحاق ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وعيسى بن أبي عيسى الحناط وعبد الله بن عياش المنتوف ، وأبو بكر الهذلي ، وأمم سواهم .
وقبيلته : من كان منهم بالكوفة قيل : شعبي . ومن كان بمصر قيل : الأشعوبي . ومن كان باليمن قيل لهم : آل ذي شعبين ، ومن كان بالشام قيل : الشعباني .
وأرى قبيلة شعبان نزلت بمرج " كفربطنا " فعرف بهم ، وهم جميعا ولد حسان بن عمرو بن شعبين .
قال الحاكم أبو عبد الله : فبنو علي بن حسان بن عمرو رهط عامر الشعبي ، دخلوا في جمهور همدان . وكان الشعبي توأما ضئيلا فكان يقول : إني زوحمت في الرحم .
قال : وأقام بالمدينة ثمانية أشهر هاربا من المختار ، فسمع من ابن عمر وتعلم الحساب من الحارث الأعور ، وكان حافظا وما كتب شيئا قط .
شعبة ، عن منصور بن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، قال : أدركت خمس مائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول ، قال : ما رأيت أحدا أعلم من الشعبي .
هشيم : أنبأنا إسماعيل بن سالم ، عن الشعبي ، قال : ما مات ذو قرابة [ ص: 299 ] لي وعليه دين ، إلا وقضيت عنه ، ولا ضربت مملوكا لي قط ، ولا حللت حبوتي إلى شيء مما ينظر الناس . أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، قال : ما رأيت أحدا قط كان أفقه من الشعبي . قلت : ولا شريح ؟ فغضب وقال : إن شريحا لم أنظر أمره .
قال أبو الحسن المدائني في كتاب الحكمة : قيل للشعبي : من أين لك كل هذا العلم؟ قال : بنفي الاغتمام ، والسير في البلاد ، وصبر كصبر الحمام ، وبكور كبكور الغراب . قال ابن عيينة : علماء الناس ثلاثة ; ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، والثوري في زمانه .
قال ابن سعد كان الشعبي ضئيلا نحيفا ، ولد هو وأخ له توأما . [ ص: 301 ] قال أحمد بن عبد الله العجلي : سمع الشعبي من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ولا يكاد يرسل إلا صحيحا .
روى عقيل بن يحيى : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور الغداني ، عن الشعبي ، قال : أدركت خمسمائة صحابي أو أكثر يقولون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
وأما عمرو بن مرزوق ، فرواه عن شعبة ، وفيه : يقولون : علي وطلحة والزبير في الجنة . ابن فضيل ، عن ابن شبرمة : سمعت الشعبي يقول : ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا ، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ، ولا أحببت أن يعيده علي .
هذا سماعنا في " مسند الدارمي " .
أنبأنا مالك بن إسماعيل ، أنبأنا ابن فضيل : فكأن الشعبي يخاطبك به ; وهذا يدل على أنه أمي لا كتب ولا قرأ .
الفسوي في " تاريخه " حدثنا الحميدي حدثنا سفيان ، حدثنا ابن شبرمة ، سمعت الشعبي يقول : ما سمعت منذ عشرين سنة رجلا يحدث بحديث إلا أنا أعلم به منه ، ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه رجل ، لكان به عالما . نوح بن قيس ، عن يونس بن مسلم ، عن وادع الراسبي ، عن الشعبي [ ص: 302 ] قال : ما أروي شيئا أقل من الشعر ، ولو شئت لأنشدتكم شهرا لا أعيد .
ورويت عن نوح مرة فقال : عن يونس ووادع . محمود بن غيلان : سمعت أبا أسامة يقول : كان عمر في زمانه رأس الناس وهو جامع ، وكان بعده ابن عباس في زمانه ، وكان بعد الشعبي في زمانه ، وكان بعده الثوري في زمانه ، ثم كان بعده يحيى بن آدم . شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : مر ابن عمر بالشعبي وهو يقرأ المغازي ، فقال : كأن هذا كان شاهدا معنا ، ولهو أحفظ لها مني وأعلم . أشعب بن سوار ، عن ابن سيرين ، قال : قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة ، والصحابة يومئذ كثير . ابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : ما جالست أحدا أعلم من الشعبي .
وقال سلمة بن كهيل : ما اجتمع الشعبي وإبراهيم إلا سكت إبراهيم . أبو نعيم : حدثنا أبو الجابية الفراء ، قال : قال الشعبي : إنا لسنا بالفقهاء ، ولكنا سمعنا الحديث فرويناه ، ولكن الفقهاء من إذا علم عمل . مالك بن مغول : سمعت الشعبي يقول : ليتني لم أكن علمت من ذا العلم شيئا .
قلت : لأنه حجة على العالم ، فينبغي أن يعمل به ، وينبه الجاهل ، فيأمره وينهاه ; ولأنه مظنة أن لا يخلص فيه ، وأن يفتخر به ويماري به ، لينال رئاسة ودنيا فانية . الحميدي : حدثنا سفيان ، عن ابن شبرمة : سئل الشعبي عن شيء فلم يجب فيه ، فقال رجل عنده : أبو عمرو يقول فيه كذا وكذا . فقال : الشعبي : [ ص: 304 ] هذا في المحيا ، فأنت في الممات علي أكذب .
قال ابن عائشة : وجه عبد الملك بن مروان الشعبي إلى ملك الروم - يعني رسولا - فلما انصرف من عنده قال : يا شعبي ، أتدري ما كتب به إلي ملك الروم ؟ قال : وما كتب به يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت أتعجب لأهل ديانتك ، كيف لم يستخلفوا عليهم رسولك . قلت : يا أمير المؤمنين لأنه رآني ولم يرك . أوردها الأصمعي . وفيها قال : يا شعبي ، إنما أراد أن يغريني بقتلك . فبلغ ذلك ملك الروم فقال : لله أبوه ، والله ما أردت إلا ذاك . يوسف بن بهلول الحافظ : حدثنا جابر بن نوح ، حدثني مجالد عن الشعبي ، قال : لما قدم الحجاج سألني عن أشياء من العلم فوجدني بها عارفا ، فجعلني عريفا على قومي الشعبيين ومنكبا على جميع همدان وفرض لي ، فلم أزل عنده بأحسن منزلة ، حتى كان شأن عبد الرحمن بن الأشعث ، فأتاني قراء أهل الكوفة ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إنك زعيم القراء ، فلم يزالوا حتى خرجت معهم ، فقمت بين الصفين أذكر الحجاج وأعيبه بأشياء ، فبلغني أنه قال : ألا تعجبون من هذا الخبيث ! أما لئن أمكنني الله منه ، لأجعلن الدنيا عليه أضيق من مسك جمل . قال : فما لبثنا أن هزمنا ، فجئت إلى بيتي ، وأغلقت علي ، فمكثت تسعة أشهر ، فندب الناس لخراسان ، فقام قتيبة بن مسلم ، فقال : أنا لها ، فعقد له على خراسان ، فنادى مناديه : من لحق بعسكر قتيبة فهو آمن . فاشترى مولى لي حمارا ، وزودني ، ثم خرجت ، فكنت في العسكر ، فلم أزل معه حتى أتينا فرغانة [ ص: 305 ] فجلس ذات يوم وقد برق فنظرت إليه فقلت : أيها الأمير ، عندي علم ما تريد . فقال : ومن أنت ؟ قلت : أعيذك ألا تسأل عن ذاك ، فعرف أني ممن يخفي نفسه ، فدعا بكتاب فقال : اكتب نسخة . قلت : لا تحتاج إلى ذلك ، فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح .
قال : فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق من حرير ، وكنت عنده في أحسن منزلة ، فإني ليلة أتعشى معه ، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه : إذا نظرت في كتابي هذا ، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي ، فإن فاتك ، قطعت يدك على رجلك وعزلتك .
قال : فالتفت إلي ، وقال : ما عرفتك قبل الساعة ، فاذهب حيث شئت من الأرض ، فوالله لأحلفن له بكل يمين . فقلت : أيها الأمير إن مثلي لا يخفى . فقال : أنت أعلم . قال : فبعثني إليه وقال : إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه ، ثم أدخلوه على الحجاج .
فلما دنوت من واسط ، استقبلني ابن أبي مسلم ، فقال : يا أبا عمرو ، إني لأضن بك عن القتل ، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وقل كذا . فلما أدخلت عليه ورآني قال : لا مرحبا ولا أهلا ، جئتني ولست في الشرف من قومك ، ولا عريفا ، ففعلت وفعلت ، ثم خرجت علي . وأنا ساكت . فقال : تكلم . فقلت : أصلح الله الأمير ، كل ما قلته حق ، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر ، وتحلسنا الخوف ، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء ، فهذا أوان حقنت لي دمي ، واستقبلت بي التوبة . قال : قد فعلت ذلك . [ ص: 306 ] وقال الأصمعي : لما أدخل الشعبي على الحجاج قال : هيه يا شعبي . . فقال : أحزن بنا المنزل ، واستحلسنا الخوف فلم نكن فيما فعلنا بررة أتقياء ، ولا فجرة أقوياء . فقال : لله درك .
قال ابن سعد قال أصحابنا : كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجاج ، ثم اختفى زمانا ، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج .
عرض في كتاب سير أعلام النبلاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق